المخرج أنور الشعافي: تجريبي القاهرة هو الأعرق والأفضل والمرجع عالميا

المخرج أنور الشعافي: تجريبي القاهرة هو الأعرق والأفضل والمرجع عالميا

العدد 787 صدر بتاريخ 26سبتمبر2022

صاحب مجموعة من التجارب المسرحية الرائدة والمختلفة دائما، التجريب مبتغاه منذ البدايات في عام 1988؛ أنور الشعافي سينوغراف ومخرج مسرحي؛ تقلد العديد من المناصب منها مديرا عاما للمسرح الوطني التونسي ومديرا لمركز الفنون الركحية والدرامية بمدنين، قدم العديد من الأعمال المسرحية منها المسودة، بعد حين، أو لا تكون، ترى ما رأيت، اختاره المهرجان الوطني لمسرح التجريب في دورته ال 25 لتحمل الدورة اسمه تكريما لمسيرته ودوره مع التجريب في المسرح التونسي؛ وأخيرا تم تكريمه في الدورة ال29 من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي وكان لمسرحنا مع المخرج التونسي أنور الشعافي هذا الحوار..
المخرج والمسرحي الكبير أنور الشعافي تأثر كثيرا بالتكريم فهل حدثتنا عن سبب تأثرك بهذا الشكل؟ 
التكريم تشريف كبير لأني قضيت حياتي المهنية الفنية تجريبيا تأسيسا وإبداعا، وقابلتني مجموعة من الصدف الجميلة المتعلقة بالمهرجان؛ أولا رسالة تخرجي من معهد الفنون المسرحية بتونس قبل سفري إلى أوربا حول التجريب تزامنت مع الدورة الأولى من المهرجان التجريبي بالقاهرة، سبتمبر عام 1988، وثانيا الدورة تحمل اسم الكبير بيتر بروك ويعلم المختصون أنه بدأ تجريبيا وعمره خمس سنوات، فأخرج هاملت بمسرح العرائس ، وأنا أيضا بدأت بعمر الثماني سنوات مخرجا في نادي الطفل بمسرحية «كليلة ودمنة»، وثالثا أنا الآن أقيم في الطابق 29 بالفندق وتلك هي الدورة التاسعة والعشرين من المهرجان، والصدفة الرابعة التقيت بمدير المهرجان د. محمد الشافعي والتقطنا صورة للذكرى ثم فوجئت بصلة القرابة بينه والفنان الكبير عبدالله غيث الذي سبق والتقطت معه صورة للذكرى منذ 27 عاما، مصادفة غريبة الجد والحفيد. والحقيقة لقد تعلمت الكثير من هذا المهرجان الذي ولد كبيرا؛ فهو مرجع. وربما يعرف بعض المختصين أن ثمة مهرجانان في العالم في التجريب؛ التجريبي في القاهرة؛ ثم مهرجان المسرح التجريبي في «هانوي» بفيتنام عمره سبع سنوات تقريبا، وكان ثمة مهرجان في فينزويلا لكنه توقف؛ إذن فتجريبي القاهرة هو الأعرق والأفضل والمرجع عالميا.
سعيد بكل التكريمات التي نلتها فقد جرت العادة أن يكرم المخرج بطريقة كبيرة حين يغادر الحياة ،وكانت لحظات مؤثرة جدا تكريمي من خلال المهرجان التجريبي و المهرجان الوطني لمسرح التجريب بمدنين حيث حملت الدورة اسمي؛ فاستعنت بكل التقنيات التي عرفتها في المسرح حتى اتمالك نفسي، ورغم ذلك هبطت دمعاتي؛ فحضرتني صورة غريبة وكأني قد غادرت الحياة وإنني بعثت كما يبعث ملوك القدماء المصريين وأشاهد أمامي كيف يكرمُ أنور الشعافي شعورا لم أشعر به طوال حياتي. 

الدورة تحمل اسم بيتر بروك فكيف ترى ذلك؟ 
بيتر بروك من أهم -إن لم يكن أهمهم جميعا -المسرحيين التجريبين في العالم؛ وظل يعمل إلى حين وفاته عن 97 عام، بيتر بروك لفت إليه الأنظار منذ عام 1962 عندما أخرج مسرحية «عطيل» لشكسبير في فضاء فارغ وهو ما عمل عليه طيلة حياته، وتوجه بكتاب الفضاء الفارغ أو المساحة الفارغة؛ لآنه عصارة اشتغاله على مسرح مختلف يسميه المسرح الخالص النقي، فهو تحدث عن أربع أنواع من المسرح البرجوازي وما إلى غير ذلك؛ كل هذه الأنواع التي ذكرها بالنسبة له هي مصطنعة لكن المسرح النقي هو الذي يسائل الممثل في صدقه، في اهتماماته؛ وأيضا مما جعله يبحث ويسافر إلى الشرق، لهدف وحيد هو البحث عن مساحات آدائية مختلفة تختلف عن مساحات الممثل الغربي، وكنت محظوظا عام 1987 أثناء وجودي في مدينة «أفينيون» وشاهدت أفضل أعماله على الإطلاق «المهابهاراتا» التجريب على البعد الأسطوري؛ يكفي ان نقول انها دامت تسع ساعات، واقتبسها وكتبها عن الملحمة الهندية« المهابهاراتا» وعرضها في ضواحي أفينيون، حفر مقاعد في الجبال وكانت المسرحية أشبه بمشاهد تصوير فيلم، هناك معارك، الممثلون يتحركون مثل الخيول، عمل خرافي؛ وقد عمل أيضا في فترة حياته الأخيرة في باريس على الرغم من أنه إنجليزي، فقد أخرج عدة مسرحيات بالفرنسية، تعلمت منه فهو منارة مسرحية؛ شكرا لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي الذي أعطى هذه الدورة لهذا المسرحي الكبير الذي أقول بكل ثقة أنه أثر في كل المسرحيين في العالم.

كيف ترى الفعاليات المصاحبة للمهرجان هذا العام؟ 
أدافع دائما عن الجانب النظري؛ لأن في وطننا العربي-  في تونس وغيرها - مخرجين جيدين لكن بدون سند نظري صحيح؛ لا يهتموا بالتنظير، تستطيع أن تخرج عملا جميلا لكن بدون خلفية فكرية عميقة، المميز والجديد هو تلك الإصدارات - التي لم تبدأ في هذه الدورة فقط - فهذه الدورة من المهرجان تحديدا قدمت الإصدارات بطرق مختلفة رقمية أو ورقية، أمر جيد و من حقل التجريب، وهذه إضافة كبيرة جدا مصر بلد عريق؛ لا تملك عمقا تاريخيا فقط بل هي التاريخ.
أيضا، فكرة شبكة المهرجانات عملية تبادلية للعروض وتنسيق مواعيد العروض؛ أحيي هذا التنظيم، و أذكر أنه في الدورة السابقة قام د. جمال ياقوت  بتأجيل موعد المهرجان لديسمبر حتى لا يتزامن مع مهرجان قرطاج، والآن تعددت المهرجانات في مختلف الدول العربية؛ فلابد من هذا التشبيك ليتمكن المسرحيين العرب من التواجد في كل مكان، سعيد بهذه الفكرة، وسعيد بحضور رئيسة مهرجان قرطاج واعتبرها ابنتي المعنوية لأنها خرجت على الركح لأول مرة معي، فكرة جيدة وسعيد بهذه الأفكار والريادة. 

حملت فعاليات المهرجان عنوان المسرح والتكنولوجيا فكيف يمكن للتجريب أن يستفيد منها وهل تشكل خطرا على المسرح أم تخدمه؟ 
أنا أقول أنها تخدم المسرح لأن هناك رأي معه و رأي ضد، جماعة الضد خائفون على ماهية المسرح وجوهره، وجماعة مع؛ مؤمنون بالتطور الذي تشهده في كل المجالات، أقول وقد عملت كثيرا في عدة أعمال على استخدام التكنولوجيا في مسرحيتي « ترى ما رأيت» عملت على الممثل عن بعد، واحتفظنا بنقطة مهمة للمسرح هو  أنه فن طازج، فن الآن وهنا لكني سميته في هذه التجربة الآن وهناك، وشاركت في إحدى ندوات المهرجان التجريبي حول التكنولوجيا وقلت أن هناك عند البعض مغالاة في استخدام التكنولوجيا أو الصورة الرقمية أو استخدام السينما في المسرح بشكل قد يفقد المسرح ماهيته وجوهره، وأطلقت نداء استحسنه الحاضرون وقلت استخدموا التقنيات الحديثة والصورة السينمائية دون المساس بجوهر المسرح، ولا تنقلوا ولا ترحلوا الفن الرابع إلى الفن السابع، اتركوا الفن الرابع في مكانه، المسرح ممثل أمامك تراه بلحمه ودمه تسمع لهاثه وترى عرقه يسقي الركح الخشبي، ترى سقطاته، وقد تتأخر الإذاعة أو الموسيقى، وكل هذا من روح العرض؛ ولهذا فهو فن صادق؛ يحيا بآنيته وصدقه وكما قال الكبير غروتوفسكي كل عرض لنفس المسرحية هو مسرحية جديدة؛ لأن الممثلين يتأثرون بالقاعة وشكلها واتساعها، وبالتقنيات، وعدد الجمهور ونوعه، لذلك المسرح مثل طائر الفينيق يحيا من رماده، وقد مررنا بأيام عصيبة طيلة فترة كورونا؛ لأن المسرح يحيا بالجمعي والكورونا تقاوم ذلك؛ هناك تناقض ورغم ذلك ها هو المسرح يبعث من رماد الكورونا.

هناك جدل دائم حول مفهوم المسرح التجريبي لكنك  سبق وأثرت جدلا آخر حول الفارق بين التجريب والتجريبي فهل أوضحت ذلك؟ 
أحرص على المصطلحات كثيرا، فهناك خلط كبير، بين التجريبي والتجريب، وهناك خلط حتى في التجريبي نفسه؛ وربما تجربتي في ألمانيا جعلتني أطلع أكثر؛ لأن ألمانيا فيها اختصاص مسرحي غير موجود بالعالم يسمى بالألمانية «Das Dramaturg »، وليست الكاتب المسرحي كما في الفرنسية «dramaturge» فالكاتب المسرحي في الألمانية اسمه «Dramatiker» لكن «Das Dramaturg» يمكن ترجمتها «المرافق النقدي للمخرج» وليس مساعد المخرج، وهو الذي يساعده في الجماليات والمصطلحات واستعماله للأدوات الإخراجية؛ فهم يفرقون بين التجريبي والتجريب. حين تخرجت أسست المهرجان الوطني لمسرح التجريب؛ لأن التجريبي هو كل التجارب المسرحية المنزاحة عن المسرح التقليدي الكلاسيكي، مثلا بيتر بروك تجريبي؛ بحث في الممثل و ظل يشتغل طوال حياته على الممثل وعلاقته بالفضاء الفارغ الذي نظر له؛ ولذلك هو دعا إلى المسرح النقي الخالص؛ لكن؛  التجريب حسب المفهوم الألماني دقيق وهو الاشتغال في كل مرة على تجربة مختلفة عن سابقتها؛ التجريب لا يأتي أو يتأسس من فراغ لا يمكن أن تجرب إلا إذا تمكنت من أسس المسرح الأرسطي، فجميعا يعلم أن شروط المسرح الفعل، صراع أشخاص، مكان، زمان، و في عهد ارسطو كانت وحدة المكان والزمان والحدث؛ فالتجريب  هو انزياح كامل عن أدوات المسرح، وعلى سبيل المثال «هانز تييس ليمان » الألماني صاحب نظرية وكتاب «المسرح مابعد الدراما» ثار تماما في مسرحه لا وجود لأفعال أو شخصيات مكتملة، لا وجود لأي شيء؛ هو ضرب المسرح الأرسطي في العمق، وهذا قمة التجريب أن تثور أن تؤسس أن تستوعب المسرح في أساسه، أن تنزاح وتهرب بعيدا عن أسسه المتعارف عليها أن تكون مختلفا عن نفسك في كل تجربة أن تكون مجنونا.

وماذا عن تجربتك الشخصية مع التجريب؟
تخرجت عام 1988 برسالة عن التجريب ، وعام 1990 أسست فرقة مسرح التجريب بمحافظة مدنين بجنوب تونس، اخترت التكوين الميداني، سافرت لكثير من المسارح الأوربية، وحصلت على بعثة لفرنسا، سافرت باريس، أفينيون، عدة مدن، ثم أقمت فنيا ودرست الإخراج في شتوتغارت، وكان قد سبقني أخي ودرس تقنيات العروض. تأثرت بالمسرح الألماني الذي يعتبره الكثير بلد الثورات المسرحية الجمالية بداية من  «إفرايم ليسنج»، ثم «بريشت»، ثم «هانز تييس ليمان»، و مسرح ما بعد الدراما،  وأخيرا قبل أن أصل إلى هنا أقمت أول ورشة للشباب في الوطن العربي من هذا النوع ما يسمى ب «new Drama » الدراما الجديدة «مسرح ما بعد بعد الدراما»؛ وما بعد الدراما ظهر عام 1999 في كتاب «هانز تييس ليمان»؛ فهناك رجوع للدراما الارسطية لكن بطريقة مختلفة.

إذن حدثنا عن شكل التجريب في أعمالك ؟
 أنا تجريبي حتى النخاع وكل أعمالي تجريبية أسعى دائما إلى الاختلاف، والأدوات الفنية التي أستعملها تختلف في كل عرض؛ فمثلا مسرحية «ترى ما رأيت» وهي التي اختتمت أيام قرطاج المسرحية، عملت على ما يسمى بالممثل عن بعد؛ فالممثلين كانوا بتونس ؛ لكن؛ ممثلة موجودة بنفس اللحظة في مدينة «Montpellier» الفرنسية، الحوار يدور آنيا بطريقة إيهامية، وقد اعتقد الجمهور أنها موجوده في تونس بينما هي تبعد آلاف الكيلومترات. المسرح تجاوز المكان؛ المسرح فن طازج محكوم برقعة الركح لكني جعلته يتجاوز المكان عن بعد، أيضا مسرحية «أو لا تكون» حصلت بها على ست  جوائز من خلال مهرجان الإسكندرية الدولي للمسرح « مسرح بلا إنتاج»، عملت على رؤية تجريبية لأربعة نصوص كلاسيكية للكاتب الإنجليزي وليام شكسبير هي “هاملت” و”عطيل” و”روميو وجوليات” و”الملك لير” عملت فيها بطريقة« القماش الهوائي» من تقنيات السيرك الفني؛ الذي يتدلى من سقف الركح ليمنح الممثلين مساحة أخرى للتحرك خارج حدود الخشبة؛ أي أن كثير من المقاطع والحوار يدور في الهواء بين الممثلين الذين لم يسبق لهم العمل في السيرك، وجعلت الممثلين يخضعون لتدريب خمسة أشهر مع مدرب سيرك ، فالمسألة ليست إبهارا فقط ؛ الحوار الذي له علاقة بالصراع والبنية الفوقية، صراع مع الأفكار؛ الصراع مع الآلهة تدور في الهواء، والصراع الدنيوي يدور على الأرض؛ لهذا جعلت شخصية «ياجو » من مسرحية عطيل هي الرابط للأربع مسرحيات؛ لأن تركيبتها الدنيوية جمعت بين كل هذه الشخصيات، الاشتغال على القماش الهوائي مختلف تماما ومنزاح عن المسرحية التي سبقتها.
وفي مسرحية «هوامش على شريط الذاكرة» عملت على الربط السلس بين الصورة السينمائية والصورة المسرحية. وفي اخر مسرحية « كابوس أينشتاين» عملت على نص للكاتب التونسي كمال العيادي، وهي فكرة طريفة ولأننا نعلم أن أينشتاين كان يحلم بصناعة آلة الزمن، لكنه لم يحققها، تخيل الكاتب كمال العيادي أن أينشتاين صنع آلة الزمن لكن لسوء في التقدير وضعته في عصر الجاهلية، لكن بمعارف الآن فعصر الجاهلية هنا يعرفون الفيس بوك وتويتر وغير ذلك بينما رمز الذكاء في العالم لا يعرفهم، يفاجأ بالتداخل في الزمن، مما ينبه لخطر اختلاط الأزمنة فيتعرض لمفارقات ومواقف مضحكة، ويكتشف في النهاية، أن ما عاشه كان مجرد حلم تحوّل إلى كابوس. هنا كان التجريب؛ فقد استغرقت وقتا طويلا في المسألة النظرية ،  اضطررت لتعلم الفيزياء ودرست نظرية النسبية العامة لأينشتاين قبل أن أبدأ ، وجاءت منها فكرة أنه في مقاطع كثيرة يتحرك الممثلون بتقنية الرياضات القصوى في علاقة بنظرية أينشتاين الحركة في الزمكان، بحثا عن إيقاع مختلف لحركة الممثل ، فخرجت الأدوات الإخراجية من صميم النظرية النسبية العامة؛ لأن الشخصية الرئيسية هي أينشتاين.
 
حدثنا عن التحولات التي طالت التجريب في تونس منذ بداياتك حتى الآن ؟ 
تحدثت عن مسرح ما بعد بعد الدراما؛ وهو الرجوع لدراما ارسطو ولكن بطريقة مختلفة فمثلا؛ اعتمدت وطورت ما يسمى الفن غير المكتمل مثلا اللوحة الأولى في «كابوس أينشتاين» لوحة كريوجرافيا؛ الموسيقى تبدأ قرب انتهاء المشهد، المعتاد أن الموسيقى متزامنة مع الحركة الكريوجراف ولكن هنا تبدأ في الدقيقة الأخيرة، ونشاهد اكتمالها في لوحة أخرى في المشهد السابع أو الثامن ويرتبها المتفرج في عقله، في إحدى اللوحات الموسيقى تبدأ منذ البداية ثم تقف لكنها تتواصل في ذهن المتفرج ، هذه هي الدراما الجديدة، المتفرج يصبح فاعلا في العملية المسرحية، الأفعال لا تكتمل، أعدت الكتابة الكلاسيكية الارسطية بالدراما الجديدة؛ واعتبر مسرح ما بعد بعد الدراما هو أساس التجريب الآن. 

هل تراجع حضور المسرح التونسي وسط الحضور العربي؟ 
هذه حقيقة؛ المسرح في تونس كان رائدا، ثم شهد  تراجعا؛ لكني متفائل بشباب جديد هو الذي سيصنع ربيع المسرح القادم ، أشاهد نهضة ودعم.
و هناك استراتيجية وجدتها في الإمارات، ليس فقط في عمل الهيئة العربية ؛ولكن ؛ أيضا في المعهد العالي للمسرح، يحاضر فيه أساتذة كبار من الإنجليز، وآخرون منهم ما يقرب من خمسين أستاذا تونسيا يُدرسون للشباب الإماراتي، فأنا متفائل بهذه الاستراتيجية، و متفائل بالمسرح في مصر والمغرب وتونس والإمارات و أن  شبابنا سيصنع ربيعا مسرحيا عربيا بمواصفات عالمية.

معظم إنتاج المسرح التونسي خاص بعيدا عن إنتاج الدولة لكن بدعم منها فما الذي أضافه القطاع العام بدعمه للمسرح الخاص؟ 
لدي خبرة لآني كنت مديرا عاما المسرح الوطني التونسي وأيضا كنت رئيس لجنة دعم الإنتاجات المسرحية والفضاءات العامة والخاصة، عندي اطلاع ميداني؛ بالفعل المسرح الخاص في تونس غير منفصل تماما عن الدولة؛ لآنه يتلقى دعما كبيرا منها ؛ حتى لا يغلب عليه الجانب التجاري، لأن التجريب لا يكون إلا إذا كان هناك نوع من الاطمئنان المادي لكي تحلق بالخيال إلى أقصاه، في المسرح التونسي هناك تجارب مثلا أعمال فاضل الجعايبي قدم أجملها في فرقة فاميليا وقبلها في فرقة المسرح الجديد، هناك الراحل عز الدين قنون والفنان المعروف توفيق الجبالي ،  و نور الدين الورغي، الجميع لديه فضاءات وشركات خاصة، دائما الريادة أو الجنون المسرحي للقطاع الخاص؛ بينما في كل العالم القطاع العام يحكمه نوع من الضوابط، فتواجد القطاع الخاص بالإضافة للقطاع العام يسيران جنبا إلى جنب يصنعان ربيعا مسرحيا مجنونًا وثائرا عن كل أنماط محنطة للمسرح. 

هل أنت متابع للمسرح المصري ؟ 
هناك شيء ربما لا يعلمه سوى المختصون؛ فعموم الجمهور العربي والتونسي لا يعرفون من المسرح المصري سوى المسرحيات الكوميدية المعروفة مثل ؛ الواد سيد الشغال، فالجمهور التونسي والعربي يحفظون عن ظهر قلب حوارات هذه المسرحية، ويكادوا يحصرون المسرح المصري في المسرح الكوميدي، لكني أقول المسرح المصري له ريادة في التجريب، فهم لا يعرفون فرقة الورشة المصرية ، كنت شاهدا في مهرجان« أفينيون» العالمي على عروض عربية تشارك في المسابقة الرسمية، عام 2011 شارك المخرج التونسي فاضل الجعيبي بعرض مسرحية «يحيى يعيش» لفرقة فاميليا، ثم فرقة «الورشة» المصرية عرضت عام 2017 مسرحية «طائر الفيوم» وهو عرض خرافي بمواصفات عالمية، أغلب ما يقدم في المسرح العربي ليس بمواصفات عالمية، لكن هذه المسرحية وغيرها بمواصفات عالمية.

نصيحة سنوات الخبرة ترسلها لشباب المسرحيين؟ 
عندما أجد شبابا عربيا أجده مندفعا اندفاعا زائدا عن اللزوم في حب المسرح؛ فأقول له تمهل وخذ العبرة من وضعي، فوضعي الآن بسبب السكري؛ والسكري بسبب المسرح؛ لا تندفعوا أكثر من اللازم في حياة المسرح ووازنوا بين صحتكم وعلاقاتكم الشخصية والعائلية والأسرية. 


روفيدة خليفة