د. علاء الباشا: «نحتاج لمتخصصين لتوثيق العروض المسرحية وليس لموظفين»

د. علاء الباشا:  «نحتاج لمتخصصين لتوثيق العروض المسرحية وليس لموظفين»

العدد 786 صدر بتاريخ 19سبتمبر2022

الفنان د. علاء الباشا، فنان بصري ومحكم دولي، يشغل  منصب وكيل الاتحاد العالمي لفن الفوتوغرافيا، FIAP، كما عمل مدرسا للتصوير الفوتوغرافي بكلية الفنون الجميلة، وهو مؤسس كل من نادي عدسة للتصوير الفوتوغرافي ADASA والمؤسسة الوطنية للفنون موف Move، إضافة إلى عدد من المناصب الأخرى المهمة في عالم التصوير الفوتوغرافي في مصر والعالم، قام بتأسيس بينالي مصر الدولي والعديد من المسابقات الدولية والمحلية، حصل على العديد من الجوائز الدولية والمحلية، وله مقتنيات لدى أفراد ومؤسسات في العديد من الدول، وقد أسدل الستار على مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، في دورته التاسعة والعشرين في الثامن من سبتمبر الحالي، وتضمن المهرجان العديد من الفاعليات، ومنها ورشة «تصوير العروض المسرحية»، التي قدمها مُدرس مادة التصوير في كلية الفنون الجميلة، الفنان د علاء الباشا، عن الورشة وأسئلة أخرى، كان لنا معه هذا الحوار.
حدثنا عن ورشة «تصوير العروض المسرحية» والتي قدمتها ضمن فاعليات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي؟
الورشة قائمة على فكرة كيف نتعامل مع العرض المسرحي بشكل احترافي، لأننا نحتاج كثيرًا أن نوثق العمل المسرحي، بالإضافة إلى أننا من الممكن أن نستوحي منه أعمالا فنية أخرى، وكيف نساعد المصورين أو المهتمين من أهل المسرح نفسه، أن يبدأو في فهم معنى الصورة المسرحية والصورة البصرية، وكيف يتعاملوا معها من حيث السينوغرافيا، خاصة من جانب الإضاءة، حتى ينتجون صورة فوتوغرافية فنية، بها المعايير التشكيلية بشكل كبير.
الورشة مدتها خمسة أيام نظري وعملي، في قصر ثقافة الأنفوشي، وعدد ساعات اليوم الواحد للورشة، تراوح ما بين ساعة إلى ثلاث ساعات، وهذا يرجع إلى ما يُقدّم خلال اليوم، لأن جزءا من الورشة عبارة عن نقاش حواري مع المشاركين وجزء آخر عملي على العروض، حيث أن الورشة نظرية وعملية، والجزء العملي من خلال حضور عروض المهرجان داخل الإسكندرية، وتصويرها، ليتعرف المتدرب على الجزء العملي لتفاصيل ورشة تصوير العروض المسرحية.
لماذا ليس لدينا هذه النوعية من الورش الخاصة بتصوير العروض المسرحية، مع أننا في أشد الحاجة إليها؟
بداية من 2008 في مهرجان مسرح بلا إنتاج، بالفعل قمنا بالعمل على فكرة هذه الورش، وكان الهدف منها هو تدريب المصورين على تصوير العروض المسرحية بشكل احترافي، وبالطبع د. جمال ياقوت كان داعما جدًا بشده هذه الفكرة، وبالفعل قمنا بذلك بالفعل لمدة خمس أو ست سنوات على التوالي في مهرجان مسرح بلا إنتاج، والورشة بالفعل متواجده، ولكن الجديد هذا العام، أن الورشة عادت معنا لمهرجان المسرح التجريبي.
دائمًا الجهات المنظمة تتولى فكرة تسجيل العروض المسرحية، بشكل تلقائي، وللأسف تقوم به بشكل غير احترافي، وللأسف بشكل متواضع جدًا، ولا يكون بالصورة اللائقة التي نستطيع أن نحتفظ بها تاريخيًّا، كنوع من التوثيق، مع العلم أن ذاكرة الفن المسرحي باقية عن طريق العروض المسجلة، فكان في غاية الأهمية أن يتم دراسة الأمر بشكل أكاديمي، ويتم الاهتمام بفكرة تصوير العروض المسرحية في أكاديميات الفنون ومعاهد المسرح، وأيضًا في المهرجانات، لأن ذلك في النهاية «التصوير» هو الذكرى الباقية، بالإضافة إلى أن المسرح مثير بصري عظيم، لأنه يحمل إضاءة وحركة ومضمون، وتؤدي عناصر السينوغرافيا المختلفة فكرة الرؤية البصرية للعمل، وبالتأكيد من الممكن أن يكون مصدر إلهام للعديد من الفنانين التشكيلين ، وعل مدار التاريخ كل فناني الفن التشكيلي كانوا يستوحوا من المسرح والباليه، وكل العروض التي تؤدى على المسارح أعمالا تشكيلية كبيرة، شيء مهم أن نهتم بها وبفكرة تصويرها وتوثيقها.
لماذا لدينا قصور في فكرة توثيق العروض المسرحية، وحتى عندما يتم تصويرها من جهات مسؤولة عن ذلك لا يتم تصويرها بشكل احترافي؟
وزارة الثقافة على الرغم أنها توفر إمكانيات على قدر المستطاع، إلا أن هذه الإمكانيات يستخدمها «موظفون»، وليس متخصصين، بالإضافة إلى أن هذه الإمكانيات لا يتم استحداثها بشكل مستمر، فبعد فترة زمنية تتحول إلى شيء قديم، لا ينتج الجودة، ولا يتعامل مع المشهد بالشكل الذي نحتاج إليه، وبالتالي كل المحاولات الخاصة بالتوثيق تكون محاولات متواضعة جدًا، ويقوم بها بعض الموظفين الذين يشعرون بمدى أهمية ذلك التوثيق، وبالتالي يخرج  بشكل متواضع جدًا لا يليق بالعروض المسرحية، ولا يليق بوزارة الثقافة، وربما من يشعرون بأهمية العروض وتصويرها، سواء أصحاب العروض أنفسهم أو الفنانين المسرحيين، أو بعض القائمين على العمل يشعرون بأهمية تصوير العروض المسرحية بشكل احترافي، ومنهم د. جمال ياقوت، كانوا يهتموا ويستعينون بمتخصصين من الخارج، حتى يتم توثيق ذلك بشكل كبير، ويخرج كعمل مصور بشكل احترافي، ولكن للأسف التصوير الذي يتم من خلال الوزارة، لا يعطينا النتيجة التي نحتاجها، ويتم بشكل متواضع جدًا، لأن المكان قائم على موظفين وليسوا متخصصين في التصوير، وخاصة التصوير المسرحي. للأسف ليس لدي فكرة كافية ماذا يفعل المركز القومي للمسرح في فكرة التوثيق، وليس لدي علم بما يستخدموه من إمكانيات أو تخصصات من يقومون بذلك، ولكن تم الاستعانة بي كمتخصص في التصوير لتقديم هذه الورشة، أنا لست متخصص مسرح، ولكنني متخصص في التصوير خاصة تصوير العروض المسرحية والتعامل مع المسرح والإضاءة، وهذا جزء من عملي في كلية فنون جميلة المنصورة، أقوم بتدريسها بشكل أكاديمي، في قسم الديكور، ديكور تعبيري، ويدرس لطلابه من ضمن ما يدرسون سينوغرافيا وإضاءة مسرحية. مهم جدًا أن يكون الفنان المصور واع لكل حيثيات التعامل مع الصورة المسرحية، أو الصورة البصرية الموجودة في المسرح، وبالتالي نحاول أن تصل هذه المعلومات إلى المصورين، لا نرغب أن يقتصر الأمر على المسرحيين، ولكن نتمنى أن يكون هناك انتشار كافي، ويكون لدينا كيان اسمه «مصور مسرحي» أو «مصور عروض مسرحية»، ولذلك بقدر الإمكان، من خلال هذه الورشة وعن طريق أكثر من ورشة أخرى، نحاول أن يصل أهمية ذلك للعديد من المصورين، لنجعل ذلك ينتشر، ونستطيع أن نُغطي الفجوة التي لدينا، في جزئية توثيق العروض المسرحية.
 -ما هي صفات أو ما يجب أن يتوافر في المصور المسرحي؟
يجب أن يجمع ما بين أن يدرك ويفهم ما هو المسرح وعوامله، وبين أن يفهم ويدرك التصوير بشكل جيد، وليس شرطًا  أن يكون دارسًا، جزئية الدراسة الأكاديمية نتركها للمتخصصين، ولكن حاليًّا الأمر يعتمد على التدريب العملي 100%، أغلب العاملين في المجال باحترافية عالية جدًا، استطاعوا أن يطوروا من أنفسهم بشدة بالتركيز على التدريب العملي،  الآن أصبحت المعلومات متاحة على السوشيال ميديا وقنوات التعليم الإلكتروني، وفي كل المراكز المتخصصة، الأمر لا يحتاج للدراسة بقدر ما يحتاج إلى التدريب العملي والعمل والاجتهاد .
هل هناك فرق بين التصوير التليفزيوني والتوثيق المسرحي الحي للعروض؟
يجب أن ندرك أننا نتحدث عن شيئين منفصلين، نحن نتحدث عن التصوير الفني والاستلهام الفني من العروض المسرحية وتوثيق العروض المسرحية، كل منهم مختلف عن الآخر، في حالة توثيق العرض المسرحي، هذا يتطلب آليات وخطوات يجب أن التزم بها، لها بداية ووسط ونهاية من أجل توثيق العمل بشكل جيد، ولكن ما نتحدث عنه وهو المطلوب أكثر وهذا ما يجب أن نركز عليه هو كيفية استلهام صورة بصرية تشكيلية من العمل المسرحي، سواء هذه الصورة عن طريق الفوتوغرافيا أو الفيديو جرافيك، فكرة أن استطيع أن أنتج عملا مستلهما من العرض المسرحي، وهذه جزئية متخصصة للغاية، وليس هناك كثيرون يعملون عليها، ولكن جزئية توثيق العروض المسرحية، لها وضع وآليات وإخراج مختلف، حتى تظهر بشكل لائق وجيد ومختلف عن التوثيق التليفزيوني المعتاد، لأنه للأسف قد يخلو منه روح المسرح، لأنه يتعامل مع المسرحية على أنها مشهد وليس على أنها عمل فني مكتمل. أتمني أن يكون التركيز بشكل كبير على فكرة كيفية استلهام صورة بصرية وتشكيلية من العرض المسرحي.
هل كل المسرحيين بمختلف تخصصاتهم في حاجة لأن يكون لديهم خلفية عن طبيعة التصوير المسرحي؟
لقد تناقشت كثيرًا في هذه الجزئية مع د. جمال ياقوت ومع أكثر من فنان مسرحي، أنه يجب أن يتم تدريس مادة التصوير في مناهج المسرح، مهم جدًا أن يكون المسرحيين على دراية كافية بكل آليات التصوير، خاصة الإضاءة وخصائص الإضاءة، وللأسف هذا لا يحدث، ولكنه في غاية الأهمية، وكنت أتمنى أن يكون كل مسرحي على دراية كافية بالتصوير لأنه يحتاجه، ليكون على دراية بكل آليات العرض المسرحي، التي يستطيع منها أن ينتج عملا فنيا.
ما النصائح التي تنصح بها شباب المصورين المسرحيين؟
الأمر لا يحتاج أكثر من الاهتمام والتدريب العملي الكثير، التصوير الفوتوغرافي والتصوير بشكل عام أمرًا سهلًا، ولكن يحتاج أن يكون الشخص مهتم ومستمر على التدريب العملي، لأن المعلومات عن التصوير متاحة في كل مكان، ولكن التدريب العملي ليس متاحًا على وسائل التواصل الاجتماعي، يجب أن يتدرب عمليًّا ويحتك بالمسارح والجمهور والعروض، ومع التدريب المستمر يكون مصورًا متخصصًا قادر على إنتاج منتج مصور مسرحي بشكل جيد.
كيف نسلط الضوء على أهمية التصوير المسرحي؟
التصوير المسرحي يجب أن يعترف به ويكون من ضمن فاعليات العرض المسرحي نفسه، ويجب أن يكون هناك جائزة في المهرجانات تمنح للتصوير المسرحي، مثلها مثل جوائز الإخراج والتأليف والديكور وباقي عناصر العرض المسرحي، لماذا لا يتم عمل معارض تصوير داخل المهرجانات؟، يجب أن نستخدم العروض السابقة كدعاية للعروض الجديدة، يجب أن يتم تعريف التصوير المسرحي بشكل كافي، حتى يكون من مكونات العرض المسرحي. 
- من وجهة نظرك على مدار 29 دورة لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي.. ما مميزات وعيوب المهرجان؟
د. جمال ياقوت شخص مُحنك جدًا في إدارة المسرح .. عملنا معًا ما يقرب من خمس سنوات، في مهرجان مسرح بلا إنتاج، وكان على دراية كافية بكل أقسام وفروع المهرجان، وكانت إدارته تتيح لكل فرد في المهرجان مساحته، حتى يستطيع أن يبدع في القسم الخاص به، وبالفعل قدمنا معًا تغطية عظيمة، ومنها التوثيق وإبداع الأعمال الفنية في المهرجان على أقوى ما يمكن، بالإضافة إلى أن كان هناك تعاون رسمي بين الكيانات التي أنشأتها والمهرجان، لأننا كُنا نستعين بمصورين محترفين، وقدمنا ورشة متخصصة في التصوير المسرحي، والمهرجان التجريبي بشكل خاص، أنا من عشاقه لأن فكرة التجريب في الفن هي أساس الفن، الفن غير قائم على العلم فقط، الفن غير قائم على الأسس الثابتة، الفن قائم على التجريب، وبالفعل المسرحيين، عندما يعملون على فكرة التجريب بحرية كبيرة، بالإضافة إلى الاحتكاك الدولي بين دول مختلفة وثقافات ومعايير مختلفة، يستطيع أن ينتجون أعمالا فنية مختلفة تمامًا عن العروض المسرحية المعتادة، وأنا من متابعي المهرجان التجريبي، و استلهم منه صور بصرية عظيمة لأعمال فنية.
للأسف لدينا فجوة ما بين سرعة انتشار الحدث الفني على السوشيال ميديا دوليًّا وبين الآلية المستخدمة من وزارة الثقافة لنشر هذا العمل،  ربما بدأنا نشعر ونشاهد أهمية وجود مهرجان المسرح التجريبي من ناحية الجمهور وغير المتخصصين في الدورتين الثامنة والتاسعة والعشرين، عندما أصبح لدينا اهتمام حقيقي بالميديا والسوشيال ميديا، والنشر على القنوات الفنية على مستوى العالم، وأصبح هناك تركيز على ذلك، وبدأ المواطن العادي يدرك إلى حد ما رؤية المهرجان التجريبي، الاستعانة بمتخصصين في هذه الجزئية بالتحديد، شيء في غاية الأهمية، لأن من الممكن أن نصنع أحداثا فنية قوية جدًا ولكنها لا تأخذ حقها في النشر إعلاميًّا، فيجب أن تأخذ حقها وتصل للمتخصصين، وبشكل أكبر للجمهور، لأن الفن يقدم للجمهور وليس للفنانين، وهذا ما نحتاج أن نركز عليه، وبالفعل تم تفعيله بشكل كبير وواضح في الدورتين الحالية والسابقة للمهرجان، وأصبحنا نرى بشكل واضح دور الإعلام والسوشيال ميديا وتأثير ذلك على إظهار شكل وصورة مشرفة للمهرجان، وبشفافية تامة نحن نشيد بما قدمه د. جمال ياقوت في مهرجان المسرح التجريبي وجعله يصل للمواطن العادي، ويدرك جوانبه ومعناه، ويبدأ في حضور العروض وتذوق هذا التجريب.


إيناس العيسوي