يوسف العاني فنان الشعب العراقي

يوسف العاني فنان الشعب العراقي

العدد 543 صدر بتاريخ 22يناير2018

نحن نولد لنشهد النور ونحتكر منذ اللحظات الأولى بطاقة ميلاد وهوية ووجود وانتماء تشهد على خروجنا من الأرحام أطفالا فنحملها معنا دليلاً لتأكيد انتمائنا لهذا الوطن أو ذاك، وإن لم نحصل على هذه الهوية نكون منبوذين خارج حدود الوطن، ولكن أحيانا مع الهوية وبطاقة الميلاد نكون في وطننا غرباء وأحيانا عظماء وعمالقة. وبوسعي هنا أن أذكر واحدًا منهم هو يوسف العاني وليس غريبًا على العراق العظيم أن يتباهى به ويمجده. فهو من هؤلاء الكوكبة العمالقة في الإبداع والأدب العراقي، ويوسف العاني هو من الذين أسسوا وعيًا ثقافيًا وجماليًا للمجتمع العراقي بشكل عام. فمن المعروف أن التطور المعرفي والفكري والأدبي والإبداع الذوقي والجمالي والنقدي يساعد على التغير والتطوير المجتمعي وخصوصا المسرح، فالمسرح العراقي هو امتداد لحياة الرواد وعمالقة المسرح الكبار من الرعيل الأول المؤسس للخارطة المسرحية وكان لجهودهم الصادقة الدور الرئيسي في إرساء الأساس الرصين للمسرح بالشكل المعاصر الآن، ليس في العراق فحسب بل على امتداد الوطن العربي. وفي عزاء العملاق يوسف العاني قال د. ماهر الكتيباني: “بعد 70 عامًا العاني شعلة لا تنطفئ.. بعد 70 عامًا يوسف العاني نغمة لامعة في تاريخ المسرح.. بعد 70 عامًا من الصحبة الدافئة مع المسرح،70 عامًا من العشق وسبعون سنة حب مع سحر المسرح إنها السبعون إذا وقفت أم لم تقف فأنت شامخ أيها العملاق بك ازدان المسرح العراقي ألقًا وبك شمخت خشبته التي لامست عنفوانك قبل سبعين عامًا وبك وبنصوصك وشخصياتك تكتظ الذاكرة العراقية عنوانًا وقامة فكانت صرخة زينب (آني أمك يا شاكر) قد ألهبت جمهور البصرة في قاعة نادي الطلبة عام 1958 آن ذاك تألقت يا عملاق المسرح في هذا العمل الذي فاض بشعريته البصرية والسردية حتى فجر وجدان المتلقي وحفز وعيهم ومنح الفنانين مكانة مرموقة”.
أما بطاقة يوسف العاني الإبداعية فهي:
وقف يوسف العاني ممثلاً لأول مرة على المسرح في 1944 في مسرحية من فصل واحد وكانت من تأليفه وإخراجه في بغداد على مسرح الثانوية المركزية في بغداد ضمن نشاط جمعية العلوم، وكان هذا اليوم هو يوم ميلاد وهوية إبداع فني للعملاق. ويوسف إسماعيل العاني من موالبد الفلوجة وهناك مصادر أخرى ذكرت في بغداد (في الأول من 1927).
وقد عبر في هذه المسرحية تعبيرًا قويا وسياسيا صادحًا جهيرًا ومشعًا ضد الظلم والاضطهاد عبر فيه عن القيمة المعيارية والفنية والاجتماعية وبين جمال المرأة بالصبر والنضال وتحملها الأذى والتضحية وغياب الابن والزوج وأذى المعتقلات، هكذا كان نضال اليسار الذي اعتنقه وتعلمه العاني وتعلم منه دروس الحياة النضالية وطبقها ضمن برامجهم العملية في الحياة لثقافتهم الذاتية، وهذا ما انعكس في كل أعمال ونصوص العملاق يوسف العاني في المسرح والتلفزيون والسينما بموضوعية بالإضافة إلى الحضور والشخصية وعلاقاته بالشخصيات والأدوار التي كان يؤديها ليفجر ثوريته الكامنة التي تنمي بيادر الخير والتمرد الخلاق فيه وتصفي وجدانه الأصيل فمسرح العملاق يوسف العاني ولد في خضم ذلك الصخب الثوري وحركة التجديد والاستنارة والتحديث فكان يبتدع ويقتبس ويقاربها إلى الواقع لإحساسه بحياة الناس وفي أحلك الظروف وبإمكانيات متواضعة تقارب درجة الصفر في الإنتاج وخلق المناخ المناسب لنفسه مع رفقته حتى داخل ذلك المعسكر وهو في الاعتقال الذي حدد حركتهم وأراد عزلتهم عن أبناء شعبهم وحركتهم الوطنية فلم يكتفوا بالمسرح وإنما أسسوا بنية ثقافية ساندة، وكانت مكتبته عامرة بأفضل الكتب التقدمية الممنوع تداولها، وقد تعاون معه كوكبة مضيئة من الرفاق أمثال (الدكتور فايق السامرائي والشاعر مظفر النواب والمهندس صباح الدرة ورفاقه في المعسكر وأساتذة الجامعات المفصولون من الخدمة وجميعهم من اليسار الديمقراطي، منهم هؤلاء الدكتور فيصل السامر والدكتور إبراهيم كبة والدكتور طلعت الشيباني) هكذا هو العملاق المخرج المؤلف الممثل المناضل يوسف العاني الذي كان متألقًا ووهاجًا لأنه يعتبر المسرح تنويريا للشعب يشتغل على الجماعة ويوصل الخطاب والرسالة في مواجهة مباشرة للجمهور دون حواجز كونكريتية وأسلاك شائكة مكهربة تمنع الشعب من الوصول للحقائق هنا تكمن حيوية ومصداقية ووطنية المسرح كمؤسسة ثقافية لتوعية الشعب في مواجهة الظلم والاضطهاد والقتل والاعتداء وحماية الوطن والمحافظة على الحقوق والواجبات لذلك سيظل المسرح فن من الفنون الحيوية من بين الفنون الأخرى وخطورته في التأثير أيضا وهذا يعتمد على المتلقي ووعيه الثقافي..الفنان العملاق يوسف العاني قد فهم مهمة المسرح في الحياة لذا احترف المسرح بدلاً من المحاماة فهو يؤمن بأن رسالته على خشبة المسرح هي أسرع تبليغًا وأوسع مدى من قاعة المحكمة حتى لو كان يدافع عن العمال الذين انتهكت حقوقهم النقابية وعندما سافر العاني إلى ألمانيا فانخرط العاني في مسرح بريخت بألمانيا لأغراض التطبيق والافادة الجوهرية المباشرة كما لو كان يشارك في ورشة ذات تتابعية لمدرسة البريختيه كي يثري فيه قدرة الأداء عنده على أهمية الانارة والاثارة والتأثير والتغيير والتعرف على ذلك النور الساطع في المسرح الملتزم بقضايا الإنسان وقد استفاد العاني في تلك الفترة التطبيقية خصوصا أنه ذهب محملاً بخبرة مسرحية وحياتية ثرية وهو يدرك بأن من خواص المسرح العراقي تميزه بديناميكيته في تناول القضايا الاجتماعية هذا المسرح الذي كان يقدمه العانى في السجون والمعتقلات وأيام السفرات في البساتين خارج بغداد أيام النضال السري والسفرات السياسية السرية التي كان ينظمها الحزب الشيوعي ومنظماته الديمقراطية هكذا هو العراق حاضنة ثرية لضخ المهارات ونضوجها ليقطف ثمارها المسرحيون بجوائز في المهرجانات الدولية والعالمية...يوسف العاني نغمة من نغمات الاطوار العراقية الاصيلة ولون من الالوان الزاهرة في سماء الفن العراقي وحلقة هامة في سلسلة الأسماء التي تزين القائمة الذهبية للاوائل العاملين في ترسيخ ثقافة المسرح بوصفه سلوكًا ثقافيًا ونورا ثوريًا وحسًا وطنيًا وعبرة يمكن أن توجه سهام النقد لقويض أي وضع خاطئ يجثم على صدر الوطن فالعملاق الذي كان يرقد على سرير الاوجاع والمرض ينسى كل أوجاع المرض ويحلق راقصًا فرحًا يوم لقائه بمعشوقته خشبة المسرح وسماع تصفيق الجمهور الذي هز القاعة كان ذلك في تكريم هذا الفنان العملاق في مهرجان بغداد الدولي للمسرح 2013 الذي أقامته دائرة السينما والمسرح لتكريم نخبة من الرواد حيث احتشد الجميع فرحين بمنجزاته التي تراوحت مابين تأليف وتمثيل ونقد ومسرح وسينما وما جسده من شخصيات درامية في التلفزيون ومشاركته في بطولة الأفلام السينمائية فضلاً لعبقريته والعلامات الفارقة في أسلوبه الأدائي الذي يعتبر علامة خاصة به بحيث لإيجاريه فيها غيره وكثيرًا ما كان يعتمد على تفعيل الايماءة وامتلاكه الاسترخاء العالي وتحكمه بالمشاعرالتي تتدفق في إنتاج الشخصية وانفعالاتها والمزاجيات والنفسية والعلاقات الرابطة بينها وبين الشخصيات الأخرى.
الفنان يوسف إسماعيل الملقب ب يوسف العاني ولد في بغداد في الأول من العام 1927 في محلة سوق حمادة الشعبية وسط بغداد وكان يلقب بـ(فنان الشعب) وهو من مؤسسي فرقة الفن الحديث العام 1952 التي رفدت الفن المسرحي العراقي بعشرات المسرحيات والعاني عمل مدرسًا معيدًا في كلية الإدارة والاقتصادبعد تخرجه من جامعة بغداد عامي 1950 - 1951 للاشراف على النشاط الفني في الكلية وله اسهامات كثيره في مجال النقد الفني في عدة صحف منها (الأهالي والشعب والأخبار) كتب واقتبس وأعد باللهجة العراقية وشارك بأكثر من 50 مسرحية طويلة أو من فصل واحد وأبرزها (القمرجية مع الحشاشة – طبيب يداوي الناس 1948 كتبها وهو ما زال طالبًا في كلية الحقوق – محامي زهكان 1949 – مكتب محامي – محامي نايلون – جبر الخواطر 1950 – راس الشليلة 1950 - تؤمر بيك 1952 – مسمار جحا 1952 - لو بسراجين لو بظلمة 1954 –حرمل وحبة سودة 1954 – فلوس الدوه 1955 - مو خوش عيشه 1957 – على حساب من - جحا والحمامة قدمت على مسرح ستانيلافسكي في موسكو في فعاليات المهرجان الشبيبة العالمي في موسكو فعالية الوفد العراقي - تتراهن 1957 - عمر جديد 1959 - صور جديدة – ليطة - نجمة وزعفران – شلون ولويش والمن – يقرع الناقوس 1968 – النخلة والجيران 1968 – ولاية بعير 1971 - بنات هلوكت 1972 – الشريعة – ست دراهم – الرهن - الخرابة – خيط البريسم - المفتاح - نفوس - وقام بتمثيل الأدوار في..  البيك والسائق 1974 – بغداد الأزل بين الجد والهزل 1975 – القربان 1975 – مجالس التراث 1980 –الليلة البغدادية مع الملا عبود الكرخي 1983 – الإنسان الطيب 1985).
العاني وأبرز المسلسلات العراقية
يوميات محلة – الأيام العصيبة – حكايات المدن الثلاث - أحفاد نعمان – الانحراف – الكتاب الأزرق – الحضارة الإسلامية – الجراح.
مؤلفات العاني
أصدر مؤلفات كثيرة حول المسرح والسينما منها:
1 – المسرح بين الحديث والحدث 1990.
2 – بين المسرح والسينما 1967.
3 – مسرحياتي 1960.
4 – التجربة المسرحية معايشة وحكايات 1976.
5 – عشر مسرحيات 1981.
6 – سيناريو لم اكتبه بعد 1987.
7 – شخوص في ذاكرتي 2002.
إسهامات العاني في السينما العراقية من أبرزها (فيلم سعيد أفندي 1958 وداعا لبنان 1967 – المنعطف 1975 – المسألة الكبرى 1983 – وشارك في الفيلم.. اليوم السادس 1986 – بابل حبيبتي 1987)-  بعد كل هذا التاريخ الإبداعي المتألق الثري بالحب للأرض والمبادئ والوطنية يغادر العاني أرض الوطن بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 ويقيم في المملكة الأردنية الهاشمية في عمان وفي يوم الاثنين المصادف 10/ 10/ 2016 يطفئ العملاق الفنان يوسف العاني الشمعة 89 من العمر بعد أن صارع الألم وأوجاع المعاناة الطويلة ورحل العملاق المسرحي تاركا إرثه الفني العظيم الذي يخلد ذكراه وحبه للوطن. وبعد كل هذا التاريخ اسأل القامات العظام والعباقرة العراقين.
ألا يحق لهولاء العظام وكواكب التاريخ الذين أفنوا شبابهم وهم واثبون بثبات حاملين شعلة الإبداع لتوهج بضياء المعرفة والتقدم والحضارة لكي لا تنطفئ.. ألا يحق لنا الافتخار برجالنا المبدعين لماذا لا يحذو المثقفون الواعون وإن لم يكن الكل أفرادا وشعبا وحكومة أن تكرس الجهود وتكرم هؤلاء العمالقة وتمنحهم الاستحقاق الذي يليق بقاماتهم الإبداعية وتميزهم فليكن تسمية تليق بهم أو شارع يسمى بأسمائهم أو مهرجان أو مؤسسة أو معهد في الفنون الجميلة أو متحف... نتمنى أن يتحقق هذا لتمجيد العملاق العظيم المبدع والتاريخ المستنير للوطن الفنان يوسف العاني.


نجاة صادق