نصوص مسرح الطفل والتحول الرقمي

نصوص مسرح الطفل والتحول الرقمي

العدد 775 صدر بتاريخ 4يوليو2022

 يُعد مسرح الطفل من الفنون  التي تبحث دائماً عن الابتكار والتجريب والتطور، ولاسيما إنه يهتم بالجانب الجمالي و ما يتطلبه من أساليب ومهارات وآليات جديدة من أجل الوصول إلى صيغ ومعطيات فنية جديدة باعثة على الدهشة والمتعة الحسية والتسلية الذهنية، وهذا ما يستوجب معالجات ورؤى وأفكار مغايرة ومتجددة  وإن مواكبة تطورات العصر ومتطلباته واحدة من أولويات المخرج الذي يروم إخراج مسرحيات تستهدف جمهور الأطفال بمختلف فئاتهم العمرية، وخصوصاً إن الأطفال في الوقت الراهن يختلفون عن الأطفال في الأزمنة السابقة، كونهم يعاصرون حقبة وعصر تكنولوجيا حديثة متمثلة بالأنترنت والتقنيات الرقمية التي ولدّت مجتمعة لتعطي ذائقة جمالية خاصة للأطفال الذين يتعاملون معها، ومن هنا صار لزاماً على المخرج أن يراعي هذه المتغيرات وأن يتعامل معها في عرضه المسرحي بشكل ينسجم مع تلك المتغيرات العصرية بصورة عامة  
وعليه تعمل آليات الرقمية على  تجديد وتحسين وتغيير على مستوى الأشكال والمضامين بغية الارتقاء بالعروض المسرحية التي تستهدف جمهور الأطفال، كما أن مفهوم التكنولوجيا في تشكيل العرض المسرحي واشتغالاته، بدء يأخذ مجاله الأوسع من خلال التطورات الحاصلة في الفضاء المسرحي على مر العصور المسرحية إذ كان  للتكنولوجيا حضور واضح  كونها إحدى العناصر التي أثرت في المنظومتين السمعية والبصرية التي تمكن المخرج من تشكيل بيئة عروض مسرح الطفل التي تبحث على الدوام عن حلول تقنية تنسجم وذائقة الأطفال ومتطلبات كل مرحلة من مراحلهم العمرية، وهذا ما يحتاج إلى وعي إخراجي وبصيرة فنية من قبل المخرج كونه  صانع العرض  ومؤسس للقيم العاطفية والفكرية والجمالية 
فالعرض المسرحي اليوم يساهم في بنيته وسائط تقنية عديدة يصمم أفكارها ويخطط استخدامها اختصاصيون في الموسيقى والإضاءة والصوت والخدع البصرية والملابس والعمارة والتشكيل والرقص والغناء، ويسبقهم في كل ذلك مخرج العرض المسرحي وبهذا يتم التواصل والانسجام والتوظيف التكنولوجي ما بين طاقم العرض المسرحي، والمخرج على اعتباره صاحب الكلمة الأولى في العرض المسرحي الخاص بالطفل 
إن مسرح الطفل في الوقت الراهن يحتاج إلى توظيف عناصر بصرية وسمعية ذات أبعاد باعثة على الدهشة والإبهار والتشويق، وهذا يعتمد بشكل أساسي على  المعالجات التكنولوجية لخلق أشكال وتكوينات وتشكيلات على خشبة المسرح، لأن الأطفال بطبيعتهم الفطرية يبحثون عن الأشياء والأشكال الغريبة التي لم يسبق لهم رؤيتها من قبل، فهم يبحثون عن كل ما هو جميل وجذاب، ومن هنا  صار لزاماً على المخرج أن يبحث دائماً عن كل ما هو مغاير ومبتكر، مثل استخدام (أجهزة): تكوين الثلج، وتكوين المطر  والدخان، وأجهزة ليزرية ورقمية خاصة بالإضاءة والصوت المجسم، وتقنية تغيير المناظر الافتراضية بواسطة استخدام بعض البرامج البصرية والفديوية التي تنفذ بواسطة جهاز الكومبيوتر أو أجهزة خاصة بذلك، وتوظيف بعض الأجهزة التي بواسطتها يتم تحريك بعض القطع الديكورية، واستخدام النشرات الضوئية الملونة، وإذا ما تحققت هذه الإضافات التكنولوجية فأن العرض سيحقق نسبة عالية من الاستجابة العاطفية والجمالية من قبل جمهور الأطفال بصورة عامة.
إن العرض المسرحي الخاص بجمهور الأطفال في الوقت الراهن يعتمد على استخدام التكنولوجيا الرقمية التي تساند عناصر العرض الأخرى، إذ «إننا في العرض المسرحي الممتلئ بالتشكيلات البصرية يمكننا استخدام الوسائل التكنولوجية ولكن بشرط أن تكون جزءً من البناء الدرامي والمعماري للحدث وليست مقحمة قسراً على الصورة كي تتحول ما تنتجه الآلة إلى قيمة إنسانية من خلال صياغات الصورة المرئية واستخدام وسائل تكنولوجية متقدمة لبناء المخيلة الإخراجية داخل منظومة العرض المسرحي 
 إن مسرح الطفل في الآونة الأخيرة بات يعتمد بدرجة كبيرة على التطور والتقدم التكنولوجي والتقني في عملية التجسيد الفني، فالأطفال بطبيعتهم يتعاملون مع الأشياء حسياً، شرط أن يكون ذلك مدعاة للإبهار والإثارة والتشويق، سواءً أكانت هذه العناصر بصرية أم حركية أم سمعية، وهذه الوسائل تسهم بدورها بإيصال الأفكار والمعاني والأهداف عن طريق التوظيف (التكنولوجي) للمكونات البصرية على وجه الخصوص كونها مداخل لإثارة انتباه الأطفال وخلق استمرارية التواصل مع مجريات المسرحية على أن تكون هذه التقنيات الحديثة ذات نتائج إيجابية، فالإضاءة الرقمية والأجهزة والمعدات الحديثة وتطور الهيرسات ودخول أشعة الليزر ومضخمات ومكبرات الصوت المجسمة، والحصول على الخدع والمؤثرات البصرية والسمعية وتوظيف الديكورات والمناظر الرقمية التي تظافرت كلها من أجل الارتقاء الجمالي للعرض المسرحي الذي يستهدف جمهور الأطفال هذا كما تُعتبر (السينوغرافيا) واحدة من أكثر العناصر التي تطرأ عليها تغيرات وتحسينات تكنولوجية وتقنية  وهي بذات الوقت  تشغل فكر المخرج كونها تمكن المتفرج الصغير من التفاعل والتعاطف مع مجريات العرض، وهذا ما يحتاج إلى خلق فضاء مسرحي يأخذ الطفل إلى عوالم ساحرة مليئة بالكتل والتكوينات والألوان الزاهية والبراقة، والتي إن غابت أصيب العمل بالرتابة والملل، فقطع  الديكور والعناصر الأخرى، يجب أن تكون في علاقة مع الفضاء ومع بعضها البعض كي يصبح له معنى ومغزى.... وتصبح القطعة الديكورية لا تعبر عن ذاتها  فقط بل  تصبح شعاراً لعالم المسرحية المختفي لشيء كامن في الخلف يتضافر مع  كلمات الممثل والدراما، وقوة التركيب وملائمته سيحملان مغزى يزيد على المعنى الظاهري فضلاً عما يحملانه من إحساس بالجمال والسلطة  هذا في حال استخدام القطع والمناظر والديكورات المجسمة ..أما في الوقت الراهن فبالإمكان استخدام وتوظيف كل هذه المكونات بشكل افتراضي بواسطة استخدام بعض الأجهزة مثل جهاز (الداتا شو)، واستخدام أجهزة الأشعة فوق البنفسجية وهناك بعض الأجهزة التي يتمكن المخرج من خلالها من الحصول على أشكال وأجرام مجسمة تنفذ بتقنية ( 3D ) ماكس وكذلك الحال مع باقي أجهزة المؤثرات الصوتية والبصرية الأخرى حيث وظف المسرح المعاصر تقنيات ( تكنولوجية ) عالية الكفاءة على مستوى الضوء واستخدام الليزرات المتنوعة كليزرات صناعة الغيوم والمطر والكتل الضوئية الطائرة وشبحية الصورة وعمق ميدانها، والتكوينات الضوئية بالكتل لبناء المناظر المسرحية كبدائل عن المواد الصلبة، وقد يشاهد بالإضاءة أن المسرح يحترق بكليته تحت أقدام الممثلين، كما شملت التكنولوجيا المسرحية تقنيات الصوت كافة التي جعلت المتلقي يشعر وهو على مقعده كأنه تحت قدمه، كخرير الماء والزلازل والبراكين، وان هذه الأنماط والتوظيفات التكنولوجية التي إذا ما تم استخدامها في العرض المسرحي الذي يُقدم لجمهور الأطفال فأن نسبة الدهشة والتفاعل والإثارة والتشويق ستصل إلى أعلى مستويات ممكنة . 
ومما سبق نخلص أن التقنيات الحديثة والتكنولوجيا الرقمية تعمل على إغناء الصورة البصرية  وخلق فضاءات متعددة تثير انفعالات الأطفال وتحرك ومخيلتهم الصغيرة  وتنمي ذائقتهم الفنية والجمالية
المسرح الرقمي هو مسرحنا القادم لا محال وعلى ذلك فالطريق إلى (المسرح الرقمي) لطريق وعر وطويل مليء بالعقبات والمنعطفات، فما لنا ونحن نقدم مسرحا ً للطفل نصاً وعرضاً،ولإننا نؤمن بمسرح يرغب في تقديم الإنسان على المسرح وفق مستوى أكثر سموا، دون عقد، فالمسرح الجديد لم يوجد لكي يقلد الإنسان بل لكي يبني الإنسان الأصيل، فالمسرح الرقمي لدى سينجلا، هو “ذلك الذي يعتمد نظاما ثنائيا، أداة عمل لبناء مختلف الميادين وهو من “ناحية أخرى مسرح قامت الأصابع ببنائه، والتحكم فيه بشكل كامل” ثم يمر على تحديد مفهوم موجز وسريع عن مسرحه الرقمي الذي يتلاعب بالمعلومة لأنه دراما العالم كونه حقيقة ذاتية لا حقيقة موضوعية على حد قوله، منتقلا إلى شرح السيناريو الخاص به الذي يغوص بالمكان الرامز إلى الزمن اللانهائي، وصولا إلى الممثلين الذين: “يتحركون بطريقة مضحكة مثل الدمى التي حركها القدر، يبالغون في الأداء، يتحركون برعونة مثل الدمى المتحركة يضربون بعضهم بعضا، في كل أداء، هناك شخصيات رئيسة، الآخرون محايدون لا يقومون إلا بالبناء أو الهدم أو يظلون في أماكنهم”...ثم يختم، بوضعه (خمس قواعد للمسرح الرقمي) وهي: “ 1- المسرح الرقمي هو حصيلة ممثلين وملايين من وحدات التخزين الرقمية صفر واحد تجوب شبكة الفيديو كونفراس، حاملة معها صورا وأصواتا وحركة تنقلها من مكان إلى آخر. 2- المسرح الرقمي مثله مثل أي مسرح آخر، يتم بشكل مباشر وبطريقة حقيقية بتفاعل كامل بين الممثلين الذين يعملون من خلاله. 3- لا يحتاج ممثلو المسرح الرقمي لأن يكونوا في أماكن أو مدن أو بلاد مختلفة لأنه قد تم ربطهم بواسطة وحدة تحكم عن بعد للفيديو كونفراس . 4- يسمح المسرح الرقمي بإعادة تغذية الصورة كقاعدة للتواصل بين الممثلين، يتم الأمر وفقا لسلسلة من الصور تمر من مكان إلى آخر من خلال الشبكة خلال بضع أجزاء من آلاف من الثانية، أثناء ذلك الارتباك، يجد الممثلون نقطة التوافق في حركاتهم. 5- المسرح الرقمي، رغم ارتكازه على التكنولوجيا، يعود بطريقة حاسمة إلى شكل المسرح البسيط الأولي، الساحر، القديم، من سحر الحركة والرقص والإرشادات والطقسية كما لو أن المسرح قد عاد ليبدأ من الصفر”. وفي ضوء ما تقدم، يعلن كاتب السطور هنا اختلافه ضد أغلب ما جاءت به هذه القواعد الخمسة للمسرح الرقمي التي وجدت على رابط في الإنترنت منذ عام 1997، لأن هذه القواعد قد قيدت المفهوم وحصرته في البرامجيات الحاسوبية المستخدمة لإنتاج صورة مسرحية مبرمجة لا روح للدراما فيها، أو هي نسيت هذه القواعد أنها تتعامل مع دراما مسرحية فيها من الثنائيات والصراع والصورة والتحولات والتأثيرات الفكرية والجمالية على فكر وروح المتفرج وتثوير تفاعله الذي ينبغي، وما نعنيه في  وضع تصورنا عن المسرح الرقمي، لا ذلك المفهوم المرتبط بعلوم البرامجيات حسب، بل ذلك المفهوم المرتبط بالمسرح وعرضه المسرحي في الـ(هنا) و(الآن)، لأننا- كمسرحيين  كتاب ومخرجين – نسعى  للترويج إلى أهمية استثمار التقنيات الرقمية الإلكترونية، من أجل إنعاش الفضاء المسرحي جملا بهيا وساحرا، لأن المسرح الرقمي هو مسرحنا القادم لا محال، والمقصود بالمسرح الرقمي: هو ذلك العرض المسرحي الحي المقدم على خشبة المسرح، والذي يشاهده الجمهور وهو يستثمر التقنيات الرقمية التي من شأنها التحليق جماليا وفكريا بفضاءاته وعوالمه الدرامية ليتجلى فيها انفعال التلقي وانعكاسه على الذائقة بمختلف مستوياتها. 
وعلى الرغم من أن المسرح العربي لم يتطور حتى القرن التاسع عشر، حيث إن هناك اتفاقاً واسعاً عن أن مسرحية اللبناني مارون نقاش “البخيل” التي عُرضت عام 1846م كانت بمثابة ميلاد الدراما العربية الحديثة، إلا أن للمنطقة تقاليد درامية أخرى تعود إلى مئات السنين تشمل مسرح الدمى أو مسرح خيال الظل الذي كان معروفاً أكثر في العصر العباسي، والذي كان يعتمد على الهزل والسخرية والإضحاك لأسباب عديدة، كما كان هناك “مسرح الحكواتي” الذي طوّر أدباً شعبياً شفهياً انتشر في جميع أنحاء الشرق الأوسط، حيث كان راوي القصص المحترف أو الحكواتي يروي حكايات شعبية وكثيراً ما كان يزيد عليها لمسات إضافية على أمل جمع مزيد من المال من جمهوره. وفي بعض الأحيان، يكون هناك عزف على إحدى الآلات الموسيقية يرافق سرد القصة، أو قد يقوم الراوي نفسه بإيماءات مثيرة في النقاط المناسبة.
وسائل الترفيه المبتكرة حديثاً فردية أما المسرح فتجربة جماعية مشتركة ..وقد يكون هناك من يسأل: هل للمسرح مكان في عالمنا اليوم، بعدما أصبح العالم الرقمي بشتى أنواع الترفيه في متناول أيدينا، وكثير منها مجاني تقريباً؟ فاليوم، يمكننا مشاهدة مواسم كاملة من البرامج التلفزيونية المفضلة وعروض الأفلام المسلية، كما يمكننا الاستماع إلى أجمل وأحدث أنواع الموسيقى بلمسة زر واحدة. كل هذه الوسائل المبتكرة حديثاً مريحة وممتعة للغاية، لكنها تؤدي إلى الإحساس بالوحدة. إذ إن كل ما فيها شخصي للغاية، فينتهي الأمر بالشخص إلى أن يشاهد معظم هذه العروض وحده، وكثيراً ما يحدث أن يضع سماعات الرأس ويغرق في عالمه الخاص مع عروض يتفاعل معها وحيداً وكأنه في فقاعة صغيرة يعيش فيها في عزلة تامة عن العالم. إلا أن المسرح شيء آخر. فهو يسمح بدخول أشخاص آخرين إلى هذه القاعة، حيث يعيش كل فرد من الحضور سحر المسرح الحي، ويختبر تلك الطاقة التفاعلية الغريبة التي تحدث بين الحضور، وبينهم وبين الفنانين على المسرح في تجربة مشتركة بامتياز. فالمسرح من بين الأماكن القليلة الأخيرة على وجه الأرض، حيث يواجه كل فرد في القاعة العرض الفني نفسه الذي يفرض رابطاً وجودياً بين كل الحاضرين في لحظات خاصة يختبرونها سوية.
قد يقول البعض إن هذا المنطق ينطبق أيضاً على الأفلام السينمائية. ولكن الأمر صحيح جزئياً فقط. إذ أننا نتشارك تجربة مشاهدة الفيلم مع بقية الجمهور فقط، أما في المسرح فيمكننا مشاركة التجربة مع الممثلين على الخشبة أيضاً، حيث نرى ردود أفعالهم الحية في الوقت الفعلي للعرض. وهذا شيء لا يمكننا تجربته في الأفلام. وللتأكيد على هذه النقطة يقول معظم الممثلين المحترفين إن عروضهم تؤثر عليهم نفسياً بشكل مختلف كل ليلة وحتى بعد سنوات من المشاركة في الدور نفسه. ويؤكد عديد منهم أن الجمهور يؤثر على الأداء ويشكله ويساهم فيه، مما يجعل كل أداء يقومون به تجربة فريدة لا تتكرر. بينما يتم تلقي دراما الشاشة، على الرغم من تألقها، كما هي عند عرضها، لأن الأحداث المسجلة لا يمكن تغييرها.
إضافة إلى ما تقدَّم، يفرض المسرح علينا واقعه الخاص، الأمر الذي يُعدُّ ضرورياً لا سيما في العصر الرقمي الذي نعيشه. يقول الممثل والكاتب المسرحي لين مانويل ميراندا: “إننا نعيش في واقعنا الخاص، فنكتب تغريدات خاصة بنا في تويتر ونحدِّد من نقبل صداقته أو نلغيها من صفحتنا على فيسبوك، ونرى الحقيقة التي نختار أن نراها، ولدينا مزيد من القدرة للقيام بذلك أكثر من أي وقت مضى، والمسرح هو واحد من آخر الأشياء التي تلغي ذلك”.
يفرض العرض المسرحي على كل فرد من الحاضرين أن يعيش الواقع نفسه والتجربة نفسها التي يحدِّدها، ويجبرهم على استيعابها والتفكير بما يشاهدونه أمامهم على طريقته الخاصة. وفي ثقافة تطالبنا باستمرار بأن نبقى متيقظين دائماً لشتى وسائل التواصل الرقمي من البريد الإلكتروني إلى الإشعارات الواردة من وسائل التواصل الاجتماعي ورسائل الواتساب وشتى أنواع التنبيهات، فإن قضاء بعض الوقت في قاعة مظلمة والاستمتاع بعرض فني، وفي أحيان كثيرة، مع أشخاص نحبهم يمكن أن يكون من أهم وسائل الرعاية الذاتية.
لا يزال المسرح موجوداً اليوم لأن البشر يحبون سماع القصص، وبأي طريقة كانت، ويبقى لكل شكل من أشكال روايتها طريقته الخاصة التي تعطينا مزيداً من الفرص للهروب من واقعنا الحالي ولفهم أفضل للعالم من حولنا.
إن قراءة روايات عن أشخاص مختلفين عنا تولد التعاطف، ومشاهدة الأفلام تعزِّز مشاعر الترابط الجماعي، فيما يعطينا المسرح شعوراً إضافياً بالحيوية والتجربة المشتركة. ومما لا شك فيه أن معظم أشكال الفن من السينما إلى المسرح إلى الأدب قد واجهت بالفعل أزمات هوية في مواجهة التطورات التكنولوجية. ولكن بقيت لكل واحدة منها نكهتها الخاصة تماماً كما بقيت لرسومات البورتريه، مثلاً، نكهتها المميزة بالمقارنة مع الصـور الفوتوغرافية الشخصية، وتماماً كما بقيت رسومات لوسيان فرويد، رسام البورتريه البريطاني الشهير، تستحق اهتمامنا، لأننا نرى فيها شيئاً أكثر من مجرد تشابه، فنرى الشخص من خلال عيني الفنان، ونقدر الرؤية الفردية ونعجب بإتقان الوسيط، والأهم من ذلك، نشعر بالتقارب الفريد من نوعه بين الفنان وصاحب الصورة.
يقول الممثل المسرحي الأمريكي جورج هيرن: “يمكن للمسرح نشر أمور لا يمكن تشريعها أو تعليمها أو إصدار قوانين بشأنها، والأهم من ذلك أن بإمكانه أن يجعل تلك الأمور تدخل إلى القلوب بكل سهولة”. فالمسرح هو “صدى لصوت الجمهور” حسب الأديب البريطاني صموئيل جونسون و”مرآة” المجتمع كما وصفه وليم شكسبير. وبذلك، فهو في طليعة الفنون التي يمكنها إحداث تغيير اجتماعي، إذ إنه أكثر من مجرد تسلية أو حدث فني، لأنه يثقف ويحتفل ويرشد، يعترض ويحتج، ويواجه ويستفز.
فعلى الرغم من أن للمسرح عديداً من الأوجه، إلا أن الغرض الأساسي منه هو قدرته على تنوير جمهوره ومنحهم تجربة تمتد إلى أبعد من مجرد الاستمتاع بالعرض الفني. فالعروض المسرحية تحاكي الجمهور من الناحيتين الفكرية والعاطفية عندما تجعل المفاهيم متماسكة وحقيقية وتحفز الحضور على التفكير في القضايا والأفكار والأشخاص الذين تصورهم، وذلك حين تنشئ علاقة شخصية مع الأحداث والشخصيات على المسرح، وتفرض على كل شخص من الحضور الانغماس في انعكاس للأحداث خارج قاعة المسرح، ومحاولة رؤية الأشيـاء من منظور مختلف.
فالمسرح إما أن يحاكي إنسانيتنا ثابتة مثل الحُب والكراهية والحرب والسلام والحرية والطغيان في مسرحيات خالدة وإما أن يطرح مشكلات مثيرة للجدل ويحاول إحداث تغيير.
وهناك تأثير كبير للمسرح الموجود خارج سياق الأداء التقليدي كمسرح التنمية مثلاً، الذي هو شكل من أشكال المسرح التشاركي الذي يهدف إلى معالجة مختلف القضايا التي تعاني منها البلدان النامية. ومن الأمثلة على ذلك مسرحية أنتجتها مجموعـة من الشبان في الريف الفلبيني كانت تركز على محنة العمال الأطفال المستغلين في مزارع قصب السكر في الفلبين، حيث قام الأطفال أنفسهم بأداء المسرحية التي كانت متجذرة في أشكــال الفـن الثقافي التقليدي لكي تصل إلى جمهور الحاضرين بطريقة أسهل، والتي عرضت على مسارح سبع مدارس في مناطق مختلفة. وقد أدت هذه المسرحية إلى دفع السياسيين المحليين إلى تبني مطالب الأطفال بحياة كريمة ومستقبل أفضل وسن قوانين لحماية حقوقهم.
وأخيراً، سواء أكان وجود المسرح لتوفير تجربة اجتماعية مشتركة في عصر العزلة الرقمية أم لإرسال رسائل اجتماعية مختلفة أو لمجرد التسلية، يبقى المسرح أبا الفنون الذي لا يزال يزيد على المشهد الثقافـي في أي بلـد من البلـدان قيمــة وثراءً،لتثبت للجميع أن المسرح سيبقى فناً يتحدى الزمن.
إن التطور الذي يشهده العالم من الناحية الرقمية والتكنولوجية أصبح من أساسيات الحياة، كما بات التعايش معه ضرورة وحاجة ملحة لا غنى عنها، وأضحى جزءا من المستقبل –إن لم يكن المستقبل كله- ونتيجة لتغلغل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتعدد الوسائط الحديثة في حياة البشر كان لها القدرة على إعادة البناء وإحداث نوع من التأثير قلما نتخيله، فاليوم لم تقتصر وظيفة التكنولوجيا على تلبية الاحتياجات فقط، وإنما تعدت ذلك لتصبح عاملا من العوامل التى تشكل الثقافة والوعي والسلوك
وساحة أدب وثقافة الطفل تتهيأ كلية للاتجاه بقوة نحو الرقمية، باعتبارها أصبحت ضرورة وليست طرفا، فطفل اليوم يفضل التعامل مع الميديا الحديثة في كل شئون حياته، ويقضي الساعات الطويلة أمام جهازه اللوحي من موبايل، أو أيباد، أو تابلت، أو لاب توب.. وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة، يتواصل مع الآخرين، ويبحث، وينقب، ويتعلم كل يوم جديد
وهناك صفات يجب أن يمتلكها الطفل المثقف تكنولوجيا،  كما أن للتكنولوجيا سلبياتها على الأطفال، وهى كثيرة وملموسة لكل أفراد المجتمع، على الرغم من أن الوسائل التكنولوجية لها كثير من المزايا والإيجابيات في إيصال المعلومات وقرب التواصل وتتمثل السلبيات على علاقات الفرد سواء داخل أسرته أو خارجها، إضافة إلى الآثار السلبية الجسدية والنفسية والاجتماعية والثقافية التي قد تحدثها، فالإنسان أصبح منبهرا ومنجذبا لأحدث الوسائل.

وأخيراً :
فإن الأسرة والمعنيين برعاية الأطفال دور توعوي للوقاية من  مخاطر التكنولوجيا والتقنيات الحديثة والحد منها وعدم الإفراط فيها، كما لها دور توعوي للاستفادة القصوى من الرقمنة التي أصبحت من متطلبات الحياة

المراجع
عناصر الرؤية عند المخرج المسرحي .. عثمان عبد المعطي عثمان..الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1996 .
ما هي السينوغرافيا.. هاورد باميلا .. ترجمة/ محمود كامل، وزارة الثقافة المصرية، مهرجان القاهرة الدولي  للمسرح التجريبي، 2004
مقالة «المسرح والفضاء الإلكتروني» ... عبد الرازق حسين ... مجلة المسرح العدد 11 يونيو 2020
مقالة «الكمبيوتر والإخراج المسرحي» عمرو دوارة ...مجلة المسرح العدد 94 سبتمبر 1996
الرقمنة وأدب الأطفال    ... د / بخيتة إبراهيم حامد


مجدى مرعى