درويش الأسيوطي: الإبداع الحقيقي سهم في قلب التطرف

درويش الأسيوطي: الإبداع الحقيقي سهم في قلب التطرف

العدد 537 صدر بتاريخ 11ديسمبر2017

من مواليد أسيوط، درس التجارة واختار الفن موهبة ومهنة، عمل بفرقة أسيوط القومية، وله الكثير من الأعمال الشعرية والنصوص المسرحية، كما أخرج عددا من العروض. يهتم اهتماما كبيرا بالتراث والفنون الشعبية في كتاباته، حصل على جائزة الدولة التشجيعية في الشعر ووسام الفنون عام 97، حصل على عدة جوائز منها المركز الأول عن مسرحية «حصان الأمير» من إعداد القادة، والمركز الثاني من المركز القومي للطفل عن مسرحية «ولد وأسد»، بالإضافة لعدة جوائز عن مسرحية «الأم حماس»، وجائزة أحمد باكثير عن مسرحية «زعيم القتلة»، ومؤخرا حصول على جائزة التأليف المسرحي عن نص «الأقنعة والحمال» من الهيئة العربية للمسرح.. عن الجائزة ومشواره المسرحي كان لـ»مسرحنا» هذا اللقاء مع الشاعر والكاتب المسرحي درويش الأسيوطي.

حوار: روفيدة خليفة.
 - حدثنا عن النص الفائز بالجائزة ولماذا اخترت هذا النص تحديدا للتقدم به للمسابقة؟
«الأقنعة والحمال» واحد من النصوص التي كتبتها باللغة العربية الفصحى في الشكل النثري، والنص مثل معظم النصوص التي أكتبها وتتمازج مع تراثنا الشعبي، ويتناول قضية السلطة والحكم وما يتعلق بها من حرية التعبير وما إلى ذلك. المسرح بالطبع لا يلخص. ليست هذه المرة الأولى التي أشارك فيها في مسابقة الهيئة العربية للمسرح. ربما شاركت في كل النسخ، ولي أكثر من 5 نصوص جاءت في قائمة العشرين الأفضل في الكتابة للكبار والصغار. وقدمت فيها مجموعة من النصوص المصاغة بالفصحى ومنها هذا النص.
- هل حصلت على تكريم مناسب من الدولة؟
بالتأكيد لا.. لكنني ربما كنت أكثر حظا من غيري من المبدعين البعيدين عن دائرة الضوء الإعلامي. الدولة ملزمة بالقيام بدورها في رعاية الإبداع. فالإبداع هو سلاح ناعم يدافع عن هوية المجتمع ويحفظ له توازنه الاجتماعي. وهو العنصر الجامع لثقافة الوطن وأساس بناء هويته. لكن الدولة تخلت عن دورها خلال العقد الأخير، وكانت النتيجة ما نراه من التحول السيئ في قيم المجتمع وسلوكياته، فما تحمله الوسائط إبداع تجاري هابط.
 - عملت بالحقل السياسي فترة ثم تحولت إلى المجال الفني فما سر هذا التحول؟ وهل المسرح والسياسة لهما الدور نفسه في التأثير على المجتمع؟
لم أحترف العمل السياسي في أي يوم من حياتي، لكن وجدتني مضطرا لممارسة دور سياسي، وعندما وجدت أن من العبث إضاعة وقتي في لعبة هزلية اسمها الديمقراطية في مصر تخليت عن هذا الدور وقدمت استقالتي مرتين من أمانة الحزب الناصري بأسيوط وتفرغت لما أجيده، والمسرح أكثر تأثيرا في فكر المجتمع من العمل السياسي، فالمسرح يمكن أن يقول ما لا يستطيع السياسي قوله في خطابه المباشر وأكثر تأثيرا ومن هنا خطورة فن المسرح.
 - كلمنا عن نصيك «الحياة الأخرى دوت كوم» و«انت اللي قتلت شفيقة»؟
نص «الحياة الأخرى دوت كوم» معالجة درامية للأمثولة التراثية الشعبية مصباح علاء الدين، لكن علاء الدين في عملي لا يسيطر على الجني المحرر من المصباح، بل وسائل الميديا الحديثة هي التي تسيطر على علاء الدين وتحاول استلاب عقله وتاريخه في مقابل تحقيق بعض المكاسب المادية. وأظنني أعني بعلاء الدين شباب الأمة الذي يعاني من الاستلاب الذي تحاوله جماعات وأجهزة خارجية، أما «إنت اللي قتلت شفيقة» فهو معالجة أخرى للمأساة الشعبية «شفيقة ومتولي» وقد يندهش القارئ إذا علم أنني فكرت في كتابة العمل منذ عشرين عاما على الأقل.. لكن «الفابيولا» التي صنعتها للنص لم تقنعني، وبالصدفة وقعت في يدي المسودة القديمة فأعدت العمل من جديد على القصة، وبالفعل جاء النص مرضيا لي ولمن أثق في تذوقهم وعلمهم. والنص يرى أن متولي ليس وحده الذي قتل شفيقة بل كان هناك الكثير من القتلة.. جهل المرأة؛ أعني عدم إتاحة فرصة التعليم لها والعادات والتقاليد السلبية، وصمت المجتمع وغيرها، كلنا قتلة لشفيقة بتواطئنا مع هذا كله.
 - جيلكم تربى على المسرح المدرسي فكيف ترى المسرح المدرسي الآن؟ وكيف يمكن أن نرتقي به ليؤدي دوره في بناء أجيال لديها ذائقة مسرحية؟
من الأمانة الإشارة إلى أننا تربينا على المسرح المدرسي ومسرح الثقافة الجماهيرية أيضا.. المسرح المدرسي لم يعد مسرحا بل هو مجرد عروض تقدم للجان التحكيم، لا يراها الطلاب ولا أولياء الأمور كما كان المسرح المدرسي على أيامنا.. والمدهش أن عدوى العروض الشكلية التي تعد وتقدم للجان التحكيم امتدت إلى مسرح الشباب وتكاد تتسلل إلى مسرح الثقافة الجماهيرية «قصور الثقافة»، فلا بد من إعادة الاحترام للنشاط الفني وأن تخصص له الاعتمادات المالية والوقت الكافي حتى لا تستمر مدارسنا في تخريج الإرهابيين..!!
- وما رأيك فيما يطلق عليه مسرح التلفزيون مقارنة بمسرح التلفزيون الذي تربيتم عليه؟
من الصعب أن أطلق على مجموعة النكت السخيفة التي تعرضها إحدى القنوات لفظ المسرح.. «دا استهبال فني» لا يرقى إلى مستوى اسكتشات ليالي السمر، حتى إن مسرح القطاع الخاص الذي كنا نتهكم على مستواه صار من الأماني.
 - ما هي أهم المشكلات التي يواجهها المبدعون في الصعيد؟ وكيف يمكن التغلب عليها؟ ولماذا قلت إن أسيوط تخنق مبدعيها؟
المشكلة الأولى هي عقدة مسرح بني سويف، من يومها لم يعد في إمكان أحد الوقوف على خشبة المسرح دون موافقة (بتوع المطافي).. وفي نفس الوقت تخلى المسئولون عن قصور الثقافة عن اتخاذ قرار تشغيل المسرح لغيرهم. المشكلة الثانية تتعلق بالمخصصات المالية التافهة التي تخصص لمسرح الثقافة وهو المسرح الحقيقي المنتشر على كل أرض الوطن. فمن يقبل العمل بالقروش الثقافية في ظل الغلاء الذي يأكل الناس وليس دخولهم فقط؟
- على الرغم من تاريخك الطويل في المسرح لم تهجر الصعيد للعمل في القاهرة كما يفعل الكثيرون؟
لو فعل جيلنا كما فعلت الأجيال السابقة لظل الصعيد دون حركة ثقافية فاعلة. المحافظات تعج بالنشاط الثقافي رغم كل المعوقات لوجود مجموعة من المبدعين المقاتلين من الأدباء والفنانين فضلت أن تبقى على مصاطبها وتتواصل مع مجتمعها. القاهرة تسلب المبدعين طاقتهم وتدخلهم في معارك عبثية حول فتات الكعكة الإعلامية. ورحلات التمثيل غير المشرف في بعض المؤتمرات. وعامل آخر مهم أبقاني في أسيوط رغم أني تعلمت في القاهرة وتخرجت من جامعة عين شمس وهو ارتباطي بعائلتي.. وظروف العائلة التي تطلبت وجودي بأسيوط. وأظنني لم أخسر كثيرا..
 - ما السر وراء اهتمامك بالفنون الشعبية؟ وهل اختفت تلك الفنون؟
اهتمامي بالتراث الشعبي وفنونه أمر طبيعي، فأنا ابن الثقافة الشعبية كما سبق أن قلت.. وثقافتي المكون الأساس فيها هو التراث الشعبي. والتراث الشعبي مهدد بالتبديد والفناء تحت وطأة الغزو الثقافي وتطور وسائط عرض الفنون والآداب. ولا يستطيع أحد استعادة تراث ما لم يكن هذا التراث ما زال يمثل المجتمع. وعلينا كمثقفين أن نعمل على المحافظة على موروثنا الثقافي الشعبي، وأن نبقى العناصر القابلة للبقاء، ونوثق المهدد منه بالفناء ليكون موضع دراسة المختصين للاستفادة منه. ولعل من أهم أسباب تلك الهجمة على التراث الشعبي الموقف السلبي لبعض المثقفين من التراث وتسفيه إبداعات الأجيال السابقة من آداب وفنون شعبية، معظم الجامعات المصرية الحكومية والخاصة لا تعنى بدراسات التراث الشعبي بل إن بعض الأقسام التي كانت تعنى به تخلت عنه.
 - هل يمكن توظيف المأثور الشعبي في المسرح ليكون له دور فعال في التربية؟
بالتأكيد.. المسرح الغربي قام على التراث الشعبي اليوناني والروماني.. فلماذا نتخلى عن جذورنا؟! وقد حاولت وبعض كتاب المسرح الاستفادة من الموروث. ولي سلسلة من النصوص والمعارضات المسرحية بنيتها على قواعد المسرح الشعبي (مجموعة نصوص أبو عجور) كما استعنت بكثير من المواويل والقصص والسير في صياغة أعمال مسرحية أخرى أهمها «عرس كليب».
 - ما سبب غياب المسرح الشعري؟
المسرح أصلا بدأ شعرا.. وكلما كان النص أقرب للشعر.. كان المسرح أكثر قربا من وجدان الناس. لكن المسرح الشعري صار كاللظى.. يحرق أكف من يتداوله.. فالمخرجون في ظل تدني الثقافة والتعليم لم يعد لديهم القدرة ربما على قراءة النصوص الشعرية فما بالك بالتعامل معها؟ والممثلون معظمهم لا يجيد التعامل مع اللغة العربية الفصحى. هناك مئات النصوص الشعرية التي كتبت خلال العقدين الأخيرين.. كم منها تم تنفيذه؟ ربما لا شيء.
 - بما أنك أحد الحاصلين على جائزة الدولة التشجيعية كيف ترى تحديد سن جائزة الدولة التشجيعية بالأربعين؟ وهل يضيق ذلك على المبدعين؟
أنا مع هذا التحديد.. فالجائزة التشجيعية يجب أن تقدم للمبدع الذي يبدي تميزا لتشجيعه على التقدم والتميز.. لكن أن تعطى الجائزة لصاحب تجربة وربما مشروع إبداعي فهذا لا يصح..!! وأنا وعبد الستار سليم وعزت الطيري مثلا، وغيرنا أخذنا الجائزة التشجيعية بعد أن تجاوزنا الأربعينات.. ومنا من كان على المعاش.. بينما حصل على التقديرية والتفوق موظفون في دولاب الدولة.
 - ما رأيك في توقف الأنشطة الثقافية خلال فترة الحداد؟
أرى أننا بهذا التوقف نساعد الإرهابيين على تحقيق أهدافهم، فهم لا يرغبون في أكثر من ذلك.. الإبداع الفني والأدبي (مش زغاريد فرح إنما سهم يطلق في قلب التطرف) فلماذا نوقفه؟ لو مضينا في هذا الطريق لتوقفنا عن النشاط الفني فمعركتنا مع الإرهاب طويلة.
 - كيف ترى دور الهيئة العربية للمسرح في الحركة المسرحية في الوطن العربي؟
الهيئة العربية للمسرح وبدعم (سلطان المبدعين) حاكم الشارقة الشيخ سلطان القاسمي، تلعب الدور الأهم في حياتنا الثقافية العربية. إلى جانب مجموعة المسابقات والمهرجانات التي تتبناها دولة الإمارات العربية ومثقفوها. ولا أقول هذا لفوزي بالجائزة.. لا والله.. فالهيئة قدمت مجموعة من النصوص والمؤلفين لم يكن يتسنى لنا معرفتهم لولا مسابقات الهيئة. فليس لدينا مجلات تنشر نصوص المسرح ولا المقالات النقدية ولا متابعات العروض.. مع الاعتزاز بمسرحنا..!!
 ما رأيك في المسابقات المسرحية التي تقام في مصر؟ وهل تحقق طموح المبدعين؟
عن أي مسابقات تتحدثين؟ هي مسابقة يتيمة يقيمها المركز القومي للمسرح وأخرى تقيمها هيئة قصور الثقافة.. وجوائزها كلها لا تساوي تكلفة طبع النصوص المشاركة فيها.
 - هل نحن في حاجة لمسابقة عربية على غرار مسابقات الهيئة تقام في مصر كأحد إسهاماتها في بناء المسرح بالوطن العربي؟
نعم.. فمصر حجر زاوية الثقافة العربية.
 - كيف ترى تطور الحركة المسرحية في مصر خلال تلك الفترة؟
أنا أرى تراجعا.. ولا أرى تطورا.


روفيدة خليفة