تجليات التشويق فى معالجة قضايا الواقع فى مسرحيات محمد عبدالحافظ ناصف.. دراسة فى الشكل والمضمون

تجليات التشويق فى معالجة قضايا الواقع  فى مسرحيات محمد عبدالحافظ ناصف.. دراسة فى الشكل والمضمون

العدد 941 صدر بتاريخ 8سبتمبر2025

فى رحاب كلية دار العلوم – جامعة الفيوم، وفى يوم الأربعاء الموافق 27 أغسطس 2025م - الساعة (11) صباحا.
حصلت الباحثة أمانى سيد قرنى على درجة الماجستير من كلية دار العلوم بالفيوم بتقدير ممتاز عن رسالتها « تجليات التشويق فى معالجة قضايا الواقع فى مسرحيات محمد عبدالحافظ ناصف – دراسة فى الشكل والمضمون”.
بإشراف أ.د. ثناء محمود قاسم، د. صلاح أحمد حفنى.
وتكونت لجنة المناقشة والحكم من كل من:
أ.د. محمد حسن عبدالله (أستاذ البلاغة والنقد الأدبى والأدب المقارن المتفرغ بكلية دار العلوم - جامعة الفيوم) مناقشا ورئيسا للجنة، أ.د. مجدى أحمد توفيق (أستاذ النقد الأدبى المتفرغ - كلية الآداب – جامعة الفيوم) مناقشا، أ.د . ثناء محمود قاسم ( أستاذ البلاغة والنقد الأدبى والأدب المقارن – كلية دار العلوم – جامعة الفيوم) مشرفًا رئيسًا ومناقشا.
فى هذا البحث سعت الباحثة إلى الكشف عن توظيف التاريخ فى المسرح عند محمد عبدالحافظ ناصف بوصفه أحد المسرحيين العرب الذين استلهموا المادة التاريخية، وجسدوها فى إطار درامى، عاكسًا من خلالها قضايا الواقع العربى والإسلامى ومجسدًا صراعات الأمة وهمومها، وآمالها فى استعادة هويتها الثقافية، والحفاظ على أصالتها الحضارية.
لذلك تظهر أهمية هذه الدراسة فى أنها تُعد إسهامًا مهمًا فى فهم دور المسرح فى تشكيل الوعى الجمعى، كما تفتح الباب أمام مزيد من الدراسات حول أعمال ناصف وغيره من المسرحيين العرب الذين جعلوا من التراث والواقع منبعًا لإبداعهم، فتتناول الدراسة موضوع التجليات الفنية والفكرية فى المسرح المصرى من خلال أعمال الكاتب المسرحى محمد عبدالحافظ ناصف، حيث تسعى إلى الكشف عن كيفية توظيفه للواقع الاجتماعى والسياسى من جهة، والتراث التاريخى والدينى من جهة أخرى، من أجل صياغة رؤية مسرحية معاصرة تعكس قضايا الإنسان المصرى والعربى.
جاء البحث فى مقدمة تضمنت أسباب اختيار الموضوع والمنهج والدراسات السابقة . وتضمن التمهيد التعريف بالكاتب وتعريف التشويق. كما تضمنت ثلاثة فصول وخاتمة.
تضمن الفصل الأول استجلاء القضايا السياسية والمجتمعية، ركّز ناصف على هموم المواطن البسيط (الفقر، الظلم، الإقصاء الاجتماعى). وقدّم شخصيات تحاول إثبات ذاتها رغم التهميش.
كما عبّر عن لحظات التحوّل الكبرى فى العالم العربى، وطرح إشكاليات الحرية والهوية. بالإضافة إلى تناول العلاقات الأسرية وكشف التصدّع داخل البيت الواحد نتيجة صراع القيم أو الأجيال.
واستعرض الفصل الثانى التشويق فى الشكل وناقش عدة عناوين مثل الصراع فى اللوحات المتعاقبة ، المجاميع و الاحتفالات الشعبية ، الشعر والغناء ، الفكاهة الشعبية ، لغة الحوار. وتضمن كل عنوان أهم الشواهد التى جعلت عنصر التشويق بارزا فى كل أعماله.
فيما تضمن الفصل الثالث التشويق فى المضمون، وتناول عدة نقاط ( المفارقة والمشاهد الختامية والألغاز والرموز)، وأبرزت الباحثة أن كل هذه العناصر واضحة بشكل جلى فى أعمال الكاتب المسرحى محمد عبدالحافظ ناصف مما جعل أعماله الفنية متميزة تجذب المتلقى من بداية العمل حتى نهايته، فأضفى على مسرحه طابع الغموض الفنى الذى جعل المشاهد تتوالى والمتلقى فى حالة من الترقب والإثارة لحل ألغاز المسرحية وفك شفرات الغموض.
وخلصت الخاتمة لأهم النتائج والتوصيات التى توصى الباحثين بالاهتمام بأعمال الكُتاب المسرحيين الذين جعلوا من التاريخ مصدر إلهام لهم يطوعون أحداثه ليناسب قضاياهم المعاصرة وهمومهم.
وأوضحت الباحثة فى الدراسة أن المسرح المصرى ارتبط منذ نشأته الحديثة بقضايا المجتمع والهوية، وبرزت الحاجة إلى استثمار التراث وإعادة قراءته بوصفه مرجعية ثقافية قادرة على مدّ المبدع بأدوات جمالية وفكرية. أوضحت أنه فى هذا السياق يأتى إبداع ناصف، الذى جمع بين التجربة الحياتية المعاصرة والوعى بالتراث، فاستطاع أن يقدّم نصوصًا مسرحية تمزج بين الأصالة والمعاصرة، بين النقد الاجتماعى والرؤية الجمالية فأبدع فى هذا المزج وأخرج نصوص رائعة للتجسيد المسرحى .
اتبعت الباحثة فى هذه الدراسة منهجًا وصفيًا تحليليًا قائمًا على تحليل النصوص المسرحية وتفسير بنياتها الفكرية والفنية. واعتمدت على تتبع الموضوعات والقضايا التى عالجها ناصف، وكيفية استدعائه للموروث الشعبى والدينى والتاريخى، وربطها بالواقع السياسى والاجتماعى فى مصر والعالم العربى وشارك المخرج بوصفه للديكور وملابس الشخصية وهيئتها الجسدية مما يسهل على المخرج رسم خشبته المسرحية بشكل أدق وأفضل.
وتناولت الدراسة عدد من أبرز المفاهيم منها:
مفهوم التجليات: يشير إلى حضور عناصر من الواقع أو التراث داخل العمل الفنى فى صورة رموز أو شخصيات أو أحداث أو قيم.
التراث: يتسع ليشمل التاريخ، الدين، الموروث الشعبى، الحكايات والأساطير.
الواقع: يعبر عن قضايا الإنسان اليومية من ظلم اجتماعى وقهر سياسى وصراعات أسرية ومجتمعية
القضايا المجتمعية: ركّز على هموم المواطن البسيط مثل الفقر والظلم
قدّم شخصيات تعانى من الإقصاء الاجتماعى وتحاول إثبات ذاتها .
القضايا السياسية: عبّر عن لحظات التحوّل الكبرى فى العالم العربى، وطرح إشكاليات الحرية والهوية.
العلاقات الأسرية: كثير من مسرحياته كشفت التصدّع داخل البيت الواحد، نتيجة تضارب القيم أو استبداد الزوج أو صراع الأجيال.
واوضحت الباحثة ملامح توظيف التراث عند ناصف:
التراث الدينى: استعان بالرموز القرآنية والقصص الدينية ليمنح نصوصه أبعادًا روحية وأخلاقية.
التراث التاريخى: أعاد قراءة شخصيات تاريخية وصراعات قديمة فى ضوء قضايا الحاضر، ليؤكد استمرارية معاناة الإنسان.
التراث الشعبي: وظّف الأمثال والحكايات الشعبية لإضفاء نكهة محلية على نصوصه، مما يقربها من الجمهور العام.
الرمزية: اعتمد على الرموز المستمدة من الموروث لتجاوز المباشرة، وإيصال رسائل عميقة تحت غطاء جمالى.
وتميز البحث بعدد من الخصائص الفنية:
البناء الدرامي: يقوم على الصراع الدائم بين الخير والشر، بين الحرية والقهر.
الشخصيات: تحمل طابعًا رمزيًا أحيانا، لكنها متجذرة فى الواقع.
اللغة: امتزج فيها الفصحى بالعامية، كما حضرت اللغة الشعرية فى الحوارات لتعميق الدلالة.
الزمان والمكان: لا يقتصران على إطار تاريخى محدد، بل يتحولان إلى فضاءات كثيرة تعكس أبعاد التجربة الإنسانية.
وكان من بين أهم نتائج الدراسة:
أن مسرح ناصف ليس مجرد تسلية أو عرض جمالى، بل هو خطاب فكرى يسعى لتوعية المجتمع وإثارة الأسئلة حول قضايا الحرية والعدل والهوية. فهو يضع الإنسان فى مواجهة قضاياه المصيرية، ويدعو القارئ أو المشاهد إلى إعادة التفكير فى العلاقة بين الماضى والحاضر.
ونجح ناصف فى إحياء التراث دون السقوط فى الحنين الأجوف، بل جعله أداة لفهم الواقع وتغييره. كما استطاع أن يعكس صورة المجتمع المصرى بما فيه من تناقضات وصراعات. وقدّم نموذجًا للمسرح العربى الذى يوازن بين الأصالة والمعاصرة، وبين الالتزام بالقضايا الكبرى والابتكار الفنى.
كما أبرزت الدراسة أن التجليات لم تكن مجرد زخرفة أو استدعاء شكلى، بل جاءت لتؤدى وظيفة فكرية وجمالية واضحة.
وخلصت الدراسة إلى أن تجربة محمد عبدالحافظ ناصف تكشف عن مسرح واعٍ بالتراث وبالواقع معًا، مسرح قادر على المزج بين الموروث الشعبى والتاريخى والدينى من جهة، وبين قضايا الإنسان المعاصر من جهة أخرى. هذا المزج أتاح له تقديم نصوص مسرحية تعكس هموم المجتمع وتطرح حلولًا ورؤى نقدية، ما يجعل أعماله إحدى العلامات البارزة فى المسرح المصرى الحديث.
فمسرحيات ناصف لم تكن مجرد انعكاس سلبى للواقع أو إعادة سرد للتراث، بل كان محاولة واعية لإعادة تشكيلهما فى إطار فنى قادر على استنهاض وعى المتلقى وتحفيزه على التفكير والمشاركة. فالمسرح لديه ممارسة معرفية وجمالية تسعى إلى مساءلة الواقع وكشف تناقضاته، وإلى إعادة قراءة التاريخ والذاكرة الجماعية بما يخدم قضايا الحاضر، الأمر الذى يمنحه خصوصية تضعه فى مصاف التجارب المسرحية الرائدة فى مصر والعالم العربي
ومن ثم، فإن هذه الدراسة لا تقف عند حدود التحليل الأدبى والفنى فحسب، بل تقدم أيضًا دعوة مفتوحة إلى النقاد والباحثين لمواصلة الاهتمام بإبداع ناصف وإبداع غيره من المسرحيين العرب الذين استلهموا التراث والواقع لتقديم فن مسرحى أصيل ومعاصر فى آن واحد. فالقيمة الكبرى لمثل هذه الدراسات تكمن فى إسهامها فى ترسيخ الهوية الثقافية العربية، ودعم التواصل بين الأجيال، وبناء جسر حقيقى بين الماضى والحاضر والمستقبل، وهو ما يجعل المسرح وسيلة حية للتجديد الثقافى والاجتماعى.
 


سامية سيد