النقاد وأساتذة الدراما يوضحون كيف تناول المسرح المصرى وقائع وأحداث حرب أكتوبر المجيدة؟

النقاد وأساتذة الدراما يوضحون كيف تناول المسرح المصرى وقائع وأحداث حرب أكتوبر المجيدة؟

العدد 841 صدر بتاريخ 9أكتوبر2023

خمسون عاما مرت على نصر أكتوبر العظيم ، تلك الحرب التي تضمنت أحداث و تفاصيل كثيرة عكست قصص و حكايات عن كفاح الجيش المصرى منذ الهزيمة و النكسة فى مايو عام 1967 حتى النصر فى أكتوبر عام 1973، من هنا تلتقي مسرحنا بعدد من النقاد و أساتذة الدراما للإجابة على عدد من الأسئلة المتعلقة بهذا الحدث الكبير وهي:

 هل نجح المسرح المصري في التعبير عن إنتصار أكتوبر ؟ , و ما هي أوجه النجاح و أوجه التقصير في معالجة هذا الحدث مسرحيا ؟، وما هي درجة إستجابة الكاتب المسرحي للتعبيرعن هذا الحدث ؟ , وكيف عبر عنه ؟ ، و ما هى أهمية تقديم أعمال مسرحية من إنتاج الدولة عن نصر أكتوبر لتحافظ على إستمرارية وصول ما يحمله هذا النصر من معانى الإنتماء و حب الوطن للأجيال الجديدة ؟

 

أحمد عبد الرازق أبو العلا:  المتغيرات المتلاحقة التي حدثت عقب أكتوبر ، كانت سببا في عدم التفاعل مع الحدث بشكل واضح

قال الكاتب والناقد أحمد عبد الرازق أبو العلا:

  أثناء المعركة ( حرب 73) صدرت بعض الأعمال المسرحية ، التي كُتبت على عجالة لتواكب الحدث ، منها : مسرحية ( هنا القاهرة ) تأليف عبد العزيز عبد الظاهر وإخراج عبد الرحمن الشافعي ، ومعها مسرحية ( القرار) تأليف سعيد عبد الغني وإخراج : محمد سالم ، قدمتا على مسرح السامر يوم 18 أكتوبر 1973 ، وفي نفس التوقيت قدم منتخب جامعة القاهرة مسرحية ( الحمام على برج أكتوبر ) إخراج كمال ياسين ، على مسرح قاعة ايوارت بالجامعة الأمريكية ، وعرضت مسرحية ( أقوي من الزمن ) التي كتبها ( يوسف السباعي) في المسرح القومي من إخراج ( نبيل ألألفي ) عام 1973 و(صلاح الدين) تأليف ( محمود شعبان ) وإخراج ( كمال حسين ) عام 1973 ، و(حدث في أكتوبر) لإسماعيل العادلي وإخراج كرم مطاوع عام 1973 و"حبيبتي شامينا" تأليف رشاد رشدي و إخراج ( سمير العصفوري ) عام 1973 ،ومسرحية (مدد مدد شدي حيلك يا بلد) إخراج ( عبد الغفار عودة) 1973 في المسرح الحديث ، وقدم قطاع الفنون الشعبية والاستعراضية مسرحية (حبيبتي يا مصر) عام 1973 تأليف (سعد الدين وهبة ) وإخراج ( سعد أردش )، وكتب فؤاد دوارة مسرحيته ( العبور ) أكتوبر 1973 ، لكنها لم تُعرض فوق خشبة المسرح ، ونُشرت في كتاب عام 1976بمقدمة كتبها ( توفيق الحكيم ) بخط يده ، تتضمن تحية لصاحبها ، وأكد مؤلفها في مقدمته للمسرحية على أنه كتبها مع أول أيام المعركة، وأنهاها قبل وقف إطلاق النار .

  ونلاحظ أن الحركة النقدية بشكل عام لم تهتم كثيرا بالأعمال التي واكبت نصر أكتوبر لأسباب كثيرة ، ربما من أهمها أن معظمها جاء إنفعالا لحظيا بالحدث ، أخرجها من منطقة الإبداع الفني ، وجعلها أقرب إلى الأعمال الدعوية ، المرتبطة بمناسبة خاصة ، لأن معظمها لم يتناول إنسان ما بعد الحرب ، و جاء الاهتمام فقط ببطولات الجندي المصري ، فظهرت الأعمال وكأنها تسجيل للحدث ، وليست معالجة له .

  وهذا ما دفع ناقدا مثل (أحمد محمد عطية ) لطرح هذا السؤال عام 1982 : ( الآن وقد مرت ثمانية أعوام على إنتهاء معارك حرب أكتوبر ، يحق لنا أن نتساءل : أين مسرح أكتوبر ؟! وكيف إنعكست حرب أكتوبر في المسرح المصري ) وهنا نراه لا يذهب إلى الأعمال التي قدمت على مسارح الدولة عام 1973، لأنه رآها مباشرة وزاعقة ، ومن ثم إختار نصوصا رأى أنها حققت قدرا من الفنية ، مما دفعه للكتابة عنها، معتبرها نموذجا للمسرح الذي عبرعن أكتوبر ، إختار ثلاثة أعمال : (عملية نوح) لعلي سالم 1974 والتي أكد فيها على أهمية وضع خطة مُحكمة بعيدا عن الخيال المُعتمد على شعبية الإنقاذ الأسطورية، تلك الخُطة تحققت في حرب أكتوبر، لأن العبور تم بالشعب ، وليس بالصفوة التي كان نوح يعتمد عليها حين قام بتجميع النماذج الممثلة للشعب المصري، و مسرحية (رسول من قرية تميرة للاستفهام عن مسألة الحرب والسلام) لمحمود دياب 1975و(العبور) لفؤاد دوارة 1976 أما مسرح ما بعد أكتوبر عرضت مسرحيات : ( الحرب و السلام) إعدادا لقصة قصيرة كتبها (يوسف السباعي ) رأس العش وبحلم يا مصر(سعد الدين وهبة ) - عم أحمد الفلاح (رشاد رشدي ) وهؤلاء الكتاب كانوا يعملون في وزارة الثقافة ، ويتولون مناصب قيادية فيها ، وربما كان هذا هو السبب الذي دفع الناقد ( فاروق عبد القادر ) إلي إطلاق عبارة ( مسرح السلطة ) على أعمالهم.                      

  وأضيف أنه بعد عام من انتصار أكتوبر ، ظهرت بعض الأعمال المسرحية ، التي عالجت موضوع الحرب، بطريقة أفضل بعض الشيء منها :( سقوط خط بارليف ) هارون هاشم رشيد، ومن إخراج سناء شافع – (العمر لحظة ) يوسف السباعي من إخراج : أحمد عبد الحليم – (رأس العش) سعد الدين وهبة من إخراج سعد أردش، ( القرار) سعيد عبد الغني و إخراج مجدي مجاهد ، وفي عام 1975 عُرضت مسرحية (النسر الأحمر) لعبد الرحمن الشرقاوي من إخراج كرم مطاوع ، وفي عام 1976 مسرحية ( باب الفتوح ) لمحمود دياب وإخراج سعد أدرش ، وتلك المسرحيات التي كتبها عبد الرحمن الشرقاوي ومحمود دياب لم تتناول موضوع حرب أكتوبر بشكل مباشر ، ولكنها ذهبت إلى التاريخ ، باستحضار بطولات صلاح الدين الأيوبي ، في محاولة من الكاتبين للابتعاد عن المباشرة ، والخطابية ، بالمعالجة التي تدخل في إطار ما يعرف بمسرح الإسقاط السياسي .                                                   

والسؤال الذي أطرحه الآن هو : لماذا لم يتفاعل الكاتب المصري ، مع هذا الحدث الكبير ، وبعد مرور خمسين عاما ليقدم أعمالا إبداعية تعبرعنه ؟     

غير تلك التي عرضت في أعوام : 1973-1974-1975-1976.  

الإجابة هي ظهور المتغيرات المُتلاحقة التي حدثت في مصر : الانفتاح الاقتصادي 1974 ، ثم إتفاقية كامب ديفيد عام 1978 ثم معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979 وما سبقهما من زيارة السادات للقدس ، ( 19 نوفمبر 1977). ثم ظهور تيارات الإسلام السياسي ، بعد أن أفسح أنور السادات المجال لظهورها ، ليضرب بها اليسار ، الذي وقف ضد اتفاقية ( كامب ديفيد ) وهذا ما أقلقه ، فأخرج المارد من القمم ، ودفع الثمن باغتياله على يديه !!                                          

  تلك المتغيرات تحديدا ، أجهضت الفرحة بانتصار أكتوبر لدى الكتاب، فتوقفوا عن التعبير عنها، وأعلن معظمهم – فيما عدا الكاتب المسرحي ( علي سالم )- موقفهم الرافض لاتفاقية كامب ديفيد .   

أما عن أهمية معالجة نصر أكتوبر للتأكيد على القيمة الوطنية له .فتلك مسألة تخص السينما التسجيلية أكثر من اختصاص المسرح بها؛ لأن المسرح بوصفه دراما بطلها الرئيسي هو الإنسان لا ينبغي أن يكون دعويا .

وكما سبق ان ذكرت أن معظم الأعمال التي قدمت كانت دعوية الطابع ومن هنا من الضروري معالجة الموضوع بعد انتهاء أحداثه لنتعرف على المتغيرات التي أثرت على الإنسان نتيجة الحرب، وتلك المسألة إهتم بها الابداع العالمي ولم يهتم بها الابداع المصري.

 

أ.د. محمد عبد الله حسين: لم يستطع المسرح المصري مواكبة نصر أكتوبر 

وعلق أ.د. محمد عبدالله حسين أستاذ الأدب والنقد الحديث- جامعة المنيا قائلا:

لم يستطع المسرح المصري مواكبة نصر أكتوبر مثلما واكب النكسة و واكب حرب الاستنزاف بمسرحيات مثل " أغنية على الممر" لعلي سالم، و"رأس العش" لسعد الدين وهبة، ثم "باب الفتوح ورجل طيب" في ثلاث حكايات لمحمود دياب، و"النار والزيتون" لألفرد فرج ...وغيرها ، أما ما كتب عن حرب أكتوبر فكان عبارة عن ردة فعل لحظية، إلا نص مسرحي وحيد وعظيم لمحمود دياب وهو " رسول من قرية تميرة للاستفهام عن مسألة الحرب والسلام" ، ثم واكب بعدها تطور الصراع المصري الصهيوني من خلال مسرحيته الأخيرة "أرض لا تنبت الزهور"، فيما ماعدا ذلك جاءت أعمالا خطابية لحظية لا ترقى لمستوى الحدث أو مستوى القضية , لذا أرى أنه من الضروري بل من الواجب على كتاب المسرح إعادة النظر و بعمق في بطولات المصريين في حرب أكتوبر؛ لأن المسرح ذاكرة الشعوب ولابد من تخليد هذه الأمجاد من خلال أعمال درامية ومسرحية جادة ومتنوعة.

 

د. عصام عبد العزيز: مازال الأمل أمامنا لكى نعالج دراميا أكبر حدث في القرن العشرين

وقال د. عصام عبد العزيز أستاذ الدراما والنقد بالمعهد العالي للفنون المسرحية:

لا أعتقد أن المسرحيات التي كتبت عن حرب أكتوبر تتعادل مع عظمة تلك الحرب التي غيرت مصير الأمة المصرية، فلم تستطع أن تعبر عن روح المقاتل الانسان قبل العبور وبعده، و لمً تستطع أن تجسد أثر ذلك على الشعب الذى وصل إلى مرحلة اليأس و لكنه ظل متمسكا بالأمل. 

إن تلك اللحظات الدرامية ليست بالسهولة التي يتصورها البعض، فهي تحتاج لكاتب درامي يعي تماما المشاعر الانسانية المتأرجحة سواء لدى الجندي أو لدى المواطن المصري .

فما هي التغيرات التي حدثت بعد العبور؟ وكيف إكتسب المواطن والجندي الثقة في النفس؟، ليس تسجيل الحرب وإنما أثر ما قبل الحرب وبعدها على الجميع ، من خلال لحظات إنسانية صادقة, من هنا أرى أن الأمل مازال أمامنا لكى نعالج دراميا أكبر حدث في القرن العشرين.

 

طارق الحريري: المسرح عبر تاريخه لا يعيد تجربة الحرب بما فيها من وقائع و أحداث

وقال الناقد والكاتب المسرحي عميد متقاعد / طارق الحريري " خريج المعهد العالي للنقد الفني":

المسرح عبر تاريخه لا يعيد تجربة الحرب بما فيها من وقائع وأحداث كما هي، باستثناء مسرحية "إسخليوس" الشهيرة "الفرس" التي كانت تمجد انتصار الإغريق على أعدائهم، والشاهد أن مسرحية الفرس كانت رد فعل على التراجيديا التي تناول فيها فرونيخوس هزيمة بلاده في معركة مع الفرس، ولاقت إمتعاضا شديدا من الأثينيين، لذلك قدم إسخيليوس في هذه المسرحية كتراجيديا مختلفة لأنه مزجها بروح الكوميديا، ليضفي عليها قدرا من البهجة والانتشاء والفخر، من زاوية أخرى مسرحية الفرس التي تناولت وقائع إنتصار الإغريق، كانت أيضا رسالة سياسية تعلن إنتصار الإغريق أصحاب الحريات والديمقراطية على الفرس المحكومين بالقهر والعبودية. 

الاستثناء الآخر كان في مسرح شكسبير من خلال ثلاثية "هنري السادس" ومسرحية "ريتشاد الثالث"، وفيهم ينغمس تناوله للحرب الأهلية التي صك لها شكسبير مصطلح ساد فيما بعد هو "حرب الوردتين"، حيث كانت الوردة الحمراء شعار أسرة "لانكستر" ، والوردة البيضاء شعار أسرة "يورك"، وقد حفلت هذه المسرحيات بوقائع وتفاصيل دموية.

فيما بعد لم يأبه المسرح المعاصر للحرب كوقائع مباشرة ، لكنه غاص في تجاربها الإنسانية، وهنا أسوق عملين من المسرح الأمريكي أولهما للأديب "بيرسيفالد وايلد" النص المسرحي الشفيف "أمهات الجنود"، الذى يتناول قصة سيدتين ولديهما يشاركان في الحرب العالمية الأولى ويتشاركان في نفس الإسم، قتل أحدهما لتبدأ بين الاثنتين رحلة معاناة بحثا عن من فقدت ابنها.

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية كتب "آرثر ميللر" رائعته المسرحية "كلهم أبنائي"، التي بنيت حبكتها على جريمة إرتكبت عندما شحن شريكان أثناء الحرب إسطوانات تالفة لطائرات القتال، مما يتسبب في مقتل 21 طيارا، وعندما يتم اكتشاف الأمر يسجن أحد الشريكين ويفلت الآخر من العقاب، ومع تعقد الحبكة يضيق الخناق معنويا على الشريك خارج السجن مما يتسبب في انتحاره، وكأن الحرب التي تنتهى في الجغرافيا تظل باقية لتفضح تضاريس خطاياها في المجتمع.

لكن بالطبع هناك نصوص معاصرة كثيرة تناولت الحرب من خلال تداعياتها نفسيا واجتماعيا وإنسانيا بصفة عامة، وظني أن أوجه التقصير هنا تتمثل في أن المسرح بعد إنتهاء حرب أكتوبر لم يستطع أن يعكس جلال المناسبة لسببيين أولهما: أنها كانت عروض مناسبات، وثانيهما: أن الواقع المصري شهد تغيرات قلبت الأوضاع سياسيا واجتماعيا.

وأرى أنه يجب على الجيل الحالى التأريخ بكتابة نصوص عن أكتوبر في إطار النص التاريخي.

 

محمد الشافعي : حرب أكتوبر ظلمت على كافة مستويات الإبداع 

وقال الكاتب الصحفي والمؤرخ محمد الشافعي :

 هذا الموضوع هام جدا، فحرب أكتوبر ظلمت على كافه مستويات الإبداع، وإن حدث نوع من الزخم بعد الحرب مباشرة في الإبداع الأدبي تحديدا في سلسلة أصدرت في هيئة الكتاب تسمى " أدب أكتوبر " ، وسلسلة " أدب الحرب"، والثقافة الجماهيرية والهيئة العامة لقصور الثقافة نشرت هذه الأعمال ، كما ظهرت كتابات خارج الهيئات الرسمية ل جمال الغيطاني و يوسف القعيد و فؤاد حجازي و السفير معصوم مرزوق وسمير الفيل والدكتور سيد نجم و أحمد ماضي و أحمد عبده ، و مجموعة كبيرة من الأدباء كتبوا أكثر من 20 أو 25 رواية أو قصة عن حرب أكتوبر، في المقابل أثناء الحرب كان هناك عدد من الأفلام تصور مثل "بدور والوفاء العظيم والرصاصة لا تزال في جيبي..." وغيرها ، وبعد ذلك حدثت مشكلة كبيرة وهي فض الاشتباك الأول والثاني ودعوة السادات للقدس والانخراط في مفاوضات كامب ديفيد ومعاهدة السلام ، وأصبح لدينا مشكلة لمواجهة العدو الصهيوني بهزيمته، ولكن حرب الاستنزاف العظيمة التي يعترف فيها العدو بهزيمته ، قدم عنها عدد من الأفلام مثل "أغنية على الممر، والعمر لحظة، وأبناء الصمت، والتاريخ، والطريق إلى إيلات" و رغم ذلك فهذه الحرب مظلومة أيضا .

 و أضاف هناك رسالة دكتوراه للدكتور محمد نصار، عن" التشكيل في نصوص المسرح التسجيلي في مصر - و حرب أكتوبر نموذجا" وقدم من خلالها مفاجئة أن هناك أكثر من ثلاثين مسرحية كتبت ولم تنشر، ويقول في رسالته أن هذه الأعمال كتبت في السنة الأولى من أكتوبر 1974 و منها "هيلا هيلا يا مصر، حراس الحياة، أولاد بلدنا، القرار، دموع الاخطبوط، و حدث في أكتوبر (والتي ربما تكون المسرحية الوحيدة التي صدرت في التلفزيون )، وهذه دراسة هامة.

 والمسرح مثل السينما والتلفزيون له العديد من الأعمال التي لم تنشر، وأعتقد أن المسرح لم ينجح في التعبير عن الإنتصار العظيم بأكتوبر، لذا نحتاج بالفعل إلى دراما تلفزيونية و سينما ومسرح و شعر وأغاني وطنية، و نحتاج أن نصدر أعمالا أدبية كثيرة عن حرب أكتوبر وحرب الاستنزاف ؛ لمحاولة إيقاظ الحاضر و إنقاذ المستقبل ، فليست القضية مسرح فقط وإنما مجالات الإبداع المختلفة ، وأرى أنه تقصير منا جميعا خاصة القائمين على أمر الإبداع .

 فأمريكا مثلا دخلت الحرب العالمية الثانية إلا خمسة أي آخر خمس دقائق بقنبلة هيروشيما، ولكن السينما الأمريكية إستطاعت أن تصنع مجدا من الجندي الأمريكي لم يفعله على أرض الواقع، أما نحن في مصر فنمتلك عشرات الآلاف من البطولات الحقيقية في حرب الاستنزاف و أكتوبر، و للأسف الشديد السينما المصرية و المسرح المصري والدراما المصرية والأدب المصري لم يعبروا عن تلك البطولات.

 

د. حسام أبو العلا: المسرح مقصر في حق هذه الحرب 

وفي كلمته أوضح دكتور حسام أبو العلا "أستاذ الدراما في المعهد العالي للسينما، لم ينجح المسرح المصري بأي حال من الأحوال في تجسيد حرب أكتوبر ، ولكن تفوقت السينما والتلفزيون عن المسرح بمراحل، وخاصة في الفترة الأخيرة التي حدث بها تجسيد لحرب أكتوبر من خلال قصص إنسانية، و أجمل ما فيها أنها لم تستخدم الجمل النمطية في الوطنية مثل فيلم الممر و مسلسل الاختيار ليكشف لنا عظمة الجيش المصري ومحاربته للإرهاب وحرب أكتوبر، فهذه الأعمال تفوقت عن المسرح، وذاكرة المسرح بها أعمال محدودة جدا فى هذا الشأن ، فمنذ سنوات قدم المخرج محمد الخولي عرضا على مسرح السلام ، فما يحدث يكون موسميا فقط , أي عند إقتراب ذكرى حرب أكتوبر ، و لكن لم يكن هناك ما يظهر عظمة هذه الحرب و الانتصارات ، فالمسرح لم ينجح أن يعبرعن هذا بعمل فني يليق بمستوى هذه الحرب ، و لم يهتم بتناول إنتصاراتنا و إنتكاساتنا للأجيال القادمة، فالكاتب المسرحي عندما يكتب فهو يكتب للمناسبة و ليس للتاريخ، وقد يكون الكاتب أحيانا مفروض عليه الكتابة كمناسبة ، فما يحدث هنا هو فقط لإحياء الذكرى لا غير، فهو إنفعال و ليس ضرورة وهو شيء سطحي جدا، فالكاتب لم يكن لديه إستيعاب لهذه الحرب حتى يقدم عملا فنيا يمثل قيمة مضافة للواقع المصري في إنتصار وحرب اكتوبر، وبالتالي إستجابة الكتاب ضعيفة جدا ولا توثق ، و لأنه ليس هناك ذاكرة حية تمجد هذه الحرب، يحدث هنا نوع من الإنفصال بين المجتمع و أجياله الجديدة و بين النصر فى أكتوبر ، وبالتالي ينشأ جيلا فاقدا للإنتماء و الوطنية ، لذا من المفترض أن يتم تناول هذا الحدث بشكل أقوى ليربط الأجيال الجديدة بهذا الوطن، فينشأ جيلا مستوعبا لمعنى الوطنية، جيلا يجد نفسه جزءا من هذا الوطن يتمسك به، للأسف كلها اشياء لا تحدث لعدم وجود أعمال ترسخ داخل وجدان الشباب و الأطفال هذه المعاني الوطنية.

 

د محمد شيحة: لم نجد العمل الذي يوثق بالفعل لتلك المعجزة

دكتور محمد شيحة " أستاذ بقسم الدراما والنقد بالمعهد العالي للفنون المسرحية بأكاديمية الفنون": المشكلة الأساسية تكمن في أننا نحتفل الآن بمرور نصف قرن على حرب أكتوبر، وهذا يعني أن كل الشباب الموجودين حاليا لم يحضروا أحداث هذه الحرب فهم سمعوا عنها فقط.

وأشير هنا إلى أننا كان لدينا حدثين مهمين : الحدث الأول النكسة أو الهزيمة المرة في 1967 والتي ترتب عليها آثار سيئة جدا على الشباب في تلك المرحلة و أنا منهم، فهذه النكسة أثرت بالسلب كثيرا ، وكانت هناك بعض الأعمال المسرحية التي تحاول رفع الروح المعنوية للناس في تلك الفترة، إلا أنه لم يكن هناك عملا مؤثرا بشكل كاف ، و لكن هناك أحد أعمال سعد الدين وهبة كان بها نداءا وطنيا صارخا ومؤثرا.

 وفي حرب أكتوبر كنت ملازم أول إحتياط في الحرب، وقبلها كان في حرب الاستنزاف، والتي لم يتكلم عنها أحد باستفاضة، والوثائق الخاصة بها لم يتم الاطلاع عليها بما فيه الكفاية، والتحدث عن كل ما يخص الحرب دون الاستناد إلى الوثائق، يعد أمر صعب خاصة بعد مرور كل تلك الفترة الزمنية , لذا أرى أن ما نستطيع أن نفعله لمساعدة الشؤون المعنوية هو الحصول على الوثائق الهامة التى تتعلق بالحرب و فترة الحصار ثم الإنتصار وغيرها من المعارك الحاسمة , لنكتب عنها نصوص توثق و تؤرخ لهذا الحدث التاريخى العظيم .

 

محمد ناصف : يجب أن نشرع فورا في تقديم مشاريع عن حرب أكتوبر

وقال الكاتب محمد عبد الحافظ ناصف" رئيس المركز القومي لثقافة الطفل":

لم تستطع كل الأشكال الفنية أن تعبر عن ملحمة حرب أكتوبر، وهذا شيء في الحقيقة محزن جدا، وخاصة المسرح أبو الفنون، فأعتقد أنه لا يوجد عملا مسرحيا واحدا حقق هذا الإنجاز المسرحي الذى يشار له بالبنان، أو حتى تعامل مع هذا الإنجازعلى قدر ما يستحق، هذه رؤيتي، باستثناء العمل الذي قدم أثناء العبور وهو عرض " مدد مدد شدي حيلك يا بلد" حين كانت السيدة سميحة أيوب مديرا لمسرح السلام عام 1973.

 ما عدا ذلك لم يستطع أو لم يقدم أحد من كتاب أو مخرجي المسرح عروضا أو نصوصا مسرحية تتعامل مع منجزات حرب أكتوبر بما هو أهله ، يأتي ذلك ربما لوجود رؤى فنية يجب أن تقدم أثناء هذه العروض، وفي تصوري هناك عامل أساسي ومهم مثل عامل الحركة ، لذا كانت السينما هي الأكثر تفاعلا مع حرب أكتوبر عن المسرح، لأن السينما قائمة على الأكشن، على الفعل، وعلى إمكانية تنفيذ المشاهد الحركية، على عكس المسرح القائم على القول بشكل أو بأخر ، و ربما تأخر إستخدام بعض التقنيات المسرحية الجديدة التي من الممكن إستخدامها على خشبة المسرح أدى إلى عدم تفاعل المسرح مع الحرب بشكل لائق مع هذا الانجاز المهم هذا أولا.

ثانيا: أنا شخصيا حاولت تقديم بعض العروض المسرحية وكتبت عملين، عمل إعداد عن قصة للكاتب محمد المنسي قنديل تسمى "عصر الحديد الخردة" ولكنها لم تقدم على خشبة المسرح، و إكتفيت بإعدادها، وكتبت عرضا آخر بعنوان " باب الجنة"، ولحسن الحظ تم تنفيذ هذا العرض وهذه المسرحية للأطفال في مدينة كفر الشيخ، وقام بإخراجها الفنان حسن عباس، وهي عبارة عن بطل من أبطال حرب أكتوبر ، موجود في حارة مصرية، كل الحارة تقدره و تحبه و تحترم دوره، هذا البطل كان رساما و قناصا في الوقت نفسه، و سعدت جدا بهذا العمل الذي قدم في قصر ثقافة أنور المعداوي بكفر الشيخ.

 أعتقد أنه آن الأوان أن يبدأ المسرح المصري في التفكير بجدية في تقديم عروض مهمة عن حرب أكتوبر ، و ذلك بالتعاون مع الشؤون المعنوية خاصة بعد أن تم إبتكار و إختراع أساليب و تقنيات جديدة مثل الواقع المعزز الذي يستطيع أن يقدم لنا واقعا مهما و ملموسا على خشبة المسرح، بالإضافة للتقنيات السابقة لاستخدام المشاهد الحية عبر شاشات السينما، و أعتقد أنه يجب الآن و فورا أن نشرع في تقديم مشاريع عن حرب أكتوبر؛ لكي نساعد الأجيال القادمة على التعرف عليها وعلى تفاصيلها وعلى ما فعله أبطالنا في هذه المعركة الخالدة. 

 

د. عمر فرج: الآن من الممكن الكتابة عن الحرب بشكل أكثر احترافية

فيما قال د. عمر فرج أستاذ الدراما والنقد ورئيس قسم المسرح والدراما بكليه الآداب جامعه بني سويف: 

 لم تعد الدراما المصرية سواء تلفزيونية أو إذاعية أو سينمائية أو مسرحية تعبر عن دور الجيش و نصر أكتوبر الحقيقي ، فأكتوبر نصر كبير في حياتنا، و لابد أن نعبرعنه بشكل كبير ، و أن نسهل طرق الانتاج له، و نساعد المؤلفين الكبار بإنتاج كتاباتهم عن نجاحات حرب أكتوبر، فلم يكن هناك إلا القليل من النصوص عن الحرب مثل "أغنية على الممر" لعلي سالم، فنصر أكتوبر كتجسيد أو معالجة أو طرح لم يجسد على المسرح التجسيد اللائق به، والدور العظيم لأبطال اكتوبر والجيش المصري لم يأخذ حقه في الدراما المسرحية والمرئية، وبالتالي هناك تقصير كبير في طرح هذا الحدث العظيم، وهذا دور الدولة لأن مسرح القطاع الخاص غير معني بالثقافة المصرية أو بثقافة الانسان أو التاريخ، فكل ما يهمه المكسب لأنه تاجر .

 أما هذا الدور التوعوي فهو دور الدولة لتوعيه الشباب والجيل الجديد بالدور البطولى الكبير الذى لعبه الجيش المصري في حرب أكتوبر، خاصة أنها ستكون عروض هامة جدا لرفع الروح المعنوية للمواطن، من هنا أتمنى أن تشارك القوات المسلحة في هذا الدور، و تمد المسرحيين بتفاصيل العديد من البطولات و الوثائق، خاصة أننى أرى أن المسرحيات التي كتبت عن أكتوبر فى وقت قريب منها و مواكب لها لم تقدم بالشكل المطلوب، فهي عروض قدمت بشكل إنفعالي اكثر منه احترافي، اكن الآن و بعد مرور 50 عام على هذه الحرب من الممكن الكتابة عنها بشكل أكثر إحترافية وعقلانية و بصورة منصفة لحكايات و يطولات أبطال جيشنا العظيم .

 


سامية سيد