مسرح الطفل والتقنيات الحديثة على مائدة دار أم الدنيا

مسرح الطفل والتقنيات الحديثة  على مائدة دار أم الدنيا

العدد 847 صدر بتاريخ 20نوفمبر2023

أقام كرسي الألكسو في خدمة الطفولة بالتعاون مع دار أم الدنيا للدراسات والنشر والتوزيع ندوته الأولى بالقاهرة بعنوان «مسرح الطفل والتقنيات الحديثة» أدارها الكاتب عبده الزراع وتحدث بها الكاتب أحمد زحام، والمخرج محمد فؤاد، والكاتبة صفاء البيلي والشاعر والكاتب أحمد زيدان، والكاتب المسرحي د. علاء الجابر بحضور مهندسة الديكور نهاد السيد والناقد والمخرج والفنان جمال الفيشاوي.
طرح الكاتب عبده الزراع في بداية الندوة تساؤلاً هاماً  فقال: هل ما زال مسرح الطفل بشكله التراثي أو الحديث - إذا جاز أن نسميه - استفاد من التقنيات الحديثة خاصة أن طفل اليوم أكثر انفتاحاً على الميديا مقارنة بالأجيال السابقة؟ وهل ما نقدمه اليوم سواء بمسرح الثقافة الجماهيرية أو في هيئة المسرح يليق بطفل هذا اليوم؟ أم ما زال ما يقدم في مسرح الطفل يدور في الفلك القديم والمستهلك؟ وذكر قائلاً : في ظني كل متحدث من المتحدثين له تجربة وسيشرح كيف استفاد من هذه التقنيات بشكل أو آخر أو وظفها داخل عمله، وسيكون هناك عصف ذهني. 

هل استفدنا من التقنية الحديثة بمسرح الطفل؟
كذلك طرح الكاتب أحمد زحام تساؤلا آخر وهو هل استفدنا من التقنية الحديثة بمسرح الطفل؟ وهل هذا متاح بمصر؟ وأجاب على التساؤل فور طرحه له فكانت الإجابة بـ”لا”؛ فهناك صعوبات وليس متاحا لأننا مشروطون بإمكانيات، والتقنيات الحديثة بالنسبة لمسرح الطفل هي تقنيات مكلفة، وذلك لأن أغلب المسارح التي تختص بمسرح الطفل في مصر تتبع المؤسسات الحكومية التي تعاني من قلة الميزاينة الخاصة بها.
وتابع قائلاً: لا يخفي عليكم قيمة الإنتاج أو سلفة الإنتاج داخل مؤسسة مثل الهيئة العامة لقصور الثقافة هو مبلغ ضئيل لا يتعدى سوى أن يلبي بعض الأشياء القليلة، وحتى تقدم هذه التقنيات ونستفيد من التطور المتلاحق فيها يجب أن يكون هناك انفتاح من قبل المخططين لمسرح الطفل وأرى أن مسرح الطفل أكثر احتياجاً لهذه التقنيات لأن بها إبهارا، ومعروف أن جزءا كبيرا من مسرح الطفل معتمد على الإبهار والصورة، ثم طرح زحام بعض الأمثلة الخاصة بتطور التقنيات الخاصة بمسرح الطفل، ومنها أحد العروض التي شاهدها والتي يطبق بها أحدث تقنيات التطور التكنولوجي فكانت السينوغرافيا تعتمد على التشكيل من خلال الإضاءة المسرحية وكذلك هناك تجارب اعتمدت على المسرح التفاعلي وكذلك تقنيات تطبق على الجمهور نفسه فيصبح الجمهور مشاركا في أحداث العرض.
فيما أوضح الشاعر والناقد أحمد زيدان أن هناك أشكالا متعددة لإنتاج مسرح الطفل تبدأ بنوادي المسرح وصولا لمسرح البالون ومتروبول “القومي للأطفال” وهو المسرح الذي يتبع المؤسسات الرسمية، ومنوط به تقديم مسرح للطفل، موضحاً أن خيال المؤلف يلعب دوراً مهماً وبارزاً، فمن الممكن أن يكون الخيال عاليا ومن السهل أن يقدم بإمكانيات بسيطة، وذلك من خلال اللعب على الشخصيات بشكل سحري، ولكن لا يحتاج لتكلفة، كذلك أن يكون هناك عنصر للتشويق في القصة المقدمة وأن تكون بها مساحة كوميديا حتى تستطيع أن تقدم حالة من حالات الجذب في التفاعل مع المشاهد، على سبيل المثال الراوي أو الأراجوز وأشكال متعددة للظواهر المسرحية، والتي من الممكن أن تقدم حالة من حالات الجذب، ولكنها في النهاية تقنيات بسيطة ومنها «خيال الظل»، «عرائس الباتو»، و»عرائس الماريونت» ثم تطرق زيدان لنقطة مهمة وهي تقنيات المسارح فأغلب القاعات المسرحية الموجودة لم تكن قاعات مصممة للعروض المسرحية، فلا تزال بعض المسارح تستخدم “اللد” وهي ليست أداة إضاءة أما عن تقنيات الكتابة ففي بعض الأحيان يخشى المؤلف وضع بعض الأشياء التي تحتاج لتقنية وتكون أساسية، ولكن من الصعب تنفيذها على خشبة المسرح للافتقار إلى الإمكانيات، على سبيل المثال “ممثل يهبط من السوفيتا” وهو أمر من الصعب أن يحدث في عروض هيئة قصور الثقافة والبيت الفني للمسرح، فهذه التقنية لم نجدها سوى في مسرح الأوبرا.
وعقّب الكاتب عبده الزراع على نقطة هامة في مداخلة الكاتب والشاعر أحمد زيدان مؤكداً على ضرورة توظيف الكاتب للتقنيات الحديثة في النص، موضحا أن هناك نص المخرج الذي يضع فيه رؤيته الجديدة؛ فالنص المسرحي قابل للتعديل من وجهة نظر المخرج، موضحاً أن نوادي مسرح الطفل لا تزيد ميزانيتها عن 7 آلاف جنيه ولكنها عروض متميزة للغاية وأفضل من عروض تكلفتها أكبر بكثير من هذه الميزانية.
بينما أشار الكاتب والمخرج د. علاء الجابر في مداخلته إلى عدة نقاط مهمة، ومنها جولته عام 1989م لمراكز الطفل في مجموعة من الدول منها ألمانيا الشرقية والسويد والدنمارك وملاحظته للميزانيات المفتوحة للطفل في المسرح الملكي بالسويد، وقصر ثقافة الطفل بألمانيا بالإضافة إلى أقسام الطفل في ألمانيا الشرقية والذين يقومون بدعم وتشجيع الأطفال ورعاية مواهبهم بشكل مبكر مع أسرهم معقباً على بعض الأشياء الخاصة بالأعمال التي تقدم للطفل، فما زالت أبرز الأعمال التي تقدم في أوربا وأمريكا أعمالا تراثية قديمة، ولا تزال تلك الأعمال تشهد إقبالاً، موضحاً كيف تقدم تلك الأعمال وهل الأمر يرجع للكاتب أم المخرج؟ فالمخرج بيده الأمر واللعبة المسرحية، فمن الممكن أن يكون هناك كاتب لديه خيال ثري ولكن المخرج الذي يقدم نصه محدود الوعي فلا يظهر إبهار بالعمل، والعكس صحيح، كذلك هناك عدة اعتبارات خاصة بالوقت الراهن لما يقدم للطفل وهي المدة الزمنية والوقت الذي يقدم به العمل وضرب مثالاً هاماً لكتاب دكتورة نسرين بغدادي واستطلاع الرأى الذي أجري عام 1977 وهو تساؤلات حول أهم ما يقدم للطفل، فكانت الإجابات تخلو من فكرة استخدام التقنيات الحديثة رغم أن  الأعمال المقدمة في هذه الفترة للطفل كانت من أنجح الأعمال التي تقدم للطفل، على سبيل المثال عرض “الليلة الكبيرة” الذي حقق نجاحاً كبيراً فكانت هناك العديد من الأعمال التي تستخدم تقنيات عادية ولكنها كانت متميزة، والسؤال كيف يكون العمل مبهراً بغض النظر عن التقنية؟ وطرح الكاتب د. علا الجابر ثلاثة نماذج لهذه الفرضية.
وفي مداخلتها نعت الكاتبة صفاء البيلي شهداء غزة، ثم تحدثت عن الكتابة المسرحية التي تعد أهم عنصر من عناصر العمل المسرحي، موضحة أن مسرح الصورة أصبح الآن يحتل الصدارة، ويغلب مسرح الكلمة، فمن الممكن أن نقدم مسرح صورة جيدة ومبهرة، ولكن في نفس الوقت لا يتنافى مع المضمون المقدم بالعرض، وأشارت إلى وجود أزمة في الكتابة للطفل خاصة أنها شاركت في التحكيم لمسابقات الكتابة المسرحية للطفل، وكانت الأعمال المقدمة آنذاك ضعيفة، فهناك بعض الكتاب الذين يستسهلون الكتابة للطفل، ثم ذكرت مثالا لجائزة هامة وهي جائزة الشيخ القاسمي في فروع الكتابة، حيث لفتت أنظار القائمين على هذه الجائزة صعوبة الكتابة للطفل، وأنها لا تختلف عن الكتابة للكبار؛ مما دعا القائمين على الجائزة للمساواة بين الجائزتين في القيمة المادية، وعندما حصلت على الجائزة في العام التالي لم تتمكن من تنفيذ النص في مصر خاصة أنها تفردت بنص عن الخيال العلمي، فرغم إعجاب المخرجين بالنص، إلا أنه يصعب تنفيذه على خشبة المسرح، ثم تحدثت عن مشروعها في التراث وإعادة كتابته وكيف يستطيع الكاتب إعادة صياغته؛ بحيث يقول ما يريد وقتما يريد بدون تعقيد للطفل، فيجب على الكاتب تنقية التراث الذي يقدم للطفل. ثم أشارت في حديثها إلى أهمية إدارك الكتاب للفئة العمرية التي يتوجهون إليها في الكتابة، فكل فئة عمرية لديها قاموسها اللغوي مشددة على أهمية أن تكون هناك ثقافة للصورة المسرحية، وكيفية تقديم صورة مسرحية للطفل تجذبه وتعطي له المعلومة.
وعقب الكاتب عبده الرزاع على نقطة هامة أثارتها الكاتبة صفاء البيلي وهي عدم وجود كتاب جيدين للطفل موضحاً أن هناك مجموعة ليست كبيرة من الكتاب المتميزين لمسرح الطفل ولكن يجب اكتشافهم كذلك عقب الكاتب أحمد زحام موضحاً أن هناك ضرورة لاختيار لجان القراءة التي تقوم باختيار النصوص الخاصة بالطفل.
قال المخرج محمد فؤاد في كلمته إن التقنيات المسرحية تكون في عناصر العرض المسرحي كاملاً المكان، والنص، والجمهور، والممثل، والمخرج، والديكور وهو ضمن مكملات العرض المسرحي فمن الممكن عدم استخدام الديكور في بعض العروض، وهناك عناصر أساسية التي حقق العرض المسرحي جزءا منها الجمهور والمكان، موضحاً أن هناك زخما كبيرا في مسرح الطفل والجهات التي تنتجه في مصر، وهناك ردة في مسرح الطفل بكل تقنياته وعناصره المختلفة، فجميعنا مقصرون ولا استثناء لأحد، مشيراً إلى أن التقنيات هي عملية إدارية مالية بحتة، وكذلك لا توجد دار عرض جيدة، معقباً على فكرة المسرح الأسود الذي يراه البعض تقنية حديثة، ولكنه في حقيقة الأمر لا يقدم بشكله الحقيقي المتكامل، فمن المفترض تقديمه بفكرة “الستائر الضوئية” وليست “الألترا فيوليت”، فهي تقنية عفا عليها الزمن منذ الثمانينيات، كذلك سيطرة البيروقراطية على المسارح التي تنتج مسرحاً للطفل، ففكرة تقديم الإبهار بمبلغ بسيط هو أمر به صعوبة بالغة الفترة الحالية، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الخامات، فمن الممكن تقديم إبهار بتضافر الجهود المختلفة من عناصر العمل المسرحي، مخرج ومؤلف ومصمم ديكور، خاصة أن الإبداع على الإبداع يضيف.
ثم اختتمت الندوة ببعض المداخلات، منها مداخلة مهندسة الديكور نهاد السيد التي عقبت على فكرة “الإرشادات»، وأوضحت أن الإرشادات تتم  الاستعانة بها لتعطي علامات الزمان والمكان، وتساعد في إعطاء مهندس الديكور الصورة وحالة النص، وهناك الكثير من المخرجين تجبرهم الإرشادات على تقديمها كما هي، ولكن الأمر يختلف عند مهندس الديكور الذي يقدمها بشكل مغاير لتناسب العرض المسرحي، موضحة أن موخراً ليست هناك تقنيات تساعد على تقديم نصوص الخيال العلمي كما يجب أن تكون؛ فالخيال العلمي الذي يقدم في التلفزيون يختلف عند نقله إلى خشبة المسرح، فيما أوضح الناقد والمخرج جمال الفيشاوي أن هناك فرقا بين التقييم النقدي لمشاهدة العروض المسرحية، والذي يختلف عن التقييم الأكاديمي، على سبيل المثال استعان أحد الدراسين بمقالتين له عن مسرح العرائس وتقنياته، وهي مقالات تكتب ليستفيد منها الباحثون.                                                                                                                         
 


رنا رأفت