مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي الثالث عروض شبابية وأفكار مغايرة

مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي الثالث عروض شبابية وأفكار مغايرة

العدد 557 صدر بتاريخ 30أبريل2018

ضمن فعاليات مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي في دورته الثالثة دورة “الفنان محمد صبحي” قدمت الكثير من العروض المسرحية التي تميزت بأفكارها المبتكرة وقضاياها الآنية.. السجن الخشبي.. الإذعان والقبول عرض قدمته دولة إيطاليا ضمن عروض المسابقة الرسمية، في خضم موسيقى منتظمة ذات إيقاعات صارمة يبدأ العرض، حيث فضاء مسرحي فارغ إلا من أجساد الممثلين متشحين بالسواد، يصنعون بأجسادهم كتلة بشرية، يؤدون خطوات آلية منتظمة في ميكانيكية صارمة، إلى جوار مجموعة من الأشياء مرتبة في منطقة التمثيل، توضع تلك الأشياء بشكل يوحي بأنهم مجموعة من البشر الجالسين في خضوع ويأس، من داخل تلك الكتلة البشرية المتحركة التي يفعلها الممثلون عبر انتظامهم في الحركة، يخرج الممثل تلو الآخر مرددا طلب المساعدة، من المتلقي فثمة من يرغب في رؤية القمر مرصعا بالنجوم، وآخر يرغب في عزف الموسيقى، وآخر يرغب في العودة إلى المنزل، وهكذا واحد تلو الآخر معبرا عما يتمنى، ومن حالة الخضوع المُنظم إلى ظهور “ماريونيت” هيكل عظمي لا يفعل سوى الأوامر، والمطالبة باستمرار العمل، هنا تتجلى صورة الماريونيت على أنه رمز السلطة الأمرة، التي تسيطر على هذه المجموعة من بني البشر.
على الجميع في هذا المكان غير المعلوم الخضوع لسلطة تلك الهياكل العظمية “الماريونيت”، فالمكان للعزل والعقاب، تستخدم فيه آليات إخضاع الجسد باسم نظام أو سلطة ما، بهدف خلق نوع من “التشريح السياسي للجسد”، ما يسمح بالحصول على أجساد طيعة مرنة، مُنقادة وقابلة للاستخدام والتحويل والإنتاج، هنا يتم حصر الجسد في بعد واحد وهو التدجين.  
لا مجال في هذا المكان لجملة الأحاسيس البشرية، وإن أردت الحصول على أي إحساس بشري فعليك اللجوء إلى الذاكرة، لتجد الأساطير أو الخيال أو الماضي، الذي يبدو وسيلة للخروج من حالة الأسر، ينتقل العرض عبر تقنية الميتاتياتر لاستحضار مشاهد من أسطورة الجميلة النائمة، وانتصار الحب في النهاية رغم مؤامرة الساحرة الشريرة، ومنها إلى الخيال ومشهد من السيرك حيث يمزج العرض بين الألعاب البهلوانية، وتلك التكوينات من قبل الممثلين عبر أجسادهم، التي تعبر عن حيوانات تستخدم في السيرك كالفيل والحصان، وعبر قطعة من القماش الكبيرة يصنع الممثلون مركبا شراعية فيتكون مشهد للقراصنة، يعتمد بشكل أساسي على الكاريكاتور حيث يصبح الجميع بعين واحدة، ومع انتهاء كل مشهد يمتزج فيه اللعب بالمرح ونوع من الحرية، يعلن الماريونيت السلطوي عن وجوده ليخضع الجميع من جديد لحالة التدجين الأولى بعيدا عن البهجة.
في لحظة ما من لحظات العرض يتم التماهي بين الممثل وهذا الماريونيت لتبدو تعبيرات الممثلين بلاستيكية أشبه بتعبير الماريونيت نفسه، ومع أن الممثل هو من يمسك الماريونيت، إلا أنك بصفتك متلقيا عبر أداء الممثل تشعر أن الماريونيت هو المُسيطر، يحرك الممثل وفق إرادته.
يمكن النظر لحالة الخضوع وهذا السجن الخشبي “عنوان العرض” على أنه ما فعل الإنسان في ذاته، فقد حول الإنسان مشاعره الإنسانية إلى مجرد سلعة لا أكثر، في خضم هذا التطور الهائل للتكنولوجيا.
في هذا المكان غير المعلوم ترفض الموسيقى ويرفض الرسم، وحين يحاول هؤلاء المدجنون العزف لا تصدر الآلات الموسيقية صوتا مسموعا، وحينما يتجمعون مكونين لوحة لا يخط القلم أي رسم، ولكن بالاستمرار والمحاولة تصدر الآلات أصواتا، ويخط القلم ألوانه، لتتكون الرسمة “قمر ونجوم” وبحالة الانشطار للوحة يصبح في يد كل ممثل جزء من الرسم يشع عليه بهجة وحياة، وعلى ذلك وباستمرار المحاولة يمكن أن يفك الأسر.
ذلك السجن الخشبي يمكن أن نراه على المستوى الخارجي وعالمنا المحيط، ويمكن أيضا أن نراه على مستوى ذواتنا، فقد تكون أفكارنا هي سجاننا الإرادي، حصد عرض السجن الخشبي جائزة أفضل عرض جماعي في المهرجان نزوة سحر الحركة.
عرض تونس “نزوة” إخراج وكيروجراف أشرف بالحاج مبارك، من خلال الاستعانة بتقنيات السينما يبدأ العرض، حيث الاستعانة بشاشة تستقر في خلفية فضاء التمثيل، تعرض الشاشة فضاء مفتوحا حيث الطبيعة بين الأشجار، ومجموعة من البشر يهربون من شيء ما، ثم ننتقل إلى منطقة التمثيل، ليبدو الممثلون في حالة من الاستسلام والإنهاك الشديد، على إثر حالة البحث السابقة، وبغربال في يد أحد المؤدين تبدأ رحلة البحث من جديد، حيث يأخذ الممثلون في نوع من التتابع الغربال محاولين الدأب على فعل الغربلة، يتكتل الممثلون أمام مستخدم الغربال في انتظار التقاطه واحدا بعد آخر.
ثمة نوع من التواصل يحاول المؤدون صنعه مع الأرض ذاتها، وإذا ما فقد هذا التواصل يخرون إلى الأرض مُنهزمين، هنا يبدأ الطقس حيث تدخل امرأة حاملة بين يديها بخورا، وتبدأ في إلقاء بعض التعاويذ السحرية لتفك أسرهم من فكرة الانهزام هذه.
عبر الرقص الحديث يعبر المؤدون عن الأفكار، وما يتعلق بها من نغمات إحساسية، وعن طريق حركات الجسد يتم التعبير عما يعتمل في نفس المؤدي من مشاعر، يستعمل الجسد في هذه الحالة كأداة والحركة كوسيلة منظمة لتوصيل الأفكار.
العرض يكيف التقليد الشعبي “البخور” في إطار العمل المسرحي الراقص ليظفر هذا التناسج عن شكل جمالي، أقرب إلى تجسيد الرموز الموحية بالغيبيات، التي تسيطر على عالم اللاوعي عند البشر، وهكذا تنبع الحركة عن الفكرة ويصدر الفعل عن الانفعال، ينقل العرض أدق الخبرات والتجارب الإنسانية من خلال الحركة.
فكرة سلعية المرأة تعد جوهرية في المسرحية، ويصبح الجسد موضوعا رئيسيا للعرض والاستهلاك، وتستمر رحلة البحث عن الذات، طوال العرض وصولا للتأكيد على مجتمع الصورة، وبأن الصورة أصبحت أهم من المعنى في مجتمع السلعية، حيث يتجمع الممثلون مصورين أنفسهم صورة سيلفي، وينتهي العرض بالتأكيد على اهتمامنا بالشكل دون المضمون.
“نساء تحت الاحتلال” الرقص أداة للمقاومة
كذلك فقد قدمت دولة فلسطين عرض “نساء تحت الاحتلال” إخراج نيكول بايندلر.
تُعبر ثلاث من النساء عما في داخلهن من تمرد واستمرار للمقاومة للاحتلال، من خلال الرقص، فلا يمكن الإذعان والقبول حتى وإن أحكم الاحتلال قبضته، ويمكننا استعادة تراثنا المُتجذر في الأرض، لتبدو الموسيقى التراثية سبيلا لرؤية الحياة من جديد، تجعلنا ندرك جذورنا في الأرض، التي لا يمكن أن تقتلعها أو تمحوها ممحاة الاحتلال، إنه التحدي في مواجهة شبح الاحتلال، تبدأ الثلاث نساء باستخدام الحجارة ووضعها على الأرض بانتظام، حجر بعد آخر قائلين بأسماء المدن الفلسطينية (يافا، عكا، طبرية، خان يونس، رفح، الخليل، تل الزعتر، تنطورة)، وغيرها من المناطق إلى أن تكتمل الخريطة الفلسطينية وفي قلبها القدس، عرض يعبر بشكل واضح عن سبل المقاومة التي لا تنتهي، والرقص يمكن أن يصبح أداة للمقاومة في مواجهة الاحتلال، الفن عموما يمكنه المحاولة والنجاح.  
 تفل قهوة مواجهة الزيف
ومن العروض ضمن المسابقة الرسمية قسم المونودراما دولة لبنان “عرض تفل قهوة” تأليف هيثم الطفيلي، إخراج هشام زين الدين في بؤرة ضوئية مرتكزة على الممثلة مروة فرعوني، يبدأ العرض حيث تستمع إلى الراديو الذي يقدم نموذجا للزيف وضحالة الوعي، والحديث المُهيمن عن عمليات التجميل، وكأنه إعلان البداية ومحاولة انتقاد الزيف القائم والاحتفاء بالمظهر في المجتمع.
تقوم الممثلة بتهشيم الراديو مؤكدة أنه يأتمر وفقط بأمر أي صاحب سلطة (حاكم طوائف، مدارس، جمعيات، أحزاب) في إشارة لهذا الزيف الذي يدعم سلطة الخطاب القائم لتستقر الأمور في أي مجتمع، وفق رؤية تلك السلطة وما يخدم مصالحها، التي بالضرورة تتناقض مع مصالح العامة، فتزيدهم حالة الزيف فقرا على فقر.
تحاول الشخصية الدرامية مواجهة هذا الزيف المجتمعى، بأن تعلن عن اعتراضها وتواجه جميع من حولها بعيوبهم، فيكون جزائها الإزاحة والعزلة الجبرية، فتبقى وحيدة في حالة بوح مستمرة طوال أحداث العرض. . بينوكيو أن تتجسد الأحلام
ومن ضمن عروض مسابقة مسرح الشارع والفضاءات المفتوحة، قدم عرض “بينوكيو” تأليف عمر رضا وإخراج محمد أحمد مومو.
في مسرح الأحلام توهب الأشياء الروح، وتتجسد روح صانعها فيها، فقط عليك بوصفك متلقيا أن تسمح لخيالك أن ينطلق في عالم موازٍ، عالم لا تحكمه القواعد والقوالب الجامدة، بل تحكمه الأحلام، لتتحول الدمى إلى بشر، يمكن أن يصبح بينها صراعات بشرية من حب وكره ومكائد، لكن أخيرا قد ينتصر الحب، إذا ما كان صادقا، تلك الفكرة الأساسية التي تبنهاها العرض وحاول صياغتها، من خلال العرض المسرحي، “بينوكيو” من العروض المميزة ضمن عروض مسرح الشارع والفضاءات المفتوحة، وقد تميز بأداء ممثليه واجتهادهم الملحوظ، خصوصا أن معظمهم يؤدون أدوار عرائس، وهكذا فإن ميكانيزم الحركة مُغاير تماما، لحركة الجسد العادية، وقد استطاع الممثلون التعبير بشكل موفق ضمن هذا السياق.
“قلب يرى” الشهداء حاضرون رغم الغياب
قدمت دولة ضيف الشرف «الإمارات» ضمن فعاليات المهرجان، عرض “قلب يرى” تأليف باسمة يونس وإخراج وسينوغرافيا سعيد الهرش. “الشهيد لا يموت” هي فكرة العرض الأساسية، فهو الحاضر دائما، الغائب على المستوى الجسدي يرصد العرض فكرة الدفاع عن الوطن والتضحية من أجله بكل غالٍ ونفيس.
عبر تقنية الفلاش باك يجسد العرض واقعة تم فيها استشهاد أحد الأبناء، ويعبر عن مدى فدائية الشهيد، وتقبله للشهادة بقلب شجاع بغية الدفاع عن الوطن.
يستخدم الممثلون في هذا العرض قطعا ديكورية بسيطة، يمكن تكوين بعضها في منطقة التمثيل للتتوافق مع الحظة الدرامية المطلوبة، فمن ساتر يختبئ خلفه الجنود إلى مكان للمعيشة، وهكذا وفق الحاجة وما يتطلبه المشهد.
ويؤكد العرض كون الأم رغم أنها المتضرر الأول من شهادة الابن، فإنها تظل فخورة به تشعر بأنه لم يمت.
تنوعت العروض التي قدمت ضمن فعاليات مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي في دورته الثالثة دورة الفنان “محمد صبحي” مما أضفى نوعا من التفاعل بين الحاضرين مع هذه العروض.


داليا همام