يُعد المسرح الاستعراضى واحدًا من أهم الأشكال المسرحية ارتباطًا بالجمهور، لما يتمتع به من طابع احتفالى، يجمع بين فنون متعددة مثل الغناء والرقص والتمثيل والديكور والملابس والإضاءة، فى توليفة سمعية بصرية تحفّز الحواس وتخاطب الذائقة الشعبية والجمالية معًا. وهو لونٌ مسرحى لا يقتصر على الإبهار، بل يتطلب دقة فى البناء الفنى، واتساقًا فى الإيقاع الداخلى والخارجى، إذ يصبح كل عنصر – مهما بدا ترفيهيًا – حاملًا لدلالة أو معنى ضمن النسيج العام للعرض.وقد مثّل هذا النوع من المسرح، خاصة فى نسخته المصرية والعربية، ساحة لاختبار الرؤى الفنية الطموحة، ومحكًا لقدرات المخرج على إدارة مساحات معقدة من التداخل الزمنى واللونى والحركى، مما يجعله أكثر من مجرد “احتفال مرئي” بل مشروعًا فنّيًا ذا بعد تركيبى.بين الموهبة والعِلم الرؤية الإخراجية ليست مجرد خطّة بصرية أو توزيع للحركة، بل هى وجهة نظر شاملة تتشكل من الموهبة الشخصية، وتتعمّق بالصقل الفنى، وتتبلور عبر المعرفة والدراسة، وتتماسك من خلال الخبرة المتراكمة. إنها البصمة التى يضعها المخرج على النص، لتعيد إنتاجه فى هيئة عرض ملموس.فهى تتطلب عقلًا تحليليًا يدرك المعمار الدرامى، وعينًا حسّاسة تنتبه لتفاصيل الجمال، وشخصية مسرحية قادرة على القيادة، قادرة على أن تُقنع الفريق وتُدير الاختلاف وتُلهِم الخيال. فليست كل قراءة للنص رؤية، وليست كل فكرة بصرية كافية لإنتاج عرض.المخرج الذى يمتلك رؤية، هو من يستطيع أن يطرح أسئلته الخاصة على النص، لا أن يكتفى بإجابات المؤلف، وأن يجد فى العمل المسرحى فرصة لإنتاج معنى جديد، متجاوزًا حدود الحكاية إلى رحابة التأويل.فى زمن يبدو فيه المسرح فى مصر بحاجة ماسة لضخ دماء جديدة، يبرز الحنين إلى المسرح الغنائى الاستعراضى كبوابة لإعادة تشكيل وجداننا الفنى. نتحدث هنا عن ذلك الفن المتكامل الذى ينسج الموسيقى، الرقص، والتمثيل فى نسيج واحد ضمن رؤية جمالية واضحة.هذا ليس مجرد نوستالجيا لأيام الأوبريتات الكبرى أو عروض المسرح الاستعراضى الذهبي؛ بل هو دعوة لإعادة إحياء روح العمل المسرحى الذى يبنى على بنية درامية ذات مغزى. حيث يتناغم فيه التكوين الحركى مع الحالة الشعورية، ويُصاغ الغناء فى سياق درامى يحرك الأحداث لا يعلق عليها فحسب. نسعى لعروض تصبح فيها الذاكرة الفنية وسيلة للتأمل والارتقاء بالذوق، لا مجرد غاية للاستهلاك السريع.فى سياق التحديات الراهنة التى تواجه المشهد المسرحى المصرى، خصوصًا فيما يتعلق بتقديم العروض الغنائية الاستعراضية، يمر عرض «نوستالجيا 80/90» كنموذج للتحليل النقدى. حيث اجتمعت فى هذا العرض الركائز الأربع التى لطالما أكدها أستاذنا الراحل د. إلهامى حسن (النص، المؤدى، المكان، الجمهور)، وهو ما استدعى مقاربته نقديًا، حتى لا تنحرف الحقائق فيما بعد. هذا العمل، الذى قُدّم على مسرح البالون بالقاهرة ضمن فعاليات البيت الفنى للفنون الشعبية والاستعراضية، ومن إعداد وإخراج الممثل والمذيع والمنتج والسيناريست السينمائى تامر عبدالمنعم، يمثل محاولة لإعادة تنشيط الذاكرة الجمعية وتوظيفها فى إطار فنى معاصر.يكشف العنوان ذاته عن منهجية العرض فى استحضار فترة تاريخية محددة (الثمانينيات والتسعينيات)، وهى فترة ذات حمولة وجدانية عميقة لجيل كامل. إن هذه المقاربة لا تقتصر على مجرد تقديم استعراضات غنائية؛ بل تسعى إلى بناء حالة شعورية قائمة على الحنين (Nostalgia)، مدفوعة بتصور لفترة ماضية تتسم بالدفء والاستقرار النسبى مقارنة بالتعقيدات المعاصرة.يتجلى التوجه فى تقديم مزيج غنائى استعراضى يستعرض أبرز المحطات الفنية والثقافية لتلك الفترة، شاملًا الأغنية والدراما والتليفزيون. هذه العملية أشبه بـ»استرجاع شريط كاسيت»، وهو استعارة دقيقة توضح آلية العرض فى إعادة صياغة الزمن المنفلت من الذاكرة الفردية والجمعية. يمثل هذا التناول محاولة لاستثمار رأس المال الثقافى لتلك العقود فى توليد تجربة مسرحية تخاطب وجدان الجمهور بشكل مباشر، وربما تقدم متنفسا مؤقتًا من ضغوط الواقع عبر بوابة الاستدعاء الفنى للماضى.فهل ينجح هذا النمط من العروض فى إرساء دعائم لنموذج مسرحى مستدام يعتمد على التفاعل مع الذاكرة الجمعية كركيزة أساسية؟ينطلق العرض من مفهوم الاسترجاع الزمنى من خلال شخصية محورية، يُفترض أنها تجسد وعى “الجيل” المستهدف. هذه الشخصية، المتمثلة فى الفنان القدير “خالد محروس”، تُقدم ككيان ينأى بنفسه عن ضجيج الواقع المعاصر، متكئًا على الماضى كملاذ. تتحول الذكريات، المدعومة بمواد أرشيفية من الأغانى، المقاطع التمثيلية، والصور والمواقف ذات الصدى الاجتماعى الواسع، إلى وسيلة لمواجهة مرارة اللحظة الراهنة. يتوالى العرض بعد ذلك عبر سلسلة من الفقرات، تتراوح بين لوحات استعراضية راقصة وأغانٍ مستقاة من أشهر أعمال الفن المصرى فى الثمانينيات والتسعينيات. ويُضاف إلى ذلك محاكاة انتقائية لمشاهد مشهورة من المسلسلات، الأفلام، والإعلانات، بالإضافة إلى مواقف كوميدية وطريفة عرفت فى تلك الحقبة.ومع ذلك، يكشف التحليل الدقيق للعرض عن عيوب منهجية وفنية. فبمجرد الانخراط فى هذه الرحلة الزمنية، يتبين أن ما يُقدم هو أقرب إلى توليفة مجزأة تفتقر إلى العمق التأملى أو الابتكار الفنى. يبدو أن العرض قد اعتمد بشكل مكثف على الاستعراضات البصرية المصاحبة للمواد الأرشيفية، إلا أن هذه الاستعراضات اتسمت بـالتنميط والتكرار فى تصميمها وشكلها الإيقاعى. لوحظ غياب التنوع فى التكوينات الحركية، حيث تكررت نفس التشكيلات والرقصات، مما خلق إحساسًا بالنمطية وأفقد كل لوحة خصوصيتها أو ارتباطها بمحتواها الزمنى أو العاطفى. هذا أدى إلى غياب المفاجأة والروح الإبداعية التى تميز كل أداء استعراضى. كما أن هناك ملاحظات حول عدم دقة التنسيق الحركى فى بعض اللوحات، مما أثر على الانسجام البصرى العام وأظهر بعض المؤدين بحركات عفوية غير متناغمة مع الأداء الجماعى.هل يمكن لعروض تعتمد على الذاكرة الجمعية أن تتجاوز مجرد الاسترجاع لتصل إلى مستوى من العمق الفنى والتجديد؟ ينكشف العرض عن إشكاليات فى التنفيذ تحول دون الارتقاء بالعرض إلى مستوى فنى يوازى طموح الفكرة. على الرغم من أن الاستعراضات البصرية كان من الممكن أن تكون ركيزة قوية، فإنها افتقرت إلى الابتكار الكافى لتتحول إلى تعبيرات مسرحية ليست ذات عمق. إضافة إلى ذلك، جاءت أشبه بـفواصل غنائية روتينية متلاحمة، لم تنجح فى تأويل الزمن الماضى حركيًا أو إثارة الدهشة البصرية. لقد افتقرت إلى التنوع فى التكوينات الحركية، ما أدى إلى تنميط الأداء، وغياب أى بصمة فنية مميزة لكل لوحة.يتجلى ضعف التنفيذ بشكل أكثر وضوحًا فى استخدام تقليد الشخصيات الفنية الأيقونية. محاولات استنساخ أداء فنانين مثل محمد منير أو عادل إمام، أو مدحت صالح وغيرهم افتقدت إلى الروح الأصيلة، وتحولت إلى مجرد محاكاة سطحية. لم يفلح المؤدون فى تقديم تفسير أو إضافة عمق لهذه الشخصيات، بل بدوا وكأنهم يتأرجحون بين التهريج والتكلف العاطفى، ما أخل باتزان العرض وأضفى ظلًا باهتًا على الذاكرة المستدعاة.ينسحب هذا القصور على الأداء التمثيلى بشكل عام، والذى لم يتجاوز كونه محاكاة آلية لمشاهد «الماستر سين» الشهيرة من أعمال الثمانينيات والتسعينيات. ورغم الدقة أحيانًا فى محاكاة المظاهر الخارجية، فإن الأداء بدا خاليًا من الإحساس والعمق الإنسانى. اتسمت المشاهد بالافتعال، وتناثرت فيها محاولات «الاستظراف» التى أثقلت العجلة الدرامية وأفقدت العرض مصداقيته. فى ليلة مشاهدتى للعرض غابت غالبًا حرارة التقمص لحساب محاكاة شكلية تفتقد لوهج الشعور الداخلى. وتولد إحساسًا بالتكرار والإرهاق لدى الجمهور، وقدم فى النهاية استعراضًا هشًا للذكريات يفتقر إلى الحيوية.أما فيما يتعلق بالمعالجة الدرامية للفكرة، فقد بدت سطحية المعالجة تحديًا رئيسيًا. لم تُقدم القصة المحورية لشخص يهرب من الحاضر إلى الماضى أى جديد سردى أو فكرى. الصراع بين «الماضى الجميل» و»الحاضر المرهق» طُرح بطريقة مباشرة ومبسطة، خالية من التعقيدات الدرامية أو المفارقات التى يمكن أن تثير التفكير أو تقدم رؤى مبتكرة حول العلاقة المتشابكة بين الإنسان والزمن والذاكرة. هذه المعالجة السطحية حدّت من قدرة العرض على الغوص فى الأبعاد العميقة لظاهرة النوستالجيا كظاهرة نفسية واجتماعية.فى سياق تحليل المكونات البصرية لعرض «نوستالجيا 80 90»، يبرز الديكور الإلكترونى كعنصر محورى يستدعى التقييم النقدى. لقد اعتمد التصميم على تكوينات بصرية مكثفة من شاشات عرض متعددة، أحاطت بها ألواح عمودية تحمل وجوه شخصيات فنية مألوفة، لتشكل مجتمعة خلفية استرجاعية أشبه بـ»كولاج» بصرى لذاكرة الشاشة المصرية. هذا الجهد، رغم نيته فى إحياء الذاكرة، أفضى إلى تكوين بصرى مزدحم يفتقر إلى التنفس المسرحى، ما يوحى بأن الخشبة لم تُصمم لتخدم العرض بقدر ما خضعت لوظيفته التذكيرية.لم يُسهم هذا الديكور من وجهة نظرى فى إنتاج معنى بصرى جديد؛ بل تحول إلى مجرد وسيلة تذكير أرشيفية، طغى فيها حضور الصور الثابتة والمتحركة على تفاعلية المشهد الحى. بلغت ذروة الإشكالية حين حجبت الشاشات فى بعض اللحظات الأداء التمثيلى المباشر، ما أدى إلى تغليب الطابع التوثيقي/النوستالجى على الفعل المسرحى نفسه. هذا الوضع أدى بدوره إلى انكماش دور الفراغ المسرحى بوصفه فضاءً دراميًا تفاعليًا قادرًا على إنتاج أبعاد بصرية ودلالية متجددة.كان العرض بحاجة ماسة إلى ديكور أكثر مرونة وتحولًا، يتسق مع انتقالاته الزمنية والحسية الممتدة من زمن الأبيض والأسود حتى أواخر الألفية. إلا أن الثبات الهندسى واللونى للديكور لم يواكب هذا الطموح، وبدا وكأنه أسير لحظة زمنية واحدة، بغض النظر عن تتابع الفصول. هذه الصلابة البصرية قيدت قدرة العرض على التعبير عن التنوع الزمنى والتحولات الشعورية.ورغم كثافة الشاشات التى غطت خلفية المسرح، وما كان يمكن أن توفره من حيوية أو تكثيف بصرى، فإن استخدامها ظل مقصورًا على عرض صور أرشيفية ومقاطع مرئية، دون أى توظيف درامى حقيقى أو إبداعى. بدت هذه العناصر البصرية وُضعت لتأكيد الذكرى لا لإعادة تأويلها أو توليد دلالات جديدة، مما أفقده طاقته المفترضة وحوّله إلى زينة حنينية مغرقة فى المباشرة. لم تثرِ كثافة الشاشات التجربة البصرية بقدر ما أثقلتها بـالتكرار، محوّلة العرض إلى ما يشبه نشرة إخبارية مرئية عن الماضى، تفتقر إلى عنصر المفاجأة والتأويل الفنى.الإضاءة فى عرض «نوستالجيا 80 90» بدت وكأنها نجمة العرض، لكنها فى الحقيقة كانت عكس ذلك. بدلًا من أن تعزز الحالة المسرحية وتغذى الشعور بالزمن والحنين، انجرفت إلى استعراض بصرى صاخب يشبه حفلات البوب لا خشبة المسرح. أضواء متوهجة بلا هدف درامى، ظلال غائبة، وتكرار نمطى جرد اللحظات من عمقها. هكذا تحولت الإمكانيات التقنية إلى زينة استعراضية، وأُهدرت فرصة بناء مسرح بصرى حقيقى يعكس وجدان الزمنين، لا مجرد صدى ضوئى لهما.فى عرض «نوستالجيا0 80 90”، بدا الإخراج وكأنه قرر أن يمنح الجمهور فرصة لاكتشاف العرض بأنفسهم دون تدخل يُذكر. كل مشهد يدخل إلى الخشبة على عَجل، ثم يخرج دون أن يسلّم لمن بعده. دراميا لم ألمح خيطا بنائيا واضحا لا تصعيد، فقط تدفّق حرّ لمقاطع تقف جنبًا إلى جنب، تتبادل الأدوار فى تذكيرنا بأن الحنين ليس بالضرورة بناءً دراميًا.أما العناصر البصرية، فقد اتخذت مواقفها المستقلة باحتراف لافت: الإضاءة تلمع كأنها تُقدّم عرضًا خاصًا بها، الديكور يراقب بصمت، والشاشة الخلفية تمارس هوايتها فى عرض الصور. بدا أن كل عنصر حضر العرض، لكنه لم يتفق مع الآخرين على ما سيُقدّمه.فى قلب هذا كله، جاءت «النوستالجيا» لا باعتبارها وسيلة للتأمل أو الجدل أو المقارنة، بل كمجموعة لحظات مغلفة بعاطفة سهلة الهضم. الماضى فى العرض مثالى ونقى كصفحة إعلانات قديمة، والحاضر لا يظهر إلا كظل باهت خجول، لا يُجادل ولا يُقارن ولا حتى يُسأل عن رأيه.وهكذا، تحوّلت الذاكرة المسرحية من مشروع فنى حى، إلى مجرّد ملصقات ملونة على جدار باهت بلا قصة. العرض يوحى بأنه يقول شيئًا، ثم يكتفى بالابتسام، ويتركك تتساءل: هل كنا فى عرض مسرحى.. أم نشاهد تسجيلًا داخل شاشة تليفزيون بلا قدرة على الفعل والتغيير، على قناة واحدة؟ او فى داخل أرشيف مغلق، بلا خيارات للتنقل، فى زمن ثابت لا يتغير. لم تتحول التجربة إلى استراحة تأملية، بل بدت أحيانًا وكأنها دائرة مغلقة من الصور والمشاهد بلا هوية درامية.قد يكون الدافع وراء «نوستالجيا 80 90» هو فتح نافذة اشتياق على ماضٍ دافئ، يربت على كتف المتفرج ويهمس له: «أتتذكر؟» غير أن هذه النافذة، مع الأسف، لم تُفتح بالكامل. اكتفت بأن ينظر الجمهور إلى زجاج مصقول بعناية، لكن من خلفه عرضٌ بدا وكأنه يكتفى بتمرير الصور لا مشاركتها، وباستدعاء العاطفة لا مساءلتها.العرض لم يستند على حبكة، ولم يقدّم مسارًا دراميًا واضحًا، بل قدّم ما يشبه تقليب ألبوم صور قديم فى مجلس صيفى طويل. مشاهد تكرّرت، وانفعالات عادت بلا تصعيد، وكأنّ الزمن يعيد نفسه باطمئنان، على خشبة لا تعرف التوتر، بل تفضّل الراحة والسكون. لم يكن هناك صراع، ولا مفاجأة، بل لحظات تنتظر التصفيق لمجرد أنها مألوفة.أما المجهود المبذول من طاقم العرض، فيُحترم بلا شك. الأجساد أدّت واجتهد الراقصون، والأزياء رغم عيوبها التنفيذية لكنها اجتهدت، والإضاءة حاولت وقالت كلمتها، وغير ذلك من العناصر.. لكن السؤال بقى معلقًا: إلى أين؟ لم نرَ رؤية فنية تمسك بكل هذا وتحوله إلى تجربة. لا معالجة تُفكر فى الذاكرة كشيء حى، ولا صورة تُحرّك ما هو أكثر من الحنين السطحى. بدا كل شيء وكأن العرض وُضع فى إطار أنيق، وعلّق على الحائط.. فقط ليملأ الفراغ.ورغم ما فى العمل من محاولات لترصيص عناصره، فإن إيقاع العرض ظل متصلبا على وتيرة واحدة، وكأن الزمن داخل العرض لا يتغير، لا يتسارع ولا يتباطأ، بل يسير على خط مستقيم لا تعرجات فيه. وهو ما جعل مشاهدته تبدو وكأنها أطول مما تحتمل، حتى إن النهاية لم تُحدث ذلك التغير المُنتظر، بل جاءت امتدادًا لما سبقها، دون ذروة أو انكسار.انتهت الأمسية بالنسبة إلى بلا أثر درامى ممتد؛ غلب الإحساس بالمشاهدة التذكارية على التورط العاطفى، فبدلًا من خروجى مشتاقًا لزمن مضى، شعرت بأنه ذهب الزمن بما له وما عليه، وكأن العرض لم يترك أثرًا أو دهشة.وهكذا يُعيدنا العرض إلى ما طرحناه فى مستهل هذا المقال عن الرؤية الإخراجية بوصفها خلاصة موهبة وصقل ومعرفة وتجربة، لا مجرد حصة «تدبير مسرحي». ليبرز أمامنا التساؤل: هل يكفى لصق أدوات التنفيذ وحدها لخلق عرض حى، إذا غابت عنه بوصلة «الرؤية»؟