برئاسة د. أشرف زكى نقيب الممثلين أقيم مهرجان نقابة المهن التمثيلية للمسرح المصرى، الذى شارك فيه العديد من النجوم وحمل معه بعض المفاجآت لعل أبرزها ظهور النجم ماجد المصرى كضيف شرف بالمشهد الأخير من مسرحية عين العقل، وعودة هند عاكف للفن لأول مرة بعد غياب من خلال مسرحية عجب العجاب.و«عين العقل» معالجة عصرية لنص «العطل» للكاتب الألمانى فريدريش دورنمات، والتى قدمت كثيرًا فى المسرح العالمى والمصرى، لكنها هذه المرة تقدم فى قالب كوميدى، حيث إن سكان المنزل مرضى عقليًا وتقوم إحدى مذيعات التليفزيون بزيارتهم وكذلك البطل الذى هو محور القصة، ومن ثم تنكشف حكايته شيئًا فشيئًا.حاول المخرج الشاب مصطفى عبدالسلام استثمار نجاحات والده حسن عبدالسلام شيخ المخرجين من خلال مسرحية عجب العجاب، ومن خلال تكنيك إخراجى جديد وفى الوقت ذاته لعب دور الراوى والمطرب فى المسرحية، واتسمت أغانيه بطابع الحداثة وكونها أشبه بأغانى الكارتون، وهو ما يتناسب مع قصة العرض، كما استخدم تقنية من تقنيات السينما هى الفاست موشن، وهى عكس السلو موشن حيث إن الممثلين يتحركون بإيقاع سريع كأنهم يتم تشغيلهم بالكمبيوتر، وهو أمر غير معتاد فى المسرح لكن الممثلين أدوه بشكل جيد وكان بدعة حسنة أضافت للعرض. الديكور رائع وهو عبارة عن كتاب كبير بارتفاع المسرح مع كل حكاية من الحكايات تطوى إحدى صفحاته التى تحوى بدورها الديكور الخاص بكل منظر. استعان عبدالسلام بعدد مهول من الممثلين لعل أبرزهم النجمة هند عاكف التى سبق لها العمل مع والده الراحل فى مسرحيات عدة وكان «عجب العجاب» هو أول عمل تطل به على الجمهور بعد غياب عن الساحة الفنية دام لسنوات. فكرة المسرحية نفسها جيدة وإن كانت قدمت كثيرًا فى «ألف ليلة وليلة» وغيرها ولكن كان من الممكن تقديمها بشكل أفضل، وهى تحكى عن أسطورة «عجب العجاب» الذى تطلبه الأم (هند) مهرًا لابنتها فيلجأ العرسان إلى البحث عن «عجب العجاب» شرقًا وغربًا حتى يتسنى لهم الحصول عليه والتقدم لخطبة العروس الجميلة «أميرة». إلا أنه حين يذهب كل عريس فى رحلة البحث عنه يقابل أشخاصًا وأماكن غريبة مثل قبيلة نمنم التى يسكنها أقزام يأكلون لحوم البشر، إلا أن العرض يصيب المتفرج بالملل عند هذه اللحظة ولم يعد بنفس التشويق الذى كان يتسم به فى بدايته فضلًا عن طول مدة العرض.«لا تتركنى وحدى» احتوى على أكثر من «بلوت تويست» أى تغير جذرى فى الأحداث يفاجئ المشاهد وهو أمر مشوق يحافظ على إيقاع العرض، وقدم العمل فى قالب كوميدى رغم فكرته المأساوية مما لاقى استحسان الجمهور بمختلف فئاته، إلا أن ثمة مشكلة فى سينوغرافيا العرض تمثلت فى توقيت اختفاء وظهور الممثلين.انتقالًا إلى الكوميديا كان عرض «مضحوك عليا» قنبلة ضحك وكان أداء الكوميديانات على مستوى عالٍ فى إلقاء الإفيه وفرشه لبعضهم البعض بلغة المسرح، كما كان ديكور مكتب البريد مطابقا لمكاتب البريد بالفعل وجعل الجمهور يشعر بأنه داخل البريد حقا، كما كانت موسيقى «هانى شنودة» الشهيرة من فيلم «عصابة حمادة وتوتو» مناسبة جدًا للموقف الدرامى للمسرحية والذى يحكى عن عملية سرقة خزينة البريد.من روائع الأدب العالمى كانت هناك «رغبة تحت شجرة الدردار» احتوت على قصة مثيرة ومشوقة وديكور رائع ومناسب لأجواء المزرعة التى تدور بها الأحداث والأكسسوارات عبرت بجدارة عن الحظيرة والتبن والمعول الذى يستخدمه البطل فى الحفر وبدا كل شيء حقيقيا بخلاف بعض المسرحيات الأخرى التى نرى فيها الممثل يحفر فى الهواء دون مصداقية مما يبدو هراء فى فن التمثيل الذى هو بالأساس يعنى تمثيل الواقع ومحاكاته. البطلة ملابسها مناسبة لشخصية العاهرة التى تجسدها وأجادت استخدام أدواتها وأهمها صوتها وضحكتها وكانت على درجة من حسن التصرف الذى هو من متطلبات ممثلة المسرح وبدا ذلك حين كانت بصدد تعليق اللوحة على الحائط لكنها لم تجد المسمار فشبكتها بين قضبان الدرابزين كحل بديل دون أن تضيع الوقت الزمنى للمسرحية. البطل كان من الأفضل أن يقوم بدوره ممثل مفتول العضلات حتى يبدو فحلا مثيرا لزوجة الأب ولكن لا بأس بالممثل الذى لعب الدور فقد نجد له مبررا دراميا متمثلا فى كبر سن الزوج مما يدفع الزوجة إلى اشتهاء ابنه الشاب الصغير أيا كانت هيئته لأنه من وجدته أمامها لذا اتجهت رغبتها نحوه. أيضا المشهد فى الخلفية بخيال الظل تم تنفيذه بحسن تصرف وكان رائعا حيث أظهر الأب وزوجته يمارسان الحب فى حجرة وفى الحجرة الأخرى الابن ينظر إليهما من ثقب الباب ثم تتأجج عواطفه فيلجأ إلى زجاجة الخمر ويحتسيها حتى يثمل هربا من واقعه المؤلم. الرواية أظهرت وقوع الابن الشاب فى الخطيئة مع زوجة أبيه بالتدريج بعد أن كان رافضا الأمر برمته فى البداية وهو تسلسل منطقى للأحداث. تصميم المعارك فى مشهد الشجار بين الأب والابن تم تنفيذه بمهارة وبدا حقيقيا لا مصطنعا. الموسيقى التصويرية لحظة قتل الأم للطفل كانت معبرة جدا وتزيد من رفع الأدرينالين لدى المتفرج. مشهد هدم الديكور على يد الأب وإحراقه للبيت كان رائعا. وكما أن لكل جواد كبوة فإن كبوة هذا العرض الرائع تمثلت فى الرضيع الذى يقوم الأبطال بحمله والذى كان عبارة عن لفافة من القماش صغيرة ولا تؤدى الغرض أو توحى بأن بداخلها طفل وكان من الأفضل الاستعانة بدمية فى حجم الطفل الرضيع ولفها بالقماش ومن ثم حملها حتى تبدو أكثر واقعية.ساهم فريق البنك الأهلى فى المهرجان بعرض «عليكم واحد»، وهو عرض لايت كوميدى بلغة المسرح احتوى على كوميديا موقف راقت للجمهور. أغلب الديكور عبارة عن ورق حائط لكنه أدى الغرض ويعتبر أحسن من غيره. ورغم أن الملابس مناسبة للشخصيات إلا أن «البؤجة» التى تحملها «مبروكة» كانت صغيرة جدًا، بحيث لا يمكنها أن تحمل قطعة واحدة من الملابس فى حين أنها من المفترض أن تحوى جل أغراضها أثناء هروبها من البيت. أيضا الممثلة التى جسدت شخصية «أم السعد» فى مشهد الختام صارت ترقص كشابة صغيرة، ونسيت أنها تجسد شخصية سيدة مسنة تمشى على عكاز.لون آخر من الكوميديا فى عرض «لما روحى طلعت» الذى أجاد أبطاله الكاركترات الكوميدية التى يجسدونها كما أن البطل يتحدث بلغة عربية سليمة فى الجمل التى ينطقها بالفصحى رغم أن العرض باللهجة العامية فإن مشهد المرحاض كان مصطنعًا وغير حقيقى، وكان من الممكن أن يتم تنفيذه بشكل أفضل أو حذف المشهد دون أن يخل بالأحداث.ديكور «أسوار» كان رائعًا ومريحًا للعين متمثلًا فى المنزل والحديقة والأسوار الخشبية التى تحيط به، والممثلون الذين يجسدون شخصيات الزنوج كانت بشرتهم سمراء بالفعل، وأكثر ما ميز العرض هو كثرة فساتين البطلة التى كانت كلها جميلة المنظر ومناسبة لكل مشهد فى الوقت ذاته.«قلت لك .. خلى بالك» دراماتورجيا جديدة عن مسرحية «الهمجي» التى كتبها «لينين الرملي» وقام ببطولتها نجم المسرح «محمد صبحي»، وهى عبارة عن اسكتشات كوميدية كل منها يحكى موقفا ما يتعرض له البطل «آدم».دعوة للرومانسية المفقودة قدمها المهرجان من خلال عرض «يا ناسيني» الذى كانت قصته أشبه بأفلام «فاتن حمامة» فى العصر الذهبى للسينما، وربما لهذا السبب تم اختيار اسم «فاتن» ليكون اسم بطلة العرض، والنص مأخوذ عن رواية «الخوف» لـ»ستيفن زافايج» والتى قدمت مرارا فى السينما ولعل أشهرها فى مصر فيلم «الخوف» من بطولة السندريلا «سعاد حسني» والذى حمل اسما آخر هو «مكان للحب» وكان رائعا كذلك. الموسيقى وصوت المطر كانا من أهم أدوات التعبير عن الرومانسية. اتسم أداء الممثلين بالتلقائية والبعد عن التصنع وكان أداؤهم أشبه بأداء نجوم هوليود الذى هو سر قوتهم بعيدا عن المبالغة والصوت العالى دون داعٍ. ملابس الأبطال تكاد تكون واحدة فى كل المشاهد مع اختلاف بعض الأكسسوارات مع كل مشهد ورغم ذلك تم اختيارها بعناية وكانت مهندمة ومناسبة لكل شخصية فضلا عن الديكور الذى زاد العرض جمالا وأيضا أدى أكثر من غرض ليعبر عن المنزل والكازينو والشارع. أسفرت النهاية عن تويست مفاجئ للجمهور باكتشافنا أن الزوج كان على علم بخيانة زوجته وكان هو من ينصب لها الشرك حتى تقع فى الفخ ومفاجأة أخرى متمثلة فى إقدام البطلة على الانتحار ومن ثم نجاتها بعد اكتشاف أن العقار الذى تناولته لم يكن سما بل استبدله زوجها بمنوم لتسدل الستار عن نهاية سعيدة بعد مفارقات عجيبة عاشتها شخصيات العرض وعاشها معها الجمهور.من نوعية الـ»فارس» قدم عرض «ولاد العم» عن مسرحية «طلاق تلاتة» التى جعلت الجمهور يصرخ من الضحك والأبطال قدموا كاركترات كوميدية مميزة كان أداؤهم فيها ترفع له القبعة.على صوت المطر وأغانى فيروز كان لنا موعد مع مسرحية «نور»، وهو اسم به تورية؛ فالمعنى القريب له هو اسم البطلة، أما المعنى البعيد فهو طاقة النور التى يتطلع إليها البطل حتى تنير له الطريق. تميز العرض بمشهد هطول المطر والذى تم تصميمه على خشبة المسرح من خلال الفوم المتساقط على البطل والبطلة فى مشهد رومانسى رائع، وكذلك الرعد والبرق من خلال الضوء المرتعش خلف زجاج الشباك، والنهاية أيضا كانت بفراق الحبيب ومحبوبته على أغنية فيروز «حبوا بعضن.. تركوا بعضن» فى لقطة مؤثرة وساحرة بعدها يحاول البطل تجاوز محنة الفقد ليختتم أحداث الرواية التى يكتبها والمسماة «نور» على اسم محبوبته بجملته «لم أكن نورا لنفسى .. لن تضيئنى كل أنوار الكون إن لم أتجاوز».فى مسرحية «أسير» تحلى «أحمد أبو رية» مخرج وبطل العرض بسرعة بديهة بدت حين كان يحمل البطلة وارتطمت قدماها بالمرأة بالخطأ فتكسر الزجاج وعندها قال لها «فداكي» بأسلوب الدعابة وهو أمر يحسب له، إلا أنه على الرغم من ذلك لم يكن مناسبا لدور الرجل قصير القامة لأن الممثل طويل وكان من الممكن تغييره بممثل آخر قصير أو تغيير الجملة الحوارية التى تتحدث عن قصر قامته.عن «صورة دورا» لـ»إلين سيسكو» وترجمة د. «نهاد صليحة» عرضت مسرحية «دورا» التى تنتمى لنوعية السايكودراما ذات الأدوار النفسية المركبة، وكان الديكور عبارة عن منزل مظلم يحوى غرفا مظلمة تطل منها الصور التى تتكلم والأشخاص الذين يتكلمون مع «دورا» التى تقبع على كرسى هزاز تتذكر الماضى وأشباحه التى تحيط بها إلى أن تتوقف عند صورة «مريم العذراء» التى تخرج إليها وتناجيها. رغم أن هذا اللون من المسرح لا يروق للكثير من الجمهور الذى يميل بدوره إلى الكوميديا، إلا أن التنوع مطلوب كما أسلفنا سابقا ومن الجيد تنوع العروض بين الكوميدى والتراجيدى. كان من الملفت للنظر أزياء بطلات العرض والتى كانت أشبه بفساتين أميرات العصر الفيكتورى وأظهرتهن فى أبهى حلة.للمرة الثالثة فى عروض المهرجان تحضر»فيروز» بأغنيتها «خليك بالبيت» من خلال العرض الذى حمل نفس الاسم وهو دراماتورجيا لنص المطبخ الذى يستعرض قصة اجتماعية بين زوجين تضمنت كوميديا موقف مليئة بالتناقضات التى تثير الضحك، وتم تطعيمها باستعراضات بديعة الخطوة، فيما كان الممثلون مناسبين لأدوارهم كل فى مكانه فضلا عن تسريحات الشعر التى كانت من العوامل المساعدة فى تجسيد شخصية ربة المنزل وشخصية فتاة الليل.شاهدنا على خشبة المسرح أيضا عدة مسرحيات سبق وأن شاهدناها على شاشة السينما مثل «ميرامار»، «القاهرة 30»، «لا تطفئ الشمس»، «الجريمة والعقاب»، و»جرى الوحوش».من الملاحظ فى مهرجان نقابة المهن التمثيلية هذا الموسم عودة الرومانسية الغائبة والتى استطاعت أن تجد لها مكانا بين الكوميديا والتراجيديا والسايكودراما ولاقت ترحيبا بعد أن باتت ضربا من النوستالجيا التى نشتاق إليها مهما مر الزمن كما نشتاق دوما لـ»فيروز» الحاضرة الغائبة.