«المسرح الشعري في الشرق والغرب بين الازدهار والاندثار» ندوة للجنتي المسرح والشعر

«المسرح الشعري في الشرق والغرب بين الازدهار والاندثار» ندوة للجنتي المسرح والشعر

العدد 793 صدر بتاريخ 7نوفمبر2022

بالتعاون بين لجنتي الشعر ومقررها الشاعر أحمد سويلم و لجنة المسرح ومقررها المخرج عصام السيد ،عقد المجلس الأعلى للثقافة ندوة بعنوان «المسرح الشعري في الشرق والغرب بين الازدهار والاندثار»، وذلك في تمام السابعة مساء الأربعاء الموافق 12 أكتوبر بالمجلس الأعلى للثقافة.
وأدار الندوة الشاعر أحمد سويلم وأقيمت الندوة في جزئيين الأول  بمشاركة  الدكتورة ريم البرديسي الأستاذ المساعد للأدب الإنجليزي بكلية البنات- جامعة عين شمس، والكاتب والناقد المسرحي أحمد عبد الرازق أبو العلا، وتضمن الجزء الثاني  قراءات من المسرح الشعري العربي أداء الشعراء: الدكتورة شيرين العدوي، وأحمد حسن، والسماح عبد الله، وعماد غزالي.
الشافعي : المسرح كانت بدايته شعرا
وفي كلمته نيابة عن المخرج عصام السيد أعرب الاستاذ محمد الشافعي مقرر لجنة المسرح عن سعادته بالتعاون بين لجنتي المسرح والشعر وأشار في كلمته احتفاءً بتلك الندوة أن المسرح كانت بدايته شعرا .
سويلم: المسرح الشعري من أصعب فنون الكتابة
وقال الشاعر الكبير احمد سويلم أثناء تقديمه للندوة : نتفق جميعا على أن إبداع المسرح الشعري من أصعب فنون الكتابة، فالشعر تواجهه صعوبات كبيرة في مقدمتها كيف يحدث هذا التوازن بين لغة الشعر ولغة الدراما، وأشار سويلم إلى أن هناك فرق بين كتابة المسرح الشعري واللغة والحوار والسرد والدراما وغيرها من عناصر المسرح، وتساءل سويلم عن غياب المسرح الشعري اليوم برغم عدم وجود أزمة نصوص، وهل هذا الغياب جزء من غياب المسرح بوجه عام؟
البرديسي: شكسبير أحد أهم من كتب المسرحية الشعرية في العالم
 فيما تحدثت دكتورة ريم البرديسي عن المسرح الشعري في الأدب الانجليزي المعاصر وفي بداية كلمتها أشارت إلى أن المسرح الشعري هو عبارة عن مسرحيات بلغة الشعر، وقدمت عدة أسباب لصعوبة هذا الفن ولتراجع المسرح الشعري في مصر ومعظم الدول العربية منها: أن الشاعر يجب أن يقيم توازنا بين الدراما والشعر واللغة وأن يكون الشاعر على قدر كبير من الكفاءة والمهنية، والسبب الثاني هو قله عدد الشعراء الذين يكتبون المسرحيات مثلما كان في السابق مثل عبد الرحمن الشرقاوي وعزيز أباظة واحمد شوقي وغيرهم ،والسبب الثالث قله عدد الممثلين القادرين على التحدث بالعربية الفصحى كما كان مثل سميحة ايوب  ونور الشريف وأحمد ماهر، ايضا قلة عدد المخرجين القادرين على اخراج هذا النوع من المسرح، وايضا شغف الجمهور بهذا النوع من المسرحيات في عصر التكنولوجيا والفيس والانترنت وسرعة الحياة، إضافة إلى الإعلام الذي يلعب دور في ذلك لقلة عرض تلك المسرحيات الشعرية .
وقدمت البرديسي بعض الحلول كي نسترجع ازدهار المسرح الشعري منها : أن تقوم وزارة الثقافة بدور حلقة الوصل بين كتاب المسرح الشعري والمنتجين والمخرجين لحل تلك المشكلات ، وأن تقيم الوزارة ورش لصقل المواهب ورعايتها للوصول للاحتراف، و عمل مسابقات بين المحافظات المختلفة وقصور الثقافة وتمثيل المسرحيات الشعرية ايضا الجامعة عليها أن تسترجع دورها في الازدهار.
 وتحدثت البرديسي عن تأسيسها لفريق «محبي المسرح» بجامعة عين شمس والذي مثل العديد من المسرحيات الشعرية وقدم 40 مسرحية في خلال عشر سنوات ، تحدثت عن ضرورة ذكر المسرح الشعري في بلاد الإغريق والرومان ، ثم ظهرت المسرحيات الشعرية في انجلترا وكان هناك نوعين من المسرحيات الشعرية : مسرحية «المعجزات» والتي تقدم معجزات القديسين والانبياء، والمسرحية «الأخلاقية « والتي قدمت القيم كالخير والعدل ...الخ
وفي العصر الحديث ظهر المسرح الشعري كثيرا لموليير واونيل واليوت...الخ، وتابعت شكسبير أحد أهم من كتب المسرحية الشعرية في العالم، وتساءلت لماذا وليم شكسبير اليوم؟
وأجابت لعدة أسباب: منها أن مسرحيات شكسبير تتميز بال universal  و Timeless  أي يستطيع أي شخص في أي دولة أن يجد نفسه فيها، أيضا فنحن حتى الآن نقرأ لشكسبير ونشاهد أعماله على الرغم من أنه توفى في عام 1616 ولازالت أعماله تعرض في كل دول العالم ، فمسرحياته غير مقيدة بعامل الزمن أو الوقت أو المكان لذلك فهو لازال موجودا حتى الآن، وذكرت أن شكسبير كتب كل انواع المسرحيات التاريخية والكوميدية والتراجيدية..... الخ، وأن مسرحياته يعاني فيها البطل من عقدة أو صفة تتحكم في سقوط الشخصية وانتهائها، وتم تحويل العديد منها إلى أفلام عالمية ومصريه مثل “اه واه من حواء، حبك نار، ممنوع الحب، المرأة التي غلبت الشيطان”، وذكرت البرديسي أن المسرح الشعري عند شكسبير تفرد باستخدام الشعر والنثر في نفس المسرحية واستخدام الإنجليزية الفصحى و العامية في نفس المسرحية ،وهنا تظهر عبقريته حيث استخدام الشعر والنثر والفصحى والعامية ، فكان يستخدم الشعر في أوقات معينة والشخصية في كامل عقلها وتتحدث عن مواضيع سامية وهامة، أما في حالة تدهور الشخصية و الاضطراب العقلي عند الانسان كان يستخدم النثر، واهم ما يميزه  هو عدم استخدام الشعر المقفى، فشعره كان قريب من لغة المواطن العادي والدليل أن المواطن كان يتغنى بأشعاره.
عبد الرازق: الدراسات عندما تعرضت للمسرح الشعري وقفت عند أسماء محددة
وفي كلمته أشار الناقد أحمد عبد الرازق ابو العلا إلى أهمية المسرح الشعري المعاصر بين الشرق والغرب، وارجع ذلك لسببين الأول أن معظم «ان لم يكن كل» الدراسات عندما تعرضت للمسرح الشعري وقفت عند أسماء محدده منها عبد الرحمن الشرقاوي عزيز أباظة صلاح عبد الصبور ،وذكر متأسفا أن تلك هي الأسماء الأساسية في الدراسات الجامعية في رسائل الماجستير والدكتوراه، أما الحركة النقدية فأهملت كل المنتج المسرحي تحت هذا العنوان و دلل على ذلك من خلال إهمال الدراسات النقدية لهذا النوع المسرحي المهم، وقال إن هناك كتاب المسرح الشعري المعاصرين عددهم اكبر من عدد الكتاب الذين كتبوا المسرح الشعري في الستينات،  ففي فترة الستينات كان هناك العديد من الشعراء منهم صلاح عبد الصبور عبد الرحمن الشرقاوي و انس داوود .... وغيرهم في حين أن الدراسات النقدية توقفت عند ثلاثة فقط منهم ، أما الأجيال الأخرى وهم بعد الستينات منهم فاروق جويدة ودرويش الاسيوطي ومحمود نسيم وصفاء البيلي ولطفي مطاوع والسماح عبدالله .....الخ  فالشعراء المعاصرين أكثر عددا ولكن هذه الاعداد الكبيرة اهملها النقد واهملتها الدراسات الأكاديمية التي كتبت عن المسرح  الشعري، اما السبب الثاني في أهمية هذا الموضوع أن معظم الدراسات التي كتبت عن المسرح الشعري تعاملت مع النص المسرحي بوصفه ادب، و أهملت أن المسرح الشعري مرتبط أساسا بالسياق الاجتماعي والثقافي والسياسي، والاقتصادي، والنفسي الانساني، وتحدث عبد الرازق عن الاشكاليات التي يواجهها المسرح معللا اهتمامه بالقضايا المتعلقة بالمسرح الشعري في طرحه لبعض الأسئلة واجابته عليها:
صلاح عبد الصبور هو رائد المسرح الشعري
  فكان سؤاله الأول لماذا لم يعد هناك اهتماما بتقديم نصوص المسرح الشعري على المسارح؟   واجاب قائلا: لأسباب عدة منها ليس كل نص مسرحي مكتوب شعرا يصلح للتقديم على المسرح ،لأنه يفتقد الدرامية فقد تكون هناك مشكله متعلقة في الممثل او المخرج او القضية نفسها. ثم تساءل عن مدى تأثير إشكالية الغنائية و الدرامية على المسرح الشعري، وأجاب: هي مشكلة لم يفلت منها إلا صلاح عبد الصبور لذلك نطلق عليه رائد المسرح الشعري وليس أحمد شوقي على الرغم من أن أحمد شوقي بدأ كتابة المسرحية الشعرية 1897 ، موضحا أن أحمد شوقي رائد المسرح الشعري إجرائيا وليس فنيا، لأنه التزم بتقديم القصيدة على خشبة المسرح ولا علاقة لها بالدرامية مدللا: انها عندما تخرج من نص أحمد شوقي تصبح قصيدة، ولا علاقة لها بالدرامية مطلقا ، وكذلك عبد الرحمن الشرقاوي ،اما صلاح عبد الصبور هو رائد المسرح الشعري لأنه على وعي كامل بالدرامية، وتحدث عن المفهوم الدرامي موضحا  أن الدراما حدث وصراع وشخصية وفعل ،الحوار جزء من بناء الدراما وليس هو كل المسرح، حتى نجيب سرور في نصوصه اختفت الدرامية من نصوصه على الرغم من أن نصوصه التزمت بالغنائية إلا أن ما جعل النصوص صالحة للتقديم على المسرح هو أنه لجأ إلى التراث الشعبي.
 المسرح الشعري لم يطور نفسه منذ بدأ حتى الآن
وأكد عبد الرازق أن  المسرح الشعري لم يطور نفسه منذ بدأ حتى الآن  تبعا للسياق الفني، بدليل أن شكسبير وكل المسرح على مستوى العالم ظل لسنوات طويلة حتى جاء ابسن 1850 حيث دخل في نفس المأزق حيث كتب المسرح الشعري، وظل ابسن في بداية حياته يكتب المسرحية الشعرية لمدة 20 عاما كتب فيها أربعة نصوص شعرية، سقطت هذه المرحلة من تاريخ ابسن نفسه ،وعندما جاء 1877 كتب «أعمدة المجتمع»، ثم 1879 «بيت الدمية» وهنا تغير وجه الدراما على مستوى العالم ولم يعد للمسرح الشعري أهمية على الرغم من وجوده، وجاء ابسن ومعه الايطالي براندلو والانجليزي برنارد شو هذا الثالوث أسقطوا المسرح الشعري على مستوى العالم من ناحية القضية، و قلبوا تاريخ المسرح وتطور تطورا مختلفا عن الدراما التي احتضنها المسرح الشعري في تلك الآونة ومن هنا تغير وجه الدراما.
وقال أن احمد شوقي اقترب من لغة الشارع كما في البخيلة والست هدى لأنها طبيعة المسرح الاجتماعي «الاقتراب من العامية» حتى وانت تكتبه شعرا.
 وتابع إن العالم لم يعد يهتم بأن تكون المسرحية شعرية ، وظل هذا هو النهج الذي صار عليه المسرح في العالم ولكن في المقابل نجد أن المسرح النثري استطاع أن يطور نفسه ومن ثم ظهرت المدارس الواقعية والملحمية والرومانية... وغيرها ،وهذا جاء من أن المسرح النثري التحم مع السياق بأبعاده حيث الاقتصادية والاجتماعية والسياسية .... الخ، أما المسرح الشعري لم يستطع أن يطور نفسه حتى الآن وتطوره فقط في الجيل الذي جاء بعد صلاح عبد الصبور الذي استند إلى التفعيلة ولم يستند إلى وحدة البيت في القصيدة التقليدية ،اي أن المسألة شكلية في اللغة نفسها، على سبيل المثال ،هناك كتاب مسرح يكتبون المسرح النثري لكنه شعر مثل نص امرؤ القيس “الصقر ورحله العذاب” وأكد أن فكرة الغنائية هي التي أضرت مسيرة المسرح الشعري، واكد أن هناك نصوص كثيرة ولكن المشكلة من ناحية الكيف فالقليل من النصوص التي استطاعت أن تطور رسالتها الداخلية مثل نجيب سرور على الرغم أن لديه من الغنائية ولكن نصوصه متقبلة لأنها شعبية على الرغم من افتقاده للدرامية فالمسرح الشعبي في مسرحنا هو الذي يؤكد على الهوية.
وقال أن الفن يجب أن تكون له ضرورة وإذا افتقد الضرورة أصبح لا قيمة له، فالكاتب اذا لم يكتب للضرورة فهو خارج عملية الابداع، ومن نجحوا في ابداعاتهم هم من استطاعوا معرفه ضرورة ما يكتبونه، والمسرح الشعري تحكمه الضرورة اذا ارتبط بأن يكون ظاهرة اجتماعية مثل المسرح النثري.
 والمسرح الشعري يجب أن يطور نفسه بأن يخرج من عباءة التراث ، ولو لجأ الكاتب المسرحي إلى التراث الشعبي الموجود لدينا فهو يؤكد على فكرة الهوية وسيقترب من الناس وسينجح المسرح الشعري وستصبح لغته بسيطة بسبب اقترابه من الشعبية مثل«مأساة الحلاج” لصلاح عبد الصبور، لأنه يعلم ما هي الدرامية فصلاح عبد الصبور كان على اتصال بالمسرح العالمي كقارئ ومترجم وناقد وهي عوامل جعلته يقاوم الغنائية ويلتزم بالدرامية، فأصبحت نصوصه ذات تأثير.
فالشعر أداة وليس هو قوام العمل المسرحي، وعندما يصبح الشعر قوام العمل المسرحي يفقد دراميته ووجوده ويكون مجرد نص أدبي.
 


سامية سيد