العدد 795 صدر بتاريخ 21نوفمبر2022
تستكمل الجلسة الثانية من جلسات مؤتمر الموسيقى العربية الدورة 31، ليوم الثلاثاء 25 أكتوبر 2022، حول المسرح الغنائي برئاسة الدكتور «عصام الجودر» من البحرين، ورئيسة اللجنة العلمية الدكتورة “رشا طموم”، وبحضورر عدد من الباحثين والنقاد على رأسهم دكتورة نجاة ظاهر، دكتورة أحلام أكبر، دكتور محمد اليوفي، الشاعر السيد محمد حسن.
تناولت الدكتورة “أحلام أكبر”_ أستاذ مساعد بالمعهد العالي للفنون الموسيقية بالكويت، في حديثها المعالجة الدرامية والرؤية الموسيقية للمشهد الغنائي الوطني نشيد “صحاري الكويت”من أوبريت قوافل الأيام.
حيث نوهت أن الأوبريت الغنائي الوطني في الوطن العربي أرتبط بعوامل التغيير السياسي والمد الثوري، واستمرت هذه العلاقة بين الإنسان والموسيقى حتى أصبحت وسيلة في بث روح الوطنية والتضحية من أجل الوطن.
وأشارت أن الصورة الغنائية الوطنية عنصرا هاما في المسرح الغنائي الكويتي، لأنها تقدم معالجة لأحداث المجتمع من خلال الموسيقى والرقص والتمثيل والديكور، وتعتمد على فن الزجل عادة وأحيانا بعض الأبيات الشعرية والألحان الخفيفة المتنوعة، كما تحتوي الصورة الغنائية الوطنية الكويتية على الطابع الكويتي من حيث المسار اللحني والإيقاعات والتكوين الأوركسترالي.
بدأت الصورة الغنائية الوطنية في الكويت عام 1980، كانت تقدم في المناسبات والاحتفالات الوطنية، وأخذت العديد من الصيغ الغنائية مثل ( النشيد، الطقطوقة، المونولوج، الديالوج، الغناء الحماسي) من خلال المجاميع الكورالية.
وقدمت الصورة الغنائية على يد دارسين سافروا في بعثات وعادوا لينقلوا فن الموسيقى من أهمهم “غنام الديكان”، الذي تأثر في أسلوب تلحينه برواد المجال الفني.
عرفت المعالجة الدرامية هي بناء أولي شبه درامي للسيناريو، بمعنى توسيع وتطوير لتقديم العمل الفني على المسرح، كما تعني التطوير القوي لقصة واحدة لها محور رئيسي واحد.
أما الرؤية الموسيقية فتعد من أهم الرؤى الفنية، فالجمل الموسيقية هي لغة الأحاسيس، والموسيقى تساعد المخرج في دعم الصورة الإيقاعية للعرض، كما أن لها أهمية في سرعة حركة الحوار.
وأوبرت قوافل الأيام هو تأليف عبد الله العتيبي، وألحان غنام الديكان، أداء شادي الخليج والكورال، يدور الأوبريت حول مراحل تاريخية مرت بها دولة الكويت، يتألف من سبع مشاهد غنائية تم تلحينها بإيقاعات شعبية، وهو أول أوبريت غنائي كويتي استخدم التوزيع الكورالي بجانب التوزيع الأوركسترالي.
وأضافت أن الملحن استخدم مقام الكرد ومقام العجم، والتي تعد من المقامات التي تتلائم في صياغتها مع إيقاع المارش.
كما قام الملحن بصياغة النشيد في صيغة ثنائية، واحتوى على مقدمة موسيقية مصاغة من وحي البيئة البحرية التي نشأت فيها الكويت، مع صياغته للمقاطع الغنائية في لحن حواري بين المؤدي ومجموعة كورال يحمل في طياته معاني الإعتزاز والافتخار بدولة الكويت.
استخدم الملحن التصاعد باللحن الذي يؤديه المؤدي في مقطع (عن الكويت التي تعالت بعزم أبناءها العجيب) من خلال الاتجاه باللحن إلى المنطقة الحادة، مع استخدام التنويع الإيقاعي الذي أضفى على اللحن حماسا يساعد على التعبير عن حب الوطن وعلوه بعزم أبناءه.
قام الملحن باستخدام التنوع في أداء الكورال والمؤدي في أسلوب حواري غنائي بينهما في أداء بعض المقاطع الغنائية من جانب، وبين الغناء والموسيقى من جانب آخر، والانتهاء في قفلة استعراضية تستخدم في اللوحات الغنائية الموجودة ضمن الأوبريت.
تلاها في النقاش الدكتور “محمد السيوفي”_ ناقد موسيقي مصري، الذي تناول تأثير المسرح الغنائي على القوالب الغنائية وعلى رأسهم “الطقطوقة”، حيث أبدع سيد درويش الغناء والموسيق في المسرح الغنائي، وأصبح التلحين وسيلة للتعبير تصور معنى النص والأحداث في العرض، كما أحدث انقلابا في أساليب الغناء العربي، فخلق نوعا من الغناء يخاطب طبقات الشعب بأنواعها بعيدا عن فن الصالونات والقصور، مع الاحتفاظ بالقيم الفنية والجمالية والتي ظهرت بوضوح في طقطوقة “شد الحزام على وسطك”.
الطقطوقة هي اسم اصطلاحي في مصر، مشتق من الطقطقة، أي النقرات المصوته المتواترة في السمع ويطلقونه على صنق من الأغنيات الخفيفة المطربة على إيقاع الهزج، تطلق على الخفيف من الأغاني وخاصة في اللغة العربية وتكتب كلماتها بالزجل، تتميز ببساطة اللحن وتتألف من مذهب ومجموعة أغصان.
كانت الأغصان في أول نشأة الطقطوقة متشابهة اللحن ثم أصبح لكل غصن لحن خاص به يساير معاني كلماته، وهذا النوع أدخل شعراء العامية على رأسهم بيرم التونسي، بديع خيري، أحمد رامي، يونس القاضي.
تطورت الطقطوقة من حيث التشكيل، وتعددت بحورها وقوافيها مع كثرة شعراء العامية ولكن ظلت محتفظة بتكوينها الأساسي وأصبحت من أشهر الأشكال الغنائية في النصف الأول من القرن العشرين.
ويعد المذهب الجزء الأقرب للجمهور، فكثيرا ما يحفظ الجمهور المذهب ويردده مع المغني بينما يترك له بقية الغناء، ويرجع ذلك لاستخدام الملحنين للتراكيب السهلة الجذابة في تلحين المذهب، وهذه الميزة ساعدت على انتشار الطقطوقة وانتقالها من جيل لآخر، مثل طقاطيق سيد درويش (خفيف الروح، أهو دا اللي صار، طلعت يا محلا نورها، حرج على بابا، شد الحزام على وسطك، وغيرها).
ولحن شد الحزام على وسطك أو لحن الشيالين كما يُعرف، من أداء سيد درويش والمجموعة وكلمات بديع خيري، وفي مقام الحجاز، وكان ضمن أحداث مسرحية قولوله، التي اشتملت على عدة ألحان ما بين الطقطوقة والموشح والدور والموال و النشيد.
وارتبطت الطقطوقة بفترة الاحتلال الانجليزي الذي منع حركة التلغرافات ومن السفر بين المحافظات وبالتالي تم الاستغناء عن شيالين محطات القطار ومنذ هذه اللحظة وأرتبطت بالموروث الشعبي ووعي الشعب ودور الفن في تعبئة همة الشعب، وقد سمعها الجمهور بأكثر من صوت غنائي، فمثلا فرقة الجيتس المصرية سجلت الطقطوقة كأغنية في الاستوديو، وأيضا نجد عدد من المطربين تغنوا بها مقل إيمان البحر درويش وحمزة نمرة وغيرهم .
كما قدمها قائد الأوركسترا طه ناجي في صياغة أوكسترالية جديدة وقدمها عام 1987، وبذلك تطور قالب الطقطوقة من فترة لأخرى على يد ملحنين ومطربين مختلفين.
بينما يتناول الشاعر والكاتب المسرحي “السيد حسن” الثورة التعبيرية اللحنية في شهرزاد و العشرة الطيبة، قائلا أن المسرح الغنائي المصري كان يلبس دائما عباءة التاريخ ، معتبرها حيلة فنية يعبر بها بحرية كبيرة عن قضايا الواقع الاجتماعي مصريا وعربيا.
مثلا مسرحيات مثل أوديب الملك، إخناتون، لويس الرابع عشر، عطيل، صلاح الدين الأيوبي لسلامة حجازي، شهرزاد والعشرة الطيبة لسيد درويش وغيرهم.
ومعظمها مسرحيات غنائية تحمل لونا من النقد الاجتماعي للواقع المصري في حقب تاريخية مهمة.
وتدور أحداث المسرحية حول شهوة المستعمر في الانقضاض على كل ما هو مصر، تقع “خاتون شهوزاد” في حب الجندي المصري “زعبلة” لكنه يصارحها بحبه لحورية المصرية فتغضب منه وتحاول قتله، ويقرر زعبلة أن مكانه الحقيقي هو في مصر مدافعا عن ترابها، وتتضمن العمل ألحان تكشف كيف استتر صانعوا العمل خلف الحقبة التاريخية لينتصروا للروح المصرية في مواجهة الاستعمار الإنجليزي، فمثلا لحن “أنا المصري، كريم العنصرين، أحسن جيوش في الأمم جيوشنا،...” حيث كان اللحن انتصارا كبيرا للتعبيرية اللحنية، التي تلهب المشاعر والأحاسيس الحماسية والوطنية .
وتختتم الجلسة بالحديث عن المسرح الغنائي للطفل، حيث تناولت الدكتورة “نجاة ظاهر”_ أستاذ مساعد بالمعهد العالي للفنون الموسيقية بدولة الكويت، مشيرة إلى الأوبريت الغنائي “ليلى والذئب” الذي على الرغم من أنه يتسم بالبساطة والتقنيات الفنية التي تتناسب مع قدرات الطفل إلا أن هناك قلة في تناول المعالجة الدرامية والرؤية الموسيقية المستخدمة فيه، حيث عرفت المسرح الغنائي للطفل بأنه عروض الممثلين المحترفين أو الهواه الصغار سواء كانت في المسارح أو في صالات معدة لذلك.
وأشارت أن الكويت عرف المسرح الغنائي من خلال المسرح المدرسي عام 1922، عندما قدم عبد العزيز الرشيد، في مدرسة الأحمدية مسرحية قصيرة عن الأمية، ظهر بعد ذلك رواد المسرح المدرسي وعلى رأسهم حمد الرجيب، ومحمد النشمي، ويعود الفضل في دخول دولة الكويت ضمن قائمة الدول التي تقدم عروضا مسرحية للأطفال إلى السيدة عواطف البدر ومؤسستها البدر للإنتاج الفني.
وقد أضافت أن التوظيف السليم للأغنية يتطلب مؤلفا متمكنا من أدواته، خاصة في الكتابة الكوميدية، وأيضا لا بد أن يكون المخرج على دراية بفنون الموسيقى ليصبح الغناء والتمثيل بنية درامية واحدة.
وأوبرت “ليلى والذئب” يقوم على عدد من الإيقاعات ومنها إيقاع الشامي، إيقاع الدزة، إيقاع الوحدة الكبيرة، وصورة البناء العام تتكون من استهلال ومقدمة موسيقية و ست مقاطع حوارية غنائية.
وصرحت أن المسرح الغنائي الكويتي للأطفال يتسم باستخدام الإيقاعات الشعبية الكويتية والسرعة غالبا ما تكون نشطة، ويكون عبارة عن حوار غنائي ولحني متعدد الموازين والإيقاعات غير ملزم بقالب موسيقي معين.
ومن حيث المعالجة الدرامية، جاء المشهد يحاكي أجواء الغابة بأزهارها وأشجارها وألوانها، كما أعطى الديكور رونقا جميلا انعكس على المشهد من خلال استعراض غنائي راقص بين البطلة ليلى ذات الرداء الأحمر وأشخاص على هيئة أشجار، وأيضا الحوار الغنائي مع الذئب استطاع المخرج فيه أن يوظف الخيال خلال حبكة درامية لمضمون المشهد الغنائي.
أما الرؤية الموسيقية، فاستخدم الملحن التنوع في الموازين، فاستخدم الرباعي البسيط، الثنائي المركب، والثنائي البسيط، كما نوع في الإيقاعات المستخدمة بين الشامي والدزة وإيقاع الوحدة الكبيرة.
كما استخدم أشكال إيقاعية بسيطة تناسب خطوات الراقصين واستخدم النسيج المتجانس والنسيج متعدد التصويت في الاستهلال ليعطي الانطباع عن الجو المحيط بالغابة واستخدم في الحوارات الغنائية أسلوب الإلقاء المنغم ليصبح اللحن بسيط يتناسب مع قدرات الطفل وخياله.
وانتهت الجلسة بعدد من الاقتراحات جاء على رأسها اقتراح الدكتور نبيل فضل، الذي وجه للمنصة والجمهور الحديث من أجل الاهتمام أكثر بمسرح غنائي للطفل لأنهم ثمرة المستقبل.