الناقد ورئيس البيت الفني الأسبق أسامة أبو طالب: في حالات النهضة الناقد هو من يضيء الطريق للجمهور

الناقد ورئيس البيت الفني الأسبق أسامة أبو طالب: في حالات النهضة الناقد هو من يضيء الطريق للجمهور

العدد 581 صدر بتاريخ 15أكتوبر2018

صدر حديثا للناقد المسرحي د. أسامة أبو طالب ثلاثة كتب تعد إضافة هامة لمكتبة المسرح العربي، وهي «هرمينيوتيكا المسرح» وقد صدر في الشارقة، و»الجدلية والدرامية» الذي صدر عن مكتبة هلا، و»المسرح الشعري الحديث» الذي صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. وحولها كان هذا الحوار مع الناقد الشاعر د. أسامة أبو طالب.
ما ملابسات اعتذارك عن عدم الانضمام للجنة تحكيم المهرجان القومي؟
أولا أشكر الوزيرة إيناس عبد الدايم والدكتور حسن عطية على اختياري لرئاسة لجنة تحكيم المهرجان القومي الذي اعتذرت عنه لظروف خاصة، لكن أبدي اعتراضي من البداية على مسألة وجود 37 عرضا مسرحيا بالمهرجان، فأي لجنة لديها القدرة والطاقة والعقل والصحة والحضور الذهني في مدينة تتحرك بسرعة ستة كيلومترات في الساعة مثل القاهرة، كي تنتقل لترى ثلاثة عروض في اليوم، لو كان الأمر بيدي لاخترت فقط عشرة أو اثني عشر عرضا للتحكيم بواقع عرض واحد كل يوم بعد الفرز، والبقية يعرض على هامش المهرجان والتحكيم ويكون على مرحلتين، لجنة المشاهدة تسمح بالعرض على هامش المهرجان ثم ترشح للتحكيم. فلا وقت ولا جهد لمشاهدة كل هذه العروض. وأعتقد أن هذا يحدث في المهرجان التجريبي.
 - ما بواعث ظهور كتاب «المسرح الشعري الحديث» إلى النور الآن؟
كتاب «المسرح الشعري الحديث» تكمن أهميته التاريخية في أن هذا هو أول نقد مسرحي أكاديمي علمي يكتب في موضوع المسرح الشعري، وهذه الرسالة ناقشتها قبل رحيل الشاعر صلاح عبد الصبور بفترة قليلة، حضر المناقشة وشهد فيها شهادات عالية تقدر له أكثر مما تنسب إليّ، فكانت المناقشة حول عدم استطاعة الناقد أن يثبت استعمالات نفسية ودرامية وانفعالية أيضا لبحور الشعر العربي المختلفة، لأن النقد لا يسبق الإبداع، وصلاح عبد الصبور كان له تعليق لاستخدامه لبحر المتدارك والبحور الأخرى، وأنا اكتشفت أن هناك استعمالات مخالفة لما قاله، فعلى سبيل المثال عندما يقال إن البحر الطويل يستخدم للحماس أو للخطابة، أو إن بحر الرجز يستخدم لإيقاعات راقصة مثلا، فأنا استخرجت أمثلة مخالفة لما يقوله الشاعر من مسرحياته هو، فكانت مفاجأة مدهشة لدرجة أنه قال لو أن أسامة أبو طالب كشف لي عن تلك الملاحظات قبل أن أكتبها لما كتبتها وأنا سوف أمحوها في الطبعة التالية لكن لم يمهله الأجل.
من يقرأ هذه الرسالة سيرى كيف كان النقد في الثمانيات قبل ظهور الاتجاهات الشكلانية الحديثة من السيميولوجية والبنيوية وظهور نظرية العرض ونظريات التلقي، أو بمعنى أصح قبل وصولها إلينا، فأهمية هذا الكتاب في ذلك، بالإضافة لوجود كم ضخم جدا من الحواشي والتعليقات. وأهمية الكتاب أنه يتحدث عن المسرح الشعري الحديث، أما ما قبل الحديث أو ما قبل التفعيلة فلم أتعرض له إلا بكلمات فقد تم تغطيته من أساتذة شعر وأدب عربي وليس من أساتذة دراما. يبدأ لدي الفصل الأول بما يسمى الشعر بين الذاتية والموضوعية وهو مبحث نقدي، ثم على أحمد باكثير وهو فترة الانتقال وتغير الصورة أو المعبر والجسر من ترجمة باكثير لروميو وجولييت لشكسبير، ثم عبد الرحمن الشرقاوي وصلاح عبد الصبور ثم خمسة تجارب لخمسة شعراء كانوا موجودين حينها، المرحوم محمد مهران السيد في مسرحية «وادي الملح»، والشاعر شوقي خميس والشاعر محمد إبراهيم أبو سنة، والدكتور عز الدين إسماعيل في مسرحيته الشعرية الوحيدة «محاكمة رجل مجهول».
 - ماذا تقصد بالجدلية والدرامية التي تتصدر عنوان الكتاب الثاني؟
الكتاب الثاني «الجدلية والدرامية» وهذا عنوان غير مسبوق على الإطلاق لا في الفكر العالمي ولا في الشعر ولا في المسرح، والنواة له دراسة بعنوان جدلية العقل العربي ودرامية العقل العربي، وكان فيها دفاع عن العقل العربي، وهي مكتوبة باللغة الألمانية في نحو أكثر من مائة صفحة قمت بتلخيصها إلى ثلاثين صفحة كمقدمة، وقد جمعها الكتاب مع بعض العناوين الأخرى الجديدة مثل دراسة اسمها مثلث التوتر الدائم عن العلاقة ما بين المخرج والكاتب والناقد، لكن الناقد باعتباره في الدرجة الأولى مندوبا عن الجمهور، لأنه في حالات النهضة المسرحية والأدبية والفنية الناقد هو الذي يضيء الطريق للجمهور. توجد أيضا دراسة اسمها التمرد أو المسرح متمردا، وهذا العنوان أخذه أحد الأشخاص وكتب تحته كتابة أخرى، وتوجد دراسة أو مقال كبير عن المسرح التجريبي وأنا لي رأي في المسرح التجريبي من بعد الدورة الثامنة، وأنا صاحب العبارة الشهيرة التي قالها وزير الثقافة، وهي: أعلن شيخوخة المسرح لأنه بعد الدورة الثامنة أو التاسعة لم يعد يقدم جديدا مضطرا لأنه لا توجد حركة تجديد سنوية في المسرح في العالم، فضلا عن أنه لا يوجد في الدوائر المعرفية المسرحية ما يسمى بالمسرح التجريبي، توجد الحركة التجريبية في الفن التشكيلي فقط في عشرينات القرن الماضي، وكان لي موقف من هذا المهرجان التجريبي ولم يكن لي أي وجود على المنصة ربما شاركت في اختيار العروض لشباب المسرحيين المصريين أو في فحص العروض الأجنبية، فقد تحول التجريبي إلى أكروبات وبهلوانات على حساب النص وبدأ النص يختفي، وبدأ الكاتب المسرحي لا يظهر إلا في حضور النقد، ولهذا قمت وأنا مسئول وكرئيس للبيت الفني للمسرح بتأسيس مهرجان الكاتب المسرحي المصري الأول، في سبيل أن يتحول لمهرجان الكاتب العربي المسرحي الأول، والأول هنا عائدة على الكاتب الذي لم تعرض له نصوص من قبل، وهذا المهرجان قدم فيه 18 مسرحية عام 2005 وكان أسامة نور الدين أحد أبناء هذا المهرجان وعبده الزراع ومحمد ناصف، كل هؤلاء كانت تعرض لهم نصوص لأول مرة، السيد حافظ رغم أنه كاتب شهير ومتين ود. مهدي بندق وهو من جيل د. فاروق حسني. إنما كعادة أحفاد حتشبسوت بمجرد أن يُترك المكان تُهدم الحوائط وتزال الآثار، وكان هذا منفذا حقيقيا لأنفاس مسرحية جديدة. هذا الحديث ضمه كتاب «مغامرة المسرح» ثم كتاب «شاهد على المسرح» وهو تلخيص للحالة المسرحية الراهنة. أما الكتاب الذي سيصدر في طبعة جديدة وهي الثالثة هو كتاب «البطل التراجيدي المسلم»، وهو عنوان لم يذكر من قبل في العالم، فلأول مرة يكتب عن البطل باعتباره مسلما متدينا وبه عنوان جديد تماما اسمه «انتحال العبث في مسرح» توفيق الحكيم، فيه تناول مخالف ومناقض ومضاد لكل من اعتبر مسرحية «يا طالع الشجرة» مسرحية عبثية، بما فيهم الأستاذ توفيق الحكيم نفسه. وأقوم الآن بكتابة كتاب جديد به مجموعة أفكار عن العبث، واسمه «مناقضة العبث»، حيث يحمل فهما آخر لمسرح العبث، ولماذا سمي العبث.
 - أمامنا مصطلح جديد على المسرح يختص بالتأويل فكيف تناولته في كتابك الثالث؟
الكتاب الثالث هو أحدث عنوان أيضا وكتبته سنة 1986، دراسة كبيرة اختصرتها اسمها «هرمينيوتيكا المسرح»، أي التأويل وقد عرفه العرب من زمن مثل الإمام على وابن رشد، وهو بالنسبة للمسرح حديث لأنه مستخدم في اللاهوت والفلسفة والسرد، وأنا انتبهت بعد قراءاتي فيه وربما كتب د نصر حامد أبو زيد لفتت نظري، ماذا لو استخدمنا هذا المنهج في النقد المسرحي نقد النص ونقد العرض المسرحي. نقد العرض صعب جدا لأنه يحتاج إلى عروض متباينة أي أن تقدم النص نفسه بوجهة نظر أخرى وتفسيرات أخرى. تجد كثير من الكتاب يكتبون عن السيميولوجي أو التفكيكية أو نظرية التلقي أو البنيوية لكن التطبيق عنده عاجز، أما في الهرمينيوتك فقد حدث تعديل وتطوير لآراء مدرسة النقد الموضوعي التي كنت أعتنقها كي تتطور، ومنها على سبيل المثال المبدأ الشهير النقد ورؤية العمل أو قراءة العمل في ذاته وبذاته بدون أي مؤثرات أخرى ليس له علاقة بكاتبه وهذا نقض في مدرسة السيكولوجي، ليس له علاقة بمجتمعه وهذا نقض في مدرسة النقد السوسيولوجي إنما هو معزول كجسد كعمل فني قائم بذاته، هذا الكلام الذي آمنت به فترة تأسيا بأساتذتي د. رشاد رشدي ود. لطيفة الزيات المنتمية لمدرسة الواقعية الاشتراكية وتعتبر كاتبة ماركسية أو تقدمية، كل هذا مع مرور الزمن والخبرة جعلني أعدل في موقفي كناقد أتبع هذه المدرسة وأؤمن بأن مدرسة النقد الموضوعي وحدها بهذا المنطلق وهو عزل العمل عن شخص صاحبه وعزله عن أصله وقراءته قراءة مستقلة، وأيضا بعيدا عن مدرسة الفن للفن التي يتبعها د. رشاد رشدي وبعيدا عن المدارس الديماجوجية والمدارس الآيديولوجية التي تقيم العمل الفني حسب انتمائه، ويبقى أخيرا ترجمتي لديوان الشاعر الكبير هاينرش هاينه التي صدرت عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت، الذي قال عنه نيتشه إنه أعظم الشعراء الألمان بعد فيوترا، وأنا قاربت على الانتهاء من ترجمة أعماله الكاملة وهي خمسة دواوين.
 - هل يمكن أن توضح لنا نموذجا تطبيقيا حول الجدلية والدرامية؟
كتاب «الجدلية الدرامية» يدور حول علاقة الجدل بالدراما، هذه الدراسة تقول إنه لا يصلح الدرامي دون أن يكون جدليا، هذا هو الأساس، فتوجد تفرقة كبيرة بين العقلية الدرامية والعقلية السردية، فالذي يجعل هذا الكاتب دراميا أو غير درامي، أو سردي هو نوع العقلية أو التركيب، فهنا عقلية تركيبية، وهنا عقلية ساردة، والمسألة ليس لها علاقة بالدراسة، فالدراسة تصقل فقط ولا تكسب مهارة، والمسألة تكمن في اتجاه الموهبة، فمثلا نجيب ليس كاتبا مسرحيا جيدا هو متوسط أو ربما أقل وكذلك يوسف إدريس، في المقابل نجيب محفوظ ليس كاتب قصة قصيرة جيد، إنما يوسف إدريس كاتب قصة قصيرة عالي المستوى وكاتب روائي متواضع، وفي المقابل نجيب محفوظ في الرواية عالي المستوى، هذا هو نوع الموهبة، النفس الطويل والنفس المكثف في الكتابة، القصير المخترق النفاذ الحارق في القصة القصيرة، فهل معنى هذا أن نجيب محفوظ، بعظمته الإبداعية وفهمه وكل هذا لم يستطع أن يكتب نصا مسرحيا، طبعا. لأن تي إس اليوت نفسه أعظم نقاد القرن العشرين ومن أكبر شعراء القرن العشرين كتب خمس أو ست مسرحيات، أنا رأيي أن القيمة الدرامية فيها لا تساوي أكثر من خمسة أو أربعة من عشرة، لكن القيمة التي تزيد عن المائة في المائة هي القيمة الشعرية، هذا نوع الموهبة، لذا عندما نحلل كتابات عدد من الكتاب المسرحيين نجد أنها كتابات مناقشة.. وأنا أرى أن عددا كبيرا من كتابات الشبان ليست نصوصا مسرحية نابضة، إنما هي مناقشات بالدرجة الأولى؟ والكتابة المسرحية لا تولد في عزلة وإنما تنضج بالمحك والتجربة والتدريب، أما الرواية فيستطيع الروائي أن يجلس في غرفة منزلة يشاهد الشارع أو يمشي فيه صامتا ويكتب رواية عظيمة. نجيب محفوظ لم يغادر مصر أو القاهرة في حياته إلا مرة واحدة ورغم ذلك هو روائي عظيم.
 - حدثنا عن آخر مشاهداتك العملية في المسرح..
شاهدت في مسرح الغد للمؤلف عيسى جمال الدين عرض «الساعة الأخيرة» من إخراج ناصر عبد المنعم، وأول انطباع حضرني من النص أنه مترجم من الأسماء الأجنبية، ومن الدراسة الدقيقة جدا ووقائع تدمير هيروشيما وناجازاكي، وجدت نفسي أمام كاتب مسرحي ماعدا بعض الملاحظات في مناطق المباشرة، حتى في حديثي مع ناصر عبد المنعم طلبت منه شطب الخطبة الحماسية التي تقولها الممثلة المبدعة الجميلة سامية عاطف، وأعجبت بالجهد العظيم الذي بذله شريف صبحي وزملاؤه محمود الزيات ومعتز السويفي ومحمد دياب ونورهان سمير ومحمد حسيب، من يكتب هذا الكلام هو مولود كاتب مسرح قبل أن يدرس المسرح، فهو يبني ويركب ويعيد وهذا نوع من الكتابة صعب لكن لا يستطيع أن يكتبها أحد بدأب وصبر إلا إذا كان يفهم المسرح، أنا قلت لناصر إن لم يكن هذا النص مترجما فنحن أمام بادرة لكاتب مسرحي له مستقبل كبير. لكن ناصر عبد المنعم أكد لي عدم وجود أصل أجنبي له. وهذه الهندسية في الكتابة والتركيب لا تميت الحيوية في الدراما. وأنا أنتظر أعماله القادمة، نحن أمام عمل جاد رسمه ناصر بدقة إيقاعية شديدة وشاعرية.
 - هل الدراما في مصر بلا مستقبل؟
نحن كمن يمشي بمنطق النقطة والشرطة، فالشرطة هي عدة نقاط متلاصقة، والشرطة وحدها لم تكتمل، ما هو حادث الآن منطق الفجوات.. أنا في كتابي «مغامرة المسرح» فرقت بين شيئين، الظاهرة المسرحية والهوجة المسرحية، ظاهرة مسرحية أي شكل وتوجه واتجاه لون وفرق وكل فرقة لها برنامج منظم يعرف ماذا الآن وماذا بعده.. الهوجة المسرحية نقاط مضيئة لكنها تنطفئ وتخبو لكن الظاهرة المسرحية مستمرة لها أجداد ولها حاضر ولها مستقبل. هذا هو ما نحن فيه الآن، غياب النقد جريمة كبرى سواء كان السبب عدم توافر أوعية النقد أو أن الذين يعرفون النقد المسرحي لا يشاركون والنقد الصحفي هو المسيطر، والسبب الثالث هو وجود المونودراما فمعناها أنك تقطع جزءا من الجسد وتعرضه باعتباره الجسد كله والمونودراما هي المونولوج في المسرحية فهي الإفضاء والبث والبوح، لا مانع من وجودها، لكن أن تتحول لظاهرة وكل واحد يأخذ جزءا يلعب به، هذا اعتداء على ديمقراطية العمل المسرحي وعلى روح وجماعية الفريق. وهذا هو الاستسهال والسبب فيه هو المهرجانات. المسألة أنك لا تستطيع أن تتحرك بشعلة واحدة في جميع الأماكن، لكن لا بد أن تضئ جميع الشعلات الأخرى.


أحمد الشريف