المسرح وأسئلته الشائكة.. مساحة حرة على مائدة المسرحيين

المسرح وأسئلته الشائكة..  مساحة حرة على مائدة المسرحيين

العدد 776 صدر بتاريخ 11يوليو2022

يُلقب المسرح بأبي الفنون؛ نظراً لاشتماله على العديد من العناصر الفنية، بداية من النص مرورا بالموسيقى والديكور والإضاءة والملابس وصولا إلى الإخراج. المسرح هو المكان الذي تؤدى عليه المسرحية، وهو التعبير الفني أيضاً عن شكل من أشكال الفنون؛ في حين أنّ المسرحية هي النص أو الحكاية التي نسج خيوطها المؤلف، وعبّر عنها الممثلون بتوجيه من مخرج العمل، وخُصّص لها الوقت للتحضير والتدريب، والنصّ المسرحي هو أساس القصّة التي تدفع الجمهور إلى التوجّه نحو صالات وقاعات المسارح؛ فلا يمكن للمسرح أن يكون مسرحاً دون نصّ مسرحي، ولا يمكن تقديم نص مسرحي دون مخرج.
ما بين النص المسرحي والمخرج «طرفي القضية» آثرنا أن نخصص هذه المساحة  لمحاولة الإجابة على عدد من  التساؤلات منها: ما أهم أسباب اختيار المخرج لنص معين دون غيره؟ وهل يضع المخرج الجمهور في ذهنه أم النقاد أم الجوائز والمهرجانات؟ وهل هناك ما يمنع المخرج من تقديم عرض ينجح جماهيريا ونقديا في الوقت نفسه؟ وما الروشتة التي لو اتبعها المخرج يستطيع من خلالها تحقيق تلك المعادلة؟ ما أسباب اتجاه بعض المخرجين للنصوص الأجنبية؟ ولماذا يتم اختيار بعض النصوص التي سبق و قدمت أكثر من مرة؟ هل هي أزمة نصوص؟ أم ماذا؟ وهل اختيار المخرج للنص يجب أن يكون متناسبا مع أفكاره لينفعل بها؟ وهل يجب أن يراعي المخرج أو المؤلف الفئة المستهدفة من مشاهدة هذه العروض خاصة في الأقاليم وعروض مواقع مسرح الثقافة الجماهيرية؟ و هل هناك أهداف تكون في ذهن المؤلف أو المخرج عند كتابة أو إخراج المسرحية؟ والتدخل في النص المسرحي المؤلف سواء بالإعداد أو الدراماتورج هل يعد في صالح الحركة المسرحية؟ وما الذي يدفع البعض للتدخل في النص الأصلي؟ استعنا ببعض النقاد والمؤلفين والمخرجين ردا على تلك التساؤلات:
 الكاتب والناقد أحمد عبد الرازق أبو العلا قال: عند اختيار المخرج للنص، يختلف الدافع – في اعتقادي – من مخرج إلى آخر، فهناك من يضع عينه على الجوائز والتسابق والمشاركة في المهرجانات، وهناك من يضع الجمهور في اعتباره بالدرجة الأولى، أما علاقته بالنقاد، فينبغي أن يتقبل وجهة نظرهم، طالما قام بعمله، وقدمه للمشاهد، ومن  ضمن المشاهدين النقاد، وعليهم القيام بمهمتهم، وعليه الاستفادة من آرائهم، والمخرج الحقيقي – من وجهة نظري – هو الذي يضع الجمهور في مقدمة اهتمامه؛ لأن مسرحا بلا جمهور لا قيمة له، ومخرج مهتم بالمهرجانات والتسابق، لا يمكن أن يحقق نجاحا حقيقيا. والروشتة التي بها يستطيع المخرج تحقيق الرضا الجماهيري والنقدي – في الوقت نفسه – هي توافر معيار (الصدق الفني) هذا المعيار مهم جدا، فلكل من يريد النجاح، أن يكون صادقا، وليس مدعيا، صادقا حين يختار نصه، صادقا حين يجيد اختيار فريق العمل، صادقا حين يفسر النص، ويقدم رسالته، هذا فضلا عن جديته، وتحمله مسؤولية عمله بشكل حقيقي، وليس سعيا وراء هدف آخر غير فني، مثل البحث عن الربح مثلا، أو لزيادة دخله علي حساب ما يقدمه .
وأوضح عبد الرازق: أما عن أسباب اتجاه المخرجين للنصوص الأجنبية، أقول، كان المخرجون يلجأون إلى تلك النصوص لضرورة فنية،  ولا تثريب في ذلك، ولكن الأمر الآن أصبح ظاهرة تدعو للقلق ! لماذا ؟ لأن معظم عروضنا تذهب إلى النصوص الأجنبية، وتخضع للإعداد أو ما شابه ذلك، وبمسميات مراوغة، تفسد كثيرا النص الأصلي، وتشوه رسالته، تحت دعاوي مختلفة، ليس من بينها الضرورة التي تحدثت عنها، وربما يرجع الأمر إلى الموقف المتعنت للرقابة على المصنفات الفنية، التي صارت تتدخل بشكل سافر في النصوص المؤلفة، وتُرهق معها المخرجين والمؤلفين، فيذهبون إلى الطريق السهل، بعيدا عن وجع الرأس، ويتعاملون مع النص الأجنبي الحاصل على موافقة الرقابة، وتلك مسألة تحتاج إلى وقفة من المسرحيين، لأنها تضر مسرحنا المصري، وتدفعه إلى الخلف.                                                                              واضاف عن قضية تدوير النصوص: تلك قضية هامة بالفعل، وتقديم النص أكثر من مرة، على يد أكثر من مخرج، ظاهرة انتشرت في مسرح الثقافة الجماهيرية، وانتقلت إلى غيرها من المسارح، حتى مع المسرح الاحترافي، والسبب في ذلك لا علاقة له بندرة النص المسرحي، كما يدعي البعض، ولكن له علاقة  بمفهوم (الشلة )  تلك التي  يتفق عناصرها علي ذلك السلوك، وكذلك يعود الأمر إلي الإدارة المتخاذلة التي تسمح بذلك، بما يؤثر على علاقة العرض بالجمهور، لأن التكرار ليس في صالح تطوير العلاقة بين العرض والجمهور، وأؤكد أنه لا علاقة لتلك الظاهرة، بمسألة الندرة، لأن النصوص بالفعل موجودة، وكذلك المؤلفين، لكنه أيضا الكسل، وعدم القراءة، وقلة الاطلاع، وكلها أمور تؤدي إلى تفشي تلك الظاهرة المقيتة. تابع :
أما مسألة التدخل في النصوص بالحذف والإضافة، تحت مسميات مراوغة وليست دقيقة مثل الدراماتورجية، والإعداد، وغيرها من المسميات، فهي مسألة مزعجة جدا، فالإعداد يتم على وسيط غير مسرحي، ويجوز للمخرج أن يقوم بحذف ما يراه زائدا، ولا ضرورة له لو تم حذفه، لكن ليس من حقه أن يضيف كتابة، لماذا ؟ لأن لديه أدوات أخرى كثيرة، غير الكلمة يستطيع بها أن يرسل رسالته، ويقدم مضمون عمله، لديه الموسيقي والغناء، وحركة الممثل، والديكور، والإضاءة، والتمثيل، كل ذلك سيساعده على رسم الصورة المسرحية التي ستساهم في  توصيل الرسالة . لكن التدخل في النص الأصلي يكشف – من وجهة نظري –  عجز المخرج على التعامل مع النص، فيقوم بتشويهه تعبيرا عن العجز الذي لا يعترف به، إذا ذكره النقاد !. 
فيما قال الكاتب المسرحي محمد أبو العلا السلاموني: من المتعارف عليه أن البداية تأتى من المؤلف الذى يقدم نصه لمدير المسرح ويعرضه على المخرج المناسب لمضمون النص (كوميدى، تراجيدى، استعراضى..الخ) ولكن للأسف انقلبت الآية في زماننا وأصبحت البداية في يد المخرج الذى يختار النص الذى يبرز قدراته الفنية بغض النظر عن علاقتها  بقضايا المجتمع والوطن ومن ثم انصراف الجمهور عنها. أما إذا تعامل المخرج مع النص برؤية مختلفة،  فمن حق المؤلف أن يعترض بالحوار أو سحب النص. أما إذا كان المؤلف غير موجود فهذا دور النقد والنقاد الذين من حقهم الاعتراض أو الموافقة وإبداء الآراء لتنوير الجمهور.
وأضاف السلاموني: الاتجاه للنص الأجنبي يجب أن يخضع للضوابط، مثلا تقديم نص جديد للاطلاع على حركة المسرح في الخارج خصوصا إذا حصل هذا النص على تقدير أو جائزة أو جماهيرية. لكن للأسف نجد لجوء المخرجين الآن إلى النص الأجنبي بهدف الاستسهال ونقل خطة الإخراج واستنساخ أو سرقة العرض الأجنبي، إلى جانب توفير الميزانية بعدم دفع حق التأليف وهذا مخالف لقانون حقوق المؤلف الذى إذا علم به يحق له مقاضاة الجميع دوليا، ولذلك يلجأ المخرج لنص قديم حتى يهرب من المسئولية وتلك سبة أخرى. ومسألة تدوير النص يرجع إلى تهاون وإهمال المسئولين الذين ليس لديهم خطة أو رؤية أو استراتيجية ولذلك يتركون الأمور تمضى بعشوائية وتخبط والمفروض أن تحتوى خطط الإنتاج على ثلاث أنواع: نصوص كبار الكتاب ونصوص الكتاب الجدد والشباب ونصوص الريبرتوار المتميزة.
وأوضح أنه : لا توجد أزمة نصوص ولكن توجد أزمة إدارة و مسئولين متكاسلين لا يتصلون بالكتاب  ويوكلون المهمة لأصدقائهم ومعارفهم وشللهم من المخرجين الذين أصبحوا يعدون النصوص على أمزجتهم وبأسلوب الورش ليحصلوا على أجور التأليف والإخراج وربما الديكور والاستعراضات، ولا عزاء للكتاب الحقيقيين.
تابع : جمهور الأقاليم هدف رئيسي للمسرح لأنه الجمهور الحقيقي الذى حرم طويلا من الخدمة المسرحية، وأتمنى أن يشارك البيت الفني للمسرح والبيت الفني للفنون الشعبية والثقافة الجماهيرية في برنامج حياة كريمة بوضع خطة لنشر العروض المسرحية في الأقاليم ضمن هذا البرنامج القومي وبذلك نستعدل الهرم المسرحي المقلوب على رأسه في الأقاليم وقاعدته في العاصمة بينما العكس صحيح على رأى الدكتور على الراعي. والكاتب المسرحي الحقيقي لابد أن يكون صاحب مشروع ورؤية يريد تحقيقها في المجتمع ولذلك لابد أن يكون مستوعبا لمشاكل وقضايا مجتمعه .
فيما أرجع الكاتب المسرحي خالد حسونة أسباب اختيار المخرج لنص معين دون غيره إلى وجود مشروع في رأس المخرج يريد التعبير عنه واهتمامه ببعض القضايا.
قال: هذا قد يكون حافزا له على اختيار نص دون غيره، وكذلك التجربة،  بمعنى سعي المخرج نحو التجريب في بعض عناصر العرض المسرحي قد يكون دافعا له لاختيار نص مسرحي بعينه دون غيره، ومن المفترض ألا يضع الكاتب أو المؤلف عند كتابة نصه أي من الاعتبارات الأخرى،  فالكاتب يجب أن يكون مهموما بقضية ما أو يحمل هما ما وفكرة يريد التعبير عنها ويجب أن يكون التعبير عن هذه الفكرة هي همه الشاغل، واما الجمهور فهو الهدف من الكتابة عموما سواء كان قارئا لنص أو مشاهدا لمسرحية على المسرح وحينما يراعي الكاتب شروط الكتابة الصحيحة فإن كلماته ستصل للجمهور بلا شك وللنقاد والمختصين باعتبارهم شريحة من هذا الجمهور . وقد يتجه بعض المخرجين للنصوص الأجنبية إما لأنهم لم يقرؤوا كافة النصوص العربية ليجدوا ضالتهم، وأما أنهم لم يجدوا ما يعبر عن الأفكار التي يريدون طرحها سوى بين جنبات النص الأجنبي المترجم، وهناك سبب إجرائي كذلك هو هروب الإدارات المختلفة من التعاقد مع مؤلفين جدد أو إعادة التعاقد مع مؤلفين سابقين ومن ثم الهروب من حقوق المؤلفين بشكل عام ومن ثم دفع المخرجين دفعا نحو النص الأجنبي باعتباره نصا مستباحا في ثقافتنا .
واستكمل حسونة قائلا: ليست هناك أزمة إبداع في مصر بل هناك أزمة ضمير، ضمير المخرج في البحث عن نصوص جديدة والاستسهال في أحايين كثيرة، ضمير دور النشر في نشر إبداعات الشباب وكذلك لجان المسابقات والتحكيم التي تظلم الكثير من المواهب لصالح اعتبارات أخرى لا مجال هنا للحديث عنها، والدليل على وجود المواهب هو كم المؤلفين الجدد الذين تفوز نصوصهم في المهرجانات وهي غير منشورة   
وعلى المؤلف أن يقدم عملا يعبر عنه وألا يكون متناقضا مع أفكاره، وإلا ستكون هناك ازدواجية في الطرح ولن يكون هناك عرض مسرحي ولا رؤية فنية، فالكاتب لديه أهداف عند كتابة النص حيث يكتب أفكاره وهذه الأفكار تتوجه بالضرورة لتحقيق هدف محدد قد يكون الجمهور والضحك مثلا أحد هذه الأهداف كما في مسارح القطاع الخاص، ولكن وبشكل عام فأهداف المؤلف تختلف وتتشكل باختلاف الزمان والمكان والرؤية وتلك الأفكار التي يريد المؤلف أو الكاتب أن يعبر عنها.
وقالت الناقدة أمل ممدوح: من المفترض أن المخرج يختار النص وفقا لقوة الدراما فيه، وقربا لهمه وما يشغله، وفي رأيي يجب أن ينشغل بهمه هو سواء كان هما فرديا أو اجتماعيا، أي أن يكون صادقا ويريد التعبير عما يشغله من قضايا وأفكار وهموم - هذا طبيعي - لكن في نفس الوقت لا يشخصن عرضه ويجعله على مقاسه وحده، مع مراعاة نسبية الجمهور الذي يعرض أمامه، بالتبسيط في اللغة مثلا بشكل غير مخل أو في طريقة التقديم بحيث لا يصعب على المتلقي، وفي رأيي الشخصي لا ينبغي أن تفصل الهموم والقضايا على مقاس جمهور معين، خاصة لو كان هناك من يهتم في طرحه بالقضايا الاجتماعية المباشرة. ولا يجب أن يشغل المخرج باله بالجوائز فهي نتيجة لا غاية، المهم أن يستمتع بعمله ويكون صادقا فيه، وأن يسعى ما استطاع للتعبير وفق المقتضيات الفنية والجمالية اللازمة . ولا يوجد أبدا ما يمنع أن يجمع المخرج بين الرضا الجماهيري والرضا النقدي بل إن هذا الجمع إن حدث لهو أفضل النتائج الفنية ومؤشر لصدق العمل وإبداعه.
وأوضحت : كما أشرت فإن صدق الهم وصدق الشغف النقطة الأساسية لإخراج عمل جيد مع حسن اختيار النص ووعي المخرج وثقافته وجديته، وعدم اهتمامه بفكرة النجاح فقط أو المجد الشخصي بل الهم الحقيقي وعشق ما يعمل .
وأضافت : أعتقد أن أقو ى الأسباب الحالية لاختيار نص ما سواء مصري أو أجنبي   هو اللعب في المضمون إن جاز التعبير، أي العمل على نصوص مجربة النجاح وتم تقديمها كثيرا مع تحقيق نتائج جيدة، لكن هناك حالات يكون المخرج مؤمنا ومحبا  للنص ذاته وهذا لا بأس به وهو الأفضل. أما النزوع لخيار النصوص الأجنبية فأنا لا أجد فيه غضاضة إن كان يناسب هم المخرج، لكنه أحيانا قد يكون هروبا من التورط في أي مشاكل رقابية أو سياسية أحيانا، كما أن البعض يعتقد أن النص الأجنبي أعلى قيمة وهنا على المخرج تصحيح مسار تفكيره والثقة في وعيه الشخصي - بالطبع بعد تنميته - كي يكون أوسع أفقا، وبالطبع يجب أن تتناسب أفكار العرض مع قناعات وأفكار المخرج، أما فكرة مراعاة الفئة المستهدفة فأرى حدودها نسبية .
 وقال الكاتب المسرحي والقاص نعيم الأسيوطي: المخرج يختار النص الذي يعبر عن أفكاره أو الذي يحتوي على قضية معينة يهتم بها سواء كانت قضية وطنية أو اجتماعية أو تراثية... الخ،  ويحاول إشراك الجمهور وفريق العمل  في عرضها بكل حيادية، وقد يتجه بعض المخرجين للنصوص الأجنبية للهروب من الروتين الحكومي وسيف الرقابة على المصنفات الفنية. وأنا ضد تكرار النصوص في أكثر من موقع، ولابد أن يكون لإدارة المسرح دور في منع تكرار العمل وذلك لإعطاء فرصه للنصوص المجازة بالإدارة وما أكثرها، ومقولة أن لدينا أزمة في النصوص المسرحية أعتبرها غير حقيقة ويرجي فرز وفحص النصوص بإدارة المسرح، هذا غير النصوص التي تفوز في المسابقات المحلية والعربية والمستقلة. 
واستكمل قائلا:  هناك مخرج مهتم بقضايا الإنسان ما له وما عليه من واجبات وحقوق، وآخر مهتم بقضايا الوطن العربي مثل القضية الفلسطينية والقدس، و ثالث مهتم بالحروب التي تدور في العالم وهذا ما يعد طبيعيا، فلابد أن يؤمن المخرج بالقضية التي ينفذها وإلا سوف تصبح باهتة ولا ينفعل معه الجمهور ولا فريق العمل ويعتبر هذا إهدار مال عام . وفي حالة معرفتي بتعامل مخرج مع نصي بشكل يتعارض مع رؤيتي  بالتأكيد سوف اعترض وأتعامل مع الموقف بمناقشة المخرج وإذا لم نصل لنتيجة ارفض تنفيذ النص هذا  إذا كنت أعرف المخرج والمكان الذي ينفذ فيه العرض. أوضح: المؤلف له النص الأدبي المطبوع وفي حالة تنفيذ العمل على خشبة المسرح فقد أصبح المخرج شريكه في تنفيذ العمل سواء قام بالحذف أو بالإضافة حسب رؤيته للعرض طالما لا يتعارض مع فكرة النص أو الخط الدرامي الذي بناه المؤلف وهذه وجهة نظري الشخصية، ولكن كيف اعرف إذا تم تنفيذ النص المسرحي في بلد عربي مثلا، هنا يختلف الأمر.
 واضاف: من الطبيعي أن لجان مناقشة المشاريع تكون على معرفة بالمكان الذي ينفذ فيه مشروع المخرج  هل يصلح له أم لا؟  وأنا اختلف مع المخرج الذي يختار النصوص الأجنبية كما هي  لشكسبير أو يوجين يونسكو أو البير كامي.. الخ  في موقع اغلب سكانه من الطبقة العاملة ولا يهتم بالمسرح ولديه معرفة سابقة بمسرحيات الفنان عادل إمام والفنان فؤاد المهندس وغيرهما من كبار الفنانين في مصر، ما أريد أن أقوله إن مسرح الثقافة الجماهيرية جاد ويقدم قضايا ويختلف تماما عن المسرح التجاري، وقد حدث معي شخصيا أن ذهبت إلى بعض الأماكن  الشعبية لتنفيذ عرض مسرحي يتبع الهيئة فقيل لي إذا كنا هنضحك من أول العرض لأخره مثل مسرح الفنان اشرف عبد الباقي فلا مانع لدينا وطبعا خرجت وأنا بضرب كف على كف .  وأؤكد أن يكون للمؤلف فكرة أساسية لكتابة النص المسرحي ومن خلالها يبدأ في خلق الشخصيات بأبعادها الثلاثة والتي يدور بينهما الصراع  والوصول إلى الحل .
فيما قال الكاتب المسرحي السيد فهيم: للمخرج مطلق الحرية في التحمس لنص ما، واختيار ما يتوافق مع أفكاره وإمكاناته هو وفريقه، لذلك فإن الأسباب التي تدفع مخرجا لتناول نص مسرحي بعينه ترجع إلى ثقافة وطموح المخرج نفسه، ربما يجد في النص قضية تشغله هو شخصيا، أو فكرة فريدة تمثل تحديا جديدا وتجربة تضاف لمشواره الفني، أو يعجب بالحبكة ولغة الحوار التي قد تستفزه لتقديم صورة فنية تُشبِع شغفه الفني هو والممثلين، وبعض المخرجين يكون لهم نظرة استباقية فيتصور تفاعل الجمهور مع ما سيطرحه عليه من خلال العرض المسرحي، فيبحث عن النص الذي يلامس وعي وإدراك الجمهور ويحقق نجاحا جماهيريا لتماسه مباشرة مع قضايا وهموم المتلقي.
ويرى فهيم  أن بعض المخرجين يتجهون للنصوص الأجنبية لأسباب عدة منها على سبيل المثال تحمسهم لما يطرحه النص من أفكار فريدة وغريبة عن مجتمعاتنا، ظنا منهم أن ذلك يمثل تحديا أو قيمة فنية تبرهن على قدرتهم وتفردهم. وأيضا البعض يجد متعة في تناول قضايا عالمية إنسانية وفلسفية وذهنية تصلح لتناولها بأكثر من رؤية وفهمها بأكثر من تأويل، وأعتقد إن السبب الأكثر شيوعا هو الهروب من تناول قضايا محلية مباشرة بالبحث عن نصوص أجنبية تتماس بصورة أو بأخرى مع الواقع في إسقاط غير مباشر دون الوقوع تحت مقصلة الرقابة. 
تابع : تكرار اختيار نصوص قديمة سبق تناولها ليس عيبا أو دلالة على أزمة النصوص، بل هو نتاج وعي وثقافة الاستسهال، وعدم حرص جهات الإنتاج على ضخ دماء جديدة من كتاب المسرح وأرى أن هذه الظاهرة بدأت تنحسر مع انتشار مواقع التواصل وسهولة التعرف على الجديد من النصوص والتفاعل الإيجابي بين المخرجين والمؤلفين دون وسيط، وتحمس المخرجين الشباب لتناول نصوص مسرحية محلية معاصرة لكتاب من مختلف الأجيال.
واضاف: بالتأكيد لابد للمخرج أن يختار ما يتسق مع أفكاره وفلسفته الخاصة ليستطيع أن يصبغ العرض برؤيته وإبداعه. واذا كان النص المسرحي المكتوب ملكا لمؤلفه، فالعرض المسرحي هو ملكٌ لمخرجه. فالمتعارف عليه أن النص الأدبي رساله من الكاتب للمخرج، أما العرض فهو رسالة المخرج للجمهور. قد يتناول المخرج النص المسرحي ويقدمه بنفس تفاصيل الكاتب ورؤيته وهذا أراه أمرا مثاليا لا يحدث على أرض الواقع، فلابد للمخرج أن يضع بعض اللمسات الخاصة به وبما يتوافق مع طبيعة وظروف الفريق وإمكاناته. كذلك الجمهور المستهدف ومناخ العرض الزماني والمكاني. فله مطلق الحرية في الحذف أو إضافة دون الإخلال بالخط الدرامي الأساسي ودون الجور على فلسفة وأفكار المؤلف أو تقديم ما يتعارض مع قناعات المؤلف وتوجهاته، فهذه تعدُ خيانة لحق المؤلف وتزييف لرسالته. لكن في النهاية سيظل النص الأصلي مطروحا كمرجع يمكن الرجوع إليه. فالنص المسرحي هو الثابت والموثق عبر الزمن، أما العرض فهو ابن بيئته وزمانه. ويجب أن يراعي المخرج حين اختياره للنص الجمهور المستهدف من العرض. وكلما كانت اللغة أقرب للمشاهد والفكرة تتماس مع همومه وقضاياه وتشبع حاجته لتفريغ ما يعتريه من شحنات سلبية ببث طاقات إيجابية ودفعه للتفكير والتفاعل مع ما يشاهده بل تحثه أن يسعى بنفسه بحثا عن هذا المسرح الذي يستهويه. كل هذه مقومات للاختيار السليم للمادة المعروضة والتي أساسها بلا شك النص المسرحي. وعروض مسرح الثقافة الجماهيرية هي الأمل الأخير في عودة تيار الوعي الفني وبناء ذائقة ثقافية وفنية ترقى بالحس الجمعي، وتقوِّم ما فسد من الذوق والسلوك العام بتقديم عروض جادة، ولا أقصد بالجادة اللون التراجيدي فقط. بل يجب أن يعود الجمهور للمسرح ليجد عروضا تجذبه فنيا، وتناقش قضايا هادفة بلغة يفهمها ولا تتعالى عليه، أو تقدم خطابا فلسفيا متقعرا  يستعصي عليه فك طلاسمه.
وختم بقوله : المؤلف المسرحي لا يكتب من فراغ، ولا للفراغ. بالتأكيد هناك أهداف تتبادر إلى ذهنه عند الشروع في الكتابة كفكرة مُلِّحة أو قضية تشغله، أو انفعالا بموقفٍ مر به. وتلك هي عظمة وبهاء المسرح؛ ذلك الفن الذي يمنحك الفرصة للتعبير والبوح بما يعتملُ بوجدانك بصورة فنية يشاركك فيها المخرج وفريق العمل وجمهور المشاهدين.
وقال الكاتب المسرحي محمد السوري : ما يحدث أن هناك مخرجين يبحثون عن نص يخدم شكلا في دماغهم فيميلون للنص الذي يحدث تأثيرا  effect   لعمله. قد يكون ذلك دون التفكير فيما يقدمه المحتوى أو افكار النص، مما يقلل من المحتوى الفكري، هؤلاء هم من يميلون للشكل على حساب المضمون، وهناك نوعية أخرى من المخرجين يختارون حسب العدد، فيبحث عن النص الذي يتناسب وعدد الممثلين المفضلين عنده، وتعتبر تلك أزمة من وجهة نظري. ما الذي من المفترض أن يكون، أن يسأل المخرج نفسه اولا وقبل كل شيء:  ماذا يريد أن يقول؟ ولماذا ؟ ولمن؟، ثم يفكر بعدها ماذا يفعل، ويختار نصا يتوافق في المحتوى والمضمون بغض النظر عن التأثيرات الأخرى والتي تأتي بعد ذلك، فمن المفترض على المؤلف أن لا يضع في ذهنه أي شيء غير النص والمحتوى والفكرة، وبالطبع أن يضع في اعتباره الجمهور الموجه له النص وطبيعته. والمؤلف يكتب للجمهور وليس إرضاء لجهات أو نقاد أو لنيل الجائزة وما إلى ذلك، النقاد و المتخصصين يجب أن يكونوا في ذهن المؤلف ولكن لا يكتب خصيصا لهؤلاء.
واستكمل: لا أستطيع أن أعمم سبب اختيار البعض للنصوص الأجنبية، فقد يختار أحدهم النص الأجنبي ويفهم محتواه ومدى مناسبته لأفكاره وتوجهاته وبالتالي يرى أنه مناسب له، والبعض الآخر لسبب قلة قراءتهم، يأخذون النصوص على حسب شهرتها أو لشكر النقاد فيها أو..أو....، أنا أرى أنه حتى وإن كان النص رائعا ومحكما  ولكنه لا يناقش قضايا هامة وبعيد عنا كمجتمع، فمن غير المناسب تقديمه لأننا نحتاج النص الذي يتحدث عنا وعن قضايانا، وقد يتحدث النص عن قضية إنسانية عامة وتخصنا في نفس الوقت فما المانع من تقديمه.
وأضاف : إعادة تدوير النصوص أو تقديم نصوص قدمت من قبل أكثر من مرة، هذا لأن البعض لا يقرأ وهو ما يجعلنا نتحدث في المؤلفين وأزمة الورق، وأرى أنه لا توجد أزمة مؤلفين لدينا ولا توجد أزمة ورق، ولكن الأزمة تكمن في عدم القراءة، ونحن نعيش في موضة احكي لي ولا أحد يقرأ ولا يوجد من يكلف نفسه بذلك، حتى وإن قرأ فهو يقرأ الملخص للإنجاز، هذا ما يجعل هناك أزمة، هناك من الأفكار ما  يستوجب قراءتها حتى النهاية لاستكمال  الفهم، القراءة هي التي تصنع النصوص وهي التي تجعل الموضوع غنيا وممتعا. واذا كان المخرج غير مهتم بمحتوى ما يقدمه وغير متحمس له وليس له توجه محدد، لمخرج يحتاج لأن يؤمن بموضوعه وما يقدمه. وبالطبع على المؤلف أن يراعي الفئات المقدم لها النص، فنصوص الأطفال أو النصوص المقدمة في الأقاليم يجب أن تتناسب مع الفئة المستهدفة. 
المخرج خالد أبو ضيف قال : يسعى المخرج دوما إلى إظهار ما يريد من العرض الذى يقدمه، كإيصال رسالة، هذه الرسالة تعتمد على كل عناصر العرض المسرحي، وبناء على ذلك يبدأ واضعا في اعتباره هدفا محددا، قد يكون الجوائز والمهرجانات، أو ثناء النقاد والمختصين، أو الجمهور ويتضح لنا ذلك بعد مشاهدة العرض . وقد يختار المخرج نصا اجنبيا حتى يضمن ( الخروج الأمن ) بعيدا عن التعقيدات الإدارية وخلافة، أو يختار نصا قديما تكرر عشرات المرات أو غير ذلك، المهم في هذا الاختيار أن تكون هناك رؤية جديدة تطرح من خلال العرض واختيار النص المناسب لمكان العرض والجمهور الذى يقدم له هذا العرض .
فيما قال المخرج طارق الدويري: أسباب اختيار المخرج لنص معين في رأيي يرجع إلى أنه يقيس اللحظة الراهنة ويرصدها من حيث الاحتياجات  والإجابة على الأسئلة المطروحة، ماذا نريد؟ ولماذا؟ ولمن؟ أيضا يبحث عن النص الذي يعبر عنه، والمخرج يجب أن يبحث عن النص ليكون خامة أو قماشة يعبر بها عن نفسه أو اللحظة الراهنة. أضاف: والمخرج يختار نصه وفي اعتباره في المقام الأول الجمهور حيث تكون اللغة مناسبة للجمهور وتعبر عنه ولا تكون في غربة أو معزل عن الجمهور، ثم تبدأ فكرة الاهتمام بالنقاد لأنه من المفترض أن الحركة النقدية تساعد الفنان على اكتشاف نقاط القصور، فتمكين النقاد لبعض العروض يعد إفسادا للحركة المسرحية، وتهميش العروض الجيدة أيضا إفسادا للحركة المسرحية؛ فضمير الناقد من المفترض أن يكون هو من يقوِم الحركة المسرحية، أما ما يسمى بالجوائز فهي تأتي في آخر مرحلة فالجوائز قد تكون تقييما للحركة المسرحية. 
واستطرد : أرى أن وظيفة العمل الفني أن يقدم قضية ويطرحها سواء كان المسرح كوميديا أو أيا كان شكله، فالتوجه العام والسائد هو افساد الذوق بالإضافة إلى غياب التدعيم للحقيقي والجاد، فأي مخرج يبحث عن المعادلة، معادلة تتغير مع اللحظة، هذه المعادلة هي التي تقدم المعنى والفكر وفي نفس الوقت تكون قريبة للجمهور، الروشتة التي يجب أن يتبعها المخرج هي الصدق وقراءة الواقع و اللحظة وضمير المجتمع.
واختتم الدويري قائلا: في مسألة اختيار نصوص تم تقديمها مسبقا،  فقد يكون النص جيدا يحمل تحديا في كيف يقدم الآن، و قد يكون إفلاسا من  المخرج لأنه لا يريد أن يبذل مجهودا في القراءة أو لأنه أراد منافقة الحركة النقدية أو ما شابه أو استسهالا  .


سامية سيد