عبد العزيز خليل الفتوة

عبد العزيز خليل الفتوة

العدد 577 صدر بتاريخ 17سبتمبر2018

الفنان القدير عبد العزيز خليل من رواد التمثيل والإخراج المسرحي خلال النصف الأول من القرن الماضي، كما يعد أيضا من رواد التمثيل السينمائي؛ حيث عمل في السينما منذ بدايتها وذلك بمشاركته بفيلم «سعاد الغجرية» عام 1928. وهو من مواليد 26 مايو عام 1887، وقد بدأ حياته الوظيفية بالعمل بمصلحة هندسة السكك الحديدية، ولكن من أجل عشقه للفن وهوايته للتمثيل المسرحي ضحى بجميع مميزات الوظيفة الثابتة وقرر احتراف الفن. التحق في بدايته الفنية عام 1908 بصفة هاوٍ بفرقة الشيخ سلامة حجازي،
 وبعد فترة وجيزة انضم إلى بعض فرق الهواة في الإسكندرية، ثم اشترك مع بعض المسرحيين ومن بينهم: عبد الله عكاشة، عزيز عيد، عمر وصفي، حسن ثابت في تأسيس فرقة مسرحية باسم «شركة التمثيل العربي»، اتخذت من تياترو «التفريح» لصاحبه الفنان إسكندر فرح، مقرا لعروضها.
كانت البداية الفنية الحقيقية للفنان عبد العزيز خليل عام 1912 وذلك بانضمامه إلى الفرقة المسرحية العربية التي قام بتأسيسها الفنان جورج أبيض بعد عودته من بعثته لفرنسا (بإدارة عبد الرازق بك عنايت)، فاستطاع المشاركة بأداء عدة أدوار متنوعة بتميز واضح حتى إن الفنان جورج أبيض شجعه أكثر من مرة وأعلن رضاءه عنه وتنبأ له بمستقبل فني كبير إذا استمر في ممارسة التمثيل بنفس ذلك المستوى من الاجتهاد والتركيز. وكانت انطلاقته الفنية الثانية عندما قامت الفنانة منيرة المهدية بتأسيس فرقتها عام 1915 واستدعته ورشحته للمشاركة كمدير فني للفرقة، فانضم للفرقة وقام بمهام وظيفته خير قيام، كما أخرج لها عددا كبيرا من المسرحيات والأوبريتات الغنائية الناجحة، ولكن مع مرور الوقت حدث نفور بينه والمدير الإداري والمالي للفرقة محمود جبر (زوج منيرة المهدية)، وتفاقمت الخلافات بينهما فاضطر للانفصال عن الفرقة، وانضم بعد ذلك إلى شركة «ترقية التمثيل العربي» (إخوان عكاشة) كمدير فني، حيث نص في تعاقده معهم على الرجوع إليه في كل شؤون المسرح.
وفي عام 1935 التحق بالفرقة القومية عند تأسيسها، ومع إعادة تشكيلها وتغيير اسمها إلى”الفرقة “المصرية للتمثيل والموسيقى” عام1942 ، استمر أيضا بالعمل بها، ومن أهم المسرحيات التي شارك في بطولتها: يوم القيامة، ليلة من ألف ليلة، عزيزة ويونس، الثائرة الصغيرة، البائسة، في ظلام الحريم، غروب الأندلس، شمشون ودليلة، الحب بالعافية، وقد اعتزل التمثيل عندما تقدم به العمر في عام1954 . وقد رحل عن عالمنا في11  فبراير 1969.
ذكرت بعض المراجع ومن بينها مذكراته الشخصية - التي نشرت فقط أجزاء منها بمجلة المصور بتاريخ 23/4/1965 ولم تنشر كاملة حتى الآن - بعض المواقف والنوادر المبكرة التي تكاملت فيما بينها لتؤكد صدق موهبته، ودفعته إلى اتخاذ قرار احتراف الفن والتفرغ له، ولعل من أهمها أحداث الزيارة التاريخية للفنانة العالمية سارة برنارد )أشهر ممثلة مسرحية في العالم آنذاك) لمصر عام 1908 لتقديم بعض مسرحياتها. حيث حرص وقتها الفنان عبد العزيز خليل مع رفاق الهواية الصديقين عزيز عيد ونجيب الريحاني، على مشاهدة تلك المسرحيات، ونظرا لأنهم كانوا جميعا في حالة إفلاس فقد ذهبوا إلى مدير الفرقة وأخبروه برغبتهم الملحة لمشاهد المسرحيات على الرغم من إفلاسهم، فما كان من المدير إلا أن ذهب ضاحكا يروي قصة هؤلاء الهواة الثلاثة للفنانة سارة برنار، وقد ابتسم لهم الحظ حينما طلبت رؤيتهم على الفور، وبعد تعرفها عليهم قررت أن يكونوا ضيوفها في البنوار المحجوز باسمها طوال فترة إقامتها في القاهرة، ولم تكتفِ بذلك بل واستغلت هوايتهم للتمثيل وأشركتهم في أدوار صغيرة في بعض فصول مسرحياتها، ثم صرحت في حفلة وداعها قبل مغادرتها للقاهرة: «في هذه الزيارة تعرفت على مجموعة من الشباب المتحمسين للفن والحريصين على إيجاد كيان فني في مصر، وأذكر من هؤلاء الشبان على سبيل المثال لا الحصر: نجيب الريحاني، أحمد فهيم، عزيز عيد، عبد العزيز خليل، فهم في رأيي المشاعل التي ستنير للفن طريقه بمصر».
وصدقت سارة برنار، فقد تألق الفنان عبد العزيز خليل بعد ذلك ممثلا ومخرجا ومدربا للممثلين في أغلب الفرق المسرحية، التي عمل بها منذ عام 1912، ومنها على سبيل المثال فرق: جورج أبيض، أبيض وحجازي، منيرة المهدية، أمين صدقي، عزيز عيد، بشارة واكيم، فيكتوريا موسى، القومية، المصرية للتمثيل والموسيقى.
والحقيقة التي يجب تأكيدها هي أن هذا الفنان القدير الذي يعد من أوائل من المخرجين المصريين المتميزين في المسرح المصري، لم يأخذ حقه تاريخيا حتى الآن، فلم ينل على سبيل المثال مكانة ولا شهرة كل من المخرجين عزيز عيد وزكي طليمات ومن بعدهما فتوح نشاطي، وذلك على الرغم من معاصرته لكل منهما. ولم يحظ أيضا بمكانة أصحاب الفرق الذين ساهموا بإخراج عروض فرقهم وفي مقدمتهم المبدعين: جورج أبيض، علي الكسار، نجيب الريحاني، ويوسف وهبي. ويجب تسجيل ملاحظة مهمة في هذا الصدد وهي أنه لم يشارك بإخراج أي مسرحية بالفرقة القومية على الرغم من انضمامه إليها بمجرد تأسيسها عام 1935!!
وأعتقد أن السبب الرئيسي في ذلك يعود إلى طبيعته الهادئة ودماثة خلقة وحساسيته المفرطة وشخصيته المسالمة البعيدة كل البعد عن الدخول في الصراعات، بالإضافة إلى عدم امتلاكه لمهارات الجذب الإعلامي والبقاء تحت الأضواء، وذلك بخلاف أنه لم يحظ بفرصة السفر للخارج كأغلبية مخرجي جيله: جورج أبيض، زكي طليمات، عزيز عيد، يوسف وهبي، وفتوح نشاطي.
كان الفنان عبد العزيز خليل معروفا بقوة شخصيته في الواقع - وعلى الرغم من طيبته ودماثة أخلاقه وشخصيته الخجولة - فقد تميز في أداء أدوار الشر والفتوة والبلطجة، وتجسيد بعض الشخصيات الشعبية فبرع في تجسيد شخصيات المعلم الفتوة والبلطجي الشرير، وهي تلك الأدوار التي نافسه في أدائها نخبة من كبار الممثلين في مقدمتهم كل من الفنانين: محمود إسماعيل، محمود المليجي، زكي رستم، فاخر فاخر، عدلي كاسب، محمد السبع، فريد شوقي، سعيد خليل، عبد العليم خطاب.
ورغم صغر مساحات الأدوار التي كان يرشح لها ويتحرك بداخلها، فإنه كان من نوعية الممثلين التي تثبت وتؤكد بأنه لا يوجد دور كبير ودور صغير، ولكن هناك ممثلا كبيرا وممثلا صغيرا. ومما لا شك فيه أن ملامح وجهه القوية والحادة قد ساعدته في تجسيد أدوار الشر التي برز فيها وخصوصا في مجال السينما، ومن أدواره السينمائية المهمة بصفة عامة أدواره بأفلام: العزيمة، سي عمر، أحمر شفايف، النائب العام، خاتم سليمان، عدو المجتمع، أولاد الشوارع.
ويحسب في الرصيد الفني للفنان عبد العزيز خليل مشاركته بدور أساسي في تأسيس «نقابة الممثلين» عام 1942، وتحمله مسئولية رئاسة مجلس إدارتها، وذلك بعدما اجتمع أعضاء جميع الفرق المسرحية آنذاك لإشهار نقابة لهم وانتخاب أول مجلس إدارة لها، وبالإجماع تم اختياره أول نقيب للممثلين في تاريخ مصر، وكان مقر النقابة آنذاك بميدان باب الخلق (في ملك الشيخ فراج عبد الدايم).
ويمكن من خلال رصد جميع الأعمال الفنية التي شارك فيها الفنان القدير عبد العزيز خليل تصنيفها طبقا لاختلاف القنوات الفنية وطبيعة التخصص في الإبداع وأيضا طبقا للتتابع التاريخي كما يلي:
أولا: مشاركاته المسرحية
يمكن تصنيف مشاركاته الإبداعية بمجال المسرح طبقا لطبيعة إبداعاته إلى قسمين رئيسيين هما الإخراج والتمثيل كما يلي:
1 - الإخراج:
شارك في إثراء مسرحنا المصري بإخراجه لأكثر من سبعين مسرحية لكبرى الفرق المسرحية ومن أهمها ما يلي:
 - لفرقة «منيرة الهدية»: صلاح الدين الأيوبي، ضحية الغواية )شارلوت(، الكابورال سيمون، عايدة )عائدة)، هاملت (1916)، كارمن (كرمن(، ليث الغيل، مدرسة الأزواج (1917)، تاييس )تاييس فاتنة مصر وسوريا(، غانية الأندلس، أدنا )أديني جيت)، البرج الهائل، تليماك، مدرسة النساء (1918)، أبو الحسن المغفل )إسحق النديم)، كلام في سرك (1919)، كلها يومين (1920)، التالتة تابتة، عظة الملوك (1921)، عواطف البنين (1922)، حرم المفتش، العذارى، حماتي (1926)، صاحبة الملايين )الأرملة الفرحة)، كليوباترة ومارك أنطونيو، حياة النفوس (1927)، كيد النسا، قليلة البخت (1928)، آدم وحواء، مملكة الحب (1931)، الأميرة نورة، المخلصة، عروس الشرق، لولو، الدجالين، حاجب الظرف، رومية الحب (1933)، الأميرة روشتار (الأميرة روشتار الهندية) (1938).
 - لفرقة «ترقية التمثيل العربي» (أولاد عكاشة): المحامي المزيف، معروف الإسكافي (1923)، الدنيا وما فيها، خاتم سليمان، العريس، المشكلة الكبرى، سوسو هانم، فتاة الأناضول (1924)، طيف الخيال، الأعمى المصور، التوبة (سالومي)، السلطان قلاوون، بثينة، كوثر، محمد علي الكبير وفتح السودان (1925)، ليلة كليوباترة )عروس الفراعنة كليوباترة(، الثائرة )فتاة الإسكندرية(، بنت نابليون )نابليونيت(، ناهد شاه والمغفلين الثلاثة، المرأة الجديدة، سهام (1926)، فرانسيسكو (ابن الأعمى) (1927).
 - لفرقة «منيرة الهدية وصالح عبد الحي»: توسكا (1929).
 - لفرقة «فيكتوريا موسى»: الحب بالعافية (1937).
2  - التمثيل:
شارك بالتمثيل بأدوار البطولة في عدد كبير من الأعمال المسرحية، ويجب التنويه بأن عددا كبيرا من تلك المسرحيات كانت من إخراجه. هذا ويمكن تصنيف المسرحيات التي شارك بها طبقا لاختلاف الفرق والتتابع الزمني كما يلي:
 - «منيرة الهدية»: صلاح الدين الأيوبي، ضحية الغواية، عايدة (عائدة)، هاملت (1916)، كارمن (كرمن)، ليث الغيل، مدرسة الأزواج (1917)، تاييس، غانية الأندلس، أدنا، البرج الهائل، تليماك، مدرسة النساء (1918)، أبو الحسن المغفل (إسحق النديم)، كلام في سرك (1919)، كلها يومين (1920)، التالتة تابتة، عظة الملوك (1921)، عواطف البنين (1922)، حرم المفتش، العذارى، حماتي (1926)، صاحبة الملايين، كليوباترة ومارك أنطونيو، حياة النفوس (1927)، كيد النسا (1928)، آدم وحواء، مملكة الحب (1931)، الأميرة نورة، المخلصة، عروس الشرق، لولو، الدجالين، حاجب الظرف، رومية الحب (1933)، الأميرة روشتار (1938)
 - «ترقية التمثيل العربي» (أولاد عكاشة): معروف الإسكافي (1923).
 - «بشارة واكيم» (مصر): خاتم سليمان، شهرزاد، المغارة المسحورة، الموت المدني، شمشون ودليلة، كليوباترة، مملكة الوحوش (1930)
 - «فيكتوريا موسى»: الحب بالعافية (1937).
 - «الفرقة القومية»: شمشمون ودليلة (1938)، يوم القيامة (1940)، الثائرة الصغيرة (1942)، عزيزة ويونس (1945)، العشرة الطيبة (1946)، في ظلال الحريم، الناصر (1947)، الصهيوني (1948)، ليلة من ألف ليلة (1949)، غروب الاندلس (1952)، شجرة الدر (1950)، دم الأخوين، الخيانة العظمى، بنات الهوى (1951)، سر شهرزاد (1953).
وجدير بالتنويه أنه من خلال الفرقة القومية قام بتجسيد بعض الشخصيات الدرامية المتميزة، ومن بينها على سبيل المثال: سيد بك عبد الرحمن بمسرحية «دم الأخوين»، التاجر الجاسوس بمسرحية «سر شهرزاد»، شافعي بمسرحية «بنات الهوى»، الأسطى درويش بمسرحية «الخيانة العظمى».
ويذكر أنه من خلال مجموعة المسرحيات التي شارك في بطولتها بالفرقة المختلفة السابق ذكرها قد تعاون مع نخبة من كبار المخرجين المسرحيين وفي مقدمتهم الأساتذة: زكي طليمات، يوسف وهبي، عمر جميعي، فتوح نشاطي، عمر وصفي.
ثانيا: مشاركاته السينمائية
لم تستطع السينما للأسف الاستفادة من موهبة هذا الفنان القدير وتوظيفها جيدا، فلم يحظ إطلاقا بفرصة البطولة المطلقة ومع ذلك فقد استطاع بموهبته المؤكدة وخبراته الكبيرة أن يلفت الأنظار إليه في تجسيده لتلك الأدوار الصغيرة، ونجح في أن ينوع أدائه لها بحيث لا تصبح جميع أدواره مجرد نمط مكرر. وتضم قائمة مشاركاته السينمائية عددا من الشخصيات المتميزة التي نجح في أدائها ببراعة ومن بينها على سبيل المثال: شخصية زعيم العصابة في «نشيد الأمل»، السياف مسرور بفيلم «دنانير»، صاحب اللوكاندة «سي عمر»، القاضي في «بحبح في بغداد»، العمدة في «شارع محمد علي»، المعلم مدبولي في «المظاهر»، مدير الكباريه في «حب ودموع»، سالم العطار عم ليلى في «خاتم سليمان»، زعيم عصابة خطف الأطفال في «ياسمين»، حسونة بك في «ماليش حد»، الحاج حسن في «أميركاني من طنطا»، المعلم إبراهيم في «فتوات الحسينية»، أبو جابر في «باب الحديد».
هذا وتضم قائمة أعماله السينمائية مجموعة الأفلام التالية: سعاد الغجرية (1928)، نشيد الأمل (1937)، لاشين (1938)، العزيمة، لافولنت، دنانير (1939)، عاصفة على الريف، إلى الأبد، مصنع الزوجات، سي عمر (1941)، محطة الأنس، بحبح في بغداد، الستات في خطر، المتهمة، ممنوع الحب (1942)، البؤساء، قضية اليوم (1943)، من الجاني، حبابة، شارع محمد علي (1944)، المظاهر، الزلة الكبرى، سلامة (1945)، الأحدب، مجد ودموع، شهرزاد، أحمر شفايف، النائب العام (1946)، كانت ملاكا، زهرة السوق، الهانم، خاتم سليمان، نور من السماء، عدو المجتمع، القاهرة بغداد (1947)، الزناتي خليفة، الشاطر حسن (1948)، ياسمين (1950)، أنا بنت ناس، أولاد الشوارع (1951)، مصطفى كامل (1952)، ماليش حد، عائشة (1953)، أميركاني من طنطا، آثار في الرمال، فتوات الحسينية (1954)، في سبيل الحب (1955)، إسماعيل يس في متحف الشمع، سمارة (1956)، باب الحديد (1958)، الله أكبر (1959).
وجدير بالذكر أنه من خلال مجموعة الأفلام السابقة تعاون مع نخبة كبيرة من الفنانين وأيضا نخبة من كبار المخرجين الذين يمثلون أكثر من جيل ومن بينهم الأساتذة: أحمد بدرخان، كمال سليم، نيازي مصطفى، هنري بركات، توجو مزراحي، جاك شوتز، فريتز كرامب، يوسف وهبي، حسين فوزي، عباس كامل، حسن حلمي، أحمد كامل مرسي، ولي الدين سامح، عبد الفتاح حسن، إبراهيم عمارة، أنور وجدي، حسن رمزي، فؤاد الجزايرلي، حسن الإمام، جمال مدكور، عيسى كرامة، يوسف شاهين، حسن الصيفي، حسام الدين مصطفى.
ومما يؤسف له أن هذا الفنان القدير لم يكرم أبدا في حياته ولم يحظ بأي مظهر من مظاهر التكريم، وذلك على الرغم من دوره المهم كمخرج في صقل موهبة وتدريب عدد كبير من الفنانين - الذين أصبحوا نجوما بعد ذلك - في أغلب الفرق المسرحية التي شارك بإخراج عروضها منذ عام1915 . وبدلا من تكريمه في أواخر أيامه عاني من الجحود ونكران الجميل، خاصة عندما تلقى الضربة القاسية والموجعة بإحالته إلى التقاعد. فقد كان هذا القرار المجحف شديد القسوة والمرارة عليه وعلى بعض زملائه، ومن سخرية القدر أننا إذا نظرنا إلى قرار إحالته للتقاعد وكشف المعاشات لأعضاء الفرقة القومية المصاحب له آنذاك فإننا سنجد به ثلاثة أسماء لرواد كبار شاركوا لسنوات طويلة بالتمثيل وأداء أدوار البطولة، ولكنهم نظرا لأنهم تجاوزوا السن القانوني فقد تمت معاملتهم ماديا بوصفهم موظفيين حكوميين وبصورة غير لائقة ومهينة. كان الفنان الرائد الكبير جورج أبيض هو الاسم الأول بكشف المعاشات، وتحدد له معاشا قدره خمسة وعشرون جنيها!! والفنانة القديرة زينب صدقي هي الاسم الثاني وقدر لها معاشا قدره أربعة وعشرون جنيه!! أما الاسم الثالث فكان الفنان المبدع عبد العزيز خليل، الذي منحته الدولة معاشا أقل من أدنى مكافأة لأصغر كمبارس في الفرقة القومية، حيث كان إجمالي ما يتقضاه كمعاش شهري مبلغا وقدره: اثنا عشر جنيها!! وذلك بعد خدمة ثمانية عشر عاما بالفرقة القومية خلال الفترة من 1935 - 1953))، ومن قبلها أكثر من خمسة وعشرين عاما منذ تاريخ احترافه للتمثيل!!
رحم الله أبناء هذا الجيل من فناني زمن الفن الجميل، أصحاب المواهب الحقيقية الذين عشقوا التمثيل بصدق والفن بجنون فأجزلوا العطاء وتحملوا الكثير والكثير من المعاناة لتمهيد الأرض للأجيال التالية.


د.عمرو دوارة

esota82@yahoo.com‏