سباعي السيد جسر التواصل للمسرحيين العرب

سباعي السيد  جسر التواصل للمسرحيين العرب

العدد 805 صدر بتاريخ 30يناير2023

يُعد المرحوم «سباعي السيد» صاحب أول منتدى إلكتروني بالإنترنت تخصص في المسرح منذ عام 2002، وهو «منتدى المسرح دوت كوم»! وهذا المنتدى يختلف عن أي موقع إلكتروني خاص بالمسرح في الإنترنت قبل عام 2002، لأن المواقع الأخرى كانت تحتفظ بالمعلومات والصور، وتُفيد روادها بذلك دون أن يكون لهم أية فعالية في التعليق أو الكتابة أو المشاركة!! أما منتدى سباعي السيد، فكان أول المواقع التي تسمح لأعضائها بالكتابة والنشر والمشاركة والأخذ والرد في نقاشات مسرحية متنوعة!! وكان لكل عضو «رقم» هو رقم انضمامه إلى المنتدى، وكان سباعي صاحب الرقم «1»، بوصفه مؤسس المنتدى وأول أعضائه، وكان لي نصيب الأسد بعده، حيث حملت الرقم «2» في هذا المنتدى، وبدأت أتعرف على سباعي عن بُعد منذ أول يوم لإطلاق المنتدى، ولم أكن أعرفه شخصياً من قبل!!
في هذه الفترة كنت نشرت مجموعة كبيرة من كتبي، وبدأت أنشر أجزاء منها في المنتدى، بالإضافة إلى مواضيع ومقالات من إنتاجي خارج كتبي المنشورة، وبدأ الأعضاء يلتحقون بالمنتدى من كافة الدول العربية، وبدأت النقاشات والمجادلات والمحاورات، وأصبح المنتدى أول تجمع عبر النت لأغلب مسرحيي العالم العربي!! وعن طريقه تعرفنا جميعاً بعضنا ببعض وبمؤسس المنتدى!! ومع تضخم الموقع وكثرة أعضائه، اشترى سباعي مساحة أضخم للمنتدى عام 2006 تقريباً – حيث كان ينفق عليه من جيبه الخاص – وأطلق عليه «موقع المسرح دوت كوم» وشعاره «جسر التواصل بين المسرحيين العرب» وكان موقعاً ناجحاً، ولو استمر حتى الآن لكان أحدث ثورة في التواصل المسرحي بين العرب، وكفى أن سباعي أصدر من خلاله أول عدد من أول مجلة إلكترونية مسرحية عربية، هي «مجلة المسرح دوت كوم» في إبريل 2006، وكتب سباعي كلمة قدّم بها مجلته، قائلاً:
«يعرف الكثيرون من قراء موقع المسرح دوت كوم .. كيف انطلق الموقع في العام 2002، رافعا ً شعار «جسر التواصل بين المسرحيين العرب» إيماناً من القائمين عليه بضرورة إيجاد مجتمع مسرحي عربي على الإنترنت، وتأسيس مرجعية الكترونية للمسرح العربي تتاح لجميع المهتمين بقضايا المسرح عموما والعربي خصوصاً في كل مكان من العالم. ويمثل اليوم انطلاقة جديدة في مسيرة المسرح دوت كوم، ومنعطفا ً هاما ً في تطور خطاب الموقع وتواصله مع قرائه. ففي ظل غياب العديد من المجلات المسرحية العربية أو تعثرها أو صعوبة الحصول عليها، نقدم للقارئ العربي المهتم بفنون المسرح هذه المجلة المتخصصة التي تصدر وتوزع على شبكة الانترنت حيث يمكن للقارئ تصفحها على شاشة الكمبيوتر أو طباعتها كاملة ليحصل على نسخة ورقية يمكنه قراءتها بشكل أفضل. وفي هذا العدد الأول من المجلة نقدم دراسة هامة بعنوان «حضور المتلقي في قلب التحولات الاجتماعية» للدكتور حسن عطية تتناول الإنتاج المسرحي و التلقي في سياقها الاجتماعي ويتناول بالتحليل مفهوم العولمة وانعكاساته على الإبداع المسرحي .. كما نقدم أيضا ً المقامة البهلوانية للكاتب المسرحي الدكتور عبد الكريم برشيد والتي يصدرها بمقدمة نظرية عن فن المقامة المسرحية. أما مقالة الدكتور علاء الجابر بعنوان عراقيون يحتلون المسرح الهولندي، فتلقي الضوء على المسرح العراقي في المنفى أو في الغربة، وبالأخص تجربة المخرج رسول الصغير. وتتابع داليا صالح في مقالتها عن الواقع الافتراضي والسينوجرافيا المسرحية أحدث التقنيات المشهدية. وبمناسبة اليوم العالمي للمسرح ننشر نص الرسالة الدولية لليوم العالمي للمسرح التي وضعها هذا العام الكاتب المسرحي المكسيكي فيكتور هيجو راسكن باندا، والتي اعتمدتها الهيئة العالمية للمسرح على موقع الإنترنت الخاص بها. ونقدم عرضاً سريعاً لكتاب هام يعكس مدى اهتمام العالم الآن بالثقافة العربية وهو كتاب «أوديب العربي» الذي يضم ترجمات إنجليزية لأربعة مسرحيات عربية تدور حول أسطورة أوديب وقام بتحرير الكتاب البروفيسور مارفن كارلسون. ونختار من حصاد الصحف المسرحي مقالتين الأولى عن رحيل الشاعر السوري الكبير محمد الماغوط، والثانية متابعة تفصيلية لمهرجان عمان المسرحي في دورته الثانية. أتمنى أن يلاقي هذا العدد الذي تقرأه الآن عزيزي القارئ صداه. والمجلة دائما ترحب بكل الآراء والمداخلات، كما أنها تدعو جميع المسرحيين العرب وجميع المهتمين بالمسرح العربي إلى المساهمة في تحرير هذه المجلة.
وبعد عشر سنوات من نجاح موقع «المسرح دوت كوم» لم يصبح الموقع المسرحي الوحيد، حيث كثرت المواقع المنافسة، لا سيما بعد ظهور «الفيسبوك»، فواكب سباعي التطور وفتح بجانب موقعه، صفحة بالفيسبوك أطلق عليها الاسم نفسه «المسرح دوت كوم» وكانت صفحة خاصة للأعضاء فقط، وما زالت موجود حتى الآن، ولكن تحديثها توقف عند تاريخ 16/9/2016 وهو تاريخ مهم جداً!! ففي هذا اليوم أغلق «سباعي السيد» موقع المسرح دوت كوم بالإنترنت، وأغلق أيضاً صفحة الموقع بالفيسبوك، وكتب كلمة، نعى فيها موقعه، قائلاً:
«بعد تجربة امتدت لأكثر من 14 عاماً رفع خلالها موقع المسرح دوت كوم شعار جسر التواصل بين المسرحيين العرب. كانت تجربة هامة بالنسبة لي. وربما لغيري. أثمر الموقع حوارات هامة بين المسرحيين العرب أعتز بها. وخرجت من عباءته العديد من المشاريع، بعضها تحقق وبعضها الآخر أجهض بطبيعة الأحوال. والآن وبعد تطور شبكات التواصل الاجتماعي وانتشار المواقع المسرحية، التي تنقل أخبار المسرح في العالم العربي، أُعلن عن انتهاء هذه المرحلة من المسرح دوت كوم. متمنياً أن يكون قد حقق بعضاً من أهدافه. وطموحاته معتذراً عن أي تقصير. أعد بإتاحة أرشيف ومنشورات الموقع للقراء. وربما واتتني الفرصة لإعادة صياغته ذات يوم في المستقبل. شكراً لكل من دعم المشروع عبر السنين، وهم كثر، لا تتسع لهم صفحات فيسبوك. وإلى لقاء .. سباعي السيد».
وإحقاقاً للحق أقول: لم يكن موقع – أو صفحة – المسرح دوت كوم، مجرد موقع به حوارات ومناقشات، بل كان موقعاً جريئاً وشجاعاً بفضل مؤسسه سباعي السيد الذي كتب فيه آراءه العلمية والنقدية عن دراسة واقتناع! ولا أنسى موقفه الشجاع – الذي تفرد به حينها – عندما أقيم مؤتمر «الرقابة والمسرح» عام 2015، وتفاجأت بوجود باحثَيّن في المؤتمر، أحدهما نقل بحثه كاملاً من كتابي «الرقابة والمسرح المرفوض» الصادر – قبل انعقاد المؤتمر - بعشرين سنة، والآخر نقل بحثه كاملاً من مجموعة مقالات نشرتها مسلسلة في جريدة الجمهورية قبل انعقاد المؤتمر بأربعة أعوام!!
كان موقع «المسرح دوت كوم» - وبالأحرى المرحوم سباعي السيد – الأسبق في إدانة هذه الجريمة، وكتب كلمة .. نُشرت في موقع «المسرح دون كوم» يوم 26/5/2015، قال فيها: «الدكتور سيد علي إسماعيل هو أستاذ باحث معروف في مجال تاريخ المسرح، له إنجازاته الواضحة والبارزة على صعيد التوثيق للمسرح المصري والعربي، والتأريخ للعديد من الشخصيات والحقب الزمنية. اتسمت أعماله بالأصالة والتحقيق العلمي والعمل على الوثائق الأصلية. وبذلك فقد قدّم خدمة كبيرة للمسرح العربي للباحثين في تاريخ المسرح المصري والعربي. ويصعب على الباحثين في هذا المجال أن يتجاهلوا عمله الدؤوب والمُثمر الذي أسفر عن عشرات المؤلفات والمقالات. أما السطو على جهد هذا الرجل فأشبه بالفخ، لأن الدكتور سيد علي اسماعيل يعشق البحث عن الوثائق، ويعتمد في أبحاثه على وثائق أصلية ونادرة، فإما أن يكون الباحث قد أطلع على الوثيقة الأصلية (التي غالباً ما تكون بحوزة الدكتور سيد) أو نسخة عنها، أو أنه اطلع عليها من خلال أبحاث الدكتور سيد وكتبه المنشورة، وفي هذه الحالة فلا يمكن على الإطلاق ألا يُحال القارئ إلى المرجع الأصلي الذي استقى منه المعلومة، وإلا كانت واقعة السطو ثابته ومؤكدة ومحققة. ولعل السطو الأدبي والفكري أصبح شائعاً، لأسباب لا محل لذكرها هنا، لدرجة أن مسابقة مرموقة أعلنت عن تجريد الفائز بها من الجائزة وكل آثارها المادية والمعنوية بعد فوزه بها لتيقنها من ارتكابه لأسوأ أنواع السطو في رأيي: السرقة الأدبية والفكرية!! إلى الصديق الدكتور سيد علي إسماعيل أقول: «أنت بكرامة» وأشكرك على جهودك المخلصة في خدمة المسرح والثقافة العربية. وأتوقع من الصديق الدكتور رئيس المركز القومي للمسرح وهي الجهة المنظمة لمؤتمر الرقابة والمسرح، أن يحقق في هذه الوقائع الدامغة والأدلة التي ساقها الدكتور سيد علي إسماعيل وأن يُعلن عن النتائج أيا ما كانت، والتي لا شك تسيء لمن وُجهت إليهم تهمة السرقة – إن ثبتت - أكثر من أي شخص آخر».
لم تتوقف شجاعة سباعي السيد عند هذا، بل استمر في شجاعته، عندما تشكلت لجنة لفحص البحثين المسروقين وكتابة تقارير عنهما، وتشكلت اللجنة من: الدكتور أحمد مرسي، والدكتورة نهاد صليحة، والدكتور حسن عطية – رحمهم الله جميعاً - وكتب كل منهم تقريراً أثبت السرقة الواضحة من كتبي وبحوثي!! ماذا كان موقف سباعي!! قام بنشر تقرير أحدهم، وهو المرحوم الدكتور حسن عطية، الذي عنون تقريره بعنوان قال فيه: «سرقة واضحة ومتعمدة، يقع فيها الحافر على الحافر»!! وللأسف الشديد صمت الجميع، لأن أحد البحوث المسروقة كتبه مسؤول كبير في وزارة الثقافة – رحمه الله وسامحه - وظل الأمر معلقاً دون اتخاذ أي إجراء طوال سبعة أشهر!! والوحيد الذي لم يصمت كان الشجاع «سباعي السيد» الذي كتب في موقع وصفحة «المسرح دوت كوم» يوم 23/12/2015 الآتي:
«.. والسؤال هو: لمصلحة من تُترك النهايات مفتوحة؟! لماذا لا تُصدر إدانة واضحة وصريحة لقيادة ثقافية يُفترض فيها أن تكون رقيباً على الفضيلة والأخلاق! الإدانة واضحة بالسرقة لمن وردت أسمائهم في التقرير!! فلماذا تغيب المساءلة والمحاسبة؟ وهل هذا في صالح الأجيال القادمة؟ الإدانة صريحة وواضحة لكل سارق أو ساكت عن الحق .. فهل نسمع رداً من المسؤول الأول عن الثقافة في مصر؟! أم أنه لا حياة لمن ننادي؟!».
هكذا كان موقع «المسرح دوت كوم» .. وهكذا كان صاحبه «سباعي السيد» .. رمز الجرأة والشجاعة والعلم!! ومن الغريب أنني أكتب عنه الآن مودعاً له داعياً له بالرحمة والمغفرة، وكان من المفترض أن نحتفل به «دكتوراً»، ولكنها مشيئة الله!! فبدلاً من الاحتفال بمناقشته لرسالة الدكتوراه هذه الأيام، ننعيه ونشيعه إلى مثواه الأخير! وكم أتمنى من وزيرة الثقافة أن تصدر أوامرها بعقد مناقشة رمزية لرسالة الدكتوراه للمرحوم سباعي السيد، ومنحه درجة «الدكتوراه الاعتبارية»، وتحقق للمرحوم أمنيته!! وقد كتبت مناشدة بهذا الخصوص في جريدة «المساء» يوم 23 يناير 2023، تحت عنوان «نداء إلى من يهمه أمر المرحوم الدكتور سباعي السيد»، أعيد نشر جزء منها هنا، توثيقاً لها:
«منذ عشرين يوماً وتحديداً في الأول من يناير الجاري، تلقيت تهنئة عبر ماسنجر الفيسبوك من صديقي الغالي «سباعي السيد» بمناسبة العام الجديد، ثم بادرني بطلب عاجل يريد الاستفسار عنه، وهو أنه أنهى رسالة الدكتوراه منذ سنة ونصف، وعنوانها «أثر السيميوطيقا في تطور الخطاب النقدي المسرحي في مصر» المسجلة بالمعهد العالي للفنون المسرحية بأكاديمية الفنون تحت إشراف الدكتور «محمد شيحة»، ولكنه لا يستطيع الحضور إلى مصر لمناقشتها بسبب مرضه – بالخبيث – ولا علاج له أو استئصال حتى في ألمانيا، لذلك هو يتمنى مناقشة الرسالة - قبل انتهاء أجله - ويريد أن تكون المناقشة عن بُعد «أون لاين». وبدأ يستفسر مني على الإجراءات، كوني ناقشت رسائل عديدة «أون لاين» وقت جائحة كورنا! ومن خلال حواري معه عرفت أنه حصل على موافقة مبدئية من الأكاديمية على إجراء المناقشة «أون لاين» بعد أن قدم تقارير طبية بحالته الصحية التي لا تسمح له بالسفر! وانتهى النقاش بيننا بعد أن أوضحت له كافة الإجراءات المطلوبة!! وعندما شكرني، كتبت له هذه العبارة: «لا شكر على واجب وحق لك عليّ يا مولانا ... ودعواتي لك بالشفاء والتوفيق .. وقريباً نبارك لك الدكتوراه والشفاء أيضاً» .. وما كنت أتخيل أن هذه العبارة ستكون آخر ما أكتبه له .. وآخر ما يقرأه لي!! وبناءً على ذلك أتوجه برجاء حار إلى معالي وزيرة الثقافة نيفين الكيلاني، والدكتورة غادة جبارة رئيسة الأكاديمية، والدكتور مدحت الكاشف عميد المعهد، والدكتور محمد شيحة المشرف على الرسالة .. بإجراء مناقشة «رمزية» لرسالة الدكتوراه للمرحوم سباعي السيد، بحضور لجنة المناقشة وأهل المرحوم وأصحابه ومحبيه، ووضع روب المناقشة على كرسي الباحث مع صورة له، ومنح روحه «الدكتوراه الفخرية»، لأن القانون يمنع منح الدرجة العلمية للباحث إلا بحضوره الفعلي للمناقشة!! وهذا الإجراء من أجل حفظ رسالة المرحوم العلمية في مكتبة الأكاديمية، وطبعها في كتاب حفاظاً على مجهوده العلمي، ليستفيد منها الطلاب مستقبلاً! وبذلك نحقق للمرحوم أمنيته التي كان يتمناها!! وإجراء المناقشة «الرمزية» للباحث المتوفى ليست بدعة، لأنها حدثت من قبل في الجامعات المصرية «مرتين»: الأولى في مارس 2021 بكلية التربية جامعة طنطا عندما عقدت «مناقشة رمزية» لباحث الدكتوراه المتوفى بالمرض الخبيث «محمد ماضي شاهين»، والأخرى في ديسمبر 2021 بكلية الآداب جامعة المنيا، عندما منحت الباحث «أحمد رأفت أحمد خليفة» درجة الدكتوراه «الاعتبارية» بعد وفاته بثلاث سنوات .. وهذا يعني أن هناك سوابق لإجراء «المناقشة الرمزية» للباحث المتوفي!!».


سيد علي إسماعيل