سباعي السيد.. مترجم موسوعي رحل مثقلا بحب المسرح

سباعي السيد..  مترجم موسوعي رحل مثقلا بحب المسرح

العدد 805 صدر بتاريخ 30يناير2023

أثرى الناقد والباحث سباعي السيد الحركة المسرحية في مصر والوطن العربي بالكثير من الدراسات النقدية والأبحاث المؤلفات، كما زخرت المكتبة العربية بـ إصداراته المترجمة والتي ترجمها بعناية وأهمية لا تقل عن المصدر الغربي فـ كانت ترجماته المسرحية جسرًا يتطلع من خلاله المهتمين بمجال المسرح على الكتب والدراسات الأجنبية، حيث اهتم السيد كثيرًا بالمهتمين والدارسين لفن المسرح ولهذا نقل بترجماته كم هائل من الموضوعات المسرحية الغربية الهامة إلى العربية بهدف اطلاع المسرحيين العرب على تاريخ المسرح العالمي وتطوراته.
يعد السيد رائدًا في مجال المواقع الإلكترونية فـ كان من أوائل المفكرين في المواقع الإلكترونية المعنية بالمشهد المسرحي، بهدف اطلاع العالم على الشأن المسرحي وتبادل الثقافات الفنية بين البلدان والمسرحيين العرب الذين تتباعد أماكنهم جغرافيًا، حيث أسس “المسرح دوت كوم” أول موقع إلكتروني مسرحي عربي عام 2002، ليُصبح نافذة يطل منها العالم على الشأن المسرحي، فقد لعب المسرح دوت كوم دورًا مؤثرًا في مجال المسرح لفترة طويلة، فبسببه اجتمع المسرحيين وتواصلوا معرفيًا وثقافيًا، بالإضافة إلى كونه منبر حر للنقاش حول قضايا المسرح وشؤونه، ومن خلاله نُظمت ندوات جمعت المسرحيين افتراضيًا عبر برنامج سكايب تفاعلوا خلالها بـ أوراق بحثية عن موضوعات مسرحية مختلفة في سابقة لم تحدث من قبل، كما أسس السيد من خلال الموقع مشروع ذاكرة المسرح الإلكترونية العربية عام 2012، والتي توثق الحياة المسرحية وتحفظها لتتيحها للباحثين في هذا المجال في أي وقت دون كد او عناء، وبفضل الموقع أيضًا انطلقت مبادرات أخرى كـ الجمعية العربية لنقاد المسرح.
لقد كان السيد واحدًا من أبرز واهم المترجمين في المجال المسرحي، حيث شغلت الترجمة جانب كبير من مشواره المسرحي، فقد تعددت ترجماته بين مقالات نُشرت في صحف ومجلات متعددة من بينهم نشر السيد في مجلة المسرح مقاله تمهيدية عن علم تأريخ المسرح theatre historiography والذي يناقش فلسفة التأريخ للمسرح ومناهجه وأدواته في مجال المسرح، وعن هذا الموضوع كتب السيد انه موضوع شائق لأي باحث يهتم بتأريخ المسرح العربي واشكالياته الكبرى، وفي جريدة مسرحنا كتب السيد سلسة مقالات قدم خلالهم قراءات مختلفة في تاريخ المسرح العالمي منذ الواقعية الحديثة والتي كانت ترجمة عن مرجع History of The Theatre لـ أوسكار بروكيت، من بينهم مقال بعنوان عن “مسرح موسكو الفني والواقعية في روسيا: ستانسلافسكي وتشيخوف»، واخر بعنوان «اميل زولا واندريه أنطوان»، كما نشر في مجلة المسرح العربي التابعة للهيئة العربية للمسرح مقتطف من ترجمته لمقدمة نفس المرجع، وكتب من بينهم كتاب المسرح والعلامات لـ إلين إستون وجورج سافونا، وكتاب مجال الدراما لـ مارتن اسلن وأيضًا كتاب المسرح في ملتقى الثقافات لباتريس بافيس، المسرح كنظام من العلامات لـ جورج سافونا، ألين أستون، بالإضافة إلى كتاب مارفن كارلسون في المسرح العربي والذي يضم معظم مقالات ودراسات كارلسون التي نشرها في مجلة Arab Stages وكذلك المقدمات التي نشرها لمجموعات النصوص المسرحية العربية المترجمة إلى الانجليزية، وكانت هذه المرة الأولى لتجمعهم في كتاب واحد، كما كتب في جريدة مسرحنا قراءة لكتاب مقدمة كامبريدج في الدراسات المسرحية Cambridge Introduction to Theatre Studies تأليف كريستوفر بالم، وساهم أيضًا في تحرير موسوعة كامبريدج لفن التمثيل  The Cambridge Encyclopedia of Stage Actors and Acting.
كان السيد على دراية دائمة بكل جديد في عالم المسرح وكانت له فلسفة خاصة ومؤثرة في موضوع الترجمة فهذا الجسر الذي يطلع من خلاله العرب على المشهد المسرحي الغربي كان مهمومًا بـ ماهية المادة التي تتصدر إلى المجتمع العربي، ففي عام 2018 حين قام المركز القومي للترجمة بترجمة دليل كامبريدج للمسرح والذي صدر بعنوان «موسوعة المسرح» في مجلدين اثار السيد سؤال هام عن أسباب اختيار المترجمين ودار النشر إلى ترجمة هذا المجلد الذي مر على صدوره بلغتها الأصلية عشرون عامًا ـ حينها ـ تحديدا دون غيره، في مقال نُشر في جريدة مسرحنا بعنوان “دليل كامبردج للمسرح والفجوة المعرفية في ثقافتنا” والذي تطرق خلاله إلى أزمة  الدارسين والمهتمين بالمجال المسرحي بسبب فقر المكتبة العربية بالأعمال الموسوعية في مجال المسرح وغياب الأدلة والموسوعات الموثقة لتاريخنا الثقافي بشكل عام، ولهذا وجد السيد انه سببًا في خلق فجوة معرفية كبيرة، ولأن غايته الأكبر ان يتمكن المسرحيين العرب من مواكبة تطورات الكتابات المسرحية الغربية رأى انه من الأجدر ان يقوم المترجمين والناشر بالمركز القومي للترجمة بـ استثمار هذا الجهد بشكل أفضل في ترجمة موسوعة أحدث بدلا من كتاب تقادمت معلوماته الآن وتجاوزته موسوعات أحدث.
 ويؤكد السيد من خلال كتابته على نظرته الثاقبة للواقع المسرحي العربي فيكتب في واحدًا من مقالته التي نُشرت بجريدة مسرحنا بعنوان نحن والاخر اورودرام ومسرحنا العربي عن الترجمة ان «الترجمة هي أداتنا الهامة للتواصل مع العالم في هذه القرية الصغيرة، لنتبين موضعنا وأين نقف في هذا العالم، واهمالها في ظني هو فقدان للبوصلة وانكفاء على الذات ومزيداً من العزلة والتراجع، والجمود» وهنا تكشف تلك الفقرة كيف رأى الترجمة وكيف نادى ان يكون هناك استراتيجية واضحة للترجمة لنشر ومواكبة كافة الابداعات المسرحية الجديدة، ولأنه كان معني كثيرًا بالأجيال الجديدة رأى انه من الضروري ان نخرج إلى العالم ونخلق مبادرات نقوم خلالها بترجمة إبداعاتنا المسرحية العربية من خلال المؤسسات المعنية بالترجمة إلى لغات العالم، وذلك لخلق تواصل وحوار دائم مع الآخر بكل السبل، ورأى ان الترجمة أهمهم وهو ما ناقشه في مقاله أخرى نُشرت أيضًا بجريدة مسرحنا بعنوان حقوق المؤلف وحقوق القارئ أيضا!، والتي كتبها ردًا على موضوع حقوق المؤلف الذي قيد حينها دور النشر من ترجمة الكتب الغربية، وفيها اتخذ السيد موقف الدفاع عن حقوق القارئ حيث يختتم مقالة قائلا “وإذا كنا حريصين كل الحرص على الالتزام بحقوق المؤلف، فلا أقل من أن نحافظ على حقوق القراء أيضاً»
ومن ثم نرى من خلال كتابته النقدية والتي وثق خلالها آراءه ومقترحاته فيما يخص المشهد المسرحي العربي وكل جديد ظهر على الساحة على مدار مشواره الفني، كيف طوع سباعي السيد قلمه للمساهمة بكل ما يحمله من أفكار لنهضة المسرح العربي والأجيال الجديدة، فلم يقف صامتا بل دافع عن المسرح بكل طاقته ووجدانه وفي رأيي ان ما قام به الراحل هو أحد أهم أدوار الناقد فلا يجب ان يقف الناقد يراقب في صمت ما يحدث حوله، بل عليه ان يُفكر وان يُصبح لقلمه دورًا فعالاً لتطوير المسرح، هذا ما كان يتبادر إلى ذهني حين قرأت مقالات الراحل خاصة التي توقف خلالها عن أمور مسرحية بعينها ووظف قلمه لتحديد المشكلة وخلق حلول واعية بما يتفق مع الامكانيات المتاحة، صحيح ان سباعي السيد رحل عن عالمنا بجسده ولكن ستبقى كلماته دائمًا من أجل المهتمين بالشأن المسرحي.


رنا أبو العلا