مازن الغرباوي: العرض يقدم نموذجا لمعاناة الإنسانية

   مازن الغرباوي: العرض يقدم نموذجا لمعاناة الإنسانية

العدد 764 صدر بتاريخ 18أبريل2022

هاملت شكسبير مأساة الأمير الدنمركي هاملت الذي يحاول الانتقام من عمه كلوديوس الذي قتل والده الملك رغبة في الاستيلاء على العرش، هذا العمل الذي كان له أثر كبير في العالم، وقدم في كثير من المسارح  برؤى مختلفة، يعيد د.سامح مهران معالجته من خلال “ هاملت بالمقلوب”، ويقدمه المخرج مازن الغرباوي على خشبة مسرح السلام برؤية مغايرة ومعالجة جديدة ألقى فيها مهران الضوء على علاقة المجتمع العربي بالآخر الغربي ويكشف إدعاءات الغرب الزائفة بالحريات والديمقراطية .
وكعادة المخرج الشاب مازن الغرباوي فقد وضع لمسته ليلقي الضوء على الوضع الإنساني كله من خلال هاملت كنموذج للإنسانية، وراح يتجاوز الرؤى التقليدية كما اعتدنا في عروضه، واستخدم عناصر صورة مبهرة تنقلنا من حاضر إلى ماضي وتعيدنا مرة أخرى في تجانس مع كافة عناصر العرض، فكل عنصر كان بطلا للعرض، ومن هنا كان لقاءنا مع المخرج مازن الغرباوي ليحدثنا عن كواليس “ هاملت بالمقلوب” والجديد في مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي في دورته السابعة، وغيرها من الأحداث في مشواره الفني والمسرحي. 

- حدثنا عن كواليس العمل منذ بداية الفكرة حتى خروجها على خشبة المسرح؟
كان هناك اتفاق بيني ود.سامح مهران على تقديم مشروع مشترك، وحين قرأت نص”هاملت بالمقلوب” بعد نشره استفزني، وكانت تلك اللبنة الأولى للمشروع، معالجة جديدة معاصرة تناقش قضايا كثيرة، بالإضافة للتركيبة المختلفة عن هاملت التي سبق وشاهدتها على مستوى المسرح والسينما والتليفزيون.

- ما الرؤية المغايرة التي قدمها النص لهاملت؟
من خلال القراءة الأولى للنص قد يبدو به بعض الغموض فلابد من القراءة المتعددة له ليكون مواكبا ومناسبا للعرض المسرحي، وبعد قراءتي الثالثة للنص بدأت اكتشاف مناطق “ بين السطور”، ورؤية المؤلف المغايرة لهاملت -الموجود في الدنمرك- في العصر الحديث وقد أصبحت هناك متغيرات جعلت العالم بالمقلوب من وجهة نظر هاملت. هاملت في المسرحية يمثل الإنسان في العصر الحديث وما تسببت فيه المتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والصحية وبالتالي كيف يستوي الإنسان في هذا العالم بأوضاعه المقلوبة في ظل المتغيرات السريعة منعدمة الوتيرة؟!.. فبالرجوع لأحداث فترة الستينيات والسبعينيات كان هناك وتيرة للعالم وتزامن، بينما في العصر الحديث سادت الصراعات والتناقضات والفوضى – وهذا ما يقوله النص- ليس لها تزامن وهناك دائما شطط ، وإذا قمنا بعمل منحنى لشكل المتغيرات سنجدها غير منضبطة وغير واضحة المعالم، ومن هنا كانت قصديتي بشكل شخصي كمسئول عن كامل العرض المسرحي، الذهاب لما هو أبعد من الدنمارك وإسقاط الأمر على الإنسانية كلها في شكل هاملت الأمير الدنماركي الموجود في العالم الأوربي والغربي الملئ بالحريات المزعومة والمانشيتات التي يبدو أنها تصدر لنا كدول عالم ثالث – من وجهة نظرهم- لكن في متن الأمور هناك خبايا مرعبة في صناعتها، سعيت لتوسيع رقعة التلقي بحيث تستطيع التفاعل واستيعاب المنتج أو العرض المسرحي في أي مكان وزمان وهذا ما يعطي للعرض عمرا.

- وهل كان هناك اختلاف أثناء العمل بين رؤية المؤلف والمنهج الإخراجي الذي اعتمدته؟
بطبيعة الحال حين يستعين المخرج بنص لأحد الكتاب سواء كان على قيد الحياة أو رحل، يكون لديه نسبة 85% رضا وتوافق فكري وفني على لخطوط الدرامية، وال 15% تظل مفتوحة للنقاش والاختلاف؛ لأنه بالتأكيد كل نص أدبي هو فكرة من إبداع الكاتب ولكن قد يرى المخرج مشاهد مغايرة، فعلى سبيل المثال قد يكتب المؤلف” ويقف بجوار الصليب يقول: لماذا أيها الرب تتركني وحيدا..الخ” وأنا لدي تصور أخر في رسمه ولا يوجد صليب في الديكور، والحقيقة أن د.سامح مهران مؤلف ومفكر كبير ولديه من المرونة والفن والثقافة ما يجعله طيلة الوقت أكثر استيعابا ومواءمة لأننا اتفقنا على عمل مشترك وظهر نتاج ذلك على خشبة المسرح، فحالة الجدل الفكري موجودة على مر العصور بين المؤلف والمخرج لإنتاج الأفضل. 

- ما رأيك في فكرة تفكيك النص وإعادة القراءة والمعالجة للنصوص وهل نحن في حاجة لذلك؟
التفكيك والتركيب على مستوى البنية الفنية والدرامية والإخراجية مهم جدا، خاصة إذا كان لحدوته معينة زمان ومكان وبيئة واضحة، فمثلا هاملت شكسبير كتبت عام 1602 عصر النهضة، هل الزمن والمكان لم يختلفا؟ ، وبالتالي احتفاظي بالبيئة المكانية والزمانية يحدث خللا، لكن تفكيكهما وربطهما بالبيئة الزمانية المناسبة لإحداث قراءة جديدة هو الذي يخلق حالة من التفاعل الحقيقي، ونحن لدينا من المتغيرات والحداثة ما يجعلنا نواكب وتصنع “mix” بين كل عناصر العرض المسرحي لظهور منتج فني مسرحي قابل للبيع والشراء.  وأكاد أجزم أنه إذا شاهدنا هاملت بالمقلوب في 2030 سيكون هناك استيعاب وفرجة وتفاعل، وعلينا إدراك تعددية الزمن. 

وكيف كان اختيارك لفريق العرض وخاصة سمر جابر في دور “أوفيليا” ؟
هي مسألة مرهقة جدا لأنها المرحلة الثانية بعد العمل على النص، والمخرجة الكبيرة إنعام محمد علي كانت دائما تشيد بكوني “أشطر واحد يعمل كاستينج في مصر” وأنا أعمل بمنطق أقرب للسينما من خلال رسم “story board” عام للمشهدية الفنية والمسرحية، وقد قمت بتهيئة الممثلة سمر جابر لتصبح أوفيليا وتتحدث اللغة العربية الفصحى، فلابد أن تتواءم الاختيارات طبقا لأبعاد الشخصيات وشكل العلاقات والأطوال ولون البشرة. 

- استغنيت عن الشكل التقليدي للشخصيات في النص الأصلي؟
نعم فهناك جملة على لسان هاملت:” أفق أيها الشعب الدخلاء والأجانب يلوثون مسيحيتنا ويهددون هويتها وخاصة هؤلاء السود الذي فتح لهم عمي كولوديوس أبواب البلاد”.  الثابت عن هاملت أنه أبيض البشرة ملون العينين والاحتفاظ بالشكل التقليدي انتهى مع العصر الحديث، ونرى ذلك في المسارح العالمية. فقد يقدم هاملت إفريقي لأنه لم يعد هناك الشكل التقليدي للأمير والخادم ما أعطى اتساعا أكبر للتسكين. لكن في اختيار الملك فقد كان لابد من الشكل التقليدي لأنه من الشخصيات .

وكيف ساعدت عناصر العرض على إبراز الرؤية ؟
صناعة السينوغرافيا في العرض سينمائية، رسم المشهدية الكاملة وتحديد النقاط بداخلها سواء الخاصة بالديكور أو الإضاءة أو المايبينج أو باللحظة والظل والنور أو الوجه الباهت أو أن يكون هناك ظل لبعض الممثلين؛ كما في مشهد العشاء الأخير بين الملك والقس، ظهر الخيال أو الظل على جوانب المسرح وكأنهم مكررين ومتعددين، وفكرة النور وإسقاطه والأجهزة الداخلة “Devices Internal” والتي تصنع الإضاءة الداخلية والخارجية “External” داخل وحدات الديكور، كل ذلك كان مُعدا له خطة من الألف للياء لتكون هناك صناعة متكاملة ومضفرة مع بعضها، وهذا ما أشار إليه  حسين نوح بعد مشاهدته للعرض قال إن عناصر العرض “دايبة” في بعض وساعد لتنفيذ الخطة كل المشاركين في العرض د.صبحي السيد الديكور والإضاءة ود.طارق مهران الموسيقى، ود.مروة عودة الأزياء ورضا صلاح المايبينج، وحتى الماكير والكوافير في ترتيبات لون البشرة مع الشعر.

- أنت مغرم بفكرة الشكل المرئي وتطوير الصورة فما السبب ؟
النقاد ومن يهتموا بمشاهدة عروضي يتحدثون دائما عن أني أقوم بتحديث في الصورة النمطية لشكل العرض المسرحي في المسرح المصري، لذا بدأت الانتباه بعد أن كرر ذلك النقاد ؛ وبما أني أعمل عليه في اللاشعور فقد بدأت العمل عليه وتأكيده لأن استخدام التقنية وتطوير الصورة المسرحية مهم؛ بسبب المقارنات الكبيرة اليوم بين الصورة في المنتج المسرحي والصورة في المنتج السينمائي أو التليفزيوني، وأنا سعيد إن فنانين تشكيلين ونقاد وأساتذة يشيدون بذلك، وربما كما كان هناك كرم مطاوع وسعد أردش وأحمد عبد الحليم أحدثوا طفرة ونقلة في شكل المسرح المصري أعتقد أنه بعد فترة قد يذكر التاريخ أن هناك أشخاص آخرين منهم مازن الغرباوي قاموا  بعمل نقلة في شكل الصورة في العصر الحديث وقدموا نماذج مغايرة واعتز كثيرا برأي الفنان حسين نوح الذي قال إني امتداد لكرم مطاوع.

- وماذا عن كواليس مشاركة الفنان خالد الصاوي واستخدام  المابينج ؟
لأن تفكيري طيلة الوقت في شبح والد هاملت الذي يُقدم في حدود ما شاهدته في الشرق الأوسط أو بعض المسارح العالمية، ففي لندن قدموا هاملت خلال أزمة كورونا واستخدموا الماكياج الباهت وهذا هو الشكل النمطي، كل المسارح قدمت الشكل الفيزيقي وليس الميتافيزيقي فكان لهذا استخدام المابينج الذي سبق واستخدمته في حدث في بلاد السعادة وهو ضمن منهجية تحديث الصورة والإخراج، والاستعانة بنجم كبير نوع من أنواع الجذب للجمهور كما يمثل قيمة فنية  كبيرة  وقد أهدى مجهوده للعرض.

- ما الصعوبات التي واجهة العرض وهل كانت السبب في قرار ابتعادك عن المسرح بعد هاملت بالمقلوب؟
أي عمل مسرحي يواجه صعوبات، وربما إصراري أن يظهر العرض كما ينبغي أن يكون والالتزام بالشكل التقني، وأن تكون الصورة ممتازة؛ لذا طالت مدة البروفات، وفكرة وجود خطة زمنية والصراع مع الوقت وتحديد التارجيت هو ما كان يزعجني، أما الابتعاد عن المسرح لفترة فلأسباب خاصة، بالإضافة لأسباب أخرى تخص الصناعة ونمط العمل وسياق وآليات الإنتاج، ومن وجهة نظري يمكنني بعد هاملت بالمقلوب التوقف حتى ثمان سنوات لا أقدم أي عمل مسرحي، وحتى يتاح لي تقديمه طبقا للمقاييس التي توافقني.

-هل أثر العمل المسرحي  بالسلب  على حضورك  في الوسائط الأخرى التليفزيون والسينما؟
بالتأكيد تأثرت كثيرا وهذا ما انتبهت له، حيث كنت أشارك في ثلاثة أو أربعة أعمال تليفزيونية خلال العام، وطالما التزمت بعمل أكون على قوته وأضطر للاعتذار عن أعمال أخرى على مستوى الوسائط الأخرى، ولكن شغلي الشاغل خلال الفترة المقبلة هو إخراج أعمال سينمائية وتليفزيونية.

- دائما تستعين بأجيال مختلفة فكيف تحقق تلك المعادلة خاصة مع الشكوى الدائمة لعدم توافق الأجيال ؟
تقديم دماء جديدة للمسرح المصري هو ما أسعى إليه، بالإضافة للأجيال المختلفة، ليشكلوا استمرارية لنمط وسياق المسرح المصري، وقد سبق وقدمت مدحت تيخا في حدث في بلاد السعادة،  بمساعدة الأجيال الكبيرة د.علاء قوقة وحسن العدل وسيد الرومي وأسامة فوزي، وفي عرض مثل هاملت 12 من الشباب وجيل الوسط مع أيمن الشيوي وخالد محمود كل ذلك رسم المشهد مع خالد الصاوي، وهذا ما تربينا عليه مع الأساتذة الكبار والمناخ الذي نعمل فيه.

-كيف أثرت جائز الدولة التشجيعية على مشوارك ؟
حملتني مسئولية الارتفاع  بالذوق العام وتواصل وتوافق الأجيال ويظهر ذلك في كل عروضي، وكما يُقال فقدا فتحت الباب لجيل الشباب ليتم منحهم الجائزة التشجيعية؛ بدليل أنه أصبح هناك معايير وشروط لم تكن من قبل وهي ألا يحصل عليها كل من تعدى عمره40 عاما، ويكفي أن أنوه أن من حصل معي في نفس العام على الجائزة كان د.علاء قوقة، وكنت أصغر من حصل عليها في تاريخ مصر حيث كان عمري وقتها 28 عام، وكان الأمر جديدا على الواقع المسرحي، وبالتأكيد الجائزة وضعت على كاهلي مسئولية كبيرة تجاه المسرح.

- رأيك لماذا يواجه المسرح الغنائي والاستعراضي أزمة في مصر ؟
لأن آليات الصناعة تحتاج لميزانية ضخمة ولهذا تعزف الفرق عن التصدي لهذا الشكل من العروض المسرحية، لأنه حتى الأجر الذي سيحصل عليه المطرب خلال ثلاثون ليلة يحصل عليه في ليلة واحدة في حفلاته، فالبحث عن آليات إنتاج وتطويرها لابد أن يكون الشاغل حتى نقدم أعمال كالتي تقدم على مستوى العالم، وعن نفسي أحلم بتقديم أعمال مثل البؤساء و cats بشكل موسيقي بالنمط المصري.
 
ألم تفكر في تقديم أيا من هذه الأعمال كإنتاج خاص؟
السوق عرض وطلب وفي النهاية لدي ميزانية ولابد من الانتباه لنمط الأعمال والجهات الإنتاجية التي أتعامل معها وما الذي سأقدمه من المسرح التجاري، لا مشكلة في تقديم أعمال تجارية شرط أن تتوافق معي ومع ما أراه في شكل المسرح التجاري مثل تجربة جلال الشرقاوي على مدار التاريخ، أحلم حين أقدم المسرح التجاري أن أحدث نقلة في شكل المسرح.

بما أنك تهتم بتقديم الورش خلال فعاليات مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي فما رأيك في الورش التي انتشرت؟
الفكرة نبيلة ولكن أحيانا يتم استغلالها بشكل غير نبيل من بعض الأطراف، وتطويرها أمر هام، وأعتقد أن الشباب لديهم من الوعي الذي يجعلهم يتعرفوا على الجيد والسيئ، ووزارة الثقافة تبذل مجهودا كبيرا لتقديم الورش المجانية في مختلف الأقاليم، ونحاول طيلة الوقت من خلال ملف الورش في مهرجان شرم الشيخ الدولي  للمسرح الشبابي أن نستعين بأشخاص لهم ثقل ثقافي وفني، ليستفيد الشباب من خبراتهم. وربما بعد عودة المهرجان لموعده الرسمي إبريل 2024 نسترجع تراكمية وتزامنية الورش ولدينا مشروع لذلك.

- ونحن على مشارف الدورة السابعة  هل حقق المهرجان المردود الثقافي المطلوب وإلى أي مدى تطور؟
وضعنا خطة أول خمس سنوات، حققنا 90% من الأهداف  بالأرقام وأهمية الشخصيات التي استعنا بها وقيمتها من ضيوف أو مدربين أو مكرمين أو أعضاء لجنة عليا أو رئاسة شرفية للمهرجان، ونملك خطة من الدورة الخامسة حتى العاشرة  نعمل على تحقيقه، وعلى توسيع رقعة المهرجان، ودائما نستعين بكوادر شابه وهذا ما يميزنا. 

يقدم المهرجان جائزة للبحث العلمي وسبقته الهيئة العربية للمسرح فهل لدينا أزمة في البحث العلمي على المستوى المصري والعربي؟
نعم بالتأكيد ولهذا انتبهنا أنه لابد أن يكون لدينا قاعدة من الباحثين الشباب وليس فقط الكبار، لأن فكرة الأجيال مهمة أيضا في البحث العلمي.

ما الجديد في المهرجان؟
الجديد أن الدورة السابعة من المهرجان  ستنطلق أكتوبر المقبل،  وحاليا يدور نقاش مع وزارة الثقافة ومحافظة جنوب سيناء لاختيار التوقيت الأمثل لأن مدينة شرم الشيخ ستشهد في نوفمبر المقبل القمة العالمية للمناخ التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي بحضور ما يقرب من ثلاثين رئيسا، وباقي المستجدات سيعلن عنها تباعا بعد شهر رمضان الكريم، لأن هناك جدول زمني أيضا لإطلاق البيانات الصحافية.


روفيدة خليفة