محمود فؤاد: اضطررنا لتقديم حفلتين يوميا لإرضاء الجمهور

محمود فؤاد: اضطررنا لتقديم حفلتين يوميا لإرضاء الجمهور

العدد 542 صدر بتاريخ 15يناير2018

لا تعنينى كثرة عروضى بقدر ما يعنينى أن أقدم رؤى جديدة

 لست غزير الإنتاج لأنني أبحث عن قضية مهمة

 

كانت نشأته وسط عالم الفن والمسرح، لها أكبر الأثر على حياته ومسيرته، فلقد كبر وسط مجموعة من الفنانين هم الآن رواد العملية المسرحية، كانوا أصدقاء مقربين لأخيه الأكبر، وكان دائما ما يجالسهم، ويلعب معهم حتى تنبأوا له بأنه سيكون له شأن هام في المسرح، انتقل مع أسرته إلى قنا، ولم يفارق ذهنه المسرح يوما، فعمل من خلال قصور الثقافة وحصل على الكثير من الجوائز، ثم وهو في المرحلة الثانوية، لم يكن هناك مسرح بمدرسته، فأنشأ مسرحا، قدم من خلاله نفسه كممثل وكمهندس ديكور، وحصل على الكثير من الجوائز أيضا، وبعد الثانوية عاد للقاهرة ليلتحق بكلية التربية الفنية، ثم المعهد العالي للفنون المسرحية قسم الديكور المسرحي، ليصقل موهبته بالدراسة الأكاديمية، فتفوق فيه حتى عين معيدا بقسم الديكور.
قدم من خلال المهرجانات المتخصصة بمسرح المعهد العالي للفنون المسرحية أربعة عروض، جميعها حقق نجاحا كبيرا، فقدم (حصل وممكن يحصل، الأم، كوكب حواء، كتبت من أجلي) وحصل بهم جميعا على جوائز كثيرة سواء من خلال مهرجان المخرج الأكاديمي، أو من خلال المهرجانين الأساسيين بالمعهد العربي والعالمي.
ثم قدم مؤخرا تجربة لاقت نجاحا جماهيريا كبيرا، وهي عرض «مسافر ليل» تأليف صلاح عبد الصبور، وبطولة علاء قوقة – صفوت الغندور – مصطفى حمزة، العرض من إنتاج مركز الهناجر للفنون، عن عرض «مسافر ليل»، أجرينا هذا الحوار مع المخرج ومهندس الديكور الشاب محمود فؤاد.

بداية لماذا اخترت نص «مسافر ليل»؟ ومتى بدأت التجربة تلمع في ذهنك؟
«مسافر ليل» نص مسرحي يتماشى مع الأحداث الراهنة منذ عام 2012، وهو نص دسم الفكرة، يتماشى مع كل العصور، ومكثف في رمزيته وأبعاده وجمالياته التشكيلية، ولقد رأيته من أكثر من زاوية، والأهم أن تلك الرؤية سواء تشكيليا أو إخراجيا كانت مغايرة تماما ومختلفة عن كل من سبقوني من المخرجين في تقديمه، فأنا كثيرا مثلا ما أقرأ نصوصا أراها رائعة، ولكنني أشك أن رؤيتي الإخراجية لها لن تكون مميزة عن أي مخرج آخر قدمها، لست كثيف الإنتاج المسرحي ولكنني دائما ما أبحث عن فكرة تحاكي قضية ذهنية، وفي نفس الوقت أستطيع أن أقدمها بشكل جديد ومبتكر.
ماذا أضاف محمود فؤاد لرؤية صلاح عبد الصبور؟ ولم لجأت إلى المسرح الشعري رغم عزوف الكثير من المخرجين عنه؟
لا يمكن أن أدعي أنني أضفت شيئا، فنص صلاح عبد الصبور محمل بكل المعاني والقضايا التي نحن بصددها اليوم، وكأن عبد الصبور عندما كتب النص كان يتنبأ بالواقع الذي نعيشه اليوم.
قد يكون المسرح الشعري فخا لذلك يخشاه المخرجون، ولكنني كنت على وعي تام لما أنا مقدم عليه من أن النص ينتمي للمسرح الشعري، وأنا أرى أن هذا أضاف للعرض ولم ينتقص منه، فعندما يكون لديك ممثلون على مستوى عالٍ من الوعي بطبيعة المسرح الشعري، فإن هذا يضيف لجماليات العرض بعدا جماليا آخر، وهو الجمال اللغوي.
لماذا فكرت في بناء قطار؟ ومن أين جاءتك الفكرة؟
منذ اللحظة الأولى التي قرأت فيها «مسافر ليل»، تسللت إلى ذهني فكرة القطار، فلم لا نضع المتفرج مع الممثل في المكان ذاته الذي يمارس فيه عامل التذاكر بطشه وقهره للراكب، لم لا يصبح المتفرج جزءا من الموضوع، وقد يعود التفكير بهذه الطريقة إلى عملي في السينما، حيث إننا نبني «لوكيشن» للتصوير، فتأثرت بذلك بالتأكيد، وأيضا منذ أن شاهدت مسرح الساحة استهواني جدا، خصوصا أنني أحب العروض في الأماكن المفتوحة، ففتحت خيالي بشكل أوسع للتفكير خارج الإطار الطبيعي للمسرح حتى اكتملت فكرة القطار.
الفكرة غير تقليدية وجريئة.. كيف انطلقت بفكرتك لترى النور؟ وما هي المعوقات التي واجهتك؟
في الواقع، البيروقراطية والتعنت الإداري أجل خروج المشروع للنور لمدة خمس سنوات، فأول من تحمس للفكرة كان صديقي مصمم الإضاءة أبو بكر الشريف، شجعني أن أقدم مشروعي لمسرح الساحة الذي كان تابعا للبيت الفني للمسرح، فقدمت المشروع بميزانية تقارب 100 ألف جنيه، فأخذت الميزانية تخفض، حتى وصلت للنصف ثم تم رفض العرض بحجة أن د. سيد خاطر رئيس البيت الفني آنذاك رفض المشروع، ويشاء القدر أن ألتقي بالدكتور سيد بعدها بفترة، ليقسم لي أنه لم يسمع عن المشروع من قبل، وتغير مدير الساحة وتقدمت من جديد بالمشروع ولكن لا جدوى، حتى أصبحت الساحة تابعة لمركز الهناجر للفنون في عهد الأستاذ سامح مجاهد، فتقدمت بمشروعي، ويشاء القدر أن يترك مجاهد الهناجر ويحل محله الأستاذ محمد دسوقي الذي رحب بالفكرة، وكان داعما لأن ترى النور.
لم نعتد أن نرى عروضا ضخمة الإنتاج في مسرح الهناجر ومع ذلك تحمس مدير الهناجر للفكرة رغم أنك ستبني مسرحا كاملا، وهذا يعني تكلفة ضخمة جدا فكيف تغلبتم على هذا؟
لم يتوقف دعم الأستاذ دسوقي عند الترحيب بالفكرة، بل ذلل كل العقبات، فحينما دخلت مكتبه كنت محبطا جدا، كنت وقتها قد ضيعت أربع سنوات هباء وأنا أجري وراء فكرة، ودعاني إلى مكتبه فتوجهت له بميزانية محدودة، وفي ذهني أنني سأضطر إلى تقليصها مرة أخرى ليوافق، ولكنه بادر بقوله إنه على استعداد لإنتاج هذه التجربة خلال الموسم، وأن الميزانية قليلة جدا على مشروع كهذا، فطلب مني أن أعيد النظر في المشروع وأرفع ميزانيتي، وسألني عن الممثلين أبطال العرض، وكنت سأختار ممثلين تتماشى أجورهم مع الميزانية، ولكنه سألني مباشرة من ترى أنه الأنسب لدور عامل التذاكر؟ فقلت له الدكتور علاء قوقة، فتحمس جدا، وتوجه بالمشروع بعد أن عدلنا ميزانيته للدكتور خالد جلال رئيس قطاع الإنتاج الثقافي، الرجل الذي يدعم الشباب دائما، تحمس للفكرة، وعلى الفور وافق على المشروع، وعلى الرغم من أنني كنت مزعجا له وكثير الطلبات، إلا أن مكتبه كان مفتوحا لي طوال الوقت، وكان يذلل لي كل العقبات.
كيف اخترت الممثلين؟ وهل تجربة العمل مع ممثلين أكاديميين سهلة أم صعبة؟ خاصة وأنها تجربتك الاحترافية الأولى؟
لكل مخرج مواصفاته الخاصة في اختيار أبطاله، تعتمد على مدرسته المسرحية وتوجهاته، والحمد لله بشهادة المتخصصين، فقد وفقني الله في اختياراتي، فقد قالت معتزة صلاح عبد الصبور أن لا أحد لعب دور عامل التذاكر من قبل كما قدمه علاء قوقة، كذلك صفوت الغندور وهو أستاذ للتمثيل أيضا، قدم شخصية الراوي بأداء السهل الممتنع، أما مصطفى حمزة (الراكب) فعندما كنت أنظر لوجهه في لحظات من العرض كنت أكاد أبكي رغم أنني مخرج العمل، كما أن التعامل معهم في البروفات لم يكن صعبا إطلاقا، كنا نتناقش كثيرا، ونتبادل الأفكار حول كل جملة، وكان لذلك مردود قوي على الأداء، كذلك الروح الطيبة أثناء البروفات، والاحتواء، والوعي الجيد لدور المخرج ودور الممثل.
ما الدور الأصعب الذي لعبته في العرض مهندس الديكور أم المخرج؟
بالطبع الإخراج يستحوذ على الذهن ويرهق طوال الوقت، بل يصل بك الحال أحيانا لئلا ترى النوم، وهذا ما حدث معي، لكن المرهق بالنسبة لي لم يكن الإخراج بقدر ما كان الديكور، فقد أرهقني كثيرا بسبب صعوبة تجهيزاته الخارجية، وكذلك التجهيزات الفنية كانت أكثر صعوبة، لأنها لم تكن متوفرة في الهناجر، فاضطررنا إلى استعارتها من البيت الفني للمسرح، ودخلت إدارة الهناجر في صراع شاق للحصول على تجهيزات فنية جيدة في النهاية.
لماذا لم تستعِن بمهندس ديكور من الخارج وتفكر فقط في الإخراج؟
لأنني في كل تجاربي السابقة فكرت بهذا الشكل، واستعنت بمهندسي ديكور آخرين، من أجل أن يضيفوا لرؤيتي الإخراجية رؤيتهم التشكيلية الخاصة، ولأنني أعي جيدا أن الاستعانة برؤية أخرى ستضيف للرؤية التشكيلية جمالا، ولكنني في الواقع في كل مرة استعنت بأحد لم يحقق ما أطلبه، وأصبحت الرؤية أقل مما هو مرجو.
ما هي خططك المستقبلية لعرض «مسافر ليل»؟ وما أسباب توقف العرض رغم الإقبال الجماهيري؟
كل مسرح له ميزانية خاصة به يستطيع أن يتحرك من خلالها، بالإضافة لارتباط الهناجر والساحة ببرامج فنية أخرى خلال الفترة الحالية، فسنضطر لانتظار السنة المالية الجديدة، ومن المقرر أن نقدم العرض خلال الموسم الصيفي، وأتمنى أن يسافر العرض الإسكندرية والصعيد وكل الأقاليم، وقد راعيت في صناعة الديكور سهولة فكه ونقله وإعادة تركيبه، فهو عرض يحارب التطرف والإرهاب والفكر الداعشي، يحارب الديكتاتورية الفكرية، لذلك أناشد المسئولين أن تصل مثل هذه العروض للأقاليم، وأن نجد الدعم سواء كفنانين أو كمسرح ليصل الفن لمستحقيه.
هل كنت تتوقع الإقبال الجماهيري الكبير على العرض؟ وما هو سبب الإقبال من وجهة نظرك؟
لم أكن أتوقع بالتأكيد مثل هذا الإقبال، وقد كان الإقبال تدريجيا، فقد كان معتدلا في البداية ثم وصل إلى ضغط كبير ووضعنا في مأزق الزحام على شباك التذاكر، فاضطررنا بالاتفاق مع إدارة الهناجر لتقديم حفلتين يوميا في الأيام الأخيرة إرضاء للجمهور، وبالتأكيد هناك أسباب استدعت ذلك، أولا الفن الجيد الذي يحترم عقلية المشاهد، دون ابتذال أو إسفاف، وكذلك الاختيارات الجيدة لجميع عناصر العرض، بالإضافة إلى الدعايا واتباع الطرق الحديثة في التسويق.
هل ستستمر كمخرج أم ستعود لدورك مهندسا للديكور؟ وما هي مشاريعك القادمة؟
الأولوية عندي للإخراج، وقد كان دخولي للمعهد قسم الديكور المسرحي الغرض منه أن أضيف عنصرا جديدا بجانب الإخراج.
أما عن الخطط القادمة فأنا الآن في مرحلة إعادة الحسابات، فآراء النقاد والمتخصصين أربكت حساباتي تماما، فعندما تسمع سيدة المسرح العربي سميحة أيوب تشيد بالتجربة بل وتصفها بأنها من أهم التجارب التي تناولت مسرح صلاح عبد الصبور، بالإضافة لآراء الكثيرين من الأساتذة المتخصصين والجمهور العادي لا بد أن تتوقف وتعيد ترتيب أوراقك، فتجربتي القادمة قد تأخذ عاما أو عامين لأنها أكثر صعوبة من هذه التجربة، وسأعيد التفكير فيها بكل تأكيد، فأنا لا يعنيني أن أقدم عرضين أو ثلاثة أو عشرة على مدار تاريخي، ولكن ما يعنيني أن أقدم عروضا رائدة من حيث الفكرة، غير تقليدية، وتضيف للمسرح رؤى جديدة.

 


كاتب عام