كيف يؤثر الجمهور على العرض المسرحي؟

كيف يؤثر الجمهور على العرض المسرحي؟

العدد 812 صدر بتاريخ 20مارس2023

عندما ظهرت جائحة كورونا في السنوات الأخيرة, وصار ارتداء الكمامات الواقية, أو التعامل من خلال فواصل زجاج شبكي ، وإظهار دليل على تناول اللقاح وإبراز بطاقة هوية تحمل صورة وتطبيق قواعد صارمة لتنظيم الجلوس في المسرح, قد يبدو هذا وكأنه يكدر صفو ومزاج المتفرج في المسرح . ولكن مع بدء واستمرار تطبيق المسارح في جميع أنحاء العالم، لهذه اللوائح من أجل استمرار رفع الستار, فقد صار ذلك جزءًا من “الوضع الطبيعي الجديد».
في حين أن العديد من هذه القواعد قد تبدو غير مسبوقة، لكن يمكن ربط بروتوكولات مرض    COVID-19 بتاريخ طويل من تنظيم سلوكيات الجمهور في المسارح.  في ما يقرب من 2500 عام من تاريخ المسرح الغربي ، عكست قواعد وتوقعات الجمهور المسرحي الطرق التي تتفاوض بها المجتمعات على الأعراف السلوكية والاجتماعية.  وقد أثار سلوك الجمهور بشكل متكرر عدة أسئلة حول الكيفية التي يجب أن يتصرف بها المتفرجون ومن يجب أن يشرف على هذا السلوك.
فعلى سبيل المثال في المسرح اليوناني القديم  كان الجمهور في مسرح اليونان القديمة مشاركًا نشطًا وصاخبًا في العديد من المهرجانات الدرامية.  حيث يصف «أرسطو» جمهورًا غاضبًا يغلق عرضًا بعد أن لاحظ عدم تناسق في العرض .
كما يصف الباحث الكلاسيكي «ديفيد كاوالكو روسيلي» قصة عن المؤرخ القديم «هيرودوت» يذكر فيها أنه ذات مرة انفجر المتفرجون في مسرحية «فراينيتشوس كيس ميليتس» في البكاء وفرض على الكاتب المسرحي غرامة قدرها 1000 درهم بسبب المحتوى المزعج للمسرحية .
إلى جانب هذا السلوك الحيوي، كان هناك أيضًا دافع لتنظيم سلوك الجمهور حيث يصف «روزويلي» نوعًا من «شرطة المسرح» المكلفة بالحفاظ على النظام أثناء العروض. وقد كتب «هيرودوت» أن الكاتب المسرحي الأثيني «فرينيكوس» واجه غرامات مالية بعد أن أزعج المتفرجين.

المتفرج مربوط بالعمود
كما اشتهر عصر النهضة في إنجلترا بجماهيرها الصاخبة الذين قد يتبولون في المسارح العامة في الهواء الطلق، وينخرطون في تجارب رومانسية، وينامون، ويأكلون ويشربون بحرارة أثناء تأدية أحدث أعمال «شكسبير».
وقد تجنب العديد من هذه المسارح الرقابة والتنظيم من السلطات الرسمية بإقامة عروضها خارج مدينة لندن، جنبًا إلى جنب مع ساحات اصطياد الدب والحانات والعاملات في الجنس في ما يسمى  منطقة الضوء الأحمر في ساوثوارك .
وكتب الباحث في «شكسبير» «أندرو جور» أنه في ظل هذا النقص في الإشراف، وضع الجمهور القواعد:  فعلى سبيل المثال ، قد يتم ربط شخص ما يتم القبض عليه وهو يرتكب النشل بأحد أعمدة المسرح كعقوبة .

إلغاء المقاعد الرخيصة
اما مدير المسرح والممثل «ديفيد جاريك»، الذي كان يلعب دور «هاملت»، في 1754 قام بتجديد مسرحه لإبعاد الجماهير عن المسرح  في منتصف القرن الثامن عشر، حيث كان الممثل والمدير المسرحي الشهير «ديفيد جاريك» مصممًا على إصلاح سلوك الجمهور الذي اعتبره مشوشًا في ذلك  الوقت، فكان يمكن لأعضاء الجمهور الجلوس على خشبة المسرح جنبًا إلى جنب مع الممثلين. حتى أن نصًا ساخرًا يسمى « The Gull’s Hornbook “ قدم نصائح حول أفضل السبل التي يمكن للمشاهد أن يلفت الانتباه إليه وبعيدًا عن الترفيه المتاح - من خلال التباهي بساقيه وملابسه وشعره و “لحيته التي يمكن تحملها».
وبالتالي قام «جاريك» بتجديد مسرحه لإبعاد الجمهور عن خشبة المسرح ومنعهم من دخول المسرح عبر غرف ملابس الممثلين. كما حاول «جاريك» أيضًا التخلص من بيع تذاكر بنصف السعر عند الاستراحة. في ظل هذا النظام، يمكن للمشاهدين دفع تذاكر أرخص لمشاهدة النصف الثاني من العرض فقط.  في النهاية تراجع «جاريك» عن ذلك بعد أن قام الجمهور بأعمال شغب كبيرة ، احتجاجًا على التغيير المقترح.

الإضاءة للتقسيم
أدى القرن التاسع عشر إلى تعميم قوس المسرح : وهي ميزة معمارية تفصل الجمهور بشكل فعال عن الممثلين على خشبة المسرح عن طريق إطار يشبه إطار الصورة حول المسرح. إلى جانب هذا التحول الهيكلي، عزز التغيير في الإضاءة أيضًا الفصل بين الجمهور وفناني الأداء.
حتى القرن التاسع عشر، فقد كانت منطقة جلوس المشاهدين مضاءة بشكل ساطع مثل المسرح . وفي عام 1817 بدأت المسارح في استخدام إضاءة الغاز ، وفي عام 1837 تم إدخال أضواء لايملايت - التي اشتق اسمها من أكسيد الكالسيوم، المعروف أيضًا باسم الجير السريع  . وكانت نتيجة هذه الابتكارات أنها وضعت الجمهور في الظل وأضاءت الممثلين على خشبة المسرح.
وقد أصبح الجمهور - الذي أصبح الآن منفصلاً جسديًا ومظلمًا بصريًا - أكثر سهولة للانقياد.  كما وصفت عالمة المسرح “كارولين هايم» ، في أواخر القرن التاسع عشر، تم فرض “القواعد التي تحذر الأداء التعبيري من قبل الجمهور في المسارح، حيث كانت تُطبع هذه القواعد في إعلانات العرض، وعلى اللافتات، وفواتير اليد، والإشعارات على ظهر المقاعد وتم توضيحها في محاضرات من قبل مديري المسرح قبل العروض,  وبحلول نهاية القرن، ميزت هذه التوقعات “عقدًا” سلوكيًا جديدًا كان على أعضاء الجمهور اتباعه.

مصادرة الهاتف المحمول
حتى الآن  لا تزال فكرة آداب الجمهور المناسبة في المسرح قائمة, حيث يوجد أدلة آداب السلوك للجمهور متاحة على نطاق واسع اليوم  ، والتي تغطي كل شيء من قواعد الملبس، إلى الوصول المتأخر للمسرح، إلى السعال, وتناول والحلوى غير المغلفة, وغير ذلك.
وحديثا أصبح استخدام الهواتف المحمولة أيضًا سلوكًا مثيرًا للجدل للجمهور، وأحيانًا يتم مراقبته من قبل الممثلين أنفسهم: ففي عام 2015 ، أوقفت الممثلة الأمريكية «باتي لوبون» عرضا مسرحيا في مدينة نيويورك وقامت بمصادرة هاتف أحد أفراد الجمهور.

«أداء مريح»
في الآونة الأخيرة، تحدى النشطاء والفنانون والعلماء مثل Kirsty Sedgman» “ إرشادات آداب الجمهور باعتبارها إقصائية ومقيدة بلا داع . على سبيل المثال، يتم تطبيق معايير السلوك القادر (الشخص السليم) على  الأشخاص الذين يعانون من التشنجات اللاإرادية الحركية أو الصوتية أنفسهم فيكون غير مرحب بهم في الأماكن التي تتطلب مشاهدين هادئين ولا يحدثون ضجيجا بين الجمهور.  وقد ساعدت هذه الصدمة في الترويج للتدخلات مثل إقامة العروض المريحة ، والتي تهدف إلى جعل المسرح أكثر سهولة من خلال “الاسترخاء” أو تخفيف التوقعات السلوكية لدى الجمهور .

ماذا يعني أن نكون معًا في الأماكن العامة
تغيرت التوقعات حول سلوك الجمهور باستمرار عبر تاريخ المسرح الغربي . لطالما أثار الحضور إلى المسرح أسئلة أوسع حول معنى أن نكون معًا في الأماكن العامة.  غالبًا ما تعكس المعايير المعمول بها في المسرح - وأحيانًا تؤثر - معايير اجتماعية وتكنولوجية أكبر.
لذلك، بينما يمكن تفسير بروتوكولات الصحة والسلامة الخاصة بـجائحة كورونا COVID-19  (التي تم تطبيقها في السنوات الأخيرة) على أنها مقيدة، فإنها في الواقع تذكرنا بأن الحضور المسرح غالبًا ما يعني إثارة الجدل بشأن السلوك الفردي والتجارب أو التوقعات الجماعية.
والأهم من ذلك، على عكس سلوك استخدام هاتفك المحمول أو فك تغليف الحلوى، فإن الصحة والسلامة ضروريان لإبقاء المسرح متاحًا ومفتوحًا لأكبر عدد ممكن من الناس.
.........................................................................(كتب هذا المقال بواسطة: «كيلسي جاكوبسون» أستاذ مساعد، مدرسة دان للدراما والموسيقى، بجامعة كوينز، أونتاريو- و»كيلسي بلير» أستاذ مساعد بقسم اللغة الإنجليزية بجامعة كونكورديا- نشر هذا المقال في  The Conversation Africa)


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏