ثلاثة مخرجين يروون تجاربهم عن المسرح الشعبى

ثلاثة مخرجين يروون تجاربهم عن المسرح الشعبى

العدد 782 صدر بتاريخ 22أغسطس2022

أقام المهرجان القومى للمسرح المصرى فى دورته الخامسة عشر، جلسة بعنوان «حضور تيار المسرح الشعبى» أدارتها المخرجة عبير على، وتحدث خلالها المخرجون أحمد إسماعيل عن «رواد المسرح الشعبى» وحمدي طلبة «المسرح الشعبى وتجارب فى الأقاليم،» وسعيد سليمان عن توظيف التراث الشعبى فى المسرح المعاصر، وذلك بحضور الفنان يوسف إسماعيل رئيس المهرجان وعدد من المسرحيين والإعلاميين .
أعربت المخرجة عبير على عن سعادتها بحضور ندوة محورها هو نفسه  مشروعها المسرحى «المسرح الشعبى» وكيف أنها استطاعت إخراج منتج مسرحى خلاله يحمل سمات العصرنة والهوية، وأشارت فى كلمتها إلى فضل وجهود المخرج أحمد إسماعيل فى إقامة مسرح وثيق الصلة بهويتنا ويتسم  بالعصرية فى آن واحد، أضافت أنه بلور داخل تجربته، ولدى مجموعة كبيرة من مخرجى المسرح المعنى الحقيقى الهوية، التى تعنى إضافة للحضارة.  
وذكرت أن المخرج أحمد إسماعيل من أوائل المخرجين الذين تعلمنا على أيديهم أن المسرح الشعبى ليس هو العمل على الفلكلور فقط؛ ولكن العمل بمنهج الإبداع الجماعى الذى يعنى «الكتابة المشتركة» عن الحياة اليومية والأماكن،وأنه دربنا على مسرح الأماكن عن طريق الجمع الميدانى، وورش الكتابة وأشارت إلى أنه لولا ما تعلمناه منه؛ فلم يكن يصبح  لدى مشروع مثل مشروع فرقتى «المسحراتى»، ومشروع مثل «الطيف والخيال» للمخرج بهاء المرغنى، ومشاريع أخرى للعديد من المخرجين والكتاب المبدعين، كما علمنا كيفية إيجاد آليات واستراتيجيات لبناء فرقة، وتأسيس مشروع عن المسرح الشعبى أو مسرح الهوية أو مسرح الحكايات اليومية .
وأشارت خلال كلمتها إلى وجود اختلافات حول مفهوم «الشعبى»؛ والمسرح الشعبى، فهل لفظة «الشعبى»، تعنى الطبقات «الدنيا والوسطى» موضحه أن لتعريف المسرح الشعبى أو الفن الشعبى عدة اتجاهات غير متفقه على تعريف أوحد للمسرح الشعبى، هل هو المسرح غير معلوم المؤلف أو الذى يتوارثه جيل بعد جيل شفاهيا، أوهو المسرح الذى يستخدم أدوات الفرجة الشعبية مثل السامر والحكى ... إلخ .
وأوضحت أنها عندما قامت بمراجعه تاريخ المخرجين الذين تصدوا لتقديم المسرح الشعبى لاحظت أن جميعهم لا ينتمون إلى مفهوم واحد، فليس هناك من يعمل على استلهام التراث فقط،أو أدوات المسرح الشعبى فقط، وهكذا ...
وفى كلمته أوضح المخرج أحمد إسماعيل أن كلمة الشعبى تقترن بخصائص الثقافة الشعبية فى الواقع «ما يقوم به الشعب دون تدخل الفنان»، قال إن الثقافة الشعبية داخلها المظاهر الدرامية  الشعبية التى نعمل عليها؛ وبالتالى فإن مصطلح المسرح الشعبى مصطلح مجازى، يعد الدكتور على الراعى أهم من أسس له نظريا، وجمع ميدانيا وحصر المظاهر الدرامية الشعبية،ومن وجهه نظره عندما يتدخل الفنان فى هذه المظاهر الدرامية يقدم شيئا جديدا، وتدخل الفنان هو بمثابة استلهام لهذه المظاهر الدرامية، أو استلهام للثقافة الشعبية، سواء ثقافة القرية أو المدينة .
وأضاف أحمد إسماعيل: أعمل على فكرة الاستلهام؛ وقد استلهمت الحياة الشعبية فى قرية «شبرا بخوم»، الحياة اليومية بما فيها من عادات وتقاليد وثقافة سكانها وهو ما يجمعه قولي  «استلهمت الثقافة الشعبية لقرية بعينها» وهى شبيهة فى معظم الجوانب بالقرى المصرية بالدلتا فى «الوجه البحرى»، وفى نفس الوقت قريبة إلى حد أقل للقرى فى الوجه القبلي؛ العادات والتقاليد مختلفة وإن كان هناك تشابه فى المظاهر الدرامية 
وتحدث عن بدايته فى المسرح فقال: مشاهداتى الأولى قال: كانت مشاهدات لعروض تقليدية، وأولى العروض التى شاهدتها فى حياتى، وكنت آنذاك فى المرحلة الإعدادية عرض «مأساة الحلاج» تأليف صلاح عبد الصبور وإخراج سمير العصفورى، على خشبة مسرح دار الأوبرا القديمة، وثانى العروض التى شاهدتها وكنت طالبا فى المعهد عرض «الجنس الثالث» تأليف يوسف إدريس إخراج المخرج القدير سعد أدرش، وعندما درست فى المعهد درست دراما غربية، وكان من النادر الإشارة إلى الدراسة التى قدمها يوسف إدريس «نحو مسرح مصرى» فى مجلة الكاتب سنة 1964، والتى أثارت ضجة فى الواقع المسرحى آنذاك، بأكثر من كتاب منها «قالبنا المسرحى» لتوفيق الحكيم، وكان لدينا بالمعهد أحد كبار الأساتذة، وهو أحمد عباس صالح الذي كان يحدثنا عن هذه المقالات والاتجاهات، ولكن كانت معظم المواد الدراسية فى سنوات المعهد دراما تقليديه غربية، وكما نعلم الدراما بناء شديد الأهمية، نظر له أرسطو فى كتاب «فن الشعر»، والمسرح التقليدى الغربى دراما تطورت من الطقوس الشعبية اليونانية القديمة التى مرت بحضارتين، منهما عصر النهضة  الذى نتج عنه كتّاب عصر النهضة العظام، فالدراما الغربية لا يستهان بها؛ فكان التأسيس للمسرح الغربى ولكن من أين أتى المسرح الشعبى؟ تابع: علاقتى بالعروض الشعبية بدأت بعد انتهائي من دراستى بالمعهد وبعد عملى فى «شبرا بخوم» وتقديمى جزأين من عرض «سهرة ريفية» وقد شاهدت عروض المخرج الراحل عبد الرحمن الشافعى، وقدمت عرض «الشاطر حسن» فى نفس توقيت  تقديم عرض «السيرة الهلالية» له، وتقدمنا بالعرضين لجائزة الدولة التشجيعية وفاز بها، وكانت تربطنى به علاقة إنسانية وطيدة وكان فى هذا التوقيت مديرا عاما لفرع ثقافة الجيزة، ومدير مسرح السامر، وكان يساعدنى ويلبى لي كل ما أحتاجه لعروضى من المخازن.
وتابع قائلا: فى مسيرتى الفنية لم أساعد فى الإخراج، وقمت بعمل إشكالية للنقابة، فقد قدمت عروضا كتب عنها كبار نقاد مصر، وكانت النقابة تقف موقفا متحيرا: كيف ستعطينى العضوية؟ فالنظام اللائحى ينص على ضرورة عمل المخرج مساعدا لمدة خمس سنوات، وأنا لم أستوفى هذا الشرط، ولكنهم أعطونى العضوية بعد جلستين طوال. 
قال أيضا: كان تكوينى الوجدانى والعقلى مختلفا عن كل هذه المسارات وقد أشارت  الكاتبة رشا عبد المنعم في  دراسة قيمة ونبهتنى إلى أن محور أعمالى هو استهداف الجمهور، وذكرتنى بفترة دراستى بالمعهد وتأسيسى لفرقة «شبرا بخوم» التى بدأت معها فى مرحلة الهواة، وأعدت تكوينها بالفرقة الأولى بالمعهد، وعندها شرعنا فى تقديم عرض لكننا فشلنا بسبب بعض الاختلافات مع أعضاء الفرقة حول ما سنقدمه، فقد أردت أن اقدم عرض «أنت اللى قتلت الوحش» لعلى سالم ولم نتمكن من تقديمه، وفى العام التالى وصلنا إلى حلول وسط  فقدمنا اسكتشات واستعراضات وعروض مسرحية ذات الفصل الواحد منها «الغريب»، «الفخ» لألفريد فرج، «أغنية على الممر» لعلى سالم عام 1974م، وقمنا بعمل توازن ما بين الاسكتشات والحفلات وبين العروض المسرحية، فالحفلات كانت قريبة من المظاهر الدرامية الشعبية، يقدمها الهواة وكانت فى بلدتى «شبرا بخوم» تقام موالد يقدم بها فصول تمثيلية، وقد قدمت بحثا فى هذا الصدد، تحت إشراف أستاذ عظيم هو عبد الحميد حواس، وكان البحث عن قرية «شبرا بخوم» نهاية القرن التاسع عشر والقرن العشرين، وقابلت كبار القرية الذين رووا لي بعض القصص وما كان يقدم من فصول تمثيلية بالموالد. 
تابع: بعد أن بدأت الدراسة التمهيدية بالمعهد العالى للفنون الشعبية فى مرحلة الماجستير تعرفت على خصائص مهمة عن الجمهور المصرى، وعاد التساؤل مرة أخرى هل يمكن عمل مسرح فى كل مكان  يرتبط بحياة الناس ؟ولماذا لا يذهب الجمهور المصرى إلى المسرح حتى فى فترات ازدهاره؟ ومن هنا بدأت التفكير فى عمل عروض مسرحية من القرية، ووقتها قدمت عرض «سهرة ريفية» وكنا نناقش مشكلات أهل القرية، ومن هنا كانت الحاجة الماسة الى دراسة الجمهور وما يفعله الناس، ولهذا أقبلت على دراسة الفنون الشعبية .. أعدت تكوين مشروع مسرح القرية فى شبرا بخوم، الذي كان يحتوى على الشروط المركبة للمسرح، لأنه يعبر عن أهالى القرية، بالمعنى الشامل فنياً وفكريا. 
المخرج حمدي طلبة تحدث عن المسرح الشعبي وتجاربه في الأقاليم، خاصة في مدن الصعيد الغنية بالمظاهر التراثية والشعبية، وقال : كانت أشهر قصة تقدم في الموالد الشعبية قديما في الصعيد»حسن ونعيمة»، وعندما بدأت في عمل مسرح شعبي كنت متأثرا بتلك القصة، وفكرة الفلكلور وبناء عليه ذهبنا إلى قرية حسن لجمع مصادر حول أصول القصة، ورحب بنا الأهالي؛ ولكن عند الذهاب إلى المنشية قرية نعيمة لجمع معلومات عنها، رفض الأهالي الحديث، بل واعتبروا أي شخص يبحث عن القصة خارجا عن الأدب. أضاف: ومن هنا أيضا جاءت فكرة نوادي المسرح. 
وبخصوص عرض البهنسا قال طلبة: النص تمت كتابته بعد عملية جمع ميدانى للتراث الشعبى فى البهنسا خاصة وأنها تتنوع حضاريا ما بين تاريخ فرعونى وقبطى وإسلامى بجانب احتوائها على العديد من ألوان التراث الشعبى، ومنها جاءت فكرة النص وكتابة معادل درامي شعبى يجمع الفولكلور المحلى للبهنسا، بأُسلوب المعايشة الميدانية التي احبها وأصبحت منهجا لي، بل إني أستخدم أسلوب «الكتابة على المكان» في العديد من التجارب. فيما قال المخرج سعيد سليمان أن التعامل مع التراث حكمة وعلم، وإن إنتاج فن شعبي يعود لأسباب داخل الروح، كوجود مشاعر مختلطة داخل المواطن، سواء كان مهموما أو مظلوما. معتبرا أن التراث الشعبي به عناصر إيجابية عديدة ملهمة للفنان في المسرح الشعبي، وأن علاقة المسرح المعاصر بالتراث الشعبي وطيدة، خصوصا مع وجود نصوص عالمية من الممكن تطبيق التراث الشعبي عليها مثل نص «مكبث» لشكسبير الذي يرتبط بالروح. 
وقال سليمان إن الصوفية تراث شعبي أصيل في جوهرها صفاء الروح، وأجمل ما فيها الجانب الإنساني العظيم الذي يتفق مع الجانب الشعبي، مثل طقس الزار الذي يجمع بين التراث الشعبي والصوفية، وهناك منه مفردات عديدة تشترك في المعالجة الجسدية حتى تصل إلى الروح، وان الحضارة القديمة قائمة على التراث الصوفي وإن  تراث مصر القديم في توجهه الصوفي لم يستغل بعد، مؤكدا على أن الصوفية كنز روحي لم يستغل على أكمل وجه.
 


رنا رأفت