العدد 787 صدر بتاريخ 26سبتمبر2022
بــدأت أولــى نــدوات مهرجــان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في دورته الـ 29، برئاسة الدكتور جمال ياقوت، بمناقشــة كتــاب «تأمــلات فـــي فينومينولوجيــا المســرح»، تأليــف عبــد الناصــر حنفــي، وأدار الجلســة الناقــد أحمــد خميــس، بحضور كل من: الدكتور والناقد محمد سمير الخطيب أستاذ المسرح بجامعة عين شمس (مناقشًا)، وقد حضر الندوة الدكتور مصطفى سليم رئيس لجنة الندوات، وعدد من الباحثين والأساتذة المتخصصين في المسرح من مصر والخارج، وذلك يوم الجمعة الموافق 2 سبتمبر بالمجلس الأعلى للثقافة.
د.مصطفى سليم: لازال لدينا أرض خصبة وأفكار نكتشفها في العلاقة التبادلية بين التكنولوجيا والمسرح
استهلت الندوة بحديث الدكتور مصطفى سليم قائلًا: «المهرجان التجريبي».. هذا المهرجان العريق الذي صنع علاقات مشتركة بين جميع المدربين في أنحاء العالم وفي مصر، والآن؛ نحن نعيش فترة بها توسع ودعم للفكر التجريبي على مستوى النص والهواه وغيرهم، وأؤكد على أهمية الفكرة الرئيسية للمحتوى الفكري هذا العام، مازال لدينا أرض خصبة وأفكار يمكن أن نكتشفها وهي علاقة التكنولوجيا والمسرح والعكس أيضا.
أحمد خميس: يُعد من أهم أحد الكتب المُهمة التي صُدرت في تلك الفترة
وقــال الناقد أحمد خميــس: «تأملات في فينومينولوجيا المسرح» يُعد من أهم أحد الكتب المُهمة التي صُدرت في تلك الفترة، فالمهرجان منذ العام الماضي لديه أفكار متطورة ومُداخلات نقدية مُهمة، ففي العام الماضي وعلى هامش الندوة الفكرية كان هناك مناقشة لأحد الكُتب المُهمة وهو: «التجريب في مسرح الثقافة الجماهيرية» لأحمد عبد الرازق أبو العينيين، أما هذا العام فنحن مع كتاب «تأملات في فينومينولوجيا المسرح»، اســتغرق تأليــفه عشــر ســنوات، وهــو عبــارة عــن مجموعــة مــن الدراســات المتفرقــة بعضهــا فلســفي والآخــر عــن العــرض المســرحي، والتــي تــدور حــول ثلاثة محــاور:
1. الأول منهــا يســعى إلــى إعــادة تقــديم مبحــث فينومينولوجيــا المســرح انطلاقًــا مــن محاولــة وصــف وتحليــل مــا يخــص الفعــل المســرحي بوصفــه مزيجــا ًمركبًــا ومتطــورًا مــن ألعــاب الظهــور وألعــاب الحضــور معـًـا، الأمــر الــذي تطلــب إعــادة التفكيــر فـــي أســس الفينومينولوجيــا التــي تحلــق أكثــر ممــا ينبغــي حــول مفهــوم الحضــور، مــرورًا بالتوقــف أمــام التكويــن الجينيالوجــى للفعــل المســرحي، وصــولًا إلــى التأمــل فـــي ماهيتــه ومصيــره فـــي ظــل بعــض التطــورات التكنولوجيــة الجاريــة.
2. التقنيات الأولية لمسرح الشارع ومسارات تأسيس مشروع المهرجان التجريبي، والــدور الــذي تلعبــه الدمــى حاليًــا فـــي بعــض المقاربــات المســرحية، وقد نشرت تلك الدراسات على فترات متقطعة، منهم: دراسة مسرح الدمى وحصلت على جائزة المهرجان القومي للمسرح المصري منذ عدة سنوات، وكانت دراسة هامة للغاية تتناول أربعة عروض استخدمت الدمى في المهرجان التجريبي.
3. دراسة ما طرأ على المسرح المصري ومجتمعه في فترات ما بعد يناير 2011، عبر وصف ما مررنا به من انتفاع والتفاف ثم تبدد لطاقة اجتماعية هائلة وأثرها في خلخلة رؤى مسرحنا بعينه وتفكيك الأرصدة الجمالية.
د.محمد سمير الخطيب: فلسفة «عبد الناصر حنفي» تدور حول ما هو جمالــي يولــد مــن مــا هــو اجتماعــي فـــي الأســاس
أما الدكتور محمــد ســمير الخطيــب في مداخلـته النقديــة قــال: «الكتاب مختلف، ولديــه قــدرة فنيــة ونوعيــة فريــدة، حينما نسمع «فينومينولوجيا» نجدها ترتبط بالفلسفة الظاهراتية، والتي اشتغل بها هيجل وهيدجر وسارتر، وهي تتبع مذهب بسيط، وهي: كيف يستنبط الإنسان الأشياء من الأشياء نفسها، وتحليل المكونات الذاتية وقدرتها على رؤية وتكوين الأشياء، وطالما «الظاهراتية» فهي تهتم بأصول الظاهرة نفسها، ومن ثم نجد أن عبد الناصر حنفي اشتغل على مفهوم الظاهرة نفسها، فنحن هنا لابد أن نتعامل مع الكتاب كظاهرة، ففي الكتاب أوضح حنفي مفهوم الظاهرة المسرحية ممارسة اجتماعية في الأساس، فهي ممارسة تقطع طريقها نحو كل ما هو جمالي لتعود مرة أخرى لما هو اجتماعي.
واستكمل: هنــاك ضــرورة ربطــه بهــذا العالــم كبنيــة نقديــة، والمؤسســة النقديــة فـــي مصــر وهــي مؤسســة عريقــة وطويلــة وممتــدة، ولكــن يهمنــي فترتيـن وهمــا فتــرة الثمانينيــات والتســعينيات، والخمسينات التــي يهيمــن عليهــا الاتجــاه الواقعــي الاشــتراكي الــذي ركــز علــى فكــرة المجتمــع كأولويــة، ثــم تأتــي الجماليــات بعــد ذلــك، وبعــد انتهــاء فتــرة الســتينيات دخلنــا فـــي مرحلــة مهمــة وهــي فتــرة دخــول التيــارات النقدية الحدثية، فإذا كانت التيارات الواقعية الاشــتراكية النقديــة، كانــت هنــاك أيضــا التيار الاجتماعــي المهيمــن علــى المجتمــع، لكــن التيــارات الحداثيــة اهتمــت بتيــارات تركــز علــى الجماليــات فلدينــا إذن الجمالــي والاجتماعــي، وهمــا صلــب الظاهــرة التــي توصــف الظاهــرة المســرحية لعبــد الناصــر حنفــي، والــذي لــم ينحــز لفكــرة الجماليــات بوجــه عــام ولــم ينحــز لفكــرة الاجتماعيات وإنمــا دمجهمــا معًــا، وفلســفته هــي أن مــا هــو جمالــي يولــد مــن مــا هــو اجتماعــي فـــي الأســاس.
وأضــاف الخطيــب: كذلــك ركــز المؤلــف علــى انطلاقــه مــن اتجــاه مختلــف ينطلــق مــن الفلســفة الــى المســرح، أي قــراءة المســرح بصــورة فلســفية لــذا يمكــن تصنيفــه مثــل التحــولات عــن الدرامــا أو مولــد تراجيديــا وهــو كتــاب فلســفي يتحــدث عــن المســرح، كأحــد الوســائل التــي توصــل الأفــكار إلــى هــذا العالــم، ولقــد تحــدث المؤلــف فـــي الفصل الأول عــن الظاهــرة فـــي المســرح بــين العطــاء الجمالــي والعطــاء الاجتماعــي، وعــن الجانــب المصاحــب لظاهــرة المســرح وهــي ظاهــرة جماليــة محضــة، وعليــه فــإن العمــل الفنــي يســتمد قوتــه مــن هــذه الجماليــة ذاتهــا.
وأشار الخطيب: أي ظاهرة مسرح عبارة عن تجمع إنساني، يتم في إطار زماني ومكاني، هذا التجمع يطبق مجموعة من الأفعال والقراءات تنقسم حسب طبيعة الأدوار بشكل تتابعي وتزامني أي فكرة «المتتاليات»، وهذا العمل دائما يكون خاضع للمراقبة من السلطة الاجتماعية، هذه السلطة تجيز من تشاء، تهب من تشاء، ترفع من تشاء، وتنفي من تشاء.
ولفت الخطيب: التجمع الإنساني تجمع مشروط أي خاضع لعلاقات اجتماعية تنظم العلاقة بين الأفراد. واستطرد: استطاع حنفي دراسة ظاهرة المسرح من خلال رصد عدة نقاط: ظاهرة المسرح وعلاقتها بالعالم، ووصفه بحالة خاصة وهي الممارسة الاجتماعية، وإعادة تأهيل ما هو مسرحي بداية من الحالات الأولية وسيطة التكوين وصولًا إلى حالات العرض المسرحي المُركب، وتطوير الفينومينولوجيا بعلاقة ما هو مسرحي بمكوناته وعناصره.
وأشار: الفصل الأول من الكتاب به خطاب خفي فهو به ظاهرة نقد النقد أكثر من كتاب يوضح موقعه من التاريخ والتراث ولم يذكر ذلك. وفي الفصل الثاني اشتغل على فينومينولوجيا المسرح، وأيضا فينومينولوجيا الأداء المسرحي، وظهوره بظاهرة المسرح المصري، حول الفعل المسرحي والظهور والحضور والنص، ومن أهم النقاط التي اشتغل عليها حنفي هي الظواهر المسرحية وهما ثلاثة نقاط: تقنيات مسرح الشارع، وحنفي قدم تجارب كثيرة في هذا الاتجاه بعد ثورة يناير، وتحدث أيضا عن مشروع المهرجان التجريبي، وظاهرة مسرح الستينات والتي أطلق عليه «مسرح الجيل الذهبي / ميتافيزيقا الأصل» هو الأصل الذي يعود إليه كل الأشياء والمكتفي بذاته، تناول ما قبل الاجتماعي، وهو ظاهرة تحول من النظام الرأسمالي.
المخرج المسرحي أحمد السيد: «تأملات في فينومينولوجيا المسرح» يتعلق بالنظرة الموضوعية للمسرح
وعلــق المخــرج المســرحي، أحمــد الســيد علــى الكتــاب قائـلاً: «الكتاب يكشف عن الحاجة والنقص في النقد المسرحي سواء العربي أو المصري، ويضعنــا أمــام بحــث شــاق ومجهــد فـــي الشــأن المســرحي المصــري خــلال العشــر ســنوات الأخيــرة، والتــي تتعلــق بالنظــرة الموضوعيــة للمســرح، ولذلــك علينــا التأمــل الجــاد فـــي هــذا الموضــوع ومثلمــا يقولــون «لــكل داء دواء»، ونحــن الآن أمــام عنــاء مناقشــة واقعنــا المســرحي كــداء نعانــي منــه جميعًـا ولا نملــك روشــتة الخــروج».
وقالت الدكتورة عزة القسامي من سلطنة عمان: بداية أقدم الشكر للمهرجان التجريبي والقائمين عليه، لطرح فكرة طباعة كتب الباحثين والناقدين التي أرى أنه من المهم استعراض الكتب للباحثين وهذا التكريم حينما يناقش هذا في محفل عظيم مثل التجريبي، فالكتاب استغرق من الكاتب عشر سنوات، دائما الباحثين يقفون عند المصطلح، فالمصطلح محير، وحركة جميلة من الكاتب أن يفتح فرصة لدراسة أكثر من ظاهرة في هذا الموضوع. في البداية أرى دراسة الرؤية الجمالية لدى الجمهور، وما هي المنهجية التي تتبعها لتصل إلى الرؤية الجمالية التي نراها من خلال مسرح الشارع ومسرح الدمى؟
وتلاها الدكتور عبدالله الراضي من العراق قائلا: الكتاب استغرق عشر سنوات، فجدلية الثابت والمتحرك وخلال العمر الزمني للعشر سنوات هناك الكثير من الثوابت التي تتغير، وهناك الكثير من المتغيرات تثبت، كيف استطاع المؤلف أن يقبض على هذه الثوابت وهذه المتحركات يُسقط عليها الفلسفة الظاهراتيه كظواهر اجتماعية ثقافية فلسفية ودينية حتى يتحدث عنها ويُسقط هذه الفلسفة على المسرح كفرضية أيضا داخل المسرح، وأصبح لدي خلط وتداخل بين الفينومينولوجيا والسوسيولوجيا .. فالكتاب هل يتحدث عن الفلسفة الظاهراتيه أم سوسيولوجيا الاجتماع؟.
عبد الناصر حنفي: الفعــل المســرحي هــو فعــل اجتماعــي.
عبد الناصر حنفي: لم يكن هناك حضارة لم تتناول الدمى.
قــال عبــد الناصــر حنفــي مؤلــف الكتــاب في رده علــى المداخــلات: «إننــي أتعامــل مــع مــا قيــل عــن التبايــن مــا بـيـن طاقــة الفعــل المســرحي وبيــن طاقــة نفــس الفعــل فـــي الحيــاة اليوميــة، وأرى أن الاستبصار يمكــن تعميمــه علــى الفعــل المســرحي، و التركيــز علــى العطــاء الجمالــي والعطــاء الاجتماعــي هــو مقدمــة فـــي الذهــاب إلــى نمــط فعــل المســرح، الظاهــرة المســرحية التــي نتحــدث عنهــا أعتبرهــا كظاهــرة غيــر منتشــرة حتــى الآن، أغلــب مــا كُتــب عنهــا مستنســخ مــن ظواهــر أخــرى بالأخص ظاهــرة الأدب وظاهــرة الشــعر وإلــى الآن هنــاك ارتبــاك أمــام الظاهــرة المســرحية مــن أيــن تبــدأ وأيــن تنتهــي، والمســرح لــه نمــط مختلــف عــن النمــط المتــداول فـــي شــتى العلــوم الاجتماعيــة والفلســفية والسياسية، وهــذا النمــط طــوال الوقــت يتســبب فـــي مشــاكل».
وتابــع حنفي: فكــرة غربــة المســرح وأنــه ظاهــرة غيــر منكشــفة هــو مــا أعمــل عليــه تحــت عنــوان «فينــومينولوجيــا المســرح»، والدراســات الموجــودة بــه دراســات منتقــاة وليســت كل مــا تم دراســته فـــي الموضــوع، وهــي قائمــة علــى التأمــلات لأن الدراســة مــن الممكــن تبــدأ فـــي البحــث فـــي منطقــة وتبــدأ غيرهــا فـــي البحــث فـــي نفــس المنطقــة مــن مدخــل أو زاويــة مختلفــة، فهنــاك تأملات خاصــة فـــي الجــزء الأول، وليــس الغــرض مــن هــذا الجــزء العــودة إلــى الأرض الاجتماعيــة بالمعنــى التقليــدي وإنمــا الغــرض العــودة لأن الفعــل المســرحي هــو فعــل اجتماعــي يقــوم بــه أفــراد لهــم علاقــات مؤسســية ببعضهــم البعــض، ممــا يضعــه فـــي منطقــة التقاطــع مــع منطقــة الفعــل بصفــة عامــة، كــي يتــم تمييــزه ممــا يدخلــه فـــي أنمــاط الفعــل الإنســاني، علــى مــدى الخمســة فصــول، وفي الجــزء الأول كانــت هنــاك محاولــة للتوســع فـــي أنمــاط الفعــل الإنســاني، الفعــل الإجرائــي ثــم الأدائــي، وأن المســرح هــو نمــط فعــل مميــز يجمــع بــن هــذه الأفعــال.
واستكمل: الفعل المسرحي نمط من أنماط الفعل الإنساني، على مدى الخمس فصول في محاولة للتوسع في أنماط الفعل الإنسان المتمثلة في الفعل الإجرائي، الفعل الأدائي، الفعل الطقسي، ومن المسرح هو نمط فعل مميز يجمع بين هذه الأبعاد. وحينما تناولت الدمى على اعتبار أنها شكل من أشكال الكتلة، شكل من أشكال تطور علاقة الإنسان بالكتلة، سواء الكتلة المصمتة، للمجوفة، للكتلة الأداة، للكتلة التمثيلية، وأيضا الرمزية، ومن هنا لم يكن هناك حضارة لم تتناول الدمى.
وأشار حنفي: أن حالات مسرح ما بعد ثورة يناير، قد قمت بكتابة وصفية على مستوى الاجتماعي وعلى مستوى الروح الجمالي وعلى مستوى مصر، فكان هناك ثلاث مراحل ثورة: الاندفاع رومانسي، انتفاخ وتحول، ثم تبدد. وعلى مستوى المسرح ثلاث مراحل موزاية، “الاندفاع رومانسي” تم استخدامها من خلال الأرصدة المسرحية ففي المرحلة الأولى أصبح هناك حارث مُخلص بديلًا عن البطل المُخلص وكانت قمة الرومانسية حينها، المرحلة الثانية أصبح في كُتلة مُخلصة، والكتلة هي أصل الحدث المُخلص، والمرحلة الثالثة هي مرحلة التبدد والاضطراب والمقاومة وأرى أنها مازالت مستمرة حتى الآن. على سبيل المثال نص بير السقايا نشأ استبدال فكرة الخلاص بفكرة الصعود، ومن أهم النصوص التي اتبعت نفس الطريقة نص ماكبث.