العدد 823 صدر بتاريخ 5يونيو2023
أقيمت بالمركز الثقافي بطنطا، ندوة حول نص مسرحية «سلطان الحرافيش» للكاتب طارق عمار، وذلك ضمن نشاط نادي أدب قصر ثقافة طنطا، برئاسة الشاعر عمر فتحي. حضر الندوة الكاتب جابر سركيس مدير عام الثقافة بالغربية، وعدد من المسرحيين الذين شاركوا في تحويل النص إلى عرض، ومنهم: مهندس الديكور سمير زيدان، والموسيقار عبدالله رجال، فيما ناقش النص الناقد والكاتب المسرحي إبراهيم الحسيني، والكاتب محمد عبدالسميع نوح، ود. أسامة البحيري، وقدم الندوة الشاعر محمد عزيز.
النص المسرحي «سلطان الحرافيش» كان قد نشر ضمن أعمال سلسلة «نصوص مسرحية» التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة 2022، وحصل على جائزة أفضل نص مسرحي بالمهرجان الختامي لفرق الأقاليم، وقدمه المخرج الراحل السيد فجل عام 2019 بالمركز الثقافي بطنطا، ويتناول العرض الأمتار الأخيرة لدولة المماليك في مصر ومقاومة «طومان باي» للغزو العثماني، وهو ما انتهى بإعدامه، وقد أطلق عليه النص لقب «سلطان الحرافيش».
رسالة ملهمة
جابر سركيس مدير ثقافة الغربية تحدث أولا عن تاريخ المسرح في طنطا، وموقع مؤلف النص د. طارق عمار في هذا التاريخ الزاخر بالشخصيات المهمة، وأشار إلى بعض الإنشاءات التي تتم على مستوى البنية المسرحية في الغربية.
الكاتب والشاعر محمد عبدالسميع نوح قال إن النص استوعب الكثير من المشاعر الوطنية، وأشار إلى ضبطه وإحكامه، وإلى أنه قدم عدة دروس مهمة، منها أن على الكاتب أن يجيد انتقاء موضوعه، وهو ما تميز به موضوع النص، وتمنى أن لو كان الكاتب قد وضع تعريفا صغيرا أمام كل شخصية في المقدمة، وتحدث الناقد عن العناوين الفرعية التي قدم بها الكاتب فصول مسرحيته، مشيرا إلى أنها تتماس مع الواقع المعيش، وتسقط عليه، ما يؤكد طزاجة الدراما التي يطرحها النص، كما تحدث عن جماليات اللغة وقال إنها تتشكل في ثلاثة مستويات لغوية: لغة الشعر التي يقدمها ابن إياس في افتتاحيات المشاهد، والتي تحمل فلسفة المشهد والتاريخ، ثم لغة الأمراء المكتوبة بالفصحى أيضا، وثالثا لغة الحرافيش المكتوبة بالعامية، مشيدا بمناسبتها للفترة التاريخية ووعي الناس فيها، وقدرتها على تمثيل الشخصيات، وقال إنها شكلت تنوعا على مستوى العرض. وأشار إلى أن مناقشته تنهض حول 21 سؤالا فرعيا طرحتها عليه المسرحية، ذكر منها: ما الذي قيل وما الذي لم يُقَل، وما الأثر الذي تركه النص في نفس القارئ؟ وحول هذا وصف خيانة حسن مرعي لطومان باي بالخيانة الهشة، أي غير الأصيلة في طبعه، وإنما هي طارئة بدافع الظرف. وأشار إلى تميز النص بالتكثيف الشديد الذي نجح في أن ينقل حمولة درامية ثقيلة. وأشار إلى أن الكاتب قدم سيرة طومان باي في بنية غير خطية وغير تقليدية، إنما قدمها بترتيب خاص ورؤية جديدة، وتحدث أيضا عن كلمة الناس وكونها تشكل مركزا مهما بالنسبة لوعي طومان باي تؤكد انشغاله بقضايا الناس ومعاناتهم. وتحدث نوح أيضا عن المكانة التي أولاها الكاتب للمرأة في المسرحية، مشيرا إلى أنها احتلت مكانة بطولية تعادل بطولة الرجال، وتحدث عن أثر مصر في تشكيل نفسية طومان باي، وقال إن نفسيات المتآمرين تم تجسيدها بشكل جيد، كما قرأ مقطعا من النص وصفه بالملهم وحامل الرسالة، وهو الذي يلخص فلسفة طومان باي، التي هي نفسها مقولة النص، وهي التي تؤكد على أن الأمم تنهض بشعوبها وليس برجل واحد.
هموم معاصرة وإبعاد مكاني
الشاعر محمد عزيز مقدم الندوة قال إن النص يحتمل قراءات متعددة، ويحمل الكثير من الرؤى، وإن الكاتب لا يكتب التاريخ إنما يكتب رؤيته هو للتاريخ، وليس مطلوبا منه أن يكون مؤرخا، وطرح عزيز عدة أسئلة على الناقد إبراهيم الحسيني.
إبراهيم الحسيني الناقد والكاتب المسرحي قال إن كاتب النص طارق عمار من القلائل الذين تحظى نصوصهم بالتقديم على المسارح حاليا، وإنه من الجيل الذي يكتب من واقع اهتمامات اللحظة الآنية حتى لو صيغت عبر الإبعاد المكاني أو الزماني، كالنص الذي بين أيدينا. وأشار إلى أن النص يحمل هموما معاصرة وبه من الجُمل الحوارية ما يمكن ألا تمر إذا كتبت في سياق اللحظة الآنية، لذا لجأ الكاتب إلى الإبعاد الزماني. وقال الحسيني إن التكثيف الشديد سمة من سمات النص الرئيسة، وإن هذا التكثيف لا تخل بالبناء الدرامي العام، ورأى أن « سلطان الحرافيش» نص مكتمل جدا، قدم في صفحات قليلة، وإنه يعالج قضية الفتح العثماني لمصر، وأشار للخلاف حول هذا الموضوع، وقال إنه لم يكن فتحا إنما غزوا ولم يكن خيرا لمصر.
الحسيني أشار أيضا إلى أهمية الرسالة التي يحملها النص والتي تقول: إن الشعب هو من ينهض بالدولة وليس الحاكم الفرد مهما كان إخلاصه.
وعن البناء قال إنه يدور في عدد مشاهد معدودة في بنية مغلقة، وإن زمن الحبكة الأساسية يمتد من المشهد الأول حيث محاولة سليم الأول استقطاب طومان باي للعمل معه ليسهل له قيادة الشعب، لما يعرفه عن محبة الشعب له، وهو ما يرفضه طومان باي، حتى مشهد النهاية، الذي يقع في المكان نفسه، وهو محبس طومان باي. وأشار الحسيني إلى احتواء هذه الحبكة الزمنية الرئيسية على حبكة ثانية داخلية، تعود بأحداثها إلى ما قبل حبس طومان وحواره مع سليم الأول، وهي التي تبدأ بمحاولة الغوري إقناع طومان باي بتولي السلطنة في غيبته، حينما كان يتأهب للخروج إلى الحرب، حتى لا يتولاها الفاسدون، وهي الحبكة التي تلتحم بالحبكة الأولى وتنتهي بنهايتها. أشار أيضا إلى أن النص يستخدم ثنائية السلطان الفاضل، الذي يمثله قنصوة الغوري وطومان باي، في مقابل البطانة الفاسدة، مشيرا إلى أنها تقنية انتشرت منذ الستينيات تقريبا. وأشار إلى أن الكاتب قدم النص بتقنية القصيدة: التكثيف، التقديم والتأخير، ولم يقدمها بشكل خطي، واستدعى الناقد شخصية ابن إياس في النص منوها إلى أن لغتها تؤكد الصبغة الشعرية التي تلون بنية النص. حيث قال إن ابن إياس انتقل من دوره كمؤرخ إلى فنان تشكيلي يشكل موضوع النص في لوحات، وقال إن الشخصيات رغم قلة ظهور بعضها وما تقوله من جمل فإنها تبدو شخصيات مكتملة، لم يخلُ باكتمالها كونها مكثفة ومختزلة الظهور والقول. وتحدث الحسيني عن طبقة الحرافيش بوصفها حاملة القيم في المجتمع.
وعن تقنيات الكتابة قال إن الكاتب يقفز إلى النتيجة مباشرة ويتجاوز التفاصيل التي تقود إليها، ومثل لتلك التقنية بعدد من المشاهد، وقال إن ذلك لم يخل بالبنية الدرامية، وإنها تنجح أكثر في المسرح من الوسائط الدرامية الأخرى. أشار كذلك إلى تقنية الانتقال الحدثي بين الزمنين: الحاضر والماضي، بوصفها تقنية أخرى من تقنيات الكاتب.
وفي ختام كلمته قال إبراهيم الحسيني إن الكاتب أقام بنيته الحكائية على ثنائية النموذج الفاضل الذي يقابله النموذج الفاسد، وهي الثنائية التي يقوم الصراع بينها من البداية حتى النهاية، دون تغير في بوصلة كل طرف منها: طومان باي وحاشيته من الحرافيش، في مقابل البطانة الفاسدة والمحتل، الأول يمثل الانحياز إلى الناس حتى النهاية حد قبول الموت من أجلهم، والثاني يمثل الانحياز ضد الناس حتى النهاية بحثا عن المصالح الشخصية.
د. أسامة البحيري تحدث عن ثلاثة طرق في التعامل مع التاريخ، وأشار إلى أن «سلطان الحرافيش» ينتمي إلى ما يُسمى فيها بـ»مساءلة التاريخ»، وقال إن النص يشتبك مع الأحداث التاريخية ويفجر تناقضاتها، كما أشار إلى أن النص على مستوى الشكل كأنه قد وضع بين قوسين، وإن طريقة بنائه تعمل على إحداث الصدمة للقارئ، وتحدث عن الشخصيات وقدرتها على تجسيد التشابكات السياسية والاجتماعية في تلك اللحظة التاريخية التي عالجها النص، وأشار إلى أن بناء الشخصيات كان جيدا لغويا وأسلوبيا، وأعرب عن سعادته من موقف النص من الشخصيات النسائية، وقد منحها أدوارا بطولية، وختم بأنه سيعمل على وضع النص ضمن مقررات الدراسة في قسم اللغة العربية بالجامعة.
عناصر العرض
الملحن عبدالله رجال تحدث عن تكامل النص وقدرته على تشغيل كل عناصر العرض، وتحدث عن الأشعار الموازية التي كتبها طارق عمر للعرض، وقال إن تلك الأشعار شكلت إضافة حقيقية للعرض، حيث جسدت صورة مصر والمصريين، وعبرت عن انحياز الكاتب لكل ما هو مصري بلغة شعرية، ساعدته كثيرا على أن ينتهي منها في أيام قليلة. وكانت جاذبة جدا للجمهور.
مهندس الديكور الفنان سمير زيدان تحدث عن الأوركسترا التي كان يشكلها الراحل السيد فجَل، مخرج هذا النص على المسرح، من عناصر العرض المختلفة، وقال إنه ولد كبيرا كمخرج، وعن العمل على النص قال: إنه شدني جدا و دفعني لأن أصمم ديكوراته بعيدا عن الديكور الواقعي التاريخي وأن أرسم الديكورات بطريقة جديدة، وقد شكلته بخطوط الإضاءة في الفراغ، حتى أمنح المشاهد حرية القراءة، وأن يسقط ما يحدث أمامه على الحاضر. أضاف: قال لي دكتور مصطفى سلطان إننا ندرس هذا الأسلوب في المعهد.
الخلل في تناول التاريخ
زوجة الكاتب «أم فيروز» تحدثت عن انفصال عمار عن العالم أثناء الكتابة، ومجافاته كل شيء، بما في ذلك النوم.
وفي الختام استعرض د. طارق عمار ظروف كتابته «سلطان الحرافيش» وقال إنه فوجئ بالتناول المختزل جدا لتاريخ الغوري وطومان باي في الكتب الدراسية، فقرر أن يقدم حكايته هو، وراح يقرأ الكثير من المراجع بلغات شتى، حول هذه الفترة التاريخية، وهو ما نتج عنه النص. وقال إنه أراد أن يكتب عن طومان باي، فقرأ عن الفترة المملوكية من أولها لآخرها، وبدأ يكتب النص على مراحل حتى اكتمل، مراعيا في كتابته ألا يكون النص طويلا يطمع المخرجين في أن يحذفوا منه، ما قد يشوهه، وهو ما جعله حريصا على التكثيف، ثم حكى عن ظروف إنتاج النص وحصوله على جوائز كثيرة لمعظم عناصره تقريبا.