فاطمة رشدي نجمة فرقة «رمسيس»

فاطمة رشدي نجمة فرقة «رمسيس»

العدد 583 صدر بتاريخ 29أكتوبر2018

الفنانة القديرة فاطمة رشدي ممثلة مصرية من الرائدات الأوائل بالمسرح والسينما العربية. وإذا كانت الفنانة منيرة المهدية هي أول فنانة مصرية تقف وتغني على خشبة المسرح وتنجح في تكوين فرقة تحمل اسمها فإن القديرة فاطمة رشدي كانت ثاني فنانة مصرية تحمل اسمها أيضا فرقة مسرحية، كما تتميز - في المقارنة - باقتحامها أيضا لمجالي التأليف والإخراج المسرحي لتكون بذلك أول مؤلفة ومخرجة مسرحية.
وهي من مواليد مدينة الإسكندرية في 15 فبراير عام 1908، وقد بدأت العمل الفني منذ حداثة سنها مع شقيقتيها رتيبة وإنصاف رشدي.
بدأت انطلاقتها الأولى وهي في التاسعة من عمرها عندما أسند لها الفنان أمين عطا الله دورا غنائيا صغيرا في إحدى المسرحيات التي تقدمها فرقته (والتي كانت أختها تغني فيها)، ومن بعدها تنقلت في العمل بين الكثير من الفرق المسرحية، ثم انضمت إلى فرقة «فوزي الجزايرلي»، وعندما شاهدها الفنان سيد دريش بالإسكندرية نصحها للحضور إلى القاهرة وألحقها بفرقة «الأوبريت» التي قام بتأسيسها. عملت بعد ذلك ببعض الفرق المسرحية الأخرى ومن أهمها فرقتي كل من الفنانين: «عبد الرحمن رشدي» و«نجيب الريحاني».
كانت انطلاقتها الحقيقية في عام 1923 عندما تحمس لها الفنان الكبير عزيز عيد بعدما توسم فيها الموهبة فتعهدها بالتعليم والتدريب والمران، وأوكل إلى أحد مدرسي اللغة العربية مهمة تعليمها قواعد اللغة العربية والإلقاء، كما قام بضمها إلى فرقة «رمسيس» للفنان يوسف وهبي. وقد أسند لها في بدايات عملها بفرقة «رمسيس» بعض الأدوار الثانوية وبعض أدوار الصبيان والفتيات الصغيرات، فقامت بأدوار: توبي لمسرحية «الذهب»، وابن المهرج بمسرحية «المهرج»، ولي العهد بمسرحية «لويس الحادي عشر»، نيشت بمسرحية «غادة الكاميليا». ومنذ منتصف عشرينات القرن الماضي أتيح لفاطمة رشدي أن تصير بطلة لعدد كبير من مسرحيات فرقة «رمسيس» ومن أهمها: الصحراء، القناع الأزرق، النسر الصغير، الحرية. وباستقالة بطلة فرقة «رمسيس» الفنانة روز اليوسف عام 1925 أتيح لفاطمة رشدي فرصة القيام بأدوار البطولة في مسرحيات: المبادئ، الرئيسة، الطاغية، سيرانو دي برجاك، تحت العلم، الشرف، حب المسز كوثر، الرعاع، الوحوش، ليلة الدخلة، الحقد، جمهورية المجرمين، الجناية، النزوات.
والحقيقة أن الفنان القدير عزيز عيد قد فتح لها ما يمكن تسميته بأكاديمية خاصة، فاستطاع أن يفجر فيها ينابيع الموهبة، لتصبح أكبر ممثلة في الشرق وتقوم بتجسيد كل ما قامت بتجسيده الممثلة العالمية المشهورة «سارة برنارد»، فحقق لها حلمها في أن تصبح مثلها والذي تحول عبر سنوات الكفاح إلى حقيقة. كان من الطبيعي أن يتسرب الإحساس الغامض بالحب إلى قلب «فاطمة» تجاه أستاذها عزيز عيد نظرا لما قدمه لها طوال تلك الفترة من رعاية واهتمام. وقد بدأت الشرارة الأولى لتتويج حبهما بالزواج حينما مرضت «فاطمة» مرضا شديدا ولم يلحظ عزيز عيد غيابها لمرضها نظرا لشواغله الكثيرة بفرقة «رمسيس»، ولكن صديقهما المشترك الفنان مختار عثمان تطوع بإخباره بأن فاطمة مريضة جدا وتسأل عنه دائما - ويبدو أن فاطمة كانت قد تحدثت مع مختار عثمان في أمر ارتباطها بعزيز - ثم فاجئ عزيز باقتراح زواجه من فاطمة، وسرعان ما وافق عزيز على الفور فرحا، ولكنه خشى من رفضها الارتباط به لأنه قبطي فأعلن سريعا عن استعداده التام والفوري لإشهار إسلامه. وبالفعل أعلن الرائد الفنان عزيز عيد إسلامه وتزوج من فاطمة عام 1924، ولكن النيابة المصرية استدعته لأن الفتاة على الرغم من شهرتها إلا أنها كانت لا تزال قاصرا بحكم القانون، وهنا تدخل بعض كبار الشخصيات ممن يعرفون قيمة وحجم عزيز عيد لإنهاء الموضوع. وقد أثمرت تلك الزيجة عن إنجاب طفلتها الوحيدة عزيزة عام 1925.
وبعد أن حققت فاطمة رشدي مكانتها المتميزة بفرقة «رمسيس» كان من الطبيعي أن تشتد المنافسات والصراعات بين نجمات الفرقة، ولكنها فجأة تطورت تلك المشاحنات إلى مشادات عنيفة بالتنابز بالشتائم والاشتباك بالأيدي سريعا، وذلك بسبب سماع «فاطمة» لضحكات نسائية لبعض زميلاتها صادرة من الكواليس أثناء قيامها بأداء أحد المشاهد الميلودرامية، فما كان منها إلا الانفجار الشديد بمجرد انتهاء المشهد ودخولها للكواليس، وكان من المنطقي أن ينحاز الرائد عزيز عيد إلى موقفها ويطالب بضرورة معاقبة اللاتي ضحكن، ولكن المفاجأة كانت في انحياز الفنان يوسف وهبي - مؤسس الفرقة - ضد الفنانة فاطمة رشدي ورفضه القاطع لرد فعلها العنيف، فكانت النتيجة هي قرار كل من فاطمة ووزوجها عزيز عيد بالانسحاب الفوري من الفرقة.
بعد إنفصال الفنانة فاطمة رشدي وزوجها الرائد عزيز عيد عن فرقة «رمسيس» عام 1926 شرعا معا على الفور بتأسيس فرقة تحمل اسمها وأسندت الإدارة الفنية للفنان عزيز عيد، وسارت الفرقة على منوال فرقة «رمسيس» ونهجها في تقديم نصوص مترجمة ومقتبسة من المسرح الغربي، ومعظمها تتسم بالميلودرامية والرومانتيكية التاريخية، بالإضافة إلى بعض المؤلفات المحلية وفي مقدمتها مسرحيات كل من الأساتذة: أمير الشعراء أحمد شوقي، شاعر القطرين خليل مطران، عباس علام، سليمان نجيب، بيرم التونسي، إبراهيم عبد القادر المازني، طاهر حقي، أحمد رامي.
وتضم قائمة الفرقة عددا كبيرا من المسرحيات المهمة ومن بينها على سبيل المثال: من المسرحيات التي قدمتها الفرقة: كليوباترة، مجنون ليلى، العباسة، أميرة الأندلس، سميراميس، بلقيس، عقيلة، فاطمة، الولادة، جان دارك، مدام سان جين، غادة الكاميليا، أنا كارنينا، الذئاب، الشرف، رقصة الموت، الزوجة العذراء، الجامحة، المستهترة، المتمردة، الجبارة، الشيطانة.
ويجب التنويه إلى أن فرقتها قد ضمت نخبة من كبار الفنانين آنذاك ومن بينهم على سبيل المثال: حسين رياض، استيفان روستي، بشارة واكيم، مرجريت نجار، سرينا إبراهيم، عباس فارس، فؤد شفيق، علي رشدي، فؤاد سليم، أحمد علام، زينب صدقي، منسى فهمي، نجمة إبراهيم، عبد العزيز أحمد، سعيدة فهمي.
وقد ظلت الفرقة تقدم مواسم منتظمة بفضل مؤازرة ورعاية أحد الأثرياء لها، لكنها اضطرت إلى حل الفرقة في عام 1934 كنتيجة للكساد الاقتصادي بسب الأزمة الاقتصادية العالمية، فضلا على الخسائر المادية التي تكبدتها الفرقة خاصة بعدما توقف الثري عن تمويلها. ويضاف لرصيد هذه الفنانة القديرة إصرارها على تنظيم جولات فنية بفرقتها المسرحية لبعض الدول العربية الشقيقة للمساهمة في نشر الفن المسرحي، وبالفعل حققت نجاحا كبيرا في كل من العراق وبلاد الشام وتونس الخضراء.
على الرغم من صعود نجم فاطمة رشدي في سماء الوطن العربي إلا أن هناك من كان يتربص بأمر علاقتها الزوجية مع عزيز عيد لكي تنتهي بالفشل والطلاق، ومن جانب آخر كان هناك الكثير من المعجبين الذين يحاولون إغرائها بهجر المسرح والارتباط بهم لكنها كانت دائما ترفض وتفضل فنها، ولكنها في نهاية الأمر اضطرت للإنفصال عن عزيز عيد - رغم حبها وتقديرها له - بسبب غيرته الشديدة، وبانفصالها عنه كونت فرقتها المسرحية الخاصة التي حملت اسمها وقدمت خمسة عشر مسرحية في سبعة أشهر، والتي قدمت من خلالها بعض النجوم الجدد ومن بينهم: محسن سرحان، السيد بدير، سعيد أبو بكر، محمود المليجي، يحيى شاهين، نادية السبع، ومحمد فوزي الذي كان يلحن المونولوجات التي تقدم بين فصول المسرحيات.
وعندما أسست الدولة «الفرقة القومية» عام 1935 - في محاولة لمواجهة أثار الأزمة الاقتصادية العالمية والكساد ومعاناة الفنانين من البطالة - انضمت إليها الفنانة فاطمة رشدي مع جميع نجوم الفرق الثلاث (جورج أبيض، رمسيس، فاطمة رشدي) ولكنها انفصلت عنها بعد فترة وجيزة عندما لم ترشح لأداء أدوار البطولة، وأقدمت مرة أخرى على تأسيس فرقة جديدة عام 1936 أحيت موسما صيفيا قصيرا، ثم عاودت أكثر من مرة تكوين فرقتها - وبمعاونة عزيز عيد أحيانا - بإمكانيات مادية محدودة وذلك خلال أعوام: 1937، 1939، 1941، 1942، وكانت آخر تجربة لها مع فرقتها المسرحية في صيف 1954 حينما قدمت موسما قصيرا بالإسكندرية.
اتجهت فاطمة رشدي للسينما في أواخر العشرينات، وكان أول أفلامها هو «فاجعة فوق الهرم» في عام 1928، وقامت بعده ببطولة الكثير من الأفلام حتى أواسط الخمسينات، ومن أعمالها الفنية الخالدة: فيلم العزيمة، مدينة الغجر، الريف الحزين، الطريق المستقيم، الطائشة، الهارب، فاجعة فوق الهرم، ثمن السعادة، غرام الشيوخ.
جدير بالذكر أنها قامت بتأليف أربعة كتب وهي: «كفاحي في السينما والمسرح»، «عزيز عيد»، «فاطمة رشدي بين الحب والفن»، «أنا والرجال».
ويذكر أنها تزوجت خمس مرات، فبعد طلاقها من عزيز عيد تزوجت من المخرج السينمائي كمال سليم، ومن بعد إنفصالها عنه من المخرج السينمائي محمد عبد الجواد، وكان رابع أزواجها رجل أعمال من الصعيد، أما الخامس والأخير فكان ضابطا بالشرطة تزوجته عام 1951.
وقد اعتزلت الفن في أواخر الستينات، وتوفيت في 23 يناير عام 1996 عن عمر يناهز 87 عاما.
يمكن تصنيف مجموعة أعمالها الفنية طبقا لإختلاف القنوات المختلفة (مسرح، سينما، إذاعة) مع مراعاة التتابع التاريخي كما يلي:
أولا: الأعمال المسرحية
ظل المسرح هو المجال المحبب للفنانة فاطمة رشدي، فهو المجال الذي تفجرت به هوايتها لفن التمثيل، كما أثبتت وأكدت موهبتها من خلاله بعدما تعلمت أصول التمثيل بفضل نخبة من أخلص أساتذته (في مقدمتهم الأساتذة عزيز عيد، يوسف وهبي، عبد الرحمن رشدي، فوزي الجزايرلي، أمين عطا الله). ويمكن تصنيف مجموعة أعمالها المسرحية طبقا للتتابع التاريخي مع مراعاة إختلاف الفرق المسرحية وطبيعة الإنتاج كما يلي:
 - «رمسيس»: استقلال المرأة الطلاق، الأب ليبونار، الدم (1923)، (1924)، (1925)، (1926).
 - «فاطمة رشدي»: الحب أدريان ليكوفرير، سلامبو، الساحرة، السلطان عبد الحميد، النسر الصغير، الوطن، تيودورا، رابجاس، ركن الزيزفون، روكامبل، روي بلاس، شارلوت كورديه، غادة الكاميليا، لوكاندة الأنس، مانون ليسكو (1927)، الذهب ديفيد كوبر فيلد، الإمبراطور، الدكتور، الشبيهتين، العاصفة، العواصف، الفاجعة (الشهيدة)، المائدة الخضراء، أما ليلة، بحد السيف، بيزنطه مدينة الدم، جان دارك، جمال باشا، غليوم الثاني، فوت، مونت كارلو، محمد الفاتح، يهوديت جوزيت، يوليوس قيصر(1928)، مصرع كليوباترة كليوباترة، الكابورال سيمون، حواء، رقصة الموت، زوج غصب عنه، هاملت (1929)، ذات الشعور، العشرة الطيبة، شهرزاد، ابن السفاح، البعث، الجبارة، الحب المحرم الثمرة المحرمة، الشيطانة، إبراهيم باشا، بسلامته بيصطاد، زليخا يوسف الصديق، (667) زيتون، فجر، مجنون ليلى، مدام سان جين، نابليون (1930)، العباسة العباسة أخت الرشيد، آنا كارنينا، توتو، خلي بالك من إيميلي، سميراميس، عقيلة، فاطمة، ليلة من ألف ليلة (1931)، علي بك الكبير، الجامحة، غريزة المرأة (1932)، الزوجة العذراء، الولادة، أحمس الأول، أميرة الأندلس، بلقيس، توسكا، فتاة شنغهاي (1933)، شجرة الدر، معركة الشباب (1934)، المستهترة (1936)، المتمردة (1937)، مريض الوهم، سالومي، عزيزة ويونس (1940).
- «جمعية أنصار التمثيل والسينما»: المشكلة الكبرى (1940).
- «المسرح العسكري»: انضمت فاطمة رشدي إلى فرقةالمسرح العسكري» عام 1954، وأدت الكثير من البطولات المسرحية، وأشتركت في بعض رحلاته بالأقاليم، وأخرجت مسرحية «الكاميليا»، وكانت تقدم بخلاف البطولات مشاهد فردية كما تقوم بإلقاء بعض القصائد الشعرية.
 - «المسرح الحر»: انضمت.لـ”لمسرح الحر” عام1960  وقدمت عدة مسرحية معدة عن روايات الكاتب الكبير نجيب محفوظ، ومن بينها: مسرحية «بين القصرين» (1960) التي جسدت من خلالها شخصية «زبيدة» العالمة، كما شاركت بعد ذلك في مسرحية «ميرامار» (1969).
وجدير بالذكر أنها ومن خلال مجموعة المسرحيات التي شاركت في بطولتها قد تعاونت مع نخبة من كبار المخرجين الذين يمثلون أكثر من جيل ومن بينهم الأساتذة: عزيز عيد، يوسف وهبي، عبد الرحمن رشدي، استيفان روستي، عمر وصفي، كمال ياسين، صلاح منصور، نجيب سرور.
ثانيا: أعمالها السينمائية
شاركت الفنانة فاطمة رشدي في إثراء مسيرة الفن المصري ببطولة سبعة عشر فيلما خلال ما يقرب من خمسة وعشرين عاما، حيث كانت أولى مشاركتها بفيلم «فاجعة فوق الهرم» عام 1928 من إخراج إبراهيم لاما، في حين كانت آخر أفلامها فيلم «الجسد» عام 1955 من إخراج حسن الإمام.
هذا وتضم قائمة مشاركاتها السينمائية الأفلام التالية: فاجعة فوق الهرم، تحت سماء مصر (1928)، الزواج (1933)، الهارب (1936)، ثمن السعادة، العزيمة (1939)، إلى الأبد (1941)، الطريق المستقيم، العامل (1943)، بنات الريف، مدينة الغجر (1945)، غرام الشيوخ، عواصف، الطائشة (1946)، الريف الحزين (1948)، دعوني أعيش، الجسد (1955).
ويذكر أنها قد تعاونت من خلال مجموعة الأفلام السابقة من نخبة متميزة من كبار مخرجي ورواد السينما العربية وفي مقدمتهم الأساتذة: إبراهيم لاما، وداد عرفي، ألفيزى أورفانيللى، توجو مزراحي، كمال سليم، يوسف وهبي، محمد عبد الجواد، أحمد كامل مرسي، عبد الفتاح حسن، أحمد ضياء الدين، إبراهيم عمارة، حسن الإمام. كما يذكر أنها قامت بإخراج فيلم «الزواج» من إنتاجها وبطولتها، وهو الفيلم الذي صورت مناظره في «باريس» و«إسبانيا» و«مصر».
جدير بالذكر أن الرائدة فاطمة رشدي بطلة «فيلم العزيمة » - الذي صنف كأفضل فيلم في تاريخ السينما المصرية - والتي عاشت حياة مملوءة بالابداع والأضواء والشهرة، والتي كانت صورها توضع في صدر «أفيشهات» الأفلام (قبل يوسف وهبي وحسين صدقي وغيرهم) قد انتهت حياتها نهاية مأساوية مثل أفلام التراجيديا التاريخية، فقد اضطرت إلى اعتزال الفن في أواخر الستينات بعدما انحسرت عنها الأضواء مع تقدمها في السن وضياع الصحة والمال، وأصبحت تعيش في أواخر أيامها في معاناة كبيرة حيث لم تجد شقة تؤويها، وأقامت في حجرة بأحد الفنادق الشعبية في القاهرة، وشاهدها الكثيرون أمام باب مسرح الأزبكية (المسرح القومي) بالقاهرة، وهي تلعن الفن الذي أوصلها لهذه الحالة، إلى أن تدخل المسؤولون لعلاجها على نفقة الدولة وتوفير المسكن الملائم لها، وقد تم ذلك بالفعل قبل وفاتها بفترة وجيزة، حيث حصلت بالفعل على شقة إلا أن القدر لم يمهلها لتتمتع بما قدمته لها الدولة، لتموت وحيدة تاركة ورائها ثروة فنية عملاقة تزيد عن مائتي مسرحية وسبعة عشر فيلما سينمائيا، وحياة ثرية عاصرت خلالها جيل من عمالقة المسرح ورواد السينما.
وأحمد الله على إتاحة الفرصة لي في أوائل التسعينات للاقتراب من عالم هذه الفنانة القديرة، كانت المرة الأولى عندما ذهبت للقائها - بمقر إقامتها بأحد الفنادق المتواضعة بمنطقة العتبة - مع بداية مشروعي لإعداد «موسوعة المسرح المصري المصورة»، ولكن للأسف لم تسعفها ذاكرتها إلا بإضافات صغيرة جدا عن ما سجلته هي في مذكراتها وما ذكر بالمراجع المختلفة، فكانت أهمية اللقاء في تأكيد بعض المعلومات، أما المرة الثانية فكانت بتكليف من أستاذي الراحل المبدع كرم مطاوع للاتفاق معها على مراسم تكريمها بيوم «المسرح المصري» والذي تم تنظيمه بالمسرح القومي، وكم كانت سعادتها بسماع الخبر وبهذا التكريم الذي يجدد لقائها مع جمهور المسرح مرة أخرى.
رحم الله هذه الفنانة القديرة التي نجحت في ترك بصمة فنية خاصة بها في زمن النهضة المسرحية والفن الجميل وسط كوكبة من كبار الفنانين والفنانات العاشقين للفن بصدق، خاصة بعدما استطاعت أن تحقق لنفسها مكانة متميزة وسط سيدات المسرح المصري، ويكفي أن نذكر لها نجاحها في تأسيس فرقة مسرحية بإسمها لتصبح ثاني سيدة مصرية - بعد القديرة منيرة المهدية - تدير فرقة مسرحية، وكذلك مغامرتها بالإقدام على تجربة الإخراج لتصبح أول مخرجة في مسيرة المسرح المصري، وذلك بخلاف إقدامها على الإخراج السينمائي أيضا. هذا ويجب التنويه إلى أن هذه الفنانة القديرة قد حظت بكثير من مظاهر التكريم الرسمي في حياتها، وكان آخرها تكريمها بيوم المسرح المصري بالمسرح القومي عام 1992، ولكن يبقى التكريم الشعب لها وحب وإعجاب الجمهور على مر السنين، وتلك الألقاب الكثيرة التي حظت بها وفي مقدمتها: «سارة برنار الشرق» لتميزها في تجسيد عدد كبير من الشخصيات التي برعت في تجسيدها الممثلة العالمية المشهورة «سارة برنارد»، و«صديقة الطلبة» لفتح أبواب مسرحها مجانا أمام طلاب المدارس والجامعات بمصر وأيضا ببعض جولاتها المسرحية بالدول العربية.

 


د.عمرو دوارة

esota82@yahoo.com‏