د. عمرو دوارة: جائزة الدولة للتفوق أهم الجوائز التي حصلت عليها

د. عمرو دوارة: جائزة الدولة للتفوق أهم الجوائز التي حصلت عليها

العدد 772 صدر بتاريخ 13يونيو2022

بعد سنوات من الإبداع والتميز المسرحي في الإخراج والنقد والتوثيق، يحصل المخرج والمؤرخ الكبير الدكتور عمرو دوارة على جائزة الدولة للتفوق في الآداب. الدكتور عمرو دوارة أُطلق عليه حارس ذاكرة المسرح المصري بسبب مشروعه التوثيقي  الكبير للمسرح المصري « موسوعة المسرح المصري المصورة « وهو المشروع الأول من نوعه للحفاظ على التراث المسرحي، تلك الموسوعة التي تكتسب أهميتها من اهتمامها بالمسرح المصري والتدقيق فيه من فرق وعروض وفنانين والإنتاج وجميع المشاركين في العمل المسرحي من إخراج وتأليف وموسيقى وديكور .. وغيره، وهو الإصدار الذي وثق  الانتاج المسرحي منذ 1870 وحتى عام 2015.
 د. عمرو دوارة قام بإخراج أكثر من خمسين عرضا بمسارح المحترفين والهواة منها « سوق الشطار، السلطان يلهو، جان دارك، حكم قراقوش.. وغيرها، كما أخرج خمسة عروض لمسرح الأطفال وهي» قطار الحواديت، عصفور خايف يطير، العصا السوداء، حقوق الأبناء والتاج المسحور».
حاز على العديد من الجوائز في الإخراج المسرحي بمسارح الأطفال والمسرح الجامعي و مسارح هيئة قصور الثقافة. كما حصل على الجائزة الأولى للنقد الأدبي من اتحاد كتاب مصر عام 2016.
وجاءت موسوعة المسرح المصري المُصورة، بعد سنوات عمل قدم فيها عددا كبيرا من الكتب في مجال توثيق تاريخ المسرح المصري منها :» فؤاد دوارة عاشق المسرح الرصين 1997، يوسف وهبي فنان الشعب، المهرجانات المسرحية العربية، هناء عبد الفتاح فارس التجريب المسرحي 2012، حكاية المسرح القومي 2013، أحمد عبد الحليم قائد فيلق الفنانين العرب 2013، ملك مطربة العواطف ومسرحها الغنائي 2014، محمود الألفي وعالمه المسرحي 2015، جلال الشرقاوي المسرح السحري 2018، كرم مطاوع  فنان المهام المسرحية الصعبة 2019، حسين رياض الفنان صاحب الألف وجه 2019، المسرح المصري مئة وخمسون عاما من الإبداع 2019، المسرح الكوميدي 2020، عبد الله غيث فارس المسرح العربي 2021، سميحة أيوب سيدة المسرح العربي 2022». حول الجائزة وأشياء أخرى كان لنا معه هذا الحوار. 
ماذا تمثل الجائزة بالنسبة لك؟ 
- جائزة الدولة للتفوق تعد من أهم الجوائز التي حصلت عليها في مسيرتي الأدبية والفنية، فبالرغم من تكريمي وحصولي على عدد من الجوائز المتميزة ببعض المهرجانات العربية والعالمية وتكريمي من بعض الحكام ووزراء الثقافة العرب إلا أن التكريم الرسمي في بلدي له مكانة خاصة ونكهة أخرى، وما أسعدني جدا في هذا التكريم وحصولي على الجائزة ثلاثة نقاط أساسية وهي : الأولى، أنني لم أسع إليها بل رشحت لها من قبل مجلس إدارة اتحاد الكتاب بالإجماع، و الثانية أنه تكريم على مجمل أعمالي الأدبية في النقد والـتاريخ والتأليف وليس عن عمل واحد أو مجموعة أعمال، أما النقطة الثالثة فهي ذلك الحب الحقيقي والتقدير الكبير الذي شعرت به من قبل جميع الأدباء والمسرحيين من مختلف التخصصات ومختلف الأجيال، وفي مقدمتهم سيدة المسرح العربي/ سميحة أيوب والفنان الكبير/ محمد صبحي، وكذلك من هواة المسرح بكل الأقاليم وذلك بالطبع بالإضافة إلى تلك الإشادات من المسرحيين العرب بمختلف الأقطار الشقيقة، لقد رأى البعض أنني جدير بالجائزة التقديرية كما رأى آخرون أنني أستحقها أيضا في الفنون عن اسهاماتي كمخرج، وأرى أن هذا التقدير الأدبي لإسهاماتي الفنية والأدبية على مدى نصف قرن والحب الحقيقي الذي وضح جليا هما التكريم الحقيقي للمبدع، و الجائزة الكبرى التي يطمح إليها كل أديب أو فنان، وحصولي على الجائزة وسط تلك المنافسة الشرسة والتي حسمت لصالحي بعبارة: «أن هناك فرق كبير بين مبدع شهير يتقاضى أكبر الأجور على إبداعاته ومبدع آخر يضحي بأكثر من ربع قرن من حياته وأمواله لتحقيق مشروع قومي تعجز عن إنجازه المؤسسات الحكومية. 
- هل ترى أن تلك الجائزة تأخرت؟ 
أن تتأخر الجائزة أفضل بكثير من ألا تأتي أبدا، وأنا دائما والحمد لله مؤمن تماما بكرم الله وقدره وأن لكل خطوة أوانها وزمانها المقدر، والذي هو في النهاية لصالح كل فرد، وكما نؤمن جميعا بأننا لو اطلعنا على الغيب لاخترنا الواقع.

حدثنا عن دورك في توثيق تاريخ المسرح المصري، وأهم انجازاتك في هذا المجال ؟ 
-  يعتقد البعض من غير المسرحيين المتخصصين أن اسهاماتي في مجال توثيق المسرح المصري تنحصر في هذا الإنجاز الضخم بإعداد «موسوعة المسرح المصري المصورة»، التي استغرق انجازها أكثر من ربع قرن وتصدر بإذن الله في 18 جزءا و17 ألف صفحة (صدر منها بالفعل عشرة أجزاء والباقي بالمطبعة حاليا)، والتي توثق لسبعة ألاف وخمسمائة مسرحية تم انتاجها خلال 150 سنة مسرح، وبالتحديد من بدايات المسرح المصري الحديث عام 1870 بفضل إسهامات الرائد المصري» يعقوب صنوع»، ولكن في الحقيقة أن ذلك الاعتقاد ظلم واجحاف كبير بدوري واسهاماتي الكثيرة والمتعددة في مجال التوثيق، ويكفي أن أصرح بأن ما يقرب من 50% من إصداراتي الكثيرة في مجال التوثيق، ومن بينها على سبيل المثال: ثلاثة كتب عن ثلاثة فرق مسرحية مهمة وهي: (فرقة ملك ومسرحها الغنائي، المسرح القومي، المسرح الكوميدي)، وأربعة كتب عن أربعة ممثلين كبار (يوسف وهبي، حسين رياض، سميحة أيوب، عبد الله غيث)، وستة كتب عن سبعة مخرجين كبار (د. كمال عيد، كرم مطاوع، أحمد عبد الحليم، جلال الشرقاوي، محمود الألفي، د. هناء عبد الفتاح)، ودراستين عن كل من المخرجين: نجيب سرور وعبد الغفار عودة، وذلك بالإضافة إلى بعض الكتب التوثيقية الأخرى مثل: «فؤاد دوارة عاشق المسرح الرصين، شموع مسرحية انطفأت بلا وداع، مسرح الأقاليم وعلامات على الطريق، الإخراج لمسارح الأطفال، وكذلك الكتاب المهم جدا «المسرح المصري مئة وخمسون عاما من الإبداع»، المهرجانات المسرحية العربية (نشر بالمملكة الأردنية)، مسارات فكرية وفنية لشباب المسرحيين في زمن التحولات (نشر بلبنان)»، وبجانب ذلك تعاونت مع المركز القومي للمسرح في تقديم عدد كبير من الأنشطة ومن بينها: «إعداد المادة العلمية والإعداد لثلاثين فيلما توثيقيا عن أعلام المسرح المصري، وأيضا إعداد المادة العلمية والتقديم لثلاثين حلقة عن الفرق المسرحية الكبرى بمسيرة المسرح المصري، وإعداد خمسة وعشرين كتيبا لتكريم بعض رموز وأعلام المسرح المصري، وأيضا الإشراف على إعداد دورة «التوثيق المسرحي» والتدريس بها». 
- والدك الناقد الكبير فؤاد دوارة، ماذا ورثت عنه من وجهة نظرك ؟ 
- تعلمت من والدي على المستوى الإنساني الكثير من الصفات الحميدة ومن أهمها ضرورة الالتزام والمصداقية واحترام المواعيد وتقدير جهود الآخرين وخاصة الأساتذة والرواد، وعلى المستوى النقدي أو في مجال العمل بصفة عامة تعلمت قيم الجدية والدأب والتحمل والإصرار والحرص على الدقة الشديدة في انجاز المهام، وكذلك ضرورة البحث بكل الجهود وكافة الطرق لاستكمال كافة المصادر والمراجع المتاحة والمرتبطة بموضوع البحث والاستعانة بها، مع ضرورة ذكرها بوضوح لأن الأمانة العلمية تقتضي ذلك. 
 - كواحد من المخرجين الذين قدموا للمسرح أكثر من ستين عملا متميزا هل ترى أن أحوال المسرح المصري الآن كانت سببا في توقف نشاطك في هذا المجال؟ أم أن التوقف جاء بسبب انشغالك بأعمال التوثيق وعلى رأسها الموسوعة المسرحية المصورة؟
- بصراحتي المعهودة أقرر أن الإخراج المسرحي هو مجال عشقي الأول الذي أستمتع جدا بممارسته، وعملي بالهندسة أو النقد أو التأريخ لم يؤثروا أبدا على عملي كمخرج، ولكن كان لابد لي من التوقف والابتعاد عن الساحة مؤقتا لعدة سنوات، وذلك ليس بسبب أحداث الثورة في 2011 أو بسبب جائحة كورونا كما يظن البعض، ولكن بمنتهى الصراحة إن السبب الحقيقي هو رفضي الشديد العمل من أجل العمل أو للعائد المادي فقط، حتى ولو بالتواجد في ظروف صعبة وشاقة وبميزانيات هزيلة وبلا نجوم !، فأنا كمخرج والحمد لله أعتز جدا وأفتخر بمسيرتي الفنية وإخراجي لأكثر من ستين عرضا مسرحيا، من بينها ثلاثين عرضا بجميع تجمعات الهواة (المسرح المدرسي، الجامعي، العمالي، فرق الأقاليم، مراكز الشباب، المراكز الثقافية الأجنبية، فرق الهواة والفرق الحرة والمشهرة وفرق «الجمعية المصرية لهواة المسرح»)، بالإضافة إلى ثلاثين عرضا بفرق مسارح الدولة المختلفة (القومي، الحديث، الغد، الشباب، الهناجر، أنغام الشباب، تحت 18). وقد تنوعت القضايا التي تناولتها بعروضي، ولكن أغلبها يتناول قضايا الشباب المعاصرة وأيضا قضية الصراع مع السلطة، وجميعها تنحاز بصفة عامة لمطالب الأغلبية والبسطاء وتنادي بمزيد من الحريات والديمقراطية، كما أن بعضها تناول قضية الصراع العربي الصهيوني وضرورة مواجهة المحتل لاستعادة الأراضي المغتصبة. وتتضمن قائمة عروضي أيضا خمسة عروض للأطفال وقد نلت من خلالها بعض الجوائز المهمة بمهرجان توياما الدولي لمسارح الأطفال باليابان (جائزة الإخراج الأولى عام 1996، وجائزة العرض الأول عام 2000). وقد شارك ببطولة العروض التي شرفت بإخراجها نخبة من كبار النجوم من بينهم: سهير المرشدي، سميرة عبد العزيز، جليلة محمود، انتصار، عفاف رشاد، عايدة فهمي، ناهد رشدي، منال سلامة، ماجدة حمادة، سوسن ربيع، لبنى ونس، منال زكي، أحمد راتب، محمود مسعود، سامي مغاوري، محمد رياض، خليل مرسي، مخلص البحيري، حسن الديب، عهدي صادق، ناصر سيف، رضا الجمال، ممدوح درويش، منير مكرم، هاني كمال، أشرف فاروق، أحمد منير. وبالطبع لن أعود للعمل بالإخراج إلا إذا توفرت الظروف المناسبة التي تتيح لي المحافظة على اسمي ومستوى عروضي. 
- الموسوعة المسرحية المصورة مشروع كبير جدا ومهم، حدثنا عنها وعن الظروف التي عملت فيها؟ 
- موسوعة المسرح المصري المصورة» بصورتها الحالية هي موسوعة غير مسبوقة عالميا لأنها أول موسوعة مصورة يوثق بها كل عرض بثلاث صور، يكفي أن أذكر أنها تتضمن 22 ألف صورة نادرة سواء للعروض المسرحية أو صور شخصية للرواد وأعلام المسرح، كما أنها تتضمن 7500 عرضا مسرحيا، وهو مجموع العروض التي تم انتاجها على المستوى الاحترافي (فرق القطاع العام والخاص) على مدار 150 عاما (من بداية المسرح المصري الحديث عام 1870 بفضل مبادرات الرائد المصري/ يعقوب صنوع). وهي بذلك سجل شامل لحياتنا المسرحية وترقى كثيرا عن المعلومات الأرشيفية، وعلى سبيل المثال من خلال الجزئيين 17، 18 واللذان يشملان على خمسة مداخل (فهارس) يمكن للباحث أن يحصل على معلومات كاملة عن أي مسرحية أو مجموعة مسرحيات، من خلال البحث بإحدى الأساليب التالية: اسم العرض/ اسم الفرقة/ سنوات الإنتاج/ اسم المؤلف/ اسم المخرج. 
 - ما المعوقات التي واجهتكم أثناء العمل في تلك الموسوعة؟ 
 واجهتني بالطبع كباحث كثير من الصعاب والمعوقات أثناء محاولات إعداد هذه الموسوعة بمراحلها المختلفة (جمع البيانات والصور وتوثيقها ورصد أهم الانجازات وتحليلها)، وهي تلك الصعوبات التي يمكن إجمالها في النقاط التالية أولا : غياب المراكز البحثية المتخصصة، وندرة المعلومات والوثائق، وكذلك غياب الدوريات المسرحية من مجلات متخصصة أو صفحات مسرحية بالصحف والمجلات خلال بعض الفترات لسنوات طويلة متتالية. ثانيا: عدم تعاون المؤسسات الصحفية مع الباحثين والتعامل معهم بشكل تجاري عند محاولة الاستعانة ببعض المواد المتوفرة بأرشيفها، حتى أن بعض المؤسسات تحدد سعر خمسمائة جنيه لاستنساخ الصورة الواحدة من المسرحيات النادرة. ثالثا: وجود كم كبير من الأخطاء والمغالطات الفنية والتاريخية بمذكرات بعض كبار الفنانين، وذلك سواء عن عمد لتعظيم دورهم أو كنتيجة طبيعية لضعف الذاكرة الشخصية بفترات الشيخوخة أثناء كتابتهم لمذكراتهم. رابعا: تقديم النص الواحد بأكثر من اسم سواء بالفرقة نفسها أو من خلال فرق أخرى، حتى إن بعض النصوص قدمت بأكثر من أربعة أسماء، ومثال لذلك تقديم تاجر البندقية بعنوان الصراف المنتقم أو تاجر فينسيا، وروميو وجولييت بعنوان شهداء الغرام أو شقاء المحبين. خامسا:  تقديم العرض الواحد أحيانا بأكثر من مخرج بنفس الفرقة خلال فترة العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، وذلك عند إعادة العروض (الريبرتوار)، وهي نتيجة منطقية لغياب بعض المفاهيم الأكاديمية لدور المخرج ولحقوق الأداء العلني، حيث يعتبر صاحب الفرقة نفسه مخرجا للعرض عند إعادة تقديمه بمجرد تغير بعض الممثلين أو حذف وإضافة بعض المشاهد أو الحوارات. سادسا: إعادة تقديم النص الواحد بالفرق المختلفة أكثر من مرة حتى وصل عدد عروض بعض المسرحيات مثل «عايدة» إلى سبعة عشر عرضا، وكذلك تشابه أسماء بعض العروض أو تكرار نفس اسم العرض بالرغم من اختلاف النص مما استدعى ترتيب هذه العروض رقميا (عايدة 1،2، 3 ....) طبقا لتاريخ الإنتاج، سابعا: تداخل مساحات الاحتراف مع الهواية بالنسبة لإنتاج بعض الفرق كمركز «الهناجر للفنون» أو « فرقة السامر المركزية» بهيئة قصور الثقافة على سبيل المثال. ثامنا: عدم اهتمام المبدعين بمختلف المفردات المسرحية بتوثيق أعمالهم أو بتنظيم أرشيف فني خاص بها، كذلك ضعف ذاكرة عدد كبير منهم. تاسعا:  اختلاف برامج الحاسب الآلي للفرز مع بعضها البعض، حيث تعتمد بعض البرامج على ترتيب الهمزات على حرف الألف على سبيل المثال في حين تهمل بعض البرامج الأخرى هذا الترتيب، كذلك وجود عناوين لبعض المسرحيات تضمن أرقاما وبالتالي فقد تم كتابة هذه الأرقام بالحروف حتى يمكن ترتيبها في أماكنها المناسبة. 
 - هل أنت راض عن واقع المسرح المصري الآن ؟ 
- بصراحة شديدة حال المسرح المصري حاليا لا يسر الحبيب ويسر فقط العدو، وذلك لأنه أصبح يقدم ضجيجا بلا طحن برغم بعض الجهود المخلصة التي تحاول تصحيح مساره، لكن لابد من الاعتراف بأن كل الأنشطة المسرحية الآن للأسف تقدم فقط لمجرد المساهمة واثبات التواجد. عدد كبير من المهرجانات المسرحية تنظم للدعاية والتربح فقط، العروض أغلبها مكررة، وكذلك تتكرر أسماء المكرمين وأعضاء اللجان، الحركة النقدية في تراجع شديد، لقد أغلقت خلال السنوات الأخيرة كثير من المجلات والصحف وتحول بعضها إلى نسخ إلكترونية فقط، كما ألغيت كثير من الصفحات الفنية والمسرحية المتخصصة وكذلك بعض البرامج المسرحية!!، الإنتاج في تراجع كمي وكيفي وأصبحت المسارح تضاء لمدة ثلاث أو أربع ليالي فقط أسبوعيا في أفضل الحالات، عدد محدود جدا من المسرحيين يعملون والباقي ينتظرون الفرصة لعدة سنوات، فرق القطاع الخاص لم تستطع الصمود واختفت من الساحة، وعروض مسارح الدولة بصفة عامة تشهد خلال السنوات الأخيرة تباينا كبيرا في مستوياتها الفنية، ولكن بصفة عامة المستويات الفنية في هبوط وانحدار خاصة مع غياب النجوم عن المشاركة بها (لاستقطابهم بالأعمال السينمائية والدراما التليفزيونية ذات الأجور التي لا تقارن أبدا مع الأجور بالمسرح). وأرى بصفة عامة أن هبوط وتدني مستوى العروض يعود بدرجة أولى إلى سوء الإدارة والذي يتمثل في غياب لجان القراء الحقيقية التي يشارك بها كبار النقاد والمتخصصين، وكذلك إلى إلغاء المكاتب الفنية بكل فرقة والتي كانت تحرص على المحافظة على الهوية الخاصة بكل فرقة.
وأخيرا لابد من التأكيد على أن «مسارح الهواة» الآن وخاصة بفرق الأقاليم أو فرق الجامعات هي التي ما زالت تمثل الوجه المشرق للمسرح المصري، ومازال العاملون فيها يحملون راية الإبداع بالمسرح المصري، وأكبر دليل على ذلك هو حصول عدد كبير منهم على الجوائز الأولى بكل دورة من دورات المهرجان «القومي للمسرح المصري»، وإن كان هذا لا ينفي تدهور وانحدار مستوى «مسارح الأقاليم» بصفة عامة بعدما شهدت أهم وأزهى فترات نشاطها خلال فترة ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وذلك عندما كان يتم إدارتها بروح الهواية الخالصة سواء من كبار المسئولين والإداريين أو من خلال الفنانين المشاركين في مختلف مفردات العرض المسرحي، ولكن مع تقليص الميزانيات أصبحت عروضه موسمية فقط للأسف، وذلك بهدف المشاركة بالمهرجانات الختامية والتنافس على الجوائز المالية !!. 
 - نسمع كثيرا عن أزمة النص المصري، ولجوء المخرجين إلى النصوص الأجنبية، هل بالفعل هناك أزمة في النص المسرحي.. أم أن تلك الحجة تكشف عن كسل من المخرجين وتوضح عدم سعيهم نحو اكتشاف النصوص الجديدة ؟ 
- الحقيقة أن هذا ادعاء باطل وبعيد جدا عن الحقيقة، يكفي أن أذكر أنني كعضو لجنة قراءة ببعض السلاسل المسرحية المتخصصة أو ببعض الفرق كثيرا ما أسعد – مع زملائي باللجنة - بتلك المستويات الرائعة لعدد كبير من النصوص التي أبدعها عدد من المؤلفين الجدد الذين يمثلون أكثر من جيل وسواء بالعاصمة أو بكثير من الأقاليم. ولكن للأسف أن الأزمة الحقيقية هي أزمة إدارة بالدرجة الأولى سواء بتقليص حجم وميزانيات الانتاج، أو بعدم توجيه المخرجين إلى قراءة ودراسة تلك العروض، وذلك بالإضافة إلى ضعف الحركة النقدية المنوط بها إلقاء الضوء على تلك الإبداعات، ويضاف طبعا لكل ما سبق استسهال بعض المخرجين من محدودي الثقافة باختيار النصوص العالمية التي سبق نجاحها في المسرح المصري، بل وأحيانا إعادة استنساخ للعروض التي سبق تقديمها ونجاحها!!
 - لماذا توقف نشاط «الجمعية المصرية لهواة المسرح» التي قمت بتأسيسها عام 1984 خاصة في تنظيم «مهرجان المسرح العربي» والذي كان مهرجانا نوعيا مهما ومن أهم المهرجانات المسرحية بالوطن العربي ؟
- نشاط الجمعية لم يتوقف إطلاقا وقد تم على المستوى الإداري خلال الشهور الماضية توفيق الأوضاع طبقا للقانون الجديد ككل الجمعيات المتميزة، و إن شاء الله نستعد خلال الشهور القادمة للاحتفال بذكرى مرور أربعين عاما على تأسيسها، والأنشطة الدورية بالجمعية كتنظيم الندوات الشهرية أو الدورات التدريبية والورش الفنية المجانية أو إتاحة خدمات استعارة الكتب أو قطع الديكورات والملابس مستمرة بمقر الجمعية، كما أننا نحرص سنويا على التنسيق مع الإدارة العامة للجمعيات الثقافية للمشاركة في مهرجان الهواة السنوي، والذي نحصد من خلاله غالبا كثير من الجوائز، وبالتالي يحرص مجلس إدارة الجمعية سنويا على تنظيم عدة جولات فنية بالعروض الفائزة ببعض الأقاليم . فقط بالنسبة لمهرجان المسرح العربي فهو الذي توقف بعد الدورة الخامسة عشر عام 2017، وذلك نظرا لتعاظم كثير من المعوقات الإدارية مع الجهات الداعمة خاصة وأننا نرفض التعامل مع المؤسسات والشركات الخاصة كرعاة. ويضاف إلى ذلك زيادة وتعاظم ظاهرة تنظيم كثير من المهرجانات الأخرى، وفي مقدمتها مهرجان المسرح العربي الذي تنظمه الهيئة العربية للمسرح منذ عام 2009، وبرغم أن مهرجاننا كان له السبق وتأسس مع بداية الألفية الجديدة (عام 2000) إلا أن الإمكانيات الضخمة للهيئة العربية قد استقطبت كثير من الفرق العربية الكبرى التي كانت تحرص سنويا على المشاركة بمهرجاننا.


سامية سيد