ملتقي الترجمة الدرامية وصراع الهوية في العالم العربي

ملتقي الترجمة الدرامية وصراع الهوية في العالم العربي

العدد 773 صدر بتاريخ 20يونيو2022

نظمت فرقة الترجمة والدراسات البينية، ملتقى وطنيًا حول «الترجمة الدرامية وصراع الهوية في العالم العريي» بمناسبة اليوم الوطني للفنان بجامعة مصطفى اسطمبولي، تحت رئاسة الدكتور عبد الله بن عزوزي.
وشارك في الملتقى، الدكتور سيد علي إسماعيل، خلال كلمته بعنوان «التعريب ملمح الهوية المسرحية المصرية في القرن التاسع عشر»، إن الترجمة المسرحية كانت شكلاً من أشكال هوية المصريين المتعلمين، وأحد أشكال الفخر بالريادة! فأول من نقل لنا المسرح باللغة العربية كان الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي، عندما كان في بعثة دراسية في فرنسا. 
وأول ترجمة له كانت كتاب المؤلف الفرنسي (ديبنج Depping) وعنوانه (ديوان قلائد المفاخر في غريب عوائد الأوائل والأواخر) المنشور عام 1833. والفصل الخامس من الكتاب كان عن تاريخ المسرح الروماني. وهذه الريادة المسرحية لم تكن في الترجمة فقط، بل قام الطهطاوي بنقل مشاهداته للمسرح الفرنسي، ونشرها بأسلوبه عام 1834 في كتابه (الديوان النفيس بإيوان باريس)، المشهور باسم (تخليص الإبريز إلى تلخيص باريز). 
فقد خصّ الطهطاوي جزءاً من هذا الكتاب للحديث عن متنزهات مدينة باريس ومنها المسرح. وآخر ترجمات الطهطاوي المسرحية ترجمته لعرض أوبرا (هيلانة الجميلة) عام 1868؛ التي عُرضت في افتتاح مسرح الكوميدي الفرنسي بالقاهرة، وكان أول عمل تمثيلي مُترجم منشور بالعربية في مصر والعالم العربي.
ومع افتتاح دار الأوبرا الخديوية المصرية عام 1869، انتشرت العروض المسرحية الأجنبية، لدرجة أن الصحافة المصرية نادت بضرورة تعريب هذه العروض من أجل عرضها باللغة العربية في مصر، وبذلك تتمدن مصر كما تمدنت البلاد الأوروبية بواسطة المسرح، وهذا الأمر كان أحد ملامح الهوية في تلك الفترة، والتي تحققت بالفعل عام 1870، كونها أحد الاختراعات والعجائب وأساليب التأليف الجديدة في اللغة العربية، وهي تعريب المسرحيات الأجنبية التي تُعرض في الأوبرا الخديوية، ونشرها باللغة العربية! وأول من قام بذلك كان (محمد عثمان جلال) الذي عرّب مسرحيتين إحداهما (مزين شاويله).
وفي عام 1871 بدأ محمد عثمان جلال نشر كتابه (النكات وباب التياترات)، الذي يُمثل بداية التغيير في ملامح الهوية، عندما كتب في مقدمة الكتاب أن القصد منه ليس سرد ما جاء من نكات أو مضحكات في المسرحيات الأوربية، بل القصد ترجمتها والخروج بها عن أصلها ونقلها إلى عوائد غير أهلها! وهذه الترجمة – بهذا الوصف - قام به بناء على أمر من مدير المدارس الشيخ رفاعة الطهطاوي. وأول مسرحية بدأ في نشرها هي (طبيب رغم أنفه) لموليير! وتطور الأمر إلى أن المصري أو العربي إذا دخل لمشاهدة العروض الأجنبية في المسارح المصرية، كان يصطحب معه مترجماً أو يكون معه نسخة من المسرحية مطبوعة بالعربية.
كل ما سبق كان على مستوى ترجمة النصوص المسرحية الأجنبية، ولكن على مستوى العروض اختلف الأمر نوعاً ما!! فعندما جاء (سليم خليل النقاش) اللبناني إلى مصر ليعرض في الإسكندرية أول عروض مسرحية باللغة العربية يشاهدها الجمهور المصري لأول مرة، بناءً على رغبة الخديوي نفسه والحكومة المصرية، كانت مسرحية (عائدة) – ضمن العروض - وقال عنها سليم النقاش في المقدمة المنشورة للنص عام 1875: «إن هذه الرواية غير مصنفة، أو مخترعة مؤلفة، وليست بمعربة تماماً. 
فلا أعرف ماذا أسميها؟! [لقد] وقفت عليها مطبوعة في اللغة الإيطالية وقرأتها بالتروي فبادرت إلى نظمها مراعياً في تأليفها قواعد فن الروايات على قدر الإمكان! ومن يطالعها يدرك الفرق الكائن بين أصلها الإيطالي والعربي. وقد التزمت بها السجع ونمقتها بقدودٍ ملحنة وأشعار موافقاً بذلك الذوق العربي». وهذا الكلام يتفق مع الشروط التي تمت بين الحكومة المصرية وبين سليم النقاش، بأن يقدم مسرحيات عربية أدبية مُعربة خالية مما يضر، ومشتملة على ما يتوافق مع المصريين في عاداتهم وأغانيهم وموسيقاهم.
وسليم النقاش بوصفه رائداً للمسرح العربي في مصر، فتح المجال ليكون التعريب أهم ملمح من ملامح الهوية المسرحية المصرية، فأصبحت النصوص المترجمة أو المعربة تتوالى في الظهور نصوصاً للقراءة، وعروضاً للمشاهدة! ونجحت النصوص وكذلك العروض المعتمدة على الترجمة والتعريب، ولكن عارضها بعض المثقفين ممن عاشوا في أوروبا أو درسوا فيها، أو اطلعوا على أصول المسرحيات في لغاتها الأجنبية، ليكتشفوا أن المترجمين والمعربين عبثوا في الأصل!! ومن هؤلاء أحد الأثرياء المصريين في عام 1894، عندما قال: «.. إذا قابلنا فن التمثيل عندهم وفن التمثيل عندنا وجدنا بوناً عظيماً لأننا إذا ترجمنا رواية من رواياتهم اجتهدنا في مسخها لا نسخها، وحولنا معناها الأصلي والقصد الجليل الذي وضعت لأجله، وضمّناها أبياتاً شعرية لا معنى لها، ونكاتاً هزلية ولو كانت من نوع الروايات المحزنة، وغضضنا الطرف عن تضمينها الآداب والحكم التي تهذب الأخلاق وتؤسس المبادئ الصحيحة في العقول».
وهذا الأمر أكدت عليه بعض الصحف المصرية عام 1898، عندما وضحت أن المسرحيات المعربة أفضل من المسرحيات المؤلفة! لأنها منقولة عن مؤلف عرف هذا الفن جيداً، وللأسف يقوم المعرب بتجاهل أصل المسرحية، ويزيد على النص ويحذف منه كما يشاء!! أما المسرحيات العربية المؤلفة فللأسف يغفل المؤلف العربي «كل ما يجب عليه اتباعه من واجبات التأليف! فلا يراعي التاريخ ولا يراعي الزمن ولا المكان بل تراه يجمع القوافي وينسج السجع كأنه المنشد على باب الأمير، أو الحادي على ظهر البعير، يطرب لنغمته ويترنح تيهاً وإعجاباً بما فعل غير ملتفت إلى تذمر الجمهور وغير مبال باستياء الحضور وبالحقيقة ماذا عسى يهمه ذلك ما دامت الجرائد تصدر في الغد، وأعمدتها مسودة بالامتداح من الرواية وواضعها وممثليها».
وفي العام نفسه كتب (أمين الريحاني) نقداً لاذعاً لعرض مسرحية (شهداء الغرام) تأليف (نجيب الحداد)، وهاجم الناقد المؤلف، لأن اسم المسرحية (روميو وجوليت)، ومؤلفها (شكسبير)، فمن أعطى الحق لنجيب الحداد أن يغير اسمها ويكتب أنه المؤلف والحقيقة أنه مترجم!! وهذا النقد من الممكن أن نوجهه لأغلب مسرحيات نجيب الحداد، مثل: (صلاح الدين الأيوبي) للسير وولتر سكوت، و(السيد) لكورني، و(حمدان) لفكتور هوجو، و(الفرسان الثلاثة) لإسكندر دوماس.
وبناء على ما سبق نجد أن (التعريب) هو ملمح الهوية المسرحية المصرية الوحيد في القرن التاسع عشر، لأن المسرح فن غربي وافد إلينا، ولم يمارسه العرب تأليفاً، فكان لزماً عليهم نقله إلى البيئة العربية بشيء من التغيير والتعديل وفقاً للعادات والتقاليد العربية، ووفقاً لثقافتنا الشرقية! كما أن الجمهور المسرحي اعتاد على مشاهدة الموضوعات الغريبة عنه، والأحداث التي حدثت في أوروبا! ناهيك عن الاعتقاد الذي رسّخه الاستعمار في وجداننا بأن «الشرقي غير مهيئ للابتكار والإبداع، ويجب أن يكون ناقلاً ومقلداً لابتكارات وإبداعات الغرب».
 


ياسمين عباس