القيم التربوية والجمالية في مسرح محمد صبحي

القيم التربوية والجمالية في مسرح محمد صبحي

العدد 806 صدر بتاريخ 6فبراير2023

حصلت الباحثة نادية مصطفى الدناصوري، المعيدة بقسم الإعلام التربوي، بكلية التربية النوعية، في جامعة المنوفية على درجة الماجستير بتقدير امتياز، من الكلية، عن أطروحتها، وبحثها العلمي بعنوان «القيم التربوية والجمالية في مسرح محمد صبحي».
وتكونت لجنة المناقشة من الأساتذة: الدكتورة رانيا فتح الله أستاذ التمثيل والإخراج بقسم الدراسات المسرحية، كلية الآداب، بجامعة الإسكندرية والأستاذة الدكتورة إيمان حمدي عمار، الأستاذ بقسم العلوم التربوية والنفسية بالتربية النوعية، بالمنوفية والأستاذ الدكتور ياسر ميمون عباس، الأستاذ المساعد  القسم ، والدكتورة نهى جلال مندور مدرس المسرح بقسم الإعلام التربوي، والأستاذ الدكتور محمد ‏عبد الحليم سرور أستاذ المسرح وأدب الأطفال المساعد بقسم العلوم الأساسية بكلية‏ التربية للطفولة المبكرة جامعة مدينة السادات /مناقشا خارجيا، وجاء ذلك بحضور لفيف من أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة بالقسم والطلاب والضيوف.
وفي مقدمة البحث تلت الباحثة: « المسرح أبو الفنون الأدبية، وازدهاره مؤشر إلى تمدن المجتمع وحضور الثقافة، لأنه ينقد ويعري ويوقظ ويحاور، وهو يحفز على المراجعة والتفكير العميق في أسباب المشكلات، ويمكّن من استعادة التوازن في الأزمات، ويهدف المسرح، بوصفه نظام من الإنتاج الثقافي في المجتمع- إلى تحليل وتشكيل التكوينات الاجتماعية والثقافية ومن ثم فهو بمثابة أسلوب لتعليم مبادئ المعرفة المتضمنة للقيم الاجتماعية، فالقيم تُعطي للفرد خصوصية اجتماعية قادرة على تهيئته للتفاعل والانسجام الاجتماعي وتُعد مصدرًا مُهمًا في تحديد نوعية السلوك والدوافع التي تقف وراء ذلك السلوك، حتى أصبح النظام القيمي للإنسان هو خير ما يدل على سلوكه وشخصيته وتتغلغل في حياة الناس أفرادًا وجماعات وترتبط عندهم بمعني الحياة ذاتها لأنها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بدوافع السلوك والآمال والأهداف.
وبالنظر إلى واقع المسرح المصري نجد أن مسرحيات محمد صبحي تجمع بين الكوميديا ومشاكل المجتمع المصري، والعربي أيضًا، وكان دائمًا يتناول في أعماله الفنية أفكارًا وقيمًا وسلوكيات إيجابية، على عكس ما نراه اليوم من إسفاف وابتذال والبعد عن الواقع، ومحمد صبحي يسعى دائمًا إلى غرس العديد من القيم المختلفة في نفوس الجمهور، وخاصة الشباب باعتبار أنهم أمل الغد وبناة المستقبل، لذلك قدم العديد من أعماله الفنية مثل (لعبة الست/ كارمن/ تخاريف/ الهمجي/عائلة ونيس.... وغيرها)، فعمِلتْ هذه المسرحيات على غرس القيم وخاصة الاجتماعية في الجمهور، حتى تظهر في شكل سلوكيات في تعاملاتهم اليومية مع الآخرين.

مشكلة الدراسة وأسئلتها
ويُعد المسرح من الوسائل التربوية والجمالية التي لا يقل دورها عن المؤسسات المعنية بتنمية القيم التربوية والجمالية، فالمسرح كعمل فني ذا قيمة يكون مُعبرًا عن القيم الجمالية (جماليات الشكل) والقيم التربوية (جماليات المضمون)، وللمسرح أهداف مختلفة وبتكامل العرض المسرحي شكلًا ومضمونًا تبرُز قيمه وأهدافه وخصوصيته كإحدى الوسائل المجتمعية التي يستخدمها المجتمع في إحداث تأثير سليم داخل نفوس أفراده فيظهر ذلك التأثير في سلوكياتهم، فهو يُعْتبر مؤسسة فنية وثقافية مهمه جدًا لنشر الثقافة وتدعيم الفكر تربويًا وجماليًا وبالتالي يُعْتبر أحد أدوات تشكيل قيم المجتمع، وبالنظر إلى ذلك الجانب المُضيء من المسرح؛ فإن مسرحيات محمد صبحي تهتم بشكل دائم بتقديم الأفكار والقيم والاتجاهات الإيجابية مع العمل على غرسها في نفوس الجمهور بشكل كوميدي بسيط مُحبَبْ إلى نفوسهم، ومن منطلق المكانة المسرحية الرائدة التي احتلها محمد صبحي بمسرحه المتميز كان لابد من التعرَضْ له بالدراسة، وقد لفت انتباه الباحثة احتواء أعماله دائمًا على قيمة سواء على المستوي التربوي أو السياسي أو الجمالي الأمر الذي أوجد خطًا مسرحيًا متصلًا لمنهج مُحدد تميز به مسرحه ولاقت أعماله رواجًا على مستوي العالم وكانت لها إقبالًا جماهيريًا واضحًا من كافة الجنسيات العربية والأوروبية، ومن ثم تتحدد مشكلة الدراسة في السؤال الرئيس التالي:
ما أهم القيم التربوية والجمالية المُتضمنة في بعض عروض محمد صبحي المسرحية؟
ويتفرع منه مجموعه أسئلة فرعية:
ما الأُسُسْ النظرية للقيم التربوية والجمالية؟
ما أكثر مسرحيات محمد صبحي تناولاً للقيم التربوية والجمالية كل قيم بمفردها؟
ما أكثر عناصر العرض المسرحي تناولًا للقيم التربوية والجمالية كل قيم بمفردها؟
ما أكثر عروض محمد صبحي تناولًا للقيم التربوية والجمالية معًا؟

أهداف الدراسة
وتهدف الدراسة إلى الكشف عن القيم التربوية والجمالية المُتضمنة في بعض مسرحيات محمد صبحي كهدف رئيسي يتفرع منه مجموعة من الأهداف المُتمثَلة في:
التعرف على القيم التربوية والجمالية التي تضمنتها مسرحيات محمد صبحي المسرحية.
التعرف على المسرحيات التي قدَمها محمد صبحي، والتي تناولت القيم التربوية والجمالية بنسبة أعلى عن مسرحياته الأخرى.
التوصل إلى الأساليب التي اعتمد عليها محمد صبحي في تناوله وعرضه للقيم التربوية والجمالية وكيف جمع بين هذين العنصرين لإثراء مسرحياته.

أهمية الدراسة
وتأتي أهمية الدراسة من أهمية الموضوع الذي تتعرض له وهو تناولها القيم التربوية والجمالية في مسرحيات محمد صبحي، وتناوُلها لموضوع جديد قد يُفيد المسئولين في مجال البحث العلمي باستكمال دراسات أخرى عديدة، وتوضيح قدرة المسرح على غرس العديد من القيم بأنواعها المختلفة في نفوس الجمهور بفئاته المتنوعة، يُنتجه فنان مبدع وخلاق بأسلوب يجذب إليه الجمهور، ودراسة تاريخ محمد صبحي، والذي اهتم بتقديم العديد من الأعمال الدرامية والتي تقدم العديد من القيم والاتجاهات والسلوكيات الإيجابية.
وقد تكون هذه الدراسة يوما مرجعًا تُساهِمْ في فتح الباب للباحثين الإعلاميين الراغبين في تناول دراسات أخرى لجوانب ومناطق لم تتناولها تلك الدراسة عن نوع آخر من القيم سواء كانت «أخلاقية/فكرية/ وطنية/...... وغيرها»، في مسرحيات محمد صبحي أو فنان آخر.

حدود الدراسة
تتمثل حدود الدراسة فيما يلي:
حدود موضوعية: وتمثلت في التعرف على أهم القيم التربوية والجمالية في عروض محمد صبحي المسرحية.
حدود زمنية: وقد حددت الباحثة مجال دراستها التحليلية في الفترة من عام 1978 حتى عام 1997، ويرجع اختيار هذه الفترة لاحتوائها على العروض المسرحية عينة الدراسة.

مصطلحات الدراسة
تمثلت التعريفات الإجرائية لهذه الدراسة في:
القيم values:
وتُعرفها الباحثة إجرائيًا بأنها مجموع الصفات الأخلاقية والاجتماعية المرغوبة في ثقافة معينة، والتي تمثل مستويات يستهدفها الأفراد في سلوكهم كما تمثل معايير يحكم بها المجتمع على سلوك الأفراد في المواقف المختلفة.

القيم التربوية Educational values:
وتُعرفها الباحثة إجرائيًا بأنها القيم التي استُخلصت من القرآن الكريم والسنة النبوية والأهداف التربوية للمجتمع والتي يُمكن إكسابها لأفراده بضوابط ذلك المجتمع فيكتسب الفرد صفات إنسانية إيجابية تؤدي به إلى السلوكيات الإيجابية في المواقف المُختلفة.

القيم الجمالية  Aesthetic Values:
وتُعرَفها الباحثة إجرائيًا بأنها قيمة داخل كل نفس بشرية تجعل صاحبها يتلمس مواطن الجمال والتزيُنْ في كُلْ ما هو متناسق وجميل، والقيم الجمالية هي تلك القيم التي استطاع الفنانون الوصول إليها في إنتاجهم الفني وتتجلي هذه القيم في الشكل الجمالي والموضوع الجمالي ومدى الترابط والتكامل والانسجام للعمل الفني ككل.

عناصر العرض المسرحي  Theatricals Performances Elements :
وتعرفها الباحثة إجرائيًا بأنها مجموعة من العناصر المتمثلة في النص المسرحي، الديكور المسرحي، الإضاءة، المؤثرات الصوتية، الموسيقي، الأزياء والملابس، الماكياج والأقنعة والإكسسوار والمحلقات المسرحية

منهج الدراسة
واستخدمت الباحثة في دراستها (المنهج الوصفي التحليلي) عند تحليل بعض مسرحيات محمد صبحي (موضوع الدراسة)، وذلك باستخدام تحليل مضمون المسرحيات والتي يتم دراستها عن طريق أسلوب المسح بالعينة، باعتباره أنسب المناهج البحثية لهذه الدراسة.
عينة الدراسة
تمثَلت عينة الدراسة في تحليل ثلاثة  عروض لمحمد صبحي، من 1978 حتى 1997، والتي تُمثل فترة الدراسة وذلك بعد الاطلاع على جميع مسرحياته، وتم ترتيب العروض (عينة الدراسة) من الأقدم إلى الأحدث حسب سنوات عرضها.

النتائج العامة للدراسة
توصلت الباحثة من خلال تحليلها للعروض المسرحية –عينة الدراسة- إلى عدد من النتائج ترصدها فيما يلي:
تنوعت العروض المسرحية -عينة الدراسة- بين عروض ركَزتْ على القيمة التربوية وعروضًا ركَزتْ على القيمة الجمالية وعروضًا أُخرى جمعت بين القيمة التربوية الجيدة مُقترنةً بالقيمة الجمالية.
أظهرت نتائج الدراسة أن عرض «الهمجي» من أكثر العروض توظيفًا للقيمة التربوية مٌقترنةً بالقيمة الجمالية الجيدة فقد استطاع هذا العرض تقديم جُرعة مُكثفة من القيم التربوية من خلال إطار جمالي فائق الدقة.
أظهرت نتائج الدراسة أن «عائلة ونيس» من أكثر العروض تناولًا للقيم التربوية المُختلفة فقد قدم فيه صبحي أهم القيم التربوية التي يجب أن نُربي عليها أبنائنا.
أظهرت نتائج الدراسة أن «الجوكر» من أكثر العروض توظيفًا للقيمة الجمالية وأن أكثر عناصر العرض المسرحي توظيفًا لهذه القيمة كان من نصيب الأداء التمثيلي والأقنعة والماكياج فكان لها أكبر الأثر في إضفاء الحيوية والجمال على هذا العرض.
تحدث صبحي في مسرحياته (عينة الدراسة) عن القيم بنوعيها التربوية والجمالية:-
ففي «الهمجي» جاءت القيم التربوية في صورة لوحات مُعنونة عناوينها هي كل النواهي التي نهانا عنها الله مثل «لا تكذب- لا تفتن- لا تغضب- لا تحسد- لا تطمع- لا تشك ولا تخن وأخيرًا لا تقتُل».
أما «الجوكر» فقد سيطرت قيمة فكرة رجوع الحق لأصحابه حيثُ طرح نموذجًا لشابًا مُخلصًا يُريد أن يُعيد الحق إلى أصحابه مهما كلفه الأمر.
أما عرض «عائلة ونيس» فقد ركز على العديد من القيم التربوية المُهمة التي يجب أن نُربي عليها أبنائنا مثل «قيمة الإنسانية وحق الإنسان في الحُرية والعيش في حياة كريمة- قيمة الثقافة والفهم باعتبارها قيمة ثقافية وتعليمية- قيمة التشجيع والإثابة- قيمة الرضا وعدم النظر إلى ما في أيدي الأخرين- قيمة الأمانة فلا بُد ان يكون الإنسان أمينًا مع الآخرين- قيمة الصداقة والأصدقاء- حُسن الظن بالناس- قيمة التعاون والتسامُح والتواضُع والوفاء واحترام الرأي الآخر – ضرورة مُساندة الأبناء للآباء وأنها من الصفات الإيجابية التي يجب تدعيمها عند الأبناء وأن الجميع في احتياج للآخر- القناعة وأن الرزق ليس مال فقط- أهمية الشباب وأنهم هم صُناع المُستقبل- ومن أهم القيم التى ركز عليها صبحي أن الإنسان في الحياة لا بُد وأن يتعرض للخير والشر للفرح والحًزن وهذه التقلُبات من سُنة الحياة فتحمُلها أمرًا واجبًا»،و تعددت القيم في مسرح محمد صبحي ما بين قيم تربوية وسياسية واجتماعية وغيرها وغلفها جميعًا بقيمة عامة وهي القيمة الجمالية. ومن هنا يمكن القول بأن قيمة الجمال تكررت في أعماله من خلال أنساق مختلفة ومتميزة بلورت مُختلف القيم الأُخرى.
لم يسعَ صبحي لتقديم قضايا جُزئية تخص فئة بعينها وإنما سعى لتقديم قضية الإنسان الأساسية.
استطاع صبحي أن يمسك جيدًا بزمام الشخصيات التي يقدمها حتى ولو قدم أكثر من شخصية في نفس العرض والدليل على ذلك مسرحية «الجوكر» حيث قدم ست شخصيات واختلفت كل شخصية من حيث قناعها وطريقة أدائها وطبقة صوتها فأوجد لكل منهما أسلوبًا حركيًا وصوتيًا دالًا عليها.
اختلف صبحي عن باقي فناني جيله حيثُ رأى أن المسرح هو من أعطاه الشهرة والنجومية فأعطى عمره كله للمسرح فكان صبحي أثر فنان قدم عروض مسرحية من بين مُعاصريه وقد لاقت جميعها بالنجاح.
تأثر صبحي في المرحلة الأولي من حياته بأسلوب التشخيص في التمثيل وقد ظهر ذلك جليًا في تحليل عرض الجوكر حيثُ قدم ست شخصيات اختلفت كلُ منها من حيثُ قناعها وطريقة أدائها.
أبدع  محمد صبحي المُخرج والمُمثل والرملي كمؤلف في استحداث حالة فنية اعتمدت على وجود نص حقيقي واضح مع الالتزام بالأساليب الفنية تمثيلًا وإخراجًا فاستطاع بلورة الأفكار الإنسانية والسياسية بشكل مُناسب فخرج بمجموعة من بين أفضل عروضه فكريًا وجماليًا.
لا يُمكن تصنيف أو تحديد منهج مُحدد لمحمد صبحي ولكنه تأثر بكل المناهج الحديثة فجمع بين الواقعية والرمزية والملحمية حيثُ الخطاب المُباشر للمُتلقي حاملًا القيم التربوية الواضحة- الديكورات الموحية – الموسيقي والإضاءة المُدعمة للحظة الانفعالية وقد استطاع بتلك التوليفة المسرحية أن يكسب قلب وعقل المُتفرج.
رغم تناثر آليات الملحمية بين أرجاء أعمال صبحي كافة بشكل أو بآخر، فلم يستطع صبحي التخلي تمامًا عن تقاليد المسرح الواقعي المُتعارف عليه في عدة عناصر منها على سبيل المثال:
استخدام الشكل التقليدي لخشبة المسرح، فلم يحاول تغيير شكل خشبة المسرح وإنما حافظ على شكل العلبة الإيطالي مهما تجاوز في إخراجه الحدود التقليدية.
الحفاظ على شكل العلاقة بين المُتفرج وخشبة المسرح، فرغم تخطيه الخشبة ونزوله الصالة لم يحاول أن يُغير من شكل المسرح ذاته، أو أن يُغير من مكان المُتلقي ليُقْحمه في العملية المسرحية.
يُعد عنصر المُجازفة والجرأة من أهم مميزات صبحي حيثُ لم يخشَ أبدًا إحياء أعمال من زمن الفن الجميل مثل عرض غزل البنات وهى إعادة مسرحية لفيلم «غزل البنات» أو تقديم أعمال قُدمت للتليفزيون مثل عرض عائلة ونيس المأخوذ من مُسلسل «يوميات ونيس».
نجح صبحي في إيجاد الشكل المسرحي المُتميز الذي يستطيع التفاعُلْ مع المُتلقي في المسرح التجاري دون أن يفقد قيمه التربوية والجمالية، فجمع بين الأداء العفوي البسيط ممزوجًا بالتقنية واللياقة الجسدية العالية، وجمع بين النقد اللاذع والسُخرية المريرة.
صبحي فنان ذو عين ثاقبة استطاع أن يضع يده على الكثير من مشاكل مجتمعه وأن يُقدَم مسرح يُناسب جميع المستويات الفكرية دون التدني بمستوي لغة الحوار.
صبحي فنان أكاديمي واعِ استطاع أن يمزج ما تعلَمه من دراسته مع خبرته الشخصية في الحياة فأكسبه ذلك خبرة واسعة ساعدته في اختياره لأدواره.
 


همت مصطفى