هل تكتب المرأة ذاتها

هل تكتب المرأة ذاتها

العدد 816 صدر بتاريخ 17أبريل2023

«الكاتبات والمخرجات العربيات بين الأرشفة والذاكرة» هو عنوان النسخة الثالثة  من المؤتمر السنوي الذي تقيمه الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وضمن هذه النسخة أقيمت ندوة عن الكاتبة المسرحية في العالم العربي، أدارتها د. دينا أمين، وتحدث فيها الكاتبة والناقدة د. ملحة عبدالله، والروائية د. نسمة يوسف إدريس، والمخرجة أسماء مصطفى، والمخرجة إيمان عون.
 د. دينا أمين بدأت أولا بتعريف المتحدثات، فقالت: د. ملحة عبدالله لقبت بسيدة المسرح السعودي، وألفت نظرية البعد الخامس، وهي السيدة العربية الأولى الحاصلة على الدكتوراة الفخرية للمسرح من منظمة الأمم المتحدة، وأنها نالت جائزة اليونسكو للمونودراما عن مسرحية «العازفة»، بالإضافة إلى العديد من التكريمات والجوائز المحلية والعالمية في التأليف المسرحي.
أما الفنانة أسماء مصطفى، فقد حصلت على شهادة تكوين في فن الممثل في «مدرسة الممثل» الدورة الثالثة بالمسرح الوطني بتونس، احترفت التمثيل، ونالت العديد من الجوائز منها جائزة التحكيم الخاصة كأفضل ممثلة دور ثانٍ بمهرجان المسرح الأردني في مسرحية «كأنك يا بوزيد»، وأفضل ممثلة في مهرجان الرق الأول في سوريا في مسرحية «يا مسافر وحدك»، عملت في مجال التأليف والإخراج والتمثيل مع الأطفال وقدمت مسرحية «وين حقوقنا وين»، وعملت مع الكبار في مسرحية «سوليما» في ختام مهرجان الفوانيس الدولي.
أما د. نسمة إدريس، فهي حاصلة على دكتوراة في الدراما جامعة القاهرة، من أعضاء هيئة التدريس في برنامج المسرح بالجامعة الأمريكية، وهي التي استهلت الندوة بسؤالها للمتحدثات: «النساء عادة يمثلن الأرشيف العائلي والوطني.. ما أفكاركن حول هذا الموضوع؟ وهل تكتب الكاتبات العربيات انطلاقا من سيرهن الذاتية؟

ملحة عبدالله: أرفض مصطلح المسرح النسوي والانغلاق في المحلية
الكاتبة السعودية د. ملحة عبدالله، قالت: «من المؤكد إذا لم يكن هناك دأب وشغف وجهد وعرق ودموع، لم أكن لأستحق أن أكون بينكم الآن، وسأتحدث عن ملحة عبدالله، فأنا كاتبة مسرحية، دراستي في أكاديمية الفنون قسم الدراما والنقد، الناقدة أعطتني ميزة مهمة، وهي نقد أعمالي وتسليط الضوء عليها ورؤية الشخصيات، وهذه الميزة تعد سلاحا ذا حدين، فقد ساعدتني، وفي الوقت نفسه، فإنها تؤذيني حينما أكتب وتعطلني حيث تسطو على الفطرية المتدفقة والإلهام الذي ينطلق في الفضاءات الرحبة، ولكن مما لا شك فيه استفدت من الناقدة في «سنفرة» أعمالي بعد كتابتها لأكون أول ناقدة لعملي. أضافت: التحقت بأكاديمية الفنون في مصر عام 1987 قسم الدراما والنقد في زمن كان المجتمع السعودي يرفض المسرح؛ ولذلك كان مشروع تخرجي «أثر الهوية الإسلامية على المسرح في السعودية»، وكنت أتساءل من خلال الرسالة: هل الهوية الإسلامية هي التي جعلت المسرح بهذا الشكل المذموم والمدحور واللا أخلاقي؟ وكانت هناك معاناة كبيرة لألتحق بأكاديمية الفنون في السعودية.
ووجهت لها د. دينا أمين تساؤلا وهو: هل النساء في كتابتهن يكون لديهن تركيز على الأرشفة والخبرة الذاتية أم على عالم التخيل؟
وأجابت ملحة عبدالله: كتبت 61 نصا عُرض منها 45 عرضا في الوطن العربي وخارجه، وحصلت على جوائز كثيرة.. وعندما أكتب أكون إنسانا وأرفض تصنيف المسرح، فالمسرح يحمل هوية وخصوصية عندما ندرسه ونخرج منه بتلك التيمات لتحليل العمل الدرامي؛ لنستخلص منه سمات المجتمع، ولكن فكرة أن يحمل العنصرية والمحلية، فأنا لا أكتب بهذا الشكل، ولكني أكتب مسرحا إنسانيا عالميا عربيا محليا، حتى يخلد ما أكتبه. أما المسرح النسوي الذي يقع تحت يدي كناقدة فهو مسرح نضالي، وأحب أن تبعد المرأة نفسها عن الذاتية في الكتابة المسرحية، لأن قضيتها تختلف عن قضايا الأخريات، ولا أحب فكرة الذكورية، والمرأة والرجل؛ لأن هناك رجالا مضطهدين ونساء مضطهدات، وأنا ضد مصطلح المسرح النسوي، فقد درست المسرح، وأنا امرأة في مجتمع لا يوجد به مسرح، فلا أحب التصنيف تحت مسمى «مسرح نسوي»، ولي مقال في جريدة شهيرة أطالب فيه بتغير المصطلح من أجل الحفاظ على إبداع المرأة كأيقونة براقة لها لمعاناتها وخصائصها، فالمسرح لا يُقسم ولا يحب شريكا.

أسماء مصطفى:  لماذا لا ننطلق من ذواتنا الخاصة؟
فيما قالت الفنانة الأردنية أسماء مصطفى: يجب الانطلاق من ذواتنا ومشاعرنا وأحاسيسنا، فالنساء تمر بالمعاناة نفسها، جميعنا يشبه بعضنا بعضا،  فلماذا لا ننطلق من الخاص إلى العام، وفي مجتمعنا لا تستطيع النساء كتابة سيرتهن الذاتية. الأوربيون سبقونا في هذا الأمر، وهناك أمثلة كثيرة لديهم مثل الكاتبة فيرجينيا وولف، وسيمون دي بوفوار. وفي مصر -على سبيل المثال- الكاتبة فتحية العسال.  وأشارت إلى نجاح الكاتبات الأوربيات في التعري، وكشف ما يدور لهن، وسرد سيرتهن الذاتية. وفي هذا حيت بنت فلسطين الشاعرة «فدوي طوقان» لأنها كتبت سيرتها الذاتية، وكانت قد بدأت كتابتها بأسماء مستعارة.
تابعت: «لدينا مشكلة في عدم القدرة على تعرية ذواتنا والبوح، والمرأة دائما بحاجة لقرار يتسم بالصدق والجرأة؛ لأن التعري مسألة ليست سهلة عند الرجل، فما بالنا بالمرأة، وأنا بعد ثلاثين عاما وبعد كل ما مررت به، بدوية من الجنوب من مدينة «بئر سبع»، وفي مسيرتي تكبدت الكثير من المعاناة، وأفكر كثيرا قبل كتابة مذكراتي.. إن هذا الأمر يحتاج إلى صدق وجرأة.. فكيف يتم نقل البوح على الورق ويصبح «مفضوحا».

د. دينا أمين ذكرت أن د. نوال السعداوي حين كتبت سيرتها الذاتية لاقت هجوما كبيرا من المجتمع الذكوري.
المخرجة والفنانة إيمان عون، قالت: إن كاتبة بقامة د. ملحة عبدالله بكل ما أضافته في المسرح السعودي، لم تحصل على المكانة التي تستحقها هناك، وهذا حاصل أيضا في كل المسارح العربية، فالرجال دائما في المقدمة والمرأة في الهامش، من أمثلة ذلك أن الهيئة العربية للمسرح عندما أعلنت عن مجلس الأمناء الاستشاري لها، الذي يضم 19 اسما، لم نجد به اسما واحدا لامرأة تعمل في المسرح، وهي الهيئة التي من المفترض أن تكون استشارية للمسرح العربي. وبشكل عام، فنحن عندما نحكي عن المسرح في وطننا العربي، فلا بُدّ من الاعتراف بأن هناك إجحافا لدور المرأة، على كافة المستويات، وذلك ينطبق على العالم كله. حتى في السياسة، على سبيل المثال «ماركيل» تحكم كرجل ولا تحكم برؤية ونظرية أنثوية أو نسائية، ومنذ نهاية العصر الأمومي تشارك المرأة بالطريقة التي يفرضها الرجل، ولا يوضع في عين الاعتبار كيف تريد أن تشارك بطريقتها الخاصة، فكيف إذن يمكن أن نؤثر بصوتنا الذاتي عندما نحكي عن ذواتنا في المسرح.. فهناك كثير من النساء العربيات تحدثن عن تجاربهن الخاصة المهمة والغنية التي تصنع الكثير من الأمل للعديد من الأجيال الجديدة.
وعقبت د. نسمة إدريس، قائلة: المسرح هو المنصة التي نستطيع التعبير من خلالها، وغالبا ما تكون هذه المنصة سياسية، ومن الصعب أن نكون حياديين، وهو ما يتسق مع موضوع السيرة الذاتية للمرأة، فالمرأة هي المخزون الخاص بالمجتمع في قيمه ومبادئه وأحلامه وكيانه، وهي تُعبِّر عن المسكون عنه.
كذلك عقبت د. ملحة عبدالله قائلة: المخزون عند الرجل والمرأة هو القماشة الخاصة بالإبداع لديهما، وهناك خلط في التعامل مع مفهوم القضية، والسيرة الذاتية.. فهناك فرق بين القضية وبين الحرير المنساب بين يدي الذي يتمثل في شعوري وإحساسي، فأنا كل مخزوني وكل ما أكتبه هو «بوح»، وهو عبارة عن خيوط حريرية أمشيها بين أغصان الشوك، حتى أخرج بكلمة يتم الاستفادة منها في التحليل والدراسات عن كتابات المرأة.
وضربت عبدالله مثالا بنصها «المسخ» الذي تدور فكرته حول رجل ريفي يصل للقاهرة؛ لأنه مجبر على الزواج من ابنة عمه، وهي دكتورة وعالمة، وبالإجبار يتم الزواج رغم الفارق بينهما، فهو أمي لا يقرأ ولا يكتب، ويتفجر من هذا التباين عبث وكوميديا فيتم استئصال لسانه وعينه حسب العلم المطلوب لكل دولة، وكل دولة تقوم بالحصول على جزء منه حسب لون علمها، وفي هذا النص تتفجر قضايا تخص المرأة التي تتزوج رغما عنها والرجل الذي يتحول إلى مسخ، إذن فالنص يجب أن يكون متفجرا بقضايا المرأة والرجل.
وتابعت: «عندما تكتب المرأة أعتقد أنها تتمتع بحس فني أنعم وأدق وهي هبة منحها الله لها وتتمثل في قوة وفرط الإحساس بما تكتبه مقارنة بالرجل.
 


رنا رأفت