إجابته قد تعيد المسرح إلى مساره مهرجانات المسرح أم مسرح المهرجانات؟

إجابته قد تعيد المسرح إلى مساره  مهرجانات المسرح أم مسرح المهرجانات؟

العدد 605 صدر بتاريخ 1أبريل2019

لماذا نقدم المسرح؟ ولمن؟ إن أجبنا بصدق عن هذين السؤالين استطعنا الإجابة على السؤال الثالث وهو: كيف نقدمه؟ وبناء عليه اتجه المبدعون بتنوع أفكارهم ورؤاهم نحو الجمهور سواء للارتقاء به أو نحو إرضاءه مع اختلاف الأسلوب، ما بين أسلوب راق أو أسلوب متدن, لكن في النهاية الهدف هو  الجمهور. وبالتالي يعمل المسرحيون في الأساس على توسيع رقعة الجمهور وانتشار المسرح بشكل أكبر للعمل على ازدهاره وتحقيق رسالته التي يؤمن بها كل من يعمل بالمسرح.
لكن لوحظ في السنوات الأخيرة انتشار ظاهرة مسرحية غريبة ، بعيدة كل البعد عن أهداف المسرح وتعمل ضد فكرة انتشاره وتعميقه لدى الشعوب والجماهير في كل مكان, ألا وهي صناعة (وليس إبداع) عروض مسرحية مخصصة فقط للمهرجانات, حيث لا يتم عرضها في الموسم مسرحي لجمهور, كما أنها تحمل سمات خاصة موجهة نحو أدمغة لجان التحكيم حاملة شعار التغريب, والتي أشارإليها المخرج ناصر عبد المنعم في حوار معه قائلا: إنها عروض معتمدة على تهويمات سينوغرافية , فأنا أشاهد عروضا تؤلم عيني, وأشاهد عروضا الفورم الخاص بها والتكوينات السينوغرافية تصلح لأي عرض , ويمكن الاستعانة بها في أي عرض آخر لأنها أشياء غير نابعة من الموضوع وغير مأخوذة من الطرح وبالتالي جوهر المسرح يختفي, فأنا بالنسبة لي جوهر المسرح هو الكلمة والممثل وليس التكنولوجيا ولا السينوغرافيا ولا الإضاءة المتطورة ولا الدخان ولا الحالة الغرائبية أو غيره, فلماذا كل هذا؟
حول هذا السؤال نسأل عدد من الفنانين  
يرى المخرج فهمي الخولي أن المبدعون الفعليون انقسموا  إلى قسمين، من  انزوى داخل  صومعته أو مغارته، والمبدعون الجدد الذين ليسوا حاملي قضية وليس لديهم رؤية إبداعية وتحولوا إلى تابعين للتقنيات الحديثة والسينوغرافيا والإضاءة بالذات وطوعوا أنفسهم للتقنيات التي انبهروا بها وحولوا إبداعهم -إذا كان هناك إبداع- لأن يكونوا صبية للتقنيات ولم يهتم أحد منهم بالمرة بقضايا الإبداع المسرحي الجادة التي كانت أجيالنا ومن قبلنا أساتذتنا، كل همهم قضية المسرح لمن؟ فمثلا مسارح الدولة كان معروفا أن أساس تواجدها وإنشاءها أن تقدم كل مناحي الفن الرفيع والخير والجمال، الأرفع والأنفع للجماهير الكادحة الغير قادرة على شراء تذكرة القطاع الخاص، أي كنا نقدم عروضا مسرحية يمكن أن أسميها الطبعات الشعبية الغير مكلفة للطبقات الكادحة وكان عليها إقبالا  فكنا نقدم مسرحا يروا فيه أنفسهم تحت مقولة الفن مرآة للشعوب ليروا فيه واقعهم وننبههم لما يحدث فيه من مناحي الضعف كي يتأمل كل منهم واقعه المحيط به ثم يتمرد عليه ويرفضه بل ويثور عليه ويحاول أن يغيره ويأتي هو بالغد الأفضل له ولمن حوله وللمجموع فبدا المسرح هنا فنا من الناس وللناس.
  وأضاف الخولي إن وجود حافز الجوائز في المهرجانات دفع المبدع لإنتاج عروض مخصصة للحصول على هذه الجوائز لكن لم يهتم المبدع المسرحي سواء المصري أو العربي بأن يقدم عروضا تحمل مسرح يهم الناس، ويحمل رؤية المبدع لواقعه وأحلام متلقيها ومشاهديها ولا يهتم بما أجمع عليه رواد المسرح العربي ليكون المسرح فنا للمجتمع وليس فنا للمتعة أو الإضحاك فقط لتمضية الوقت، من خلال قضية أثارها كل من العظيم شيخ النقاد محمد مندور والدكتور رشاد رشدي، فمندور كان يقول الفن للمجتمع ورشدي يقول الفن للفن ولم يصمد رشدي إلا في نصين من إبداعه وهما الفراشة ولعبة الحب ثم قدم بعدهما بلدي يا بلدي واتفرج يا سلام وتوالت عروضه التي تنطوي تحت قضية الفن للمجتمع وأصبح كل المبدعين على مستوى الوطن العربي يقدمون فنا للمجتمع للناس من الناس وعن الناس، لكن عندما بدأت  المهرجانات تتوالى على جميع الدول العربية مثل مهرجان دمشق ثم قرطاج ثم بغداد ثم جرش ثم بابل ثم اللاذقية ثم مهرجان الخليج ثم مهرجان الفن في بغداد وهكذا، فأصبح كل مبدع لا يهتم إلا بأن يحصل عرضه على الجوائز وأن يقدم عروضا مهرجانية وأنا أسميها عروضا طاردة وليست جاذبة فهي طاردة للناس ولا تهتم بها، لأن الناس يقبلون على مسرحك عندما تهتم بهم لكن كونك تهتم بنفسك سيتركونك لنفسك، و بالتالي فإن المتسابقين هم الذين يشاهدون عروض هذه المهرجانات لكن الجمهور العادي لا يهتم ولا يحضر، فكل منهم يهتم بالإبداع الفردي أو التقني أو العروض المبهمة أو عروض الفزورة، أو التي تصل بالمتفرج لحل الفزورة، فليست عروضا جماهيرية تحمل قضية، والمسرح دائما في الوطن  العربي ماعدا مصر التي هي الدولة الوحيد التي فيها العروض مستمرة قد يكون لسنوات لكن في غالبية الوطن العربي غالبية العروض الجادة تقدم لمدة أسبوع فقط على الأكثر ماعدا عندما أخرجت مسرحية دوحة تشريف للنجم الخليجي غانم السليطي التي استمر عرضها ثلاثة أشهر متواصلة، ثم قدمت في عدة دول بالخليج، وكذلك بعض عروض القطاع الخاص في الكويت للفنان حسين عبد الرضا وغيره.

دراسة كفاءة العروض
كما يوضح الناقد أحمد خميس أن المشكلة الأساسية  تكمن في أن كل مهرجان يبحث عن تطوير نفسه وإقامة مهرجان حقيقي ومؤثر في مجتمعه المسرحي وأن يكون ذا كفاءة عالية، فمن الضروري لكل مهرجان أن يشكل مجموعة عمل  تكون مهمتها اختيار العروض التي تناسب هذا المهرجان، بالبحث في كفاءة  العروض والاعتماد على ذوي خبرة في العلم بتأثير العرض في بلده والمدة التي تم عرضه فيها، والاطلاع على ما كتب عنه ومشاهدته بالفيديو، لكن المشكلة أن المسألة قائمة على فكرة التعاون من خلال الصداقات الشخصية، بتبادل المعلومات عن ترشيح العروض من خلال الصداقات المختلفة بين المسئولين عن المهرجانات سواء أكان مهرجانا كوميديا أو مونودراما أو ديودراما أو غيره، إذن فإن ما يتحكم في الاختيارات هو دائرة الأصدقاء وليس دائرة الوعي والجمال والفنون وأهمية دور الفن والعرض المسرحي وأثره في دولته وكيفية تقديمه هناك. أي لابد أن يكون هناك سيرة ذاتية لكل عرض يتقدم للمهرجان؛ كم مرة تم تقديمه؟ وفي أي أماكن؟ وهل عرض في دولته؟ وكم عدد المشاهدين؟ فنحن نكتشف في بعض الأحيان أنه توجد عروض مصرية سافرت إلى مهرجانات لم يتم تقديمها أصلا في مصر. ويتم ذلك بالاتفاق وهذه كارثة تظهر بشدة لدى صناع المهرجانات أنهم لابد أن يقوموا بدراسة العروض جيدا ومدى كفاءتها، فكثيرا ما نشاهد مهرجانات حيث نستاء جدا من مستوى العروض المقدمة، ويظن البعض أن هذا المستوى الرديء يعبر عن مستوى المسرح في تلك الدولة ولا يدركون أن هذا المستوى السيء هو مشكلة المهرجان نفسه والمساءلة لابد أن تكون لصناع المهرجان نفسه فكيف وافقوا على هذا العرض السيء أصلا للمشاركة. كما توجد مهرجانات تهتم فقط بكم العروض المقدمة دون النظر للكفاءة الفنية على اعتبار أنه إذا تم تقديم أكثر من مائة عرض فلن يتحدث أحد عن الكفاءة لأن الكفاءة ستنطوي على التنوع فسيكون من بين كل عدة عروض سيوجد عرض واحد جيد، ويوجد أيضا مهرجانات لا تتضمن أكثر من ثمانية أو عشرة عروض لكنها كلها جيدة المستوى، إذن فالمسألة ترجع إلى صناع المهرجان، أو الدائرة المنظمة للمهرجان، ومناقشة كفاءة المهرجان وعروضه وأهميتها وتحرص على مشاهدة العروض بالفيديو ومراجعتها من قبل أعضاء اللجان العليا للمهرجان، أو إرسال مبعوث منها للبحث حول العروض الجيدة بالدول الأخرى واستقطابها للمهرجان، فتلك مسئولية نحو كل عرض يتم تقديمه بالمهرجان.
والنتائج بالتالي تصبح سمعة سيئة للدولة التي قدمت تلك العروض وسمعة سيئة أيضا لدى المتلقي الذي يفاجأ بهذا المستوى، وكثير من الفنانين الكبار من دول أخرى قابلتهم حيث أبدوا آرائهم حول أن كثيرا من العروض المصرية التي شاهدوها لم تكن ذات أهمية. ألم يسألوا أنفسهم كيف استدعوا تلك العروض من خلال الصداقات الشخصية. والعرض المسرحي إذا لم يضيف للدولة أو جهة الإنتاج فإنه يخصم من رصيدها وكذلك يخصم من رصيد المسرحيين لدى المتلقي، فرب الأسرة عندما يتجه للمسرح مع أسرته ليشاهد عرضا يفاجأ أنه متواضع فلن يذهب مرة أخرى بل سيذهب إلى أي مكان للترفيه غير المسرح حيث ترسخ لديه فكرة أنه ليس لدى المسرح منتج جيد يستحق المشاهدة.  
كارثة مسرحية
ويتحدث المخرج حسام الدين صلاح عن الجمهور المستهدف قائلا: إن إقامة مسرحيات للمهرجان خطأ يدمر المسرح نفسه، فيجب أولا إقامة المسرحيات للناس، ثم نبحث عن المسرحيات التي اهتم بها الناس ونقيمها من خلال المسابقات، أما العروض المهرجانية فقط ليس لها علاقة بالمسرح، فالمسرح صنع للناس أي نسبة من الناس سواء نسبة مثقفين أو لأناس لديهم وعي أو لكل الناس، فلابد أن يخاطب جمهور موجود بالفعل ولا يجوز أن يقدم عروض للتقييم فقط، مثلما كان لدينا في السابق عروض مخصصة للمهرجانات التجريبية والمهرجانات العربية، أما المسرح الحقيقي فالمستهدف فيه هو المواطن أو الجمهور، سواء أكانت النسبة اثنان بالمائة أو عشرة في المائة أو أكثر أو أقل أياً كانت، فعندما تعرض يحضر لك جمهورك فتعرض رؤية فنية وجماليات ودرس في الدراما وفي الإيقاع وكل العناصر الفنية، فيأتي إليك الجمهور في قاعة، فلو حضر ثلاثين أو أربعين أو خمسين فقد حققت الغرض ثم تقوم بتوسيع الدائرة لتصل لأقصى عدد من الحضور، فعندما تقدم عرضا لكل الناس بمسرح به خمسمائة كرسي فأنت تخاطب الثقافات المختلفة وتقدم مسرحك لهم فكل مخرج يدرك جيدا أي جمهور هو يخاطب ومن هو المستهدف، لكن إقامة المسرحيات خصيصا للمهرجانات فتلك أغراض أخرى مادية بحتة ليس لها علاقة بالمسرح. وقد يكون أحيانا الغرض تحريك المياه الراكدة لكننا نقدم مسرحا للناس وليس للمهرجانات وللوجاهة الاجتماعية. وتلك العروض هي عروض مصطنعة تعتمد على أشكال غريبة تفتقد لروح التماس مع الجمهور مثل القنان التشكيلي الذي يرسم لوحة ليعرضها للجمهور وآخر يرسم لوحة ليعرضها فقط في مسابقة وهذا خطأ لأن المسرح هو المسرح والفن هو الفن، وهذا أثر كثيرا المسرح فأصبح لدينا صنفين من أصناف المسرح، المسرح الحقيقي، ومسرح المهرجانات وهو سخيف وثقيل الدم ويفتقد للروح ومصطنع ومعلب ويبحث عن صورة غريبة للفت الأنظار وهذا ليس هدف العمل المسرحي، وتجد فيه كل المسرحيات متشابهة في الشكل ولا فرق  بينها، وهو بالتأكيد كارثة مسرحية.

عروض مدرسية
ويبين لنا الناقد عبد الغني داود أن هذه آفة قديمة ترجع إلى بدايات مهرجان المسرح التجريبي في مصر حيث كان يتم إنتاج عروض مخصوص له على عجل قبل موعد المهرجان في شهر سبتمبر من كل عام،  وللأسف نحن لم نستفد من المهرجان التجريبي كثيرا فالمسرحيون المصريون مقلدون تقليدا أعمى لبعض قشور مدارس التجريب وليس الأصول أو جذور التجريب المسرحي، فأصحاب الثقافات السطحية أو القشرية يقعون في خطأ التقليد دون التعميق، ونتعرض لهذا الآن حيث نشاهد عروضا تشبه عروضا مدرسية مثل عروض مركز الإبداع التي يرغبون في تقليدها في حين أنها في الأصل عروضا تعليمية، فلا يحاول المخرجون الموهوبين تعميق رؤاهم الإبداعية نحو تقديم أعمال لها جذور في ثقافتنا لأن ثقافتنا عميقة  وليست أحادية الجانب ولا أقصد الردة للموروث أو التقوقع على النفس لكن كل شيء لابد أن يكون له عمق أو أصول، هذا بالنسبة للتجريب لكن المهرجانات المتعددة الأخرى أغلبها المحصلة فيها لا شيء نتيجة أنها لمجرد ترديد الشعارات لهدف الحصول على الناتج المادي في النهاية.
 ويضيف عبد الغني داود إن هذا حدث أيضا هذا العام في المهرجان العربي الأخير في 2019، ومثلها فكرة إعادة العروض القديمة خصيصا للمهرجان تحمل نفس التفكير، ويعتبر مصطلح ما بعد الحداثة منتشر بين المسرحيين غير المثقفين، فيتمسكون بخانة ما بعد الحداثة كي يقدمون أي شيء بدون وعي أو تفكير أو موضوع أو تنظير تعميق مفهوم للفكر و في الدول العربية نجد تشابها مع بعض آفاتنا، لكن المسرح في مصر يعاني معاناة شديدة بسبب يعيدنا لمسرح الستينيات وهو الترويج للشعارات الآنية  المرفوعة والكل يسير على وتيرة واحدة فيقدم أحدهم استكشات ليتم في النهاية ترديد شعارات النظام لسد خانة ما تسمى بالثقافة.

تجارب منقوصة ولم تختمر
أما الفنان القدير د. علاء قوقة فيوضح قائلا: إن مثل هذه العروض تنتقص من أهميتها في حركة المسرح فيمكن أن أشبهها بمسرحيات المناسبات مثل مناسبات الأعياد القومية وعيد العلم وعيد الفلاح وهكذا، تلك المسرحيات هي مرفوضة من وجهة نظري فالمسرح يقدم لكونه مسرحا ولاحتياج المواطن لهذا المسرح وللتجربة الشعورية التي يراها المخرج نحو عمل ما يقدمه من أجل المجتمع ويتم بناءه بناء على خطة مدروسة من قبل مديرين المسارح ورؤساء الهيئات المسرحية فيكون عملا لاقى من الدراسة  والتمعن واختمار التجربة وتكاتف العناصر الفنية اللازمة للإنتاج وبناء عليه عندما تشاهدها لجان المشاهدة فإنها تختار الأنسب للمهرجان، لكن عمل توليفة لدخول المهرجان فشيء منبوذ وأكم من هذا يحدث فنكتشف أن هناك عروضا صنعت خصيصا للمهرجان و حدث هذا كثيرا من قبل للمهرجان التجريبي وقدمت عروض غير مفهومة لا يفهمها حتى مخرجها لمجرد الاشتراك بالمهرجان وكأنه تجريب وهي حالة تنتاب المجرب العام، وكذلك ما يقدم من بعض الدول العربية الذين ليس لديهم موسم مسرحي ويصنع فقط من أجل المهرجان ليتم عرضه لمدة ليلة أو اثنين فقط للتصوير وعمل سي دي لمشاهدة لجان المهرجان، حيث يوجد أشياء عديدة تتدخل فيها العلاقات وليس الموضوعية.

المهرجان تتويج للظاهرة الفنية
كما يؤكد الناقد د. سيد الإمام أن هذا كان يحدث قديما في المهرجان التجريبي وصنعت من أجله عروضا عديدة بشكل عشوائي لكن هذه المسألة لم تستمر كثيرا وانتهت وهذا شيء جيد. وهذه الظاهرة إفلاس. وضمنيا  لا يوجد اعتراف بوجود حركة مسرحية حقيقية، فالحركة الحقيقية هي أنني أنتج عرضا لأنني لدي جمهور ولدي أصلا ظاهرة مسرحية وحياة مسرحية وجمهور يرتاد المسرح وأقدم عروضا بشكل موسمي، فمثلا يوجد عروض للثقافة الجماهيرية أو الجامعات وغيرها فكلها جهات إنتاجية تنتج بغض النظر عن وجود مهرجان من عدمه فهي أوعية إنتاجية تنتج فعلا عروضا لجمهورها. أما فكرة وفلسفة المهرجان أصلا أنه تتويج للظاهرة الفنية، فلو لدي ظاهرة فنية فأقيم لها مهرجان وليس العكس بأن أصنع مهرجانا ثم ألصق به الظاهرة الفنية، وهذا وضع مقلوب ولا يصح. وأنا لا أعتقد أن هذا مازال يحدث في مصر الآن، فأنا ضد هذه المسألة، ولكني سأتحدث بالتحديد عن  عرض الطوق والإسورة لناصر عبد المنعم حيث كان هناك تفكير منذ  سنوات لإعادة تقديم العروض التي مثلت مصر من قبل في المهرجان التجريبي، إذن توجد فكرة تنطبق على الجميع، وفجأة لم تقم العروض الأخرى لعدم توفير إمكانيات مادية للإنتاج، وعليه كان يجب إلغاء الفكرة كلها أو تطبيقها كليا، ولا يجوز إنتاج عرض واحد فقط وخصوصا أنه لم يتم عرضه كعرض موسمي كي يصبح جزءا من الحركة المسرحية ثم يتم دخوله المهرجان بعد ذلك.
إن مصر دولة كبرى ومركزية شئنا أم أبينا فتلك حقيقة كبرى، وقد حضنت الفنانين العرب ومازالت قادرة على ذلك، وفنانونها قادرين على إلحاق الظاهرة الفنية بالمهرجان وليس العكس، أما الدول العربية (ماعدا سوريا ولبنان حيث يوجد فيهما ظواهر مسرحية منذ فترات بعيدة) تنتج عروضا خصيصا من أجل المهرجانات ولم تختبر على جمهور، سواء في قطر أو السعودية أو الكويت أو غيرها لا يوجد لديها مسرح وتنتج فقط من أجل المشاركة في المهرجان ولا يعرض إلا ليلة المهرجان فقط وقد قابلت فنانين من تونس والمغرب صرحوا بنفس الكلام أن أقصى عرض لديهم يستغرق عرضه ثلاثة أو أربعة أيام وبإيجار مسرح رغم دعم الدولة، لديهم بالفعل فنانين كبار ولكني أتحدث هنا عن الظواهر المسرحية، إن إنتاج الثقافة الجماهيرية وحدها لدينا بكل تحفظاتنا عليه يفوق إنتاج الدول العربية مجتمعة لو تحدثنا عن عروض نوادي المسرح فقط، وليس الشرائح والقصور، فمصر بلد كبير حقا، فإذا أقمنا مهرجان في مصر لأي جهة هذا مستحسن لأنها تقدم مثلا في الثقافة الجماهيرية ما يفوق المائتي عرض في العام وكذلك في الجامعات لدينا ما يعلو العشرين كلية بكل جامعة فيجب أن يقام لها مهرجان للجامعات، إذن لدينا ظاهرة حقيقية، لكني عندما أقصر العرض على ليلة مهرجان واحدة فقط، فهذا مجرد دعاية لدولة ما تريد الظهور لتدعي أنها ترعى الثقافة (تعمل بروباجاندة) لكن تحت منها فراغ، حيث يتم إخفاء حالة الفراغ  الثقافي التحتية ويتم تصدير واجهة مصطنعة لمدة ليلة لا أكثر يقام من خلالها عرض المهرجان. وبالتالي لا أضع أي اعتبار لهذه النوعية من العروض ولا أعتبرها حركة مسرحية في بلدها.

التعالي على الجمهور جريمة
 وأخيرا يبين لنا المخرج والناقد د. عمرو دوارة أن «الجمهور» هو الضلع الثالث والمهم بالظاهرة المسرحية، والذي لا يمكن أبدا الاستغناء عنه، فمكان العرض قد يختلف في أشكاله كثيرا والنص (أو الفكر) يمكن تقديمه بأكثر من شكل أو قالب فني، ولكن بدون الجمهور الذي ينتج له العرض والذي يستهدف لتقديم الخطاب الدرامي له في إطار من المتعة السمعية والبصرية يفقد العرض الهدف الرئيسي من تقديمه، وبالتالي تسقط من الذاكرة فورا جميع العروض التي لا تضع بالدرجة الأولى الجمهور في حساباتها. بالطبع لا يقصد بما سبق  السير والسعي وراء كيفية إرضاء الجمهور وتحقيق رغباته ونزواته، والتدني أحيانا بالمستوى الفني للعروض ولكن يقصد فقط التأكيد على أهمية اجتذابه من خلال العروض الممتعة محكمة الصنع للارتقاء بمستوى وعيه وتذوقه، والخلاصة أن المسرحيين قد يجانبهم الصواب تماما إذا تصوروا أن هناك بعض الأهداف الأخرى التي قد تتساوى مع أهمية كسب واجتذاب الجمهور.
وجدير بالذكر أن جريمة التعالي على الجمهور تتساوى تماما مع جريمة محاولة إرضائه بأي وسيلة!! والحقيقة أن تعاظم ظاهرة تنظيم المهرجانات المسرحية خلال السنوات الأخيرة وبالتحديد منذ تنظيم مهرجان «القاهرة الدولي للمسرح التجريبي» عام 1988 قد خلقت جيلا من المخرجين الشباب الذين حرصوا بشدة على تقليد بعض العروض الأجنبية المشاركة بالدورات السابقة أملا في تحقيق حلم الحصول على الجوائز، حتى أضحى حلم الحصول على الجوائز وإرضاء أعضاء لجنة التحكيم أهم بالنسبة لهم من كسب الجمهور وتحقيق التواصل معه، وللأسف فقد وجد هذا التيار تأييدا وتشجيعا من بعض المسئولين عن فرق مسارح الدولة، الذين سارعوا بتخصيص واعتماد الميزانيات المناسبة لمثل تلك العروض التجريبية أملا أيضا في تحقيق الفوز. وللأسف فإن عددا كبيرا من تلك العروض غير متوائمة مع عاداتنا ولا تتناسب مع تقاليدنا الشرقية بل وغير مفهومة حتى لنخبة المثقفين، ولعل أوضح مثال على ذلك العرض المصري المتدني الذي أصر مخرجه على تجرد جميع الممثلين والممثلات من ملابسهم كاملة بالرغم من عرضه بمنزل «زينب خاتون» على بعد أمتار من جامع «الأزهر»! وهو العرض الذي تصدت له بشجاعة الناقدة الكبيرة/ سناء فتح الله فكتبت مقالها بعنوان «بلاغ للنائب العام»، كما قمت بكتابة مقالي بمجلة الكواكب تحت عنوان «عبدة للشيطان ولا ينتمون للمسرح»، وللأسف وجد العرض من يدافع عنه تحت ستار «حرية الإبداع»!
أخيرا أؤكد أن جميع العروض التي يتم إنتاجها خصيصا للمشاركة ببعض المهرجانات - وطبقا لشروط تلك المهرجانات - هي عروض متواضعة فنيا وغير حقيقية، فهي عروض مهجنة تتشابه تماما مع التلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب أو الطلق الصناعي والولادة القيصرية قبل الموعد المحدد للولادة الطبيعية، لأنها تنتج بسرعة ولا تأخذ وقتها الكافي في الكتابة والتخطيط والبروفات اللازمة، كما تعتمد - في أغلبها - على محاولات إرضاء أعضاء لجان التحكيم، حتى ولو تم ذلك على أساس الاهتمام بالشكل دون المضمون، وتم تقديم مقتطفات من عروض لغة الجسد والرقص الحديث السابقة بصورة عشوائية وغير منسجمة، فلا تنجح في أن يصبح لها خطاب درامي واضح ولا نسيج مستقل متوائم ومنسجم مع المضمون، وبالتالي تفشل تماما في تحقيق أي تواصل مع الجمهور.


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏