أزمة المسرح الأمريكى مستمرة بعد كورونا

أزمة المسرح الأمريكى مستمرة بعد كورونا

العدد 867 صدر بتاريخ 8أبريل2024

لايزال المسرح الامريكى يعانى عددا كبيرا من المشاكل من جراء وباء كورونا رغم انتهاء حالة الطوارئ واجراءات التباعد الاجتماعى التى تم تطبيقها فى الولايات المتحدة لمدة اقتربت من العام بين عامى 2020 و2021 . 
لم يعد الجمهور بعد الى المسارح وهناك فرق مسرحية فى طول البلاد وعرضها بمافيها برودواى نفسها اغلقت ابوابها سواء بشكل نهائى او بشكل مؤقت بسبب عدم كفاية الايرادات التى تعوض التكلفة المرتفعة للعروض المسرحية. وهذا ما ادى ايضا الى تسريح اعداد كبيرة من العاملين فى المسرح .
وعلى العكس فى كلورادو احدى ولايات الوسط الأمريكى المعروفة باسم ولاية جبال روكى وجدنا صناعة المسرح متماسكة...بل انها حققت نموا كبيرا فى الحركة المسرحية بها جعل البعض يتوقع لها ان تصبح من عواصم المسرح الامريكى الرئيسة مثل لوس انجلوس وشيكاغو بل وبرودواى نفسها.  وكلورادو كما يصفها البعض ولاية مسرحية حيث يوجد بها اكثر من مائة فرقة مسرحية من مختلف الاحجام او بمعدل فرقة لكل ستين الفا من سكانها.كما توجد بها مجلة الكترونية  مخصصة لمسارح الولاية فقط ON STAGE  CLORAO .

عناصر
ويحاول العديد من نقاد المسرح فى الصحف الامريكية التعرف على هذه التجربة. وبدوره يشرح الناقد المسرحى لجريدة دنفر بوست التى تصدر فى عاصمة الولاية على امل ان يستفيد الاخرون منها.
يقول الناقد ان المسرح فى  كلورادو التى يعنى اسمها احمر بالاسبانية  مر بالفعل بأزمة مع بداية  اجراءات التباعد. وقالت مجلة “المسرح الامريكى”  وقتها ان المسرح الامريكى  على وشك الانفجار امام اعيننا ولابد من انقاذه.
واهتم المسئولون فى الولاية بهذه المشكلة وقرروا الايتركوا صناعة المسرح التى لاتقل تعقيدا عن صناعات اخرى تحت رحمة المشكلة او اعانات وتبرعات قد تأتى وقد لاتأتى. ولابد ان يكون  الانقاذ بشكل مخطط وليس عشوائيا. 
كانت البداية هنا مع “مركز دنفر للفنون الاستعراضية” وهو المؤسسة المكلفة برعاية الفنون فى الولاية. وقررت حكومة الولاية تقديم الدعم الى هذا المركز ليتولى تقديمه بالتالى الى الفرق المسرحية وللمسارح نفسها على اساس استحقاقها وعلى اساس جودة اعمالها وفقا لما يرى خبراؤه. فهذا الدعم سوف يدفع من اموال دافع الضرائب فى الولاية ولابد ان ينفق كل دولار فى مكانه على الاقل من اجل تخفيض اسعار التذاكر لجذب الجماهير. وتم فتح الباب للفرق المسرحية وادارات المسارح لتقديم طلباتها.

النتائج
ويعترف الناقد هنا بأن الخطة لم تكن ناجحة بنسبة 100 % . لكن على الاقل كانت الفرق التى تم رفض طلباتها من الفرق الصغيرة. هذا بينما لم تفلس الفرق الكبيرة الجادة التى تقدمت بعروض جادة وبات الحجز لشهر او شهرين فى عروضها. وكان الدعم يشمل ايضا الفرق غير الربحية. وكا يشمل ايضا عناصر غير مالية مثل تخصيص المسارح المملوكة  لحكومة الولاية فى دنفر وخارجها بدون مقابل.  تتحمل الفرقة فقط النفقات الجارية مثل استهلاك الكهرباء. 
وكانت هناك عدة عوامل ساعدت على ذلك مثل انتاج عروض تجذب الشباب مع اختيار اسماء غامضة تثير حب الاستطلاع مثل مسرحية “الدقائق” التى التى تصنف ضمن دراما الرعب واعتمدت على حيل عديدة. وهناك مسرحية اخرى للكاتب المسرحى الاسكتلندى الامريكى ديفيد بيرن وهو ايضا موسيقار ومؤلف اغانى والتى كان عنوانها “مسرح العقل. 
واعتمد الامر ايضا على عرض بعض المسرحيات التى عرضت فى برودواى وحققت نجاحا كبيرا لكن بطاقم ممثلين وفنيين من كلورادو نفسها مثل مسرحية المحفوظ التى تعرضنا لها فى عدد سابق.  وكان من المفارقات ان هذه المسرحية سبق عرضها على احد مسارح كلورادو قبل عرضها فى برودواى عام 2017 بطاقم اخر من كلورادو. وكان ذلك بمثابة خروج مسارح الولاية من بيات شتوى كاد ان يقضى عليها كما يقول المدير الفنى لمسرح “جيلد” احد اكبر المسارح  بالولاية.

تكاليف
ووصلت تكاليف خطة دعم المسرح فى عامها الاول (2021) 75 مليون دولار بينما وصلت ايرادات المسرحيات التى تلقت الدعم خلال نفس الفترة  الى 68 مليونا مما يعد نجاحا كبيرا. وادى هذا النجاح الى تشجيع المؤسات والافراد على التبرعات  التى كانت  تصب  فى مركز الفنون الاستعراضية مباشرة وليس الفرق وحدها.
كما بدا تطبيق نظام الاشتراكات التى كان الشخص يدفع مقابلها مبلغا من المال نظير السماح له بالحصول على تخفيض فى ثمن التذكرة لأى عدد من المرات مع بعض مرافقيه احيانا. وفى عام واحد تجاوز  عدد المشتركين حاجز ال26 الفا اشتروا نحو مليون ونصف المليون تذكرة لأنهم اقتنعوا بأنهم سوف يحققون متعة مسرعية تزيد عن ثمن التذكرة. وكان هذا النظام مأخوذا عن تجارب فى ولايات اخرى بدرجات مختلفة من النجاح.
وبعبارة اخرى كما يقول الناقد المسرحى للجريدة كانت الخطة متكاملة بين الاهتمام بالفن والاهتمام بالاعتبارات المالية  دون ان يطغى اى جانب  منهما على الاخر. 
وكانت برامج دعم المسرح فى الولاية فرصة لتشجيع اندماج اصحاب الهمم فى الحياة المسرحية. وهذا ماظهر بوضوح فى مسرحية “نفقات المعيشة “ لفرقة “فامالى” المسرحية التى اعتادت اشراك هذه الفئة فى مسرحياتها.
وهناك العروض المخصصة لفئة الشباب بوجه خاص لجذبهم الى المسارح مثل المسرحية الغنائية.
واحيانا ما كانت بعض الفرق تلجأ الى اساليب مبتكرة مثل مسرحية “فخر المزرعة” التى قدمتها فرقة مسرحية فى مزرعة بالفعل وليس على خشبة المسرح.
وحرصت الفرق نفسها على تنويع اعمالها فكانت تعرض اعمالا لكتاب من مختلف العرقيات التى يتكون منها الشعب الامريكى ولمختلف الاتجاهات الفكرية. وتحفل كلورادو بتنوع عرقى لانجد له نظيرا فى معظم الولايات.

الدقائق والمزرعة
ونقدم اليوم عرضا سريعا لاثنين من الاعمال المسرحية التى حققت نجاحا كبيرا. 
اما الاولى فهى “الدقائق” وهى مسرحية كوميدية تغوص فى دهاليز عالم السياسة الامريكية وسلبياته. وهى من تأليف تريسى ليتس وهو كاتب وممثل مسرحى  جسد دور البطولة فى عرضها الرئيسى فى برودواى فقط.
 تدور المسرحية حول اجتماع مجلس المدينة  لمناقشة موضوعات مهمة. لكن ماحدث فعلا ان المجتمعين ناقشوا امورا شكلية وتبادلوا النكات والضحكات وتجاهلوا الموضوعات الاساسية . وكانت حجتهم ان حضور الجلسة ليس له بدلات تشجعهم على المناقشة الجدية.  
واستعرض المسرحية بشكل فكاهى بعض الشخصيات مثل رئيس مجلس المدينة المنتخب وهو اصلا طبيب اسنان لايفهم فى اعمال مجالس المدن وتقف خلفه زوجته التى تنبهه الى اخطائه بطريقة فكاهية بعد انصراف نائبه الذى يعتمد عليه بسبب وفاة امه. ولم يفهم نصائحها فتحول الاجتماع الى مناقشة تراجع نتائج فريق المدينة فى البيسبول.
وفى نهاية الاجتماع يثور الجدل حول كتابة محضر الاجتماع الذى لم ناقش اى شئ مهم ويقدم اعضاء المجلس اقتراحاتهم المضحكة.  
اما المسرحية الثانية  فتقدمها فرقة  بولدر التى اشتهرت بفضل اختيارها  اماكن غير تقليدية لتقديم   عروضها مثل  هذه المسرحية التى قدمتها فى مزرعة بالولاية . 
وتدور  المسرحية   التي كتبها الكاتب المسرحي  ابن  كولورادو جيفري نيومان، - وهو ايضا مخرج ومنتج مسرحى  حول جون ميتزجر، المدعي العام لفترة واحدة في كولورادو في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، والذي بدأ حياته يتيما مفلسا وشق طريقه إلى قمة الدوائر القانونية في الولاية بفضل العمل الجاد ومعاونة الاخرين بعد وفاة ابويه.
كما تقول القصة، مات والدا ميتزجر عندما كان هو وإخوته صغارًا جدًا وأصبحوا تحت وصاية الدولة. في سن الثانية عشرة، تم إرساله للعمل في مزرعة في ستيرلنج، لكنه لم يستمر إلا لمدة عام قبل أن يهرب إلى دنفر حيث التقى بالمحامي هيو نيفيل أثناء محاولته بيع آلة كاتبة له. أخذ نيفيل ميتزجر تحت جناحه، وشجعه على إنهاء دراسته الثانوية والذهاب إلى كلية الحقوق. اشترى ميتزجر لاحقًا المزرعة في وستمنستر كمكان لتربية أسرته إلى جانب زوجته بيتي.
وتم اختيار المزرعة لتقديم العرض باعتبار انه عاش لفترة فى مزرعة  اسرته قبل ان يتجه للتخصص فى المحاماة بعد ان التقى بمحام تولى رعايته حتى حقق النجاح. كما تعرض المسرحية الحياة فى الريف الامريكى وما تنطوى عليه من مشاكل. 
ورأى بعض النقاد  ان  تقديم العرض فى مزرعة لم يفد كثيرا فى  عدم وجود قصة واضحة يجب متابعتها أو حتى شخصيات مقنعة للتعرف عليها.  وكان من الغريب ان العرض كان بلانهاية واضحة وكان الفراد الجمهور يتساءلون هلى انتهى العرض ام لا .وغادر بعضهم المسرح قبل نهاية العرض معتقدين انه انتهى.


ترجمة هشام عبد الرءوف