آخر المطاف.. بصيص من نور يكفي

آخر المطاف..  بصيص من نور يكفي

العدد 662 صدر بتاريخ 4مايو2020

ضمن فعاليات مهرجان الزقازيق الأول للمسرح الحر والذي نظمته مكتبة مصر العامة بالزقازيق في فبراير 2020 قدم فريق مسرح قصر ثقافة بلبيس عرضه المسرحي آخر المطاف من تأليف مؤمن عبده واخراج أحمد بلطة مجسدا حالة من الانسحاب الجبري الارادي والتي  اختارها المبدع الشهيد مؤمن عبده  في نصه المسرحي اخر المطاف والذي كتبه قبل استشهاده الاليم عندما اشتعل جسده ولقي نحبه مع رفقاء المسرح  ضحايا الاهمال في محرقة بني سويف الاليمة
 اخر المطاف هو حجرة مظلمة احتمي بها المبدعون عشاق المسرح هربا من واقع شديد المرارة لم يثمن موهبتهم ولم يحترم كينونتهم أو كيانهم فهم فرقة مسرحية سلب منها مسرحها بغية ازالته وهدمه وبناء برج حجري أصم بدلا من هذا المنبر الذي طالما ارتقاه عشاق الكلمة والفن والجمال لثقيف الناس وامتاعهم ولكن في زمان اخر غير الزمان الذي لهث الجميع فيه وراء المال وتجاهلوا الفن ومريدوه
هم مخرج ومهندس ديكور ومؤلف وزوجته الممثلة والابنة سلمي وشقيقها الرضيع وراقصة وزوجها
يعولهم شاب وهب حياته للعمل بغية اعالة عائلته الفنية التي تقطن في هذه الحجرة المظلمة المنفصلة عن الواقع والحياة والزمن  ومع مرور الوقت اقتحمت فتاة تحب الشاب العائل لمخبأ الفنانيين المنفيين طواعية عن المجتمع وحاولت ان تنضم الي عالمهم واشتبكت مع احلامهم وواقعهم وانسحبت هي الاخري من الواقع الانساني الاجتماعي الخارجي وانضمت الي عزلتهم الا ان الطفلة سلمي ابنة المؤلف والممثلة اخذت شقيقها الصغير/ الأمل الي خارج الحجرة المظلمة وهربت به من هذ الواقع الذي ارتضي به والدها وأمها واختارت البحث عن النور ففيه وحده النجاة ورأت ان بصيص من نور يكفي للحياة وان الانسحاب من الحياة يفقد الكينونة وينهي الحياة
بدأ العرض المسرحي بلوحات متقطعة لواقع الفرقة المسرحية التي اختارت الانعزال عن الواقع فقسم المخرج المسرح الي ثلاث بؤر رئيسية رابعهم سلمي وشقيقها الاصغر التي ابتعدت عن كتلة الممثلين ما استطاعت الي ذلك سبيلا وأول تلك البؤر كان المؤلف والممثلة زوجته عن يسار خشبة المسرح يتناجيان عن ماضيهم الذي كان وثاني البؤر في عمق منتصف المسرح فكان المخرج ومهندس الديكور الذي ارتضي ان يجلس ليرسم لوحة للمخرج ويستعيدا ذكريات عبرت أما عن يمين المسرح فكانت الراقصة نهار وزوجها الطبال الذي اتضحت تسليمه لمقاليد شخصيته لزوجته حبا وانقيادا لها
استخدم المخرج أحمد بلطة خشبة مسرح مكتبة مصر العامة كموتيف سينوغرافي يتناسب مع النص والفكرة والاحداث ذلك لان منصة التمثيل في مسرح مكتبة مصر بالزقازيق صغيرة المساحة وذاك تناسب بشكل كامل مع فكرة النص فبدا المسرح ضيقا جدا بالممثلين وجسد بالضرورة حالة السجن التي يعاني منها القاطنين في الظلام والهاربين من الزمن والحياة  واجتهد المخرج في قراءة دلالات النص المسرحي ( آخر المطاف ) للراحل الشهيد مؤمن عبده الذي صاغ بامتياز واقع نفسي يقاسيه فنانو المسرح جراء الغبن القابع في الواقع المحيط به  ملتزما بالأبعاد الاجتماعية والمادية في توزيع الأدوار واجتهد الممثلون في تقريب البعد النفسي للشخصيات فجاء العرض منضبطا قياسا علي الخبرات المتاحة وان تخلي عن تفسير العرض سينوغرافيا بما يثقل الرؤية التشكيلية فقد وضع العديد من الاوراق علي الستائر المتاحة في فراغ خشبة المسرح متخذة ابعاد تشكيلية سيمترية كأنها النصوص التي شخصها الممثلون ولكن لم يتم التفاعل معها عن طريق الميزانسين مما حولها لكتلة صماء احتاجت لاسقاط المزيد من الضوء عليها بالحركة منها واليها او قراءة محتواها بشكل او بآخر لتخرج من حالتها التشكيلية الصماء الي حالة درامية اكثر حياة وحيوية  واهتم بشكل جلي بالتعبير عن مواهب تمثيلية قادمة ان تلقت ما يصقلها من التدريب والخبرات المسرحية المتراكمة ذالك لاتضاح امتلاكهم الكثير من الادوات الخاصة بالاجادة والتميز واتخاذ ابعاد موازية للابعاد الدرامية الادبية للنص المسرحي فاهتم المخرج وممثلوه بابراز بعض التفاصيل الجسدية واللزمات التي صاحبة الشخصية فاثقلها واضاف لها علي مستوي الفكرة العامة للعرض المسرحي .
التزم المخرج بخطوط الميزانسين البسيطة الغير مركبة او المعقدة واحتفظ بالبؤر التشخصيصة التي اختارها لشخصياتها جغرافيا علي خشبة المسرح قدر امكانه والتزم الممثلون باداء الميزانسين حرفيا فبدت الشخصية انعكاسا لشخصية واحدة واتفقت خطوط حركات الجميع ولم يفرقها الا مناطقها التي تبدء منها وتنتهي خطوط الحركة لكل شخصية فالتزم المؤلف وزوجته بيسار خشبة المسرح والراقصة وزوجها بيمينها والمخرج ومهندس الديكور بعمق المنتصف والشاب العائل وحبيبته  بمنتصف المسرح وهكذا في استاتيكية واضحة
ابتعدت الاضاءة المسرحية عن تجسيد الحالة النفسية للشخصيات الدرامية واهتمت اهتماما اساسيا بانارة خشبة المسرح ووجوه الممثلين ونجحت في هذا بشكل جلي وتم استخدام ( الزوم ) في بعض اللحظات للتأكيد والتحديد والتأطير وجاءت الموسيقي التصويرية اعدادا من بعض المقطوعات الشهيرة كخلفية لبعض المشاهد الدرامية واختمت العرض المسرحي بالمونلوج الشهير ( عيني علينا يا أهل الفن )
آخر المطاف محاولة شبابية منظبطة في حدود الامكانيات المادية والبشرية المتاحة وأعلنت عن مواهب تمثيلية واعدة  وحصل هذا العرض علي المركز الاول – العروض الجماعية -  في مهرجان مكتبة مصر العامة بالزقازيق ( مهرجان المسرح الحر في دورته الاولي ) في فبراير 2020 كما حصد علي جوائز التمثيل الاولي رجال وآنسات وجائزة الاخراج
العرض المسرحي آخر المطاف تأليف مؤمن عبده إخراج أحمد بلطة


محمد النجار

mae_nagar@yahoo.com‏