(الملائكة أيضا يخرجون ليلا على باب الله!) قراءة نقدية في نص علي الزيدي المسرحي

(الملائكة أيضا يخرجون ليلا على باب الله!)  قراءة نقدية في نص علي الزيدي المسرحي

العدد 786 صدر بتاريخ 19سبتمبر2022

النص المسرحي (الملائكةُ أيضاً يخرجونَ ليلاً على بابِ الله!) النص الفائز بالمرتبة الأولى في مسابقة النصوص التجريبية القصيرة لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي 2022، للمؤلف العراقي علي عبد النبي الزيدي، يتميز الزيدي بفرادة بصياغة وتأثيث نصوصه المسرحية، والتجريب يحضر بقوة بهذا النص بالذات ابتداءً من مستوى (الزمكانية) وصولاً إلى طبيعة الحوار المتبادل بين الشخص وتجريدها من بعض بنيتها الظاهرية ضمن تضادية واضحة واللعب على اللغة الدالة فهو نص تجريبي بامتياز يغاير الزيدي في عملية بنيته ضمن (النهايات المفتوحة) والمفارقات التي تعيشها الشخصيات (التي تنطلق من الخصوصية، إلى العام) (من الذات إلى الموضوعي) تومئ (لألم جمعي) الشخصيات ترتسم عليها سمة (التناسق/ والإيقاع: سعيِّد، وحيِّد، حميِّد) في (السبعينات) هي هلام كلي (وعي كلي/ شعور بهذا الوهم الجمعي) فالمكان (إشارة مرور) (الخضراء أشارة العبور= إشارة التوقف لدى الزيدي) (الحمراء علامة التوقف/ إشارة العبور المؤجل لدى الزيدي) العبور المؤجل المرتبط (بالانتظار) البيكيتي، لتعبر هذه المفارقة بالانتظار إلى معنى السخرية والتهكم (ببنيتها الأعمق) (الشارع / الحياة) (الانتظار/ ركون إيقاع بطيء إزاء الحلم) (المستقبل/ساصلُ....كما يبدو!) مؤطرة (بالتعجب) الزيدي ذكياً في التأثيث اللغوي بهذا النص في كل جملة حوارية وكل مشهدية، رغم قصر هذا النص، حتى الشخوص المسرحية  حاول أن يوحي عبر تسمياتها عن معنى تهكمي ساخر أو دال على الحالة (السيكولوجية) التي كان يعبر عن مضمونها الموجع والمؤلم، (سعيد/ليس سعيداً) ( وحيد= تعبان) أو بالأحرى هي أسماء توحي بلا معقولية معناها  “وحيِّد: أتذكر بأن اسمي “وحيِّد” ولكنهم يدعونني تعبان، ربما لأن روحي تصلُ بعدي للمكانِ بأيام! سعيد: لا يهمُّ.. فالأسماءُ زائدةٌ أصلاً/ النص” وكذلك الأمر مع (زوجته جميلة/ ما بين غيابها واستدعائها بالتذكير والإشارة) بعد هذا (ما أهمية الاسم؟) أن كنت تقاد لموتك (المادي والمعنوي) أنها مجابهة لقبح هذه الحياة يرسمها الزيدي عبر هذه الشخصيات، أنها تعرية من نوع خاص عبر تمثل الحياة ومنغصاتها ومساراتها من خلال (شخوصه المسرحية) بما تحمل من مفارقات وتهكم واحيانا لا معقولية (لا معقولية الواقع المتناقض) فهي إزاء هذا الواقع المتناقض (الموجع) شخصيات تتهكم تخبئ خلفها (ذاكرة مرة وموجعة) وأحياناً يتملكها (الوهم الجمعي)، الزيدي يعيد إنتاج تركيب مفرداته وكأنك تشعر بانه يحاول أن يعطي معنى جديد لنسق مفرداته بعيداً عن النمطية، ليعيد تفكيكها وتركيبها برؤية جيدة غير مألوفة، (المشفى قريب من قلبي) عبر تشكل المفردات من ضديتها أو لا معقوليتها، أو ما فوق واقعيتها (المشفى= مكان/ القلب يكمن معنوياً داخل الإنسان وبمشاعره) وكذا ( باب الحب) (الباب ضمن نسقه الفيزيقي والدلالي / والحب ضمن نسقه المعنوي والشعوري) أو (صلاة الحب) فيقول الزيدي على لسان احدى شخصياته “لقد عشنا قصة حبٍّ فيها الكثير من الجمالِ الدهشةِ، أحبُّها لدرجةٍ أخافُ عليها أن ينفجرَ حبِّي بوجهِها فتستشهد!” (الانفجار/ تهكم ساخر عن فيزيقية فعل القتل بالانفجار كصورة مرئية من يوميات الإنسان المأزوم/ الحب بوصفه حالة شعورية ترتبط بالجمال والقلب والحياة لا الموت) أو حتى في الجملة الحوارية الأتية : “وحيِّد: الطبيبُ منعك أن تمشي على روحِكَ إليها ولكنك لا تسمع نصائح الأطباء” (المشي/ ضمن نسق فيزيقي للسير “للمضي” والروح المتصلة بوجود الإنسان والتوجعات التي لا ترى عيانياً) الزمن المعطل أو الافتراضي في هذا النص هو عديم الجدوى  يقول الزيدي: “وحيِّد: هذا لأن “حميِّد” يشخرُ بصوتٍ عالٍ فلا يسمع طرقات الباب، وأنت سترافقني في الساعةِ التاسعةِ فجراً لموعدٍ مُفرحٍ يا سعيِّد” ويقول “ ساعتي العاطلة عن الحياة” ولا اعرف لما تذكرت هنا الساعة الفائضة من رواية  “الساعة الخامسة والعشرون” للكاتب الرّوماني قسطنطين جيورجيو إذ قال على لسان تريان: “لقد أشرف العالم على دخول ساعته الخامسة والعشرين، وهي التي لن تشرق الشمس من بعدها على الحضارة البشرية أبداً، والتي لن يحلّ بعدها يوم جديد” هذا التوقف الرهيب (سكون مرعب يحيل إلى جمود وعدم تغير يحيل إلى ستاتيك سيكولوجي وسيسولوجي وحتى فلسفي يقتل لحظة الجدل والديناميك داخل الإنسان من خلال توقف حركية هذا الزمن) والبطء في التحول (العبور) إلى خطوة أخرى ضمن فضاء ( الشارع/ الحياة) بطيء كما ينصهر داخل بنية شخوصه المسرحية “ وحيِّد: لقد جرت الأمور بشكلٍ بطيء.سعيِّد: تقصد سريع سريع.وحيِّد:لالا.. بطيء بطيء.سعيِّد: فعلاً..السعادةُ سُلحُفاة.وحيِّد: إي.. والعالمُ كله أرانب...” ضمن نسق بيولوجي وتراثي (السعادة لا تدوم وبطيئة الحضور داخل ذات إنساننا المعاصر/ العالم يسرع من دون هذه السعادة حتى وان كان الفرد يهرع لاهثاً ورائها) هذه الضدية ( التي تتهكم على بنية المجتمع المتناقضة) تنتقل من جديتها المادية في الواقع إلى شخوص الزيدي الورقية (والتي لم تكُ شخوص ورقية وحسب بل هي شخوص تم استدعائها من الواقع الموجوع بالألم والقهر) يقول في هذا ضمن مسطور الإرشادات لهذا النص (يحاولان الضحك-كما نظن- وهما يرددان كلمة سلحفاة وأرانب، بعدها يتوقفان) ان الزيدي في هذا النص المسرحي ينتقد العقل الأداتي، ويحاول أن يعبر عن هذه العجلة الزائفة التي يسير بها الإنسان (وبمعنى أخر مضمر بطئ من نوع خاص على المستوى الجوهري) “وحيِّد: ما شاء الله.. ولكن لماذا السياراتُ مسرعةٌ وتخطفنا هكذا؟ سعيِّد: لأنها تريدُ اللِّحاق بالحياة!” وعبر كشف لا منطقية ولا معقولية هذه الحياة تتفاعل شخوصه عبر ما تدلو به من أراء تكشف عن نسقها التوازني مع كمية هذا التناقض فيقول سعيد عبر أحدى الحوارات: “ اسمعني جيداً.. لن أسمح لزوجتي أن تتمرضَ مرةً أخرى” انه الزمن الذي تسحق به مادية العولمة والثورة الصناعية كل من يمر أمامها من البسطاء الا تفصح عن هذا المعنى الجملة الحوارية الأتية “ستدهسنا السيارات المسرعة التي تُريدُ اللِّحاق بالحياة!” “ومتى يمكن اللحاقُ بالحياةِ مثل السياراتِ التي تخطفنا؟”” فلا أمان في هذه المدينة” التي يقاتل فيها المرء بحرب لا يعرف من عدوه فيها، وهذا ما ورد على لسان شخصية حميِّد “ من أين لي أن أعرفَهم؟ فأنا لم أتشرف برؤيةِ وجوهِهِم من قبل، لا بأس.. سيضعونني في جبهةِ القتالِ ويقولون قاتل فأقاتل الأعداء” تتكشف الحقيقة بعد ذلك للشخوص على (انفراد) في كل مرة يكون (احدهم) المبادر يتبادلون هذا الدور (معرفة الحقيقة) وعدم (المواجهة/ بهذه الحقيقة التي تختبئ داخلهم لسنوات) “حميِّد: نقول له بأن زوجتك توفيت قبل أربعينَ عاماً في المشفى وتنتهي هذه الحكاية السخيفة!” هما يأثران على تركه بسعادة واهمة وزيف حقيقة تكمن في رأسه فقط! ويتناوبان بأسلوب المفارقة لأخبار احدهم الأخر بجوهر الحقيقية المغيبة عن (ثالثهم) “سعيِّد: نقولُ له بأن حبيبتك تزوَّجت منذ أربعين عاماً وأنجبت الكثير من الأولادِ والبنات.. وقد هاجرت الوطن منذ زمنٍ بعيد.. من أجلِ أن تنتهي هذه الحكايةُ السخيفة!” “سعيِّد: نقول له بأنه ميت، ميتٌ ببساطة.. فقد ُقتلتَ في الحربِ منذ أربعينَ عاماً!” انه نص يهشم مجتمعات ما بعد الحداثة ويحاول أن يعيد الرؤية الجديدة للإنسان (المهمش) والمهشم بأطر الذاكرة التي تلقي بظلالها الثقيلة على حياته فتحيله من الوجود إلى الهامش، لينهي الزيدي مسرحيته التجريبية هذه بنهاية مفتوحة قائمة على تأويل المتلقى أو هكذا أظن!. 


حيدر علي الاسدي -العراق