التعددية الصوتية في البنية الدرامية للنص المونودرامي 2007 – 2018

التعددية الصوتية في البنية الدرامية للنص المونودرامي 2007 – 2018

العدد 705 صدر بتاريخ 1مارس2021

رغم أجواء كورونا المسيطرة على واقعنا الحياتي والابداعي ناقش قسم اللغة العربية في كلية الآداب جامعة المنصورة رسالة الماجستير المقدمة من الكاتبة المسرحية والباحثة صفاء البيلي تحت عنوان «التعددية الصوتية في البنية الدرامية للنص المونودرامي 2007 – 2018» عبر التخصص الدقيق وهو «النقد الأدبي الحديث» وذلك يوم 26 من يناير الماضي وأشرف على الرسالة أ.د. سمير حسون رئيس قسم اللغة العربية وكان أ.د السيد نعيم أ.م نظرية الأدب الحديث بالكلية مناقشا داخليا وعبر الوسائط الاليكترونية جاءت أ.د عزة الملط رئيس قسم المسرح بكلية التربية جامعة طنطا مناقشا من الخارج.
وقد أجمع الأساتذة المناقشون على جدة الرسالة وحداثتها نظرا لأنه لم يتم تناوله من قبل فكانت الباحثة كمن يحرث أرضا جديدة في مجال التعددية الصوتية وهو أمر متعلق بـ «الرواية « بوصفها نمطا كتابيا سرديا وإسقاطها نقديا على نصوص المونودراما العربية  بوصفها نمطا كتابيا مسرحيا موجودا ومتحققا بل وذائع الصيت.
وعلى ذلك تحصلت على درجة الماجستير بتقدير امتياز مع التوصية بترجمة الرسالة وطباعتها وتداولها بين الجامعات محليا وعربيا وعالميا.
وقد تناولت الباحثة في مقدمتها بالتعريف لهذا الفن وما رنت إليه في دراستها لمحاولة الكشف عن مدى تواجد البليفونية من عدمها في بناء النص المونودرامي العربي عبر نماذج مختارة :
 عُرِفتْ المونودراما أنها النص/ العرض المسرحي ذو الصوت الواحد، أي الممثل الواحد، منذ زمن قديم وفي هذا الصدد تورد الدراسات التي أُنجِزت في تاريخ تطور المونودراما ما يؤكد معرفة الإغريق والرومان والعصور الوسطى وعصر النهضة وصولاً إلى المسرح المعاصر هذا اللون من الدراما، فقد عرف الإغريق العروض الفردية التي سميت برواة الملاحم؛ أي قراءة الملاحم شفاهة .
وفي العقود الأخيرة من عمر المسرح عاد النص المونودرامي بطلا ًعلي الساحة المسرحية عربيا وعالميًا من جديد بعد غياب طويل، وذلك لعدة ظروف منها  كما أوردته الناقدة والمخرجة السورية «أنّا عكاش» في كتابها «الأصول التاريخية لنشأة المونودراما»: «ما هو اقتصادي واجتماعي وسياسي سادت أوربا في بداية قرنٍ عاصفٍ بالتغيرات. هذا الشكل المسرحي الجديد الذي تطور عن مجرد كونه مونولوجا طويلا على لسان إحدى الشخصيات. ليتحول فيما بعد إلى شكل أو نوع مسرحي يفرض قواعده. ولكنه أيضا يغيّرها بليونة ليكيّفها مع ما يتناسب مع الفكرة المطروحة» .
 وتعتمد المونودراما على فن «البوح» كثيمة أصيلة ومتجددة حيث ينطلق البوح مع بداية انطلاق النص .. وانطلاقة النص الجيدة تبدأ دائما من لحظة الذروة المكثفة المتشابكة التي ما تلبث أن تتشظى إلى أنوات وأصوات عديدة تنطلق خارج الشخصية الرئيسية لتحقق ما تحاول الباحثة إثباته من تعددية الصوت داخل النص المونودرامي ذي الشخصية الواحدة.  فالمونودراما هي تلك اللحظة المكثفة من الدراما، والمليئة بالأحداث التي تنتمي دائما للماضي وتُعْلَنُ سواءً بالكتابةِ أو العرض في الوقت الحاضر!
وجدت الباحثة عبر رحلة بحثها أن فن المونودراما أصبح يعاني من اللبس في مفهوم أنه فن المونولوج أو المونوتون..  فهل هو فعلا فن المونولوج أو المونوتون الذي ينحاز إلي رؤية أحادية للعالم، أم أنه فن يراعي في كتابته تعددية الأصوات دون انحياز لوجهة نظر الشخصية الدرامية الواحدة (البطلة) التي يقوم عليها النص؟.
 ومن هذا المنطلق.. سعت إلي الوقوف على نماذج من نصوص المونودراما العربية التي كتبت في الفترة من :2007 حتى 2018  ومعظمها منشورة في مجلدات خاصة بالنصوص الفائزة بجائزة الفجيرة للمونودراما.. ثم عمدت الباحثة إلى تحليلها وقراءة مدلولاتها الصوتية.. لسبر أغوار تأثير تلك المدلولات على المضامين التي تناولتها تلك النصوص، حيث وجدت الباحثة من خلال بحثها المتأني عبر الدراسات السابقة التي تناولت قضايا المسرح بشكل عام والمونودراما كاتجاه ونوع، أنه لم يتم التعرض من قِبل الباحثين الأكاديميين لمناقشة ما إذا كانت هناك تعددية صوتية في نصوص المونودراما عبر أيَّ من تلك الدراسات والرسائل السابقة.
وتأتي أهمية الدراسة فيما تعتقد الباحثة أنها ستساهم في كشف النقاب والتأكيد على آليات الكتابة الأكثر نجاعة لخلق حالة من التواصل بين نص العرض المونودرامي والمتلقي، كما ومن الممكن أن تساهم في تحديد المفاهيم الأساسية التي تعتقد أنها ستوجه كتاب الدراما، وربما تساعدهم علي سبر أغوار الكتابة تحت مظلة إطار وتكنيك واضح لنص المونودراما، مراعين في ذلك كافة المفردات المسرحية التي تثري النص ومن بعد عمل المخرج والممثل وبقية العناصر الثلاثة عشرة التي أشارت إليها في موضع سابق كالديكور والموسيقي والأزياء، والألوان ، والسينوغرافيا/ المشهد والفضاء المسرحي/ المنظر كاملا وحتى عبر الإرشادات التي يقوم المؤلف بكتابتها، كي يخدم بها هدف النص باعتبارها أصواتٍ مجاورة بجانب صوت الممثل مما يثري فضاء النص المكتوب /ومن ثًمّ العرض!
هدف الدراسة:
تهدف الدراسة إلى التعرف على كيفية تجسد التعددية الصوتية (البوليفونية) فى نصوص المونودراما العربية المعاصرة وذلك من خلال التعرف على:
أوجه التشابه والاختلاف بين المونودراما كفن كتابي مسرحي والمونولوج كتكنيك كتابي .
الآليات والخصائص الفنية للبناء الدرامي في نصوص المنودراما قيد الدراسة والتحليل .
مدى توافر الخصائص البوليفونية داخل الأعمال المونودرامية قيد الدراسة وكيفية تجسيد هذا التعدد الصوتي في تلك النصوص.
تساؤلات الدراسة:
 انصب تركيز الدراسة على الإجابة عن التساؤل الرئيس وهو: مدى انتشار خصائص التعددية الصوتية في كتابات المونودراما العربية ؟ وقد تفرع عن هذا التساؤل الرئيس عدد من التساؤلات منها ما هو خاص بـ أوجه التشابه والاختلاف بشكل دقيق بين المونودرما والمونولوج ؟ و ما هي الآليات و الخصائص الفنية للبناء الدرامي في نص المونودراما؟ وما هو المقصود بالتعدد الصوتي/البوليفونية.. وهل هو موجود في نصوص المونودراما؟ثم أخيرا كيف يتجسد هذا التعدد الصوتي في النصوص المختارة؟
منهج الدراسة :
 استحدمت الباحثة المنهج «الوصفي» بمدخله التحليلي حيث إنها ترى أن المنهج «الوصفي» من شأنه أن يساعدها في دراسة تطور فن كتابة المونودراما منذ نشأته حتى الآن والدراسة ستحاول الإجابة عن فرضية وجود بليفونية داخلية متعددة داخل بنية النصوص المونودرامية.. وصولا إلى تحليل  مجموعة النصوص المختارة أفقيا لاختبار تلك الفرضية وثبت النتائج.
عينة الدراسة:
 اشتملت عينة الدراسة على (14) أربعة عشر نصًا مونودراميا متنوعا مكتوبًا باللغة العربية خلال الفترة من 2007 و حتى 2018 وذلك للتعرف على مدى توافر خصائص البوليفونية فى هذه النصوص
 وقد اختارت الباحثة نصوص العينة وفق الاشتراطات الموضوعية التالية:
أن يكون النص نصًا مونودرامياً.
أن يكون النص مكتوباً باللغة العربية أو إحدى لهجاتها أو أن اللغة العربية هى إحدى اللغات الرئيسة المستخدمة فى كتابته.
أن يكون النص مطبوعاً فى كتاب أو حاصلًا على إحدى الجوائز القومية أو الإقليمية أو الدولية المرموقة أو سبق إنتاجه احترافيًا لإحدى الفرق الكبرى فى بلد كتابته أو خارجها ضمن حدود الوطن العربى أو على الصعيد العالمى .
 وقد اختارت الباحثة أربعة عشر كاتبًا وكاتبة من الدول العربية والذين مثلت أعمالهم فى مجالات الإبداع الأدبي بصفة عامة والمونودراما بصفة خاصة علامات فارقة ، كما انطبقت على أعمالهم حدود الدراسة واشتراطات اختيار العينة .  
حدود الدراسة :
الحد الزماني: وراعت الباحثة في اختيارها لمجموعة النصوص عينة الدراسة أن تقع في الفترة الزمنية  المحددة بـ «عقد « عشر سنوات « تبدأ في 2007 حتى 2018
الحد المكاني: راعت الباحثة أن تكون النصوص عينة الدراسة من عدة مناطق جغرافية  تمثل انتماءات عرقية مختلفة، فاختارت نصوصا من جمهورية مصر العربية ، جمهورية العراق، المملكة العربية السعودية، المملكة الأردنية الهاشمية، المملكة المغربية، الجمهورية الجزائرية، الجمهورية السورية. كما راعت التنوع الجندري لتشمل العينة نصوصا لمؤلفين  ومؤلفات.
الحد اللغوى: راعت الباحثة أن تكون جميع النصوص قيد التحليل والدراسة مكتوبة فى الأساس باللغة العربية الفصحى أو إحدى لهجاتها المعروفة فى البلاد العربية وذلك لضمان التجانس اللغوي لعينة الدراسة  
الصعوبات التي واجهت الباحثة:
قلة الدراسات الأكاديمية التي تخصصت في دراسة الإشكاليات المختلفة الخاصة بفن كتابة المونودراما.
قلة المراجع المتخصصة في هذا الفن.
قلة المصادر المتخصصة في البليفونية.
عدم تناول أي من الدراسات الموجودة هذه الجزئية (البليفونية ) وتطبيقها على نصوص المونودراما.. وهو ما يحسب لهذه الدراسة من حيث جدتها وحداثتها لتناولها بالدراسة مفاهيم لم يسبق من قبل الربط بينها فى عالم المونودراما.
مصطلحات الدراسة:
استعرضت الباحثة في دراستها مجموعة من المصطلحات وثيقة الصلة بموضوعها كالمونودراما والمونولوج: والبليوفونية والسرد إلخ
الخلاصات :
 في ضوء الهدف من هذه الدراسة وما طرحته من تساؤلات بحثية واتخذته من إجراءات وتوصلت إليه من نتائج ، تمكنت الباحثة من استخلاص ما يلى:
تتمثل الخصائص الفنية للمونودراما البوليفونية فيما يلي:
الممثل الواحد أو الشخصية المونودرامية، المونولوج الدرامي ، الحكي أو السرد، الفرجة الشاملة، تكسير الشخصية، وحـــدة التجربة النفسية أو الشعورية، الارتجال الفردي، تعدد الأدوار للممثل الواحد (البوليفونية) ، الصراع النفسي الداخلي، التهجين البوليفوني على مستوى اللغة ومستوى الأصوات (الشخصيات) ، الجمع بين فعل الحكي والتشخيص الدرامي ، تكسير الإيهام، تداخل الأزمنة وتشابكها، البناء النفسي والشعوري.
كما شملت عناصر البوليفونية في النص المونودرامي: التهجين اللغوي / التناص/  الحوارية / تعدد الشخصيات
ربما يعود انتشار كتابات المونودراما فى دول مثل العراق (أربعة نصوص من بين عينة البحث)  ومصر (ثلاثة نصوص من بين عينة البحث) إلى تجذر تقاليد الكتابة المسرحية فى هاتين الدولتين اللتين تعدان من كبريات الدول العربية فى مجال المسرح .
هناك اهتمام بنشر نصوص المونودراما حيث حظي ثلاثة عشر نصاً من أصل أربعة عشر تشكل عينة البحث بالنشر الورقي لها .
تمثل الإرشادات المسرحية عنصراً مشتركاً في جميع كتابات المونودراما .
اعتمدت عشرة أعمال على نهج الشخصية الواحدة التي تنقسم عنها شخصيات واقعية ، بينما نصان فقط على الشخصية الواحدة دون انقسام واعتمد نص واحد على الراوي العليم فى حين اعتمد نص واحد أخر على ظهور الذات المنقسمة والشخصيات الواقعية والشخصيات الميتافيزيقية فى آن واحد
هناك عدة أساليب لتنامي الشخصيات اتبعها الكتاب فى نصوص الدراسة منها التنامي المباشر على لسان الشخصية الرئيسة (نص واحد) بينما اعتمد نصان آخران على التنامي الخطي للشخصية من خلال التفاعل مع باقي الشخصيات المنقسمة في حين كان النمط السائد بين النصوص قيد الدراسة هو التنامي على لسان الراوي العليم حيث اعتمد أحد عشر نصاً على هذا التكنيك فى تنامي الشخصيات .
ومن خلال تحليل عنصر الزمن بالأعمال قيد الدراسة تبين أن جميعها تعتمد على الزمن الحاضر كنقطة انطلاق للحدث المسرحي مع تداخل واضح مع الزمن الماضي وإن كان هذا التداخل يعتمد على تكنيكات مختلفة .
كما أن هناك نمطان واضحان فى الأعمال قيد الدراسة ، النمط الأول منهما هو الفلاش باك (الرجوع الزمني) الخطي أو المنتظم حيث تترتب أحداث الزمن الماضي وفق حدوثها وليس بطريقة عشوائية كما هو الحال فى تسعة أعمال اعتمدت على هذا التكنيك ، بينما تمثل النمط الثانى فى الفلاش باك اللاخطي أو غير المنتظم حيث تترتب أحداث الماضي عشوائياً على غير ترتيب حدوثها زمنياً فى الماضي كما هو واضح فى خمسة أعمال .
اعتمدت سبعة أعمال على المشهد الثابت دون تغيير نظرًا للطبيعة الاستاتيكية لتلك النصوص فى حين اعتمدت ستة أعمال على المنظر المتغير بينما خلا عمل واحد فقط من أى إرشادات تتعلق بالسينوجرافيا نظرًا لرغبة الكاتب فى تقديم العمل فى أى فضاء وفق هوى المخرج وظروف الإنتاج
هناك ثلاثة أنساق للغة المستخدمة لصياغة الأعمال المونودرامية قيد التحليل . كان النسق الأول هو نسق الحوار التفاعلي والذي يظهر بوضوح فى الأعمال التي تتسم طبيعة شخصياتها بكونها شخصيات واقعية منقسمة عن الشخصية الرئيسة . . بينما تمثل النسق الثاني فى المناجاة الذاتية (المونولوج الداخلي) والذي يستخدمه المؤلف عادة للبوح كما هو واضح فى خمسة أعمال . وكان النسق الثالث والأقل ظهوراً هو اللغة ذات الطابع السردي غير المتفاعل والتى تعتمد على الحكي المباشر دون بوح كذلك حيث ظهرت فى عملين فقط .
مثل انتشار البوليفونية في كتابات المونودراما العربية قرابة 43% من الأعمال قيد التحليل وهو ما يبشر بأن البوليفونية تشق طريقها بقوة نحو أعمال المونودراما نظراً لامتلاكها لقدرات تمكن المؤلف من التخلص من حالة الملل والرتابة التي قد ترتبط بمثل هذا النوع من الأعمال
التوصيات :
وفي ختام رسالتها أوصت الباحثة بما يلي :
ضرورة الاهتمام بفن المونودراما والتسويق والترويج له والاهتمام بإنتاجه بالصورة اللائقة
ضرورة اعتماد مسابقات أدبية أكثر خاصة بكتابة المونودراما نظرًا لأهمية هذا النوع من الكتابات المسرحية .
القيام بدراسات بحثية مستقبلية للتعرف على مدى مناسبة فن المونودراما لمسرح الطفل والمسرح الموجه لذوي الهمم .
القيام بدراسات بحثية مستقلية للتعرف على أهم خصائص المونودراما المقدمة للطفل
القيام بدراسات بحثية مستقلية للتعرف على أهم جوانب التعددية الصوتية في المسرح الموجه للطفل.
القيام بدراسات بحثية مستقلية للتعرف على أهم جوانب التعددية الصوتية في كتابات الدراما الثنائية (الديودراما) .
القيام بدراسات بحثية مستقلية للتٍعرف على أهم جوانب التعددية الصوتية في الكتابات المسرحية متعددة الشخصيات.
 


ياسمين عباس