«الجريمة والعقاب» طموح مخرج وبراعة ممثلين على طاولة النقد بمسرح نهاد صليحة

«الجريمة والعقاب» طموح مخرج وبراعة ممثلين على طاولة النقد بمسرح نهاد صليحة

العدد 812 صدر بتاريخ 20مارس2023

قدم مسرح نهاد صليحة يوم 7 مارس ندوة نقدية لعرض «الجريمة والعقاب» عن رواية من تأليف الكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي بعد نهاية العرض مباشرة.
 مسرحية «الجريمة والعقاب»، تأليف دوستويفيسكي، من إعداد مارلين كامبل وكيرت كولومبوس، وبطولة  عبدالله سعد، نغم صالح، كريم أدريانو، أشعار محمود البنا، موسيقى أحمد نبيل، ديكور هشام عادل، أزياء رحمة عمر، ماكياج روان علاء، إكسسوارات سهيلة الهواري، دراما حركية مناضل عنتر، وإخراج عماد علواني.
ويقدم العرض ثلاثة ممثلين،  يجسدون جميع شخصيات الرواية، و تدور الفكرة الرئيسية في المسرحية حول الاغتراب في عالم أصبحت  المادة و الفوارق الطبقية هي التي تحكمه. وقدم العرض عدة تساؤلات حسب ما قاله المخرج أهمها: هل يمكن التضحية بحياة فرد واحد أو عشرة أو مئة في مقابل حياة الآلاف؟، هل حقا أن الطبيعة نفسها، تصنف البشر لعاديين واستثنائيين أو خارقين؟.
وكانت على منصة طاولة النقد أ.د  سامية حبيب وكيل معهد النقد الفني بأكاديمية الفنون، وأدارت الندوة الكاتبة والمخرجة د. إيمان سمير ، تحت إشراف المخرج ومصمم الديكور والمشرف على المسرح د. محمود فؤاد صدقي.
قالت الناقدة الدكتورة سامية حبيب: إن هذا العرض به طموح كبير من كل المشتركين بالعرض من التمثيل والاخراج والديكور والماكياج وغيرها، ويظهر هذا الطموح في الجهد والتفكير وفي حفظ الممثلين وأدائهم،  وأنا أرى أن هذا الطموح أعادني لعدة سنوات حيث النجوم الكبار، فهذا العرض ذكرني بعرض الحضيض في المعهد لمكسيم جوركي وكان مشروع تخرج للبكالوريوس تذكرت فيه روح الشباب وحماسه وسرعة تبديل الملابس والمكياج...الخ
 وأشارت حبيب إلى أن: العرض يتميز بالتكثيف، فإن تكثيف الشخصيات هو درب من دروب الجنون الإبداعي بلا حدود، وهو ما أشادت به لأن فيه اجتهاد واهتمام بالتفاصيل والمكياج والاكسسوارات، وأوضحت أن ذلك يعد شيئا رائعا حيث أدت فيه الممثلة نغم عدة شخصيات منها شخصية المرابية وأختها ودور سونيا،  كما أشادت حبيب بأداء نغم لشخصيتي المرابية وأختها واللتان أبدع فيهما المخرج والممثلة معا، ورأت أن دور سونيا لم يحظ على إعجابها ، لأن المخرج أهمل هذه الشخصية «سونيا» فافتقدت الشخصية الانتقالات والحركات وتم التركيز فيها على الجانب المتدين.
وأوضحت حبيب: أن شخصية  سونيا هنا هي الأزمة في المسرحية للبطل والوالد، وهي الأزمة أيضا للجميع ، حيث تعد سونيا شخصية ثمينة دراميا وحركيا، وقالت كنت أُفضل أن يكون لها تفسير إخراجي وفكري وأن تتسم الشخصية بالحرارة في الأداء.
كما أشادت حبيب بدور كريم وقالت: إن الدور الذي قام به كريم دورا جميلا حيث اجتهد كثيرا فأدى أدوارا متنوعة من المحقق للأب للمرأة، فلون في صوته واستخدم الحركات الجسدية كما اتيح له .
وقالت أن عبد الله» راسكولينكوف « بذل مجهودا رائعا كأداء ممثل شاب، فالشخصية المعقدة والتي أصيبت بالصرع في مشاهد علا فيها عبد الله ومشاهد أخرى العكس.
وأضافت: ركز المخرج في هذا العرض على الجوانب الدينية ، فالإعداد ركز على الجانب الديني ولكن المخرج كان عليه أن يتنوع فهو هنا لم يركز على الجانب الاجتماعي والفقر المدقع ، أيضا الجانب السياسي والنفسي الذي عانى منه البطل والبطلة.
وتساءلت حبيب : ماذا أراد المخرج أن يقول من هذه الرواية؟، وما الدافع لاختيار هذا النص بالتحديد؟  .
وعن الموسيقى قالت د. سامية حبيب: الموسيقى لم تكن موفقة في أغلب الأحيان، والديكور به بعض المشكلات ، حيث عمل الديكور على زيادة اجهاد الممثلين، وقالت ما وصلني من هذا الديكور الضخم فقط أن الرجل يسكن في البدروم.
 ورأت حبيب: أنه من ضمن الجماليات التي كان من المفترض التركيز عليها في هذا العرض أن الدافعية لإقدام شخص على القتل لم تتضح للمتفرج فكنا نريد التفسير والمبرر لكل ذلك.
وأضافت: أن لغة الإعداد غير درامية، وهناك بعض التساؤلات التي لا أجد لها تفسيرا مثل لماذا اتجهت سونيا إلى البغاء؟ فلا يوجد تفسير لذلك ،أيضا لماذا اضطر البطل للقتل وما هي الدوافع لهذه الشخصية؟.
وأشارت إلى أن هذا العرض ينقصه الجرأة في التفسير والرؤية الدرامية.
 أما عن الفنيات قالت : هي رائعة ويوجد حرص على عدم الخطأ،  أيضا الانفصال بين الوحدات هي المعادل المرئي للانفصال بين المجتمع ككل، حيث يوجد انفصال نفسي ووجداني بين أفكار المجتمع.
اما عن الإيقاع قالت حبيب إن العرض مدته الزمنية ساعة ونصف وكان يفضل أن يكون 80 دقيقة.
وفي نهاية كلمتها أثنت حبيب على المكياج والملابس والاكسسوارات حيث أن بها كثير من فهم الأبعاد لكل شخصية.
وفي مداخلته قال المخرج عادل بركات : تعودنا أن نفرق بين موهبة الممثل وقدراته الخاصة، وجزء كبير من أداء الممثل على خشبة المسرح يعود للتفسير والفهم والعلاقة التي نشأت بينه وبين المخرج، ووصول الشخصيات لهذا المستوى البديع يرجع لتفسير المخرج بجانب القدرات الخاصة للممثل ، فالعمل به جهد كبير من المخرج ، والأسلوب الذي اشتغل به المخرج جيد ، ولكن الورق لم يساعده ، أيضا الديكور شكل عبئا كبيرا في العرض .
خروج الارتكاز من خلال الكتابة كان هو الذي سيجعل المخرج يخرج من الانتقال بالأزمنة والشخصيات من حالة لحالة وكانت ستساعده في الانتقال عبر هذه الأزمنة في سرد الرجل ومعاناته، والتماس مع قضية هذا الشاب.
 وقال بركات: من وجهة نظري فإن الورق أو الإعداد لم يساعد المخرج رغم وضوح الأسلوب ووعي المخرج وتميزه في استخدام الأدوات حيث ارتكز المخرج من البداية في نقطة بعينها وهو الاعداد أو الورق وهو ما أضعف التماس مع قضية هذا الشاب، وهو ما لم يساعد المخرج رغم وضوح الأسلوب والقدرة على استخدام الأدوات، والعوالم النفسية في الانتقال كانت تحتاج مركزات الضوء والارتكاز على الكلمة، حيث يجب التخفيف من بعض الأعباء ليكون العرض أكثر براعة، وقال: كل ما يحتاجه المخرج التركيز مع الورق أكثر.
وأثنى بركات على التمثيل والأداء وعلى وعي المخرج بما يريد عمله، وقال أن الديكور عبارة عن كتلة رغم انك في عوالم متشظية ومتباعدة، مما صنع نوع من الغربة.
 وأضاف بركات: أن اختيار العرض في هذا التوقيت هو انعكاس على الواقع، والشخصيات تلقي ظلالها على شخصيات أخرى، فالعرض يلقى بشكل غير مباشر على الواقع، والعرض جيد وبه جهد غير عادي ولكننا نطمح فيما هو أكثر إبداعا .
وفي مداخلته قال الناقد أحمد عبد الرازق أبو العلا : أعتقد أن المخرج تدخل في هذا النص تدخلا كبيرا جدا وركز على نقطة واحدة في هذا النص لأن المعدين «مارلين كامبل وكيرت كولومبوس»  لم يكن لهما أن يغفلا النقاط الأخرى، أن هذا البطل له مكون فكري واجتماعي وسياسي وهو ما شكل سلوكياته، فهو باختصار شديد يعمل مع المجتمع وضده في نفس الوقت.
وأشار أبو العلا إلى أن ديستوفسكي كتب هذه الرواية في 900 صفحة، وأن فتوح نشاطي عمل إعدادا  لهذا النص في الخمسينات ومثله نجوم كبار في حوالي ساعتين ونصف، وقال: كنت أتمنى أن يستمع المخرج لهذا النص.
وأشار أبو العلا إلى أن:  المقولة الأساسية للنص مقولة بطل الرواية أنه «من الممكن أن نقتل شخص أو أكثر من أجل أن يعيش مئة شخص» وقاله على لسان بطل روايته، فكان ديستوفسكي ينتقد المجتمع في الوقت الذي كان فيه أزمة اقتصادية وسيطرة أصحاب رؤوس الأموال فيما كان الفقراء على هامش هذا المجتمع ،هذا المجتمع كان شبيه بمجتمعنا حاليا.
 وموقف البطل الفكري أنه شبه ملحد لا يؤمن بالدين، ولكن في النهاية عاد للإيمان وكأنه أراد أن يدخل حظيرة المجتمع الذي رفضه منذ البداية، لذلك انا لا اتفق مع تلك العبارة في نهاية العرض، لأن شخصية البطل بكل جوانبها الاجتماعية والفكرية وموقفه السياسي لا توصله لهذه النتيجة الإيمانية التي ظهرت فجأة، هذا البطل الذي يرتكب الجريمة وكأنه يؤدي عمل وطني ولا ينتظر العقاب، وبالتالي فالنص هنا لا يقدم رؤية واضحة تكشف الموقف الاجتماعي والسياسي والفكري لبطل المسرحية.
 وأشار أبو العلا إلى أن النصوص الأجنبية تتيح فرصة كبيرة جدا للممثلين، وأوضح أن المخرجين الشباب يتجهون لمثل تلك النصوص لأنها تقدم شخصيات درامية بمعنى دراما والشخصيات بها «من لحم ودم» ولها أبعاد إنسانية وفكرية...وغيرها، فالشخصية مكتوبة صح في مسرح حقيقي درامي حقيقي، هنا تكون الفرصة للممثل ، ومن ثَم فإن كل الممثلين الهواة هم ضحايا المخرجين للأسف سواء في مسرح الثقافة الجماهيرية أو في مسرح الدولة، فنصوص مسرح الدولة لا تستطيع أن تكتشف الممثل؛ لأن الدراما في معظم هذه العروض لا تساعد الممثل حتى ولو كان نجما ، وهنا نتساءل كيف نتعرف على الممثل الهاوي؟
وأجاب: نتعرف على الممثل الهاوي مثلما يحدث بالمعهد ويطلب منه أن يمثل مشاهد فصحى وأخرى عامية، إذا  الممثل الهاوي عندما يتعامل مع نص ذو شخصيات درامية تكتشف فيه عنصر الممثل.
وأضاف: في هذا العرض عنصر الممثل مميز جدا، لأن كل الممثلين مبهرين وأدوا أداء احترافيا،  فيعتبر الممثلون هم النجاح الحقيقي في هذا العرض.
 أما عن الديكور أوضح أبو العلا : أن الديكور فيه التباس بين اللحظة الحاضرة ولحظة استدعاء الماضي، وثبات الديكور وضخامته وعنصر الإضاءة لم يقوما بالدور الذي كان ينبغي عليهما القيام به.
وفي نهاية كلمته أثنى أبو العلا على الموسيقى فقال:  هذا العرض للهواة و فيه مؤلف موسيقي حتى مع بعض الملاحظات فأنا أقف مع هذا الموسيقي واشجعه لآنه عمل شيئا لم نراه في المسرح الاحترافي.
 وأتوقع للمخرج أن يقدم ما هو أفضل لأنه يملك أدوات هامة تساعده على الرؤية الإخراجية ، فالرؤية الإخراجية جزء منها الخبرة وجزء منها الدراسة وجزء ثالث هو الجمهور.
 


سامية سيد