ثورة الفلاحين لوب دي فيجا ما بين مؤنس وحسونة

ثورة الفلاحين لوب دي فيجا ما بين مؤنس وحسونة

العدد 558 صدر بتاريخ 6مايو2018

نص مسرحية (فونتي أبيخونا) للشاعر والكاتب الإسباني لوب دي فيجا. كان يدور في الأصل حول هذا الحاكم المستبد الذي استباح شرف القرية وعرضها، وعندما تمادى قام أهل القرية باستباحة قصره وقتله، وعندما جاء القاضي وأخذ يسأل كل فرد عمن قتل الحاكم؟ كانت الإجابة من الجميع هي: فونتي أبيخونا. وإذا عرفنا أن هذا هو اسم القرية، بما يعني أن الجميع قد شارك في عملية التخلص من الطاغية، وطبيعي أنه من الصعب أو المستحيل أن يتم محاكمة كل أهل القرية، فكان العفو الملكي.
وفي حقبة الستينات قام الدكتور حسين مؤنس بترجمة هذا النص ولكن تحت اسم (ثورة فلاحين).
وقدمت فرقة فلاحين المنصورة منذ أيام عرضها السنوي، يحمل اسم هذا النص بنفس المترجم ومن إخراج أحمد الدسوقي. ولكن كان هناك منحنى آخر شديد الأهمية تمثل في أن المعالجة الدرامية وإعادة الصياغة للسينارست خالد حسونة! نعم، هو نفسه المخرج المسرحي الذي كتبنا عن إخراجه نص السلاموني (رجل القلعة). والحقيقة أنه بعد مشاهدة نص العرض ستشعر أنه في الأساس لم تكن هناك ثورة فلاحين، وإنما التغيير جاء على دور المخلص الفرد. بل وتمادى في إظهار عدم حيلة المجموع واستساغته لفكرة الذل والإذعان - مع بعض التعريض الذي قد يكون غير مقصود بفترة الستينات. ويبدو أن مرجعية خالد تحكمت لحد كبير في عملية إعادة الصياعة هذه. فأنت ستجد ظلالا واضحة لفيلم (شيء من الخوف) كما ستجد مشهدا من ماكبث، فهو قد نقل الحدث من القرية الإسبانية لقرية مصرية، بها العمدة الظالم الذي يفرض الإتاوات على السكان. وفي ليلة عرس بالقرية يقوم بحجز العروس حتى يتم دفع الإتاوة ثم تتم عملية انتهاكها من قبله ولا يفعل الناس شيئا، وتعجبه بنت شيخ القرية فيراودها عن نفسها في اللحظة التي يتم فيها عودة حبيبها القديم فيضرب العمدة ويفر. وأثناء عملية البحث عن ضارب العمدة من قبل رجاله يقوم الفرد بمحاولة تثوير الناس ولكن لا حياة لمن تنادي. ويقوم العريس الذي انتهكت عروسه من قبل بمحاولة قتل العمدة، ولكن المحاولة تفشل، ليخبرنا العمدة أنه عصي على القتل فقد أخبرته العرافة أنه ما من رجل يقدر على قتله سوى ابن لأبيه. وبما أنه وحيد فهو في مأمن ويقوم بقتل العريس. ويقوم بحيلة لاستدراج والد البنت التي أرادها بجدة رغبته في توزيع عقود بعض الأراضي التي انتزعها من أصحابها سابقا. وأنه يجب أن يقوم بالإمضاء على كل عقد، ويدس عقد زواج بين الأوراق، لترتفع مقولة أن زواج العمدة من ابنة كبير المغازية باطل، ولكن بتنويعة أخرى. ويقوم العمدة فعلا بانتهاك عروسه، لنجد البطل الفار قد عاد ويضرب العمدة بطلقة من مسدسه، فيترنح وعندما يحاول القيام مخبرا بأنه لا شخص قادر على قتله، تقوم أم هذا البطل العائد بإعلان أنه قد تم انتهاكها من قبل على يد والد العمدة. ولكن شيخ القرية سترها وربى الولد كابنه، لتتحقق النبوءة: فيموت العمدة.
سنجد أن المغزى الأساسي لدى فيجا غير موجود، بل إن المغزي العام للنص الذي تمت إعادة صياغته يتناقض كلية مع فكر دي فيجا، بل إنه حتى الاسم الذي اختاره د. حسين مؤنس لم يعد مناسبا.
لسنا ضد أي فكر أو أي توجه، ولكننا ضد نسبة فكر ما لمن يتناقض معه تحت أي مسمى. وكانت الحلول للخروج من هذا كثيرة بل ويعلمها حسونة جيدا، وإذا كنا قد رأينا ضرورة التوقف عند هذه النقطة على خلاف عادتنا في الحديث عن أي عرض مسرحي بالتطرق لنص العرض ذاته لا النص الموجود على الورق، ولكن في هذه المرة الأمر مختلف تماما، خاصة وأن معظم الشباب المهتمين بالعملية المسرحية يستقون ثقافتهم من نصوص العروض والعروض ذاتها، بل وقد يعجب البعض ما قدم، فيقوم بإعادة إنتاجه تحت زعم أنه ينتمي إلى فيجا على عكس الحقيقة.
وتقريبا، إن عملية إعادة الصياغة التي قام بها حسونة قد تزامنت مع عمليه إعداده لإخراج عرضه في نفس المدينة (رجل في القلعة)، فبدلا من رحلة لمتحف القلعة، كان هناك راوٍ يتحدث عما فات؛ أي أنه قد أخذنا لمتحف آخر ولكن بشكل مغاير. وطبيعي أن الإعداد الإخراجي سيلقي أثره في عملية الإخراج الثانية التي تقوم على نفس التكنيك، فالمعاصرون عند حسونة ألبسهم الثياب الآنية وكانوا على جانبي منطقة التمثيل معظم الأوقات. وهو نفس الحال عند الدسوقي، فالمروي لهم بنفس الثياب الآنية وعلى نفس الجوانب. ولكن إذا كانت عملية الإعداد عند حسونة محكمة طبقا لمكان الحدث وهو القلعة مع بعض الخروج عن هذا السياق عند تصور المنازل والشارع، فكان نفس الأمر، فأحمد سعد مهندس الديكور قد قدم القرية ومنازلها كما ينبغي أن تكون، ولكن في المشاهد الخارجة عن نطاق القرية كانت القرية موجودة وبشدة! كما كانت المشاهد المفترض أنها داخلية في بيت العمدة عادة ما تقدم في نفس مكان التمثيل ألا وهو الساحة الكبيرة التي أمام تلك المنازل؛ أي أن الديكور في المجمل لم يكن إلا عبارة عن عدة أبواب فقط! ما علينا.
وطبيعي ألا أتحدث عن العناصر الفنية الأخرى ليقيني أن العرض قدم في هذا المسرح اضطرارا من جهة. ومن جهة أخرى وإذا تحدثنا عن الفلسفة الواجبة لمسرح الفلاحين ألا وهي إمكانية الانتقال لأي مكان يسمح بتقديم العرض؛ أي الذهاب للجمهور/ الفلاحين في قراهم. فربما كان الأجدى أن يكون الحل بالنسبة للديكور هو الابتداء من منطقة الصفر أي الأرض لا المنصة المسرحية الموجودة. ولكن عملية الخلط بين مكان تقديم العرض للجنة الموقرة بالإضافة لبعض المعوقات الأخرى لتنفيذ عروض الفلاحين في المناطق الواجبة؛ أي أن الحكم الفني الواجب الالتزام به بالنسبة لفلسفة هذه الفرقة يقتصر في ظني على عملية التوصيل التي يقوم بها الممثل في أضيق حيز ممكن من الإمكانات الفنية الأخرى كالإضاءة والديكور.. إلخ.
وإذا كانت عملية التلقي قد سارت بشكل جيد عند الجمهور نظرا لتطابق نص العروض مع ما يرونه من المسلسلات والأفلام ذات التوجه المحدد في الاعتماد على المذهب العاطفي في التلقي. فأنا أحب أن أقف عند الجانب المملوء لا الفارغ خاصة في عروض الأقاليم.
والجانب المبشر هنا الذي يحسب وبشدة لأحمد الدسوقي هو قدرته على التعامل الجيد رغما عن حداثة عمره مع مخضرمي المسرح في فرقة الفلاحين، وهم مصطفى فتحي (الراوي) ومخلص صالح (زناتي) وعاطف السيد (الكلاف) وأحمد فاروق (كبير المغازية) وفيفي الزناتي (العرافة) وفاطمة زكي (الحاجة صادقة). فقد كانوا كعادتهم من الجودة والإخلاص. وهم يقفون كتفا بكتف مع أي ممثل آخر يشار إليه. أما كريم سرور (العمدة) وهو من جيل الوسط، فقد كان أكثر من جيد وقدم الدور كما ينبغي وكانت له إضافته في عملية تصوير الشخصية للدرجة التي تفاعل معها الجمهور، بغضا وقت الحدث، وإعجابا عند الانتهاء. كما قدم أحمد الدسوقي وجوها صاعدة سيكون لها أثرها ووجودها لو أحسن رعايتها ممثلة في إسراء عادل (سخير) وإسراء منير (وردة) وبقية الرواة أحمد فوزي وآلاء منير وإسلام عادل ويوسف محمد وأشرف عادل وأحمد يوسف وزينب عبد البديع ومريم كارم. وعموما فقد كان التمثيل في المجمل جيدا لذا يجب أن نذكر بالاسم بقية الممثلين وهم: سمر الشربيني وجنا سعيد وهشام جابر وسمر الحناوي ومحمد عطوة وجنة محمود وباسم الشعلة ويمنة عادل وأيمن مختار ونورهان المعازي ومحمد الباز ومحمد عبد الناصر ومحمد الهواري والحسين بدران وآلاء أيمن وجنا محمد وشيرين عثمان وعمرو حسن وكريم حلمي وياسر عبد الوهاب وعبد الله إسماعيل وعبد العليم السماحي ومحمد أمير وأحمد مصطفى فتحي ومحمد طلعت ومحمود العتباني.
وإذا كنا قد طالبنا بالرعاية بالشباب فالمطالبة ستكون أشد بالاهتمام بالرائعين من الأطفال الذين شاركوا في العرض بهدوء وثبات يحدسون عليه، بل إن بعضهم كان يملك حضورا كنجم رغم سنه الصغير، وهم: شذى يسري وأدهم محمود ومحمد يسري وسلمى محمد وإبراهيم العثملي وجنا العثلمي وجاسر سعد وأسامة إسلام.


مجدى الحمزاوى

mr.magdyelhamzawy@gmail.com‏