هشام عبد العزيز: الدراسات العربية أهملت المعنيين المباشرين بمخرجات الدرس الشعبي

 هشام عبد العزيز: الدراسات العربية أهملت المعنيين المباشرين بمخرجات الدرس الشعبي

العدد 556 صدر بتاريخ 23أبريل2018

نال الباحث هشام عبد العزيز محمود، درجة الدكتوراه مع مرتبة الشرف الأولى وتوصية بالطبع والتداول بين الجامعات، عن رسالته التي نوقشت مؤخرًا بكلية الآداب جامعة عين شمس تحت عنوان «المنظومة السياسية والاجتماعية في السير الشعبية – الزير سالم وعلي الزيبق نموذجًا»، وتكونت لجنة المناقشة من أ.د. أحمد شمس الدين الحجاجي الأستاذ بكلية الآداب جامعة القاهرة رئيسًا، أ.د. محمد يونس عبد العال مشرفًا، أ.د. مصطفى جاد شعبان بالمعهد العالي للفنون الشعبية عضوًا، وأ.د. خالد عبد الحليم أبو الليل بجامعة القاهرة مشرفًا مشاركًا. ونظرًا لأهمية موضوع الرسالة فقد أجرينا هذا الحوار مع الدكتور هشام عبد العزيز، لنلقي الضوء على ما جاء فيها وعلى أهميتها في بابها.
- كيف يمكننا أن نحدد بدقة إلى أي من العلوم ينتمي موضوع رسالتك؟
الدراسة تقع ضمن ما يسميه المتخصصون في فلسفة العلوم «البحوث متجاذبة الاختصاص»، أو «الدراسات البينية» وهي مساحة في العلوم الإنسانية شديدة الأهمية والتعقيد في آن؛ حيث تخضع لشروط علمية تنتمي لعلمين وربما أكثر. ويتم الاستفادة فيها من التلاقح المنهجي الذي يمكن أن يؤسس في مثل حالتنا هذه ما يسمى «علم الفولكلور السياسي». فإذا ما تمت دراسة المادة الفولكلورية باعتبارها أحد الأوعية غير التقليدية الحاملة للوعي السياسي العربي، فإن ذلك يعد إضافة معرفية.
- وأين تقع بالضبط نقاط التجاذب بين هذه العلوم أو الاختصاصات؟
- نقطة التجاذب بين الاختصاصات تقع على أكثر من مستوى، أولها ما يتصل بعلم الفولكلور من ناحية، وعلم السياسة من ناحية ثانية، وعلم الاجتماع من ناحية ثالثة. وثانيها ما يتصل بالأدب من ناحية وعلوم الاجتماع والسياسة من ناحية ثانية، وثالثها ما يتصل بعلوم الثقافة والدراسات الثقافية، والنقد الأدبي.
- لماذا لم تكتفِ بدراسة فولكلورية خالصة؟
من خلال دراساتي السابقة لعلم الفولكلور، أدركت أن مجال الأدب الشعبي يحتوي على الكثير من الأوعية غير التقليدية الحاملة للوعي السياسي، يمكن عند دراستها طبقا لأدوات وإجراءات منهجية مناسبة الوصول إلى نتائج معرفية مهمة وناجعة على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي وكذلك المعرفي، منها السير والحكايات الشعبية والشعر والأغاني والأمثال والألغاز والفكاهة والتعابير والأقوال السائرة ونداءات الباعة والأدعية والرقى والتعاويذ.. وكل مصدر من هذه المصادر يحتاج لأدوات منهجية خاصة قد لا تصلح مع غيره على الرغم من الاتفاق فيما بينها جميعًا.
 - وما الأهمية التي أضافها مثل هذا الاشتغال على أكثر من تخصص علمي؟
النظر من خلال هذه الأوعية الشعبية، غير التقليدية يتيح زاوية جديدة للنظر إلى المنظومتين السياسية والاجتماعية، كما يعطي مؤشرًا على أن الدراسات العربية أهملت إلى حد بعيد أولئك المعنيين المباشرين بمخرجات الدرس الشعبي بل والمصدر الأول المنتج للمادة الخام التي تملأ هذه الأوعية غير التقليدية، كما تعد مثل هذه الدراسة بمثابة محاولة للمشاركة في إعادة الاعتبار لهذه المصادر المعرفية الدالة على طبيعة الوعي العربي في البعدين السياسي والاجتماعي، كذلك رأيت أن إمعان النظر في بعض الظواهر من خلال هذه الأوعية قد يؤدي إلى نتائج مهمة على مستوى تناول بعض المشكلات الحادة. وفق هذا الإطار العام حاولت الاقتراب من طبيعة الوعي السياسي العربي عبر محاولة تحليل نصين شعبيين دالين على طبيعة هذا الوعي، وهما سيرة الزير سالم من ناحية وسيرة علي الزيبق من ناحية ثانية.
- لماذا هذان النصان تحديدا؟
لأن سيرة الزير سالم تعد من أقدم السير الشعبية العربية إن لم تكن أقدمها على الإطلاق، كما تعد سيرة الزيبق من أحدث هذه السير أو من آخر السير التي ظلت متداولة حتى وقت قريب، حتى إن إحدى روايات هذه السيرة اشتملت على نصوص شعرية لشعراء محدثين مثل أحمد شوقي. وقد كان تصوري المبدئي أن دراسة طبيعة الوعي السياسي والاجتماعي العربي في هاتين السيرتين، هي بالأساس بحث في كيفية تطور هذا الوعي أو بالأحرى تغيره، وكذلك تغير المؤسسات السياسية والاجتماعية وبنيتها. وهو الهدف الذي كنت أود تحقيقه. وهو ما كان يثير فضولي كلما اقتربت من عالم السير الشعبية العربية الرحب.. ومع تقدم الدراسة لم أجد فوارق جوهرية من حيث البنية السياسية والاجتماعية في السيرتين، على الرغم من أن كلتيهما تنطلق من شروط سياسية واجتماعية مختلفة تمامًا عن الثانية، فإحداهما (الزير سالم) تعبر عن مجتمع قبلي مائة في المائة، من حيث هي صراع بين عرب الشمال وعرب الجنوب في جزئها الأول، وصراع بين عرب الشمال بعضهم البعض في جزئها الثاني، أي أنها صراع قبلي بشروطه كافة.
أما (سيرة علي الزيبق) فهي تعبير كامل في الجزء الأول منها عن صراع سياسي وأمني في مجتمع حضري بين مؤسسات الدولة الواحدة سواء بين علي الزيبق وصلاح الكلبي في مصر، أو بين علي الزيبق ودليلة المحتالة في مصر وبغداد. وفي الجزء الثاني تعبير عن صراع حضري بدوي ولكن في ظل دولة حضرية مركزية، وقد كان هذا الاختلاف هو الدافع وراء اختياري للسيرتين لدراسة البنية السياسية والاجتماعية فيهما، آملاً العثور على تطور ما يمكن أن تفصح عنه هذه الموازنة.
 - وهل وجدت فوارق جوهرية بين السيرتين؟
لم أستطع العثور على فوارق جوهرية في زاوية الدرس كما أسلف، فكلتا السيرتين تعبران عن مجتمع واحد وتحملان بنية مفاهيمية متقاربة إلى حد بعيد، وقد كان هذا التشابه – وليس التطابق – مثار إرباك شديد طوال الوقت.
 - وما الذي توصلت إليه من تفسير لهذا التشابه؟
لم أستطع فك شفرة هذا التشابه إلا عند دراسة الأبعاد التاريخية والجغرافية الخاصة بالسيرتين، حيث توصلت إلى أن كلتا السيرتين تنطلقان من حدث تاريخي غير متفق عليه، سواء فيما يتصل بحرب البسوس (سيرة الزير سالم)، أو علي الزيبق (سيرة علي الزيبق)، لا من حيث الأحداث ولا تواريخها، ولا حتى طبيعة وانتماء الأشخاص الفاعلة فيها على المستوى التاريخي. وقد يكون هذا الارتباك التاريخي في السيرتين حالة نموذجية لتعاطي المبدع الشعبي معها وبناء سيرة، هذا أولاً، وثانيًا: لو اعتمدنا آخر التواريخ المتاحة في السيرتين، فنحن أمام روايات تاريخية تتحرك في المجتمع العربي وتتجادل منذ القرن التاسع الهجري، وأمام نصوص وروايات أدبية شعبية منذ هذا التاريخ تقريبًا. أي أن هاتين الروايتين استمرتا في الوجدان العربي في تفاعل معه عند مروره بأزماته منذ نحو سبعة قرون، ومن المعروف أن قصص البطولات الكبيرة التي سجلتها السير الشعبية العربية بصفة عامة، تتكون أصلاً من روايات متعددة تظل تروى حول بطل بعينه أو مجموعة من الأبطال الذين يستدعيهم الوعي الشعبي في الأزمات السياسية التي تمارس فيها السلطة عملية القهر الجماعي ضد الشعب. فالأزمات السياسية التي كانت تمر بها الشعوب العربية، كانت تقدم الزاد الخصب لنمو هذه الروايات ثم تلاحمها فيما بعد لتكون عملاً قصصيًّا كبيرًا، وقد اكتملت مثل هذه الروايات أدبيًّا أو كادت منذ نحو مائتي سنة، وطبعت طبعتها «المميتة» - أو المجمِّدة – حسب تعبير الدكتور أحمد شمس الدين الحجاجي، منذ نحو قرن. غير أن الملاحظة الأكثر أهمية، أن هاتين السيرتين اللتين طبعتا معا منذ قرن تقريبًا طبعتا فيما يبدو من روايات شفاهية هي بنت الفترة نفسها، مما يجعل الشروط الموضوعية – سياسيًّا واجتماعيًّا – لرواية وتدوين وطباعة السيرتين واحدة، رغم اختلاف المنطلق التاريخي الأول للحدث (المضطرب) نفسه. وهذا التشاكل يثبت مدى تأثير تاريخ الرواية/ التدوين/ الطبع على الرواية، أكثر بكثير من تأثير الحدث الفعلي الذي تحكيه الرواية. وهو ما تؤكده الرواية الميدانية التي جمعتها من محافظة الفيوم عام 2005، لسيرة الزير سالم، حيث يتغلب تاريخ التدوين، ليس فقط في التعبير عن البنيات الناظمة للمجتمع كما في حال النصين المطبوعين اللذين اعتمدت عليهما الدراسة، بل في كل التفاصيل كما في رواية الفيوم المشار إليها؛ فالزير سالم في هذه الرواية صاحب خمارة في الفيوم (مركز المحافظة)، كما أن عالم السيرة فيه حرفة النجار، وفيه ساقية (معروف مدى الترابط بين الفيوم والسواقي)، إلخ.
 - وسط التشاكل أو التشابه الذي أشرت إليه هل عثرت على اختلافات مهمة؟
نعم، فهذا التشاكل الجوهري لم يكن مانعًا من وجود اختلافات مهمة أحيانا، أمكن العثور عليها عند النظر للسيرتين وفق مقولة «الحفريات المعرفية» لميشيل فوكو، مثلاً: على الرغم من الاختلاف بين هارون الرشيد وحسان التبعي، فقد جعل لهما راوي السيرة ديوانًا للملك وحجابًا لهذا الديوان مع الاهتمام بتفاصيل إدارية ووظيفية لديوان هارون على حساب ديوان حسان، كما انتشرت الملامح الأسطورية في ديوان حسان عنها في ديوان هارون. ومع ذلك، ورغم وجود قليل من الاختلاف بين السيرتين، فهناك ثبات في كثير من القيم والمعتقدات والعادات الاجتماعية، ومن أبرزها عادة الثأر، تلك العادة المصرية والعربية المتجذرة في المجتمعات الريفية التي تنتشر كذلك في محافظات الصعيد. فقد ورد ذكر (الثأر) في سيرة الزير باعتباره المحرك الأساسي للأحداث. وكذلك في سيرة علي الزيبق. بل إن سيرة الزير سالم تستعرض ما سمته «ثأر الحمار» الذي ورد ذكره على لسان الزير سالم نفسه عندما قتل الأسد الذي افترس حماره، وهو ما يشير إلى مدى تجذر عادة الثأر في المجتمعات العربية.
 - ولكن كيف تعاملت منهجيا مع تنوع وكثرة مصادر الدراسة؟
يتطلب هذا التنوع - بالتأكيد - استخدام منهج علمي محدد، مع الإفادة من بعض الإجراءات المنهجية المتنوعة حتى يمكن استنطاق مادة مصدرية بهذا الثراء، هذا المشكل هو ما دفعني إلى الاطمئنان منهجيًّا إلى القراءة وفق منهج النقد الثقافي؛ إذ إنها أكثر القراءات المنهجية استيعابًا للأبعاد السياسية والاجتماعية والتاريخية والأدبية والفولكلورية كافة؛ حيث توفر للباحث أدوات منهجية مرنة يمكن من خلالها دراسة مادة مصدرية متنوعة مثل سيرة الزير سالم وسيرة علي الزيبق.
 - وماذا عن النتائج التي خلصت إليها الدراسة؟
هناك عدة نتائج منها أن فن السيرة – بوصفه فنًّا سرديًّا – هو في الحقيقة سرد شعبي سابق على الإسلام في المنطقة العربية؛ أي أن السيرة النبوية هي التي استلهمت هذا النوع السردي وليس العكس، وأن استلهام كتاب السيرة النبوية لهذا النوع الأدبي قلّص من جموحها الإبداعي وأخضعها قسرًا لشروط التاريخ تارة، وشروط الدين تارة أخرى، وربما لكليهما، ثم ومع مرور الزمن تحول هذا النوع الأدبي إلى نوع أدبي خاص بمؤلف معلوم وجمهور محدد؛ أي أنه تحول شيئًا فشيئًا من خطاب إلى نص، غير أنه لم يتخلص من كثير من سماته الشعبية، ليتحول في القرن الأخير إلى خطاب شعبي مرة أخرى؛ أي أنه استعاد طبيعته الشعبية بالكامل مرة أخرى. كما خلصت الدراسة إلى أن هذه النوعية من الكتابة هي بنت زمن روايتها، ولذا فليس من السهل أن ننسبها لزمن محدد أو مكان محدد طبقًا لموضوعها، لذلك فإن البحث عن نسب لهذه النصوص يقتضي درسا للحفريات المعرفية في كل نص كي يمكن أن نطمئن بنسبة معقولة لهذا النسب، كذلك لا يجب أن يطمئن الباحث تمامًا لنقطة البداية في بعض السير، كأن يفترض مثلاً أن سيرة الظاهر بيبرس لم تكن موجودة تمامًا قبل عصر بيبرس، ففي عنوان السيرة تكمن خدعة كبرى؛ حيث إن العنوان جزء من اللعبة، فالسير ليست موضوعًا واحدًا محددًا من بدايتها لنهايتها، بل إن الإطار العام للسيرة هو إطار مرن يسمح – مثله مثل كل النصوص الكبيرة – بدخول وخروج الكثير من الوحدات النوعية الصغيرة، التي ربما – وهو الأغلب – كانت ضمن أطر نوعية أخرى وخرجت منها؛ أي أن الباحث ربما كان يدرس سيرة ويفاجأ بوحدة سردية زمانية أو مكانية أو لغوية تنتمي لعصر أسبق على موضوع السيرة أو شخصيتها الرئيسية. لذلك رأيت أن أنبه إلى أن الدرس الأدبي/ النقدي العربي يحتاج بشكل ملح لدراسات معجمية تنتمي لعلم اللغة التاريخي على الأقل فيما يتصل بألفاظ الحضارة، حيث يمكنه أن يكشف متى استوت لفظة من المعجم العربي بمعنى محدد. وإن كان مثل هذا الدرس ضروريًّا للدراسات الإنسانية بشكل عام، فهو لأولئك المهتمين بالدراسات التداولية والثقافة الشعبية أكثر أهمية. كما توصلت الدراسة إلى أن الاطمئنان إلى النصوص التي نرجع إليها عند قراءة ودرس السير الشعبية التي بين أيدينا، هو اطمئنان مبالغ فيه، فإنما هي طبعات قديمة في مجملها تحتاج كلها إلى التحقيق العلمي المنضبط الذي يُخضعها لأدوات علم التحقيق مع عدم إغفال طبيعتها النوعية الخاصة؛ أي لا يخضعها بصرامة لبعض الإجراءات المنهجية لعلم التحقيق، مثل المقابلة بين النسخ مثلاً، فلكل رواية من روايات أي سيرة احترامها واعتبارها الخاص. لكن لا يجب أن يجري الاطمئنان لهذا الكلام وأعماله بشكل أعمى أيضًا، فقد تقتضي الضرورة الاستعانة برواية من الروايات عند الاعتماد على أخرى. وهو ما وجدته عند تحقيق لسيرة الزير سالم وكنت قد قاربت على الانتهاء منها تمامًا، ورأيت أن تحقيقها لن يخرج آمنا مطمئنًا إلا بالاعتماد على الأقل على نسختين، وإن رأيت ألا يرى التحقيق النور إلا بخمس نسخ مختلفة (مخطوطة ومطبوعة – نثرية وشعرية) في نص أرجو أن يضيف – إن شاء الله - لعلم تحقيق التراث بقدر ما يضيف للأدب الشعبي. كما توصلت الدراسة بعد محاولة الاعتماد على بعض آليات المنهج الثقافي أن تطبيق مثل هذه النوعية من المناهج على النصوص الشعبية العربية، ربما استنطقها بمصطلحات عربية يمكنها أن تضيف لمثل هذه النوعية من الدراسات في العالم. وتوصلت أيضا إلى أن دخول العالم العربي عصر الطباعة ليس مجرد نقطة انطلاق معرفي وعلمي لعوالم أخرى – وهو ما دُرس في تخصصات كثيرة – بل إن الثقافة العربية تحتاج لجهود بحثية أكثر عمقًا ثقافيًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا، وأن تحاول المقارنة الدقيقة بين ما قبل وما بعد دخول المطبعة سواء في العالم الإسلامي أو العالم العربي، وخصوصا في مصر والشام، وهو ما رأى له الباحث صدى في هذه الدراسة فيما سماه «عصر التدوين المميت» الذي لم تكد تراوغه وتفلت منه سوى «السيرة الهلالية». كذلك رأيت أنه ينبغي على الدارسين للسير الشعبية – خاصة في طبعاتها القديمة المنتشرة الآن – أن ينتبهوا إلى البعدين التجاري والتقني عند مطالعة هذه الطبعات. وأقصد تلك التدخلات التي كان يقوم بها الناشر في آخر السيرة، كأن يضيف في نهاية سيرة الزير سالم مقابلة بين الأوس وأحد بني عبس الذي يكلمه عن عنترة العبسي وهو ذاهب لاستدعائه كي ينصر قبيلته في حروبها، وهو مشهد – إن صح التعبير – ليس موجودًا في النسخ الخطية الأقدم. ومثل ذلك إشارة سيرة الزير في نهايتها إلى بني هلال بمدح يتجاوز الأبعاد القبلية والمذهبية بإبراز بطولتهم في مناصرة النبي في حروبه. ولهذه الإشارات أبعادًا تجارية دعائية، أما البعد التقني فالمقصود به عملية تركيب الحروف في الطباعة القديمة، وأتمنى على الباحثين أن يهتموا بتحقيق السير الشعبية بمنهج علمي ولا يُكتفى بمجرد النشر الحديث لطبعات قديمة دون تحقيقها بما يشي بأن الطبعة الحديثة هي عينة آمنة للدراسة وهي في الحقيقة تكون أبعد ما يكون عن الأمان العلمي.

 


رنا رأفت