أيام الشارقة 30.. جى بى إس سيمفونية الموت والحياة

أيام الشارقة 30.. جى بى إس سيمفونية الموت والحياة

العدد 660 صدر بتاريخ 20أبريل2020

من خلال فاعليات مهرجان أيام الشارقة المسرحية الدورة 30 والتى أقيمت فى الفترة من 29 إلى 6 مارس 2020 قدمت مجموعة من العروض المسرحية المتنوعة والبداية من عرض «جى بى إس»للمؤلف والمخرج محمد شرشال، إنتاج المسرح الوطنى الجزائرى، وهو العرض الفائزة بجائزة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمى لأفضل عمل مسرحى عربى في الدورة الثانية عشرة من مهرجان المسرح العربى والذى نظمته الهيئة العربية للمسرح في العاصمة الأردنية عمان في الفترة من 10 إلى 16 يناير 2020، يعد عرض جى بى إس تجسيدا لفكرة تراجع النص/ الكلمة، فما يمكن أن تسمعه كمتلق من حوار في هذه المسرحية هو مجرد أصوات بدائية لا يمكن أن تميز معناها، وكأنه نوع من العودة إلى الأصول الأولية للإنسان حيث لا لغة تتجسد فى كلمات منطوقة وإنما أصوات تحاول التعبير عن المعنى المراد إيصاله للمتلقى تساعد تلك الأصوات في وصولها للمتلقى الإيماءات والإشارات الخاصة بالممثل، وعناصر العرض الأخرى من موسيقى ومؤثرات صوتية، هذا إلى جوار الملابس والديكور وجميع عناصر السينوجرافيا.
 يناقش عرض جى بى إس مجموعة من الأفكار منها ذلك التحول التكنولوجى الذى يعيش في خضمه العالم، حيث تلك الآلات التي أصبحت تسيطر على الحياة في عمومها وشمولها فمن خلال الأوفارتير يقدم شرشال مجموعة من البشر أشبه بالآلة، أدائهم يؤكد على فكرة أن الجميع قابل للتدجين في زمن أصبح فيه سلب الإرادة هو العادة التي تمارس على الدوام فإما أن تكون مسلوب الإرادة أو سالبا لها، هكذا يمكن أن يتحول العالم إلى مسوخ كما قدم شرشال في مسرحيته، ففي مشهد كاريكاتورى يقدم الأم التي يبدو مظهرها الخارجي خاضع لفكرة المبالغة عبر التضخيم فهى تعتلى تكوين أشبه بنصف دائرة قاعدته تتجه للأسفل يخرج منها أشخاص عند الحاجة، وفي لحظة الولادة تلد مسوخا متشابهة ذات وجوه تبدو غير بشرية مرتبطين بها بحبل يشبه الحبل السورى، قابلين  للتشكيل والإنصياع لأى شخص يُمَكن من أمرهم، وفى مشهد أخر تتجلى فكرة الزمن بما يمكن أن نراه في حالة من الدائرية والتكرار حيث ينتظر الجميع القطار الذى يأتي دائما في اللحظة الخاطئة لحظة فقدان الأمل، والإنتباه إلى الشجار مع الآخر،  بعيدا عن تحقيق الهدف أى ركوب القطار، وتنتهى المسرحية بتحول الجميع إلى أشخاص بلا روح لاحياة فيهم غير قادرين على الفعل بحيث يبدو المشهد فى حالة من التعبيرية فقد مر الزمن ولم يلحق الجميع بالقطار وكأن المخرج أراد أن يعبر عن كل شئ بلقطة واحدة، فكيف يمكنك اللحاق بالحياة وجل ماتهتم به هو التناحر مع الأخر.
«جى بى إس» عرض يعتمد على تلك اللوحات المنفصلة في تسلسها المنطقى المتصلة في أفكارها العامة وكأنه يقفز في الزمن مركزا على أفكار إنسانية عامة تجعلنا نمعن النظر في جوهر بقاء الإنسان وسعيه على وجه الأرض وتفاعله مع الكون ومدى حريته ورؤيته لهذا العالم .
العرض «تمثيل – سارة غربى، عديلة سوالم، أسماء شيخ، صبرينة بوقرية، عبد النور يسعد، محمد حواس، أحمد دحام، مراد مجرام، محمود بوحموم، براهمى ياسين»
وإذا كان عرض جى بى إس يرصد حياة الإنسان عموما فى كل زمان ومكان فإن عرض» سيمفونية الموت والحياة «يرصد حياة الإنسان فى ظل التطرف الذى يحاول السيطرة على العالم، فذلك الفكر الذى يؤدى إلى الإرهاب ونشوب الحروب هو أيضا قادر على إستلاب الحياة، ولذلك يمكن أن يقدم الأبيض بجلاء ليبدو الأسود فى قمة وضوحه وعليك الإختيار .
 قدم عرض»سيمفونية الموت والحياة» فى ختام عروض مهرجان أيام الشارقة 30 لفرقة مسرح الشارقة الوطنى، تأليف إسماعيل عبد الله، إخراج محمد العامرى.
 يمكن تفسير العتبة الأولى من عتبات العرض وهى العنوان «سيمفونية» تعنى عمل أوركسترالى لأكثر من ألة فردية، وكأن الحياة والموت سيمفونية تعزف بإستمرار في هذا العرض حيث يقدم  المخرج عالمين متوازيين يسرى كلا منهما إلى جوار الأخر وصولا إلى لحظة تتعارض فيها المصالح، فيشتد الصراع بين رعاة الحياة ورعاة الموت.
 يتجلى الصراع في هذا العرض مابين طرفين الأول يتجسد في فرقة موسيقية والتي يطلب منها الذهاب إلى مكان الحرب  للترفيه عن الجنود في خضم الموت المحيط بهم، والطرف الثانى من الصراع يتجلى في مجموعة من المتطرفين يقبضون على الفنانين الموسيقيين ويحاولون معاقبتهم بالموت فهم النموذج الواضح لمعنى الموت القائم على الأرض، لايرون سوى القبح حيث تغشى أعينهم بما يتحمل عقلهم من أفكار مغلوطة فكل مايخص الفن بالنسبة إليهم  محرم، وفيما يخص الموسيقى ذلك النوع المرهف من الفن ، والذى يعبر عن المعانى من خلال الأنغام، فإنهم يحاصرون عازفيها بالموت مهددين إياهم لتدور مجموعة من الحوارات الدياليكتيكية بين قائد المتطرفين وقائد الأوركسترا ليتسلل النغم الى قلب المتطرف فيفتح باب التأمل والتفكير ويعيد النظر من جديد في أفكاره، هذا لأنه بالأساس دارس للفلسفة والفنون لكنه لجأ إلى التطرف في لحظة يأس غيرت معنى الكون في نظره.
يتبع المخرج رؤية يمكن من خلالها تشكيل صور مرئية على خشبة المسرح حيث تبدو الآلات الموسيقية في محاولة للبقاء عبر النغم من خلال عزف الموسيقيين، وفى المقابل تتسابق الأسلحة لإعمال القتل في العازفين ليتماهى صوت الأنغام مع صوت الرصاص، وفى لحظة مامن العرض المسرحى لا يمكنك كمتلق التميز بين صوت الوسيقى وأى صوت أخر، فنهاية المسرحية تقدم تنويع على سيمفونية «بحيرة البجع لتشايكوفسكى» فتكون رسالة مفادها إنتصار الفن والجمال على القبح، وإنتصار الحياة على الموت فهى مسرحية تستولد الحياة من الموت.
الديكور ل»وليد عمران» عبارة عن مجموعة من البانوهات يسار ويمين خشبة المسرح وهى أطر خشبية لأقمشة بيضاء مطاطة يمكن أن تتحرك الأيادى والأجسام خلفها لتترك إنبعاجات يراها المتلقى بشكل يؤكد على أفكار الصراع والقيود، ثمة مستوى متحرك يتم إستخدامه في بعض الحوارات السجالية بين الشخصيات، فيتم تحريك ذلك المستوى في شكل دائرى وكأنها حركة دائرية لتقنية كاميرا سينمائية.
المسرحية تمثيل»عبد الله مسعود، أحمد العمرى، ورائد الدلاتى، ومحمد جمعة، وناجى جمعة» التصميم الحركى هبة مصطفى» وقد أجاد الممثلون فى التعبير عن شخصياتهم الدرامية.


داليا همام