مسرحية «شتات».... التصالح مع الكون يبدأ من التصالح مع الذات

مسرحية «شتات».... التصالح مع الكون يبدأ من التصالح مع الذات

العدد 798 صدر بتاريخ 12ديسمبر2022

علي قدمٍ وساقٍ يجري المخرج سعيد سليمان البروفات التحضيرية للعرض المسرحي «شتات»، إنتاج قطاع الإنتاج الثقافي بمركز الهناجر للفنون، والمقرر عرضه أواخر شهر ديسمبر علي خشبة مسرح الهناجر. والعرض من تأليف: رشا فلتس. إخراج: سعيد سليمان. مخرج منفذ: عليا عبد الخالق، فاطمة عصمت. مساعد مخرج: عبد الله صلاح. ديكور وملابس: نهاد السيد. إضاءة: أبو بكر الشريف. تمثيل: عمرو صلاح، شريف صبحي، ياسر أبو العينين، مصرية بكر. عن العرض المسرحي أجرينا لقاءات مع فريق العمل ليتحدثوا عن تجربة «شتات».

رشا فلتس: العرض يتناول أزمة الوجود الإنساني التي تنتهي بالموت
قالت المؤلفة رشا فلتس عن الفكرة التي يتناولها عرض «شتات»: العرض يتناول أزمة الوجود الإنساني التي تنتهي بالموت. مسرحية شتات هي قصة ثلاثة أشخاص يتصارعون داخل بدروم مُهمَل للخلاص من وضعهم المزرى، وخلال محاولتهم للخلاص يخوضون صراعات داخلية عنيفة تنشئها ضغوط الحياة.

سعيد سليمان: تجربة «شتات» هي تعبير عن تشظي الإنسان الحديث وانقسامه داخلياً
قال مخرج العرض سعيد سليمان الي إن العرض يتناول الإنسان الحديث في انقسامه وانفصامه الداخلي، في تشتته بين مشاعره وعقله، بين روحه وجسده. فالإنسان الحديث وفي ظل ما يعانيه تشعر وكأنه مُشظي داخلياً، لا يجمع بين جسده وعقله وروحه وحدة واحدة، لا تسير أفكاره ومشاعره وغرائزه في نفس المنوال. هذا التشظي لا يقف عند إحداث صراع داخلي لدي الإنسان فيجعله غير متحد مع ذاته فقط، وإنما يتخطى ذلك فيؤثر علي علاقة الإنسان مع الجانب الخارجي من الكون، فيصير الإنسان غير متحد مع الوجود نفسه أو مع الآخر الذي يعيش معه.
تلك هي التيمة الأساسية لتجربة «شتات» وخلالها نحاول البحث عن النقطة المركزية التي تغيب عن الإنسان، تلك النقطة التي يتحد من خلالها مع ذاته وبعد ذلك مع الكون. فنتيجة لتشظي الإنسان داخلياً – والذي قد يعيه الإنسان أو لا يعيه-، فالإنسان غالباً لا يتصالح مع ذاته ومع الكون بأكمله، وبالتالي تصير حياته نوع من أنواع المعاناة المستمرة، الأمر الذي ينعكس علي الكون من الخارج وعلي حياة الإنسان السلوكية والفكرية وعلاقته التفاعلية مع الآخر، فتستمر المعاناة وكأنه سيزيف، فكيف يكون هناك اتحاد أو تصالح مع الذات ثم مع الوجود؟
بالنسبة للرؤية الإخراجية للعرض أوضح سعيد سليمان: أن تناول هذا النص كان بشكل غير تقليدي تماماً، وكانت البداية مع تدريب الممثلين، فابتعدنا تماماً عن الورق وبدئنا بالعمل علي الجسد نفسه، في البحث عن علاقته بذاته وعن علاقته مع الآخر، وذلك من خلال تدريبات جسدية واظب عليها الممثلين، وتدريبات أخري خاصة باستلهام سلوكيات أمراض نفسية معينة، وكيفية محاكاتها علي مستوي الأعراض الخارجية والجسدية فقط. بعد ذلك قام الممثلين بالتدرب علي إبراز حالة عضوية جسدية تعكس حالة التشظي والسكون والاضطراب والتوتر والانقسام الداخلي، وهنا بدئنا بالدخول الي عالم النص، أي إن الممثل تعامل بداية مع جسده ثم مع الشخصية فيما بعد، وبدأ يمزج بين الإثنين بتركيبة جسدية نفسية، أو عضوية داخلية، هذا المزج بين النقيضين يؤدي أحياناً الي نوع من التنافر بين الجسد والمشاعر الداخلية، وهذا هو جوهر شخصيات المسرحية.
وكانت البداية من الانقسام الخارجي للتأكيد علي إن الشخصية التي يؤديها الممثل ليست في حالتها الطبيعية، وكأنه يتعامل مع الشخصية وكأنها مرض يصيبه، فهو في حالة تردد ناتج عن التنافر بينهما، بين تتقبلها والانغماس فيها، وبين الانفصال عنها وتأملها من الخارج وكأن هناك مسافة بينه وبين الشخصية. الأمر الذي يجعله في حالة دائمة من السؤال عن سبب تواجده في هذه البقعة من خشبة المسرح، وعن اضطرابه الداخلي، وعن جوهر شخصيته هل هي علي طبيعتها؟ أم إنه اكتسبها من الخارج؟
ولتحقيق هذا كانت البداية مع تدريبات جسدية وتدريبات خاصة بالأوضاع العضوية، في محاولة للدخول الي الشخصية من الجسد ثم المشاعر حتي نصل الي النقيضين الذي يجمع بين التشظي والسكون الداخلي.

ياسر أبو العينين: أداء مثل شخصيات مسرحية «شتات» يكون مرهق ويتطلب قدر عالٍ من التركيز
يتحدث الفنان ياسر أبو العينين عن الشخصية التي يقدمها فيقول: أقدم شخصية «رجل 3»، وهذا هو أسم الشخصية، فالشخصيات داخل النص يُشار إليها بأرقام، وهذا يدل علي إنها حالات إنسانية أكثر منها شخصيات حقيقية. والشخصيات الثلاث ينفصلوا في لحظاتٍ معينة فتشعر وكأن لكل واحد منهم شخصيته المستقلة، وفي لحظاتٍ أخرى تشعر وكأنهم أجزاء لشخصٍ واحدٍ، وأداء مثل هذه الأدوار يكون مرهق، كونها تحتاج الي تكنيك صوتي وحركي غير تقليدي، وتعتمد علي دراسة الحالة النفسية للشخصية بشكلٍ أعمق من الدراما التقليدية، كما إنها تتطلب بجانب التركيز علي الأداء الفردي، التركيز علي الحفاظ علي الهارموني مع باقي أعضاء الفريق.
ولو حاولنا الحديث عن شخصية «رجل 3» فيمكن أن نقول إنه هو من يصنع التوازن بين شخصيتي «رجل2» و»رجل1» المتنافرين دائماً، فإذا كان «رجل1» هو تجسيد للرغبات الجسدية والمادية للإنسان، و»رجل2» هو تجسيد للجانب الروحي والسامي في النفس البشرية، فإن «رجل3» هو من يحاول أن يصنع المواءمة بين هذا وذاك، وذلك لإحداث الاتزان النفسي للإنسان، أي يمكن القول إن «رجل3» هو العقل.

مصرية بكر: شخصيات مسرحية «شتات» أقرب إلي حالة داخل كل نفس بشرية
بينما أشارت الفنانة مصرية بكر إلي أن مسرحية «شتات» هي ثاني تجاربها مع المخرج سعيد سليمان، وأكدت علي إعجابها بعروضه كمتلقي، ذلك كونه مختفاً ويحمل فلسفة خاصة، إلي جانب تمكنه من كل أدواته الإخراجية لتوصيل تلك الفلسفة. وأشارت إلي ان عرض «شتات» سيكون عرض مختلف علي كل المستويات بداية من الكتابة وحتي الرؤية الإخراجية، وأوضحت إن العرض يحمل أكثر من تأويل، كون مضمونه الفكري يحمل عمق داخلي ويناقش البعد الداخلي للنفس الإنسانية، وأشارت الي إن المخرج وجههم الي الدخول الي الشخصية من ثلاثة اتجاهات: سيكولوجية وصوفية وفلسفية.
وعن الشخصية التي تؤديها مصرية أوضحت إنها تؤدي شخصية «السيدة»، وهذه الشخصية لا تملك أبعاداً تاريخية، بمعني إنها شخصية ليس لها خلفية، إنما هي أقرب الي رمز البحث عن الذات، فهذه السيدة تبحث طوال العرض عن الكمال، ومحاولة العثور علي صيغة مناسبة للتصالح مع نفسها. أي إن الشخصية ليست شخصية درامية تقليدية يمكن أن نجد لها مثيل في واقعنا المُعاش، إنها أقرب إلي حالة داخل كل نفس بشرية.
 

 


عبد الرحمن الحمامصي