وداعا عايدة عبد العزيز

وداعا عايدة عبد العزيز

العدد 754 صدر بتاريخ 7فبراير2022

الفنانة المصرية القديرة/ عايدة عبد العزيز عبد الرحمن – التي ودعناها بكل الأسى والحزن يوم الخميس الموافق الثالث من فبراير - ممثلة قديرة وقامة فنية سامية وقيمة مسرحية رفيعة، فهي إحدى سيدات المسرح المصري اللاتي استطعن المشاركة في إثراء مسيرته بموهبتهن وثقافتهن وخبراتهن ودأبهن. وهي من مواليد 27 أكتوبر 1936، وتخرجت في المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1959 ضمن دفعة ضمت مجموعة من الموهوبين الذين حققوا نجوميتهم بعد ذلك (من بينهم: عزت العلايلي، رجاء حسين، عبد الرحمن أبو زهرة، إبراهيم الشامي، عبد السلام محمد، والمخرج التلفزيوني/ أحمد توفيق، ومخرجي الإذاعة/ مصطفى الشريف وإسلام فارس).

بدأت حياتها الوظيفية بالعمل في وزارة التربية والتعليم كمشرفة على تدريب الفرق المسرحية بالمدارس، ثم سافرت في عام 1962 إلى إنجلترا مع زوجها الفنان/ أحمد عبد الحليم لاستكمال دراسته العليا في التمثيل والإخراج، فأتيحت لها الفرصة للحصول على دورة تدريبية في الحركة المسرحية والصوت. وجدير بالذكر أن الفنانة/ عايدة عبد العزيز قد نجحت بالفعل مبكرا في إثبات وجودها الفني، ولعل ذلك يرجع لعدة عوامل أساسية يمكن إجمالها في النقاط التالية: موهبتها المؤكدة، صقلها لموهبتها بالدراسة، ارتباطها بالفنان القدير/ أحمد عبد الحليم، تعاونها منذ البدايات مع بعض القمم الفنية (كالرائد/ زكي طليمات، نبيل الألفي، نور الدمرداش، سعد أردش، كمال عيد)، الاستفادة من البعثة الدراسية لإنجلترا بالاطلاع على المسرح الأوروبي، الدأب والإصرار على تحقيق النجاح والتميز، وذلك بخلاف قدرتها الرائعة على الالتزام الفني والانضباط بالمواعيد، وكذلك على خلق جو من الألفة والمحبة بين جميع العاملين، فهي بالفعل إنسانة معطاءة محبة لكل من حولها.
ويحسب للفنانة/ عايدة عبد العزيز إجادتها للتمثيل الكوميدي بنفس درجة إجادتها للتمثيل التراجيدي ولعل أوضح الأمثلة على مهاراتها في الأداء الكوميدي مشاركتها ببطولة مسرحيتي: أهلا فأر السبتية و«الست هدى، وأيضا بالدراما التلفزيونية مسلسل «عائلة ونيس» بأجزائه المتتالية، كما يحسب لها إجادتها وتميزها في تمثيل الأدوار العالمية باللغة العربية الفصحى بنفس إجادتها لتمثيل أدوار بنت البلد باللهجة العامية الدارجة، وذلك بالطبع لم يكن من الممكن تحقيقه لولا دخولها المجال الفني مسلحة بموهبتها المؤكدة وثقافتها الحقيقية وأخلاقها السامية، لتصبح على مدار ما يقرب من نصف قرن نموذجا مشرفا للفنانة المصرية والعربية الموهوبة والمثقفة، ورمزا للالتزام الفني والأخلاقي ولسمو ورقي التعاملات الإنسانية.  
ويحسب لها بصفة عامة مشاركتها بالتمثيل فيما يقرب من مائتي عمل درامي، ومن أعمالها المتميزة بمجال السينما: يوميات نائب فى الأرياف، شهد الملكة، النمر والأنثى، بوابة إبليس، الواد محروس بتاع الوزير، وبالمسلسلات التليفزيونية: زينب والعرش، هالة والدراويش، ضمير أبلة حكمت، يوميات ونيس، كناريا وشركاه، وبالمسرح: تحت المظلة، باحلم يا مصر، الست هدى، عودة الغائب، المهاجر، لعبة السلطان.
ويمكن تصنيف مساهماتها الفنية طبقا لاختلاف القنوات الفنية كما يلي:
أولا الأفلام السينمائية: لم تستطع السينما الاستفادة من موهبة وقدرات هذه الفنانة القديرة ولم تمنحها أبدا فرصة البطولات المطلقة، ومع ذلك فقد استطاعت أن تؤكد موهبتها ومهاراتها بمشاركتها بأداء بعض الأدوار الثانوية المهمة في عدد صغير نسبيا من الأفلام - لا يتناسب مع حجم موهبتها - ومن بينها الأفلام التالية: صراع الأبطال (1962)، يوميات نائب في الأرياف (1969)، من عظماء الإسلام (1970)، فجر الإسلام (1971)، رغبات ممنوعة (1972)، امرأة عاشقة (1974)، الظلال على الجانب الآخر، على ورق سوليفان (1975)، شوق (1976)، دعاء المظلومين (1977)، امرأة قتلها الحب، رحلة داخل امرأة (1978)، رغبات ممنوعة (1979)، الثعالب الصغيرة (1980)، خرج ولم يعد (1984)، شهد الملكة (1985)، شارع السد، رجل قتله الحب (1986)، النمر والأنثى، سكة سفر (1987)، سوبر ماركت (1990)، بوابة إبليس (1993)، كشف المستور (1994)، عفاريت الأسفلت (1996)، حائط البطولات (1998)، الواد محروس بتاع الوزير (1999)، باحب السيما (2004)، أيام الخادمة أحلام، نسور المجد (2005)، حسن طيارة (2007)، بدون رقابة، خلطة فوزية (2009)، هليوبوليس (2010)، الحرامي والعبيط (2013). تجدر الإشارة إلى أنها في جميع أدوارها السابق ذكرها نجحت بتميزها الفني في وضع بصمة مميزة لها والوقوف برسوخ أمام كبار النجوم.
ثانيا الأعمال التلفزيونية: تميزت الفنانة/ عايدة عبد العزيز بمشاركاتها بأداء كثير من الشخصيات الرئيسة بعدد كبير من المسلسلات التليفزيونية الهامة ومن بينها على سبيل المثال: أنف وثلاث عيون، حلم العمر كله، الجوارح، بعد الرحيل، الهودج، أما بعد، أمواج لا تصل للشاطئ، لمن أترك كل هذا، فرصة العمر، زينب والعرش، وتفضلوا بقبول الحب، نهاية العالم ليست غدا، الزير سالم، رحلة المليون، برديس، وكسبنا القضية، الذئب الأزرق، المكتوب على الجبين، غريب على الطريق، العودة، ضمير أبلة حكمت، مذكرات شوشو، غاضبون وغاضبات، هالة والدراويش، لعبة الفنجري، أيام المنيرة، يوميات ونيس، الستات ما يعملوش كده، وجاري البحث عن شحتة، عظمة يا ست، بريق في السحاب، الحفار، الابن الضال، كلام في كلام، نهار وليل، منين أجيب ناس، نون النسوة، أوراق مصرية، أم العروسة، الخديعة، دمعة على خد الزمن، الشهاب، الجذور، القطار الأخير، الصورة، دنيا عجب، الفرار من الحب، نساء في الغربة، همام وبنت السلطان، الرمال، أحلام وسنابل، بياع المواويل، شمس يوم جديد، كناريا وشركاه، قلب النهار، قيود بلا قضبان، أشرار وطيبين، ينابيع العشق، زهور شتوية، أحلام في البوابة، عواصف النساء، نصر السماء، على باب مصر، امرأة من الصعيد الجواني، حاسبوا منه، السماح، سفير النوايا الحسنة، ونيس وأيامه، يوميات ونيس وأحفاده، ونيس والعباد وأحوال البلاد، ورقة توت، فتيات صغيرات، قاتل بلا أجر، سقوط الخلافة، ملكة في المنفى، العنيدة، موجة حارة، دهشة، بنات × بنات، العيادة (سيت كوم)، وذلك بالإضافة لبعض المسلسلات الدينية ومن بينها: المعلقات، رابعة تعود، خيبر، طرفة بن العبد، الإمام مالك، صبرا آل ياسر، نساء في شعاع النبوة، محمد رسول الله إلى العالم، وذلك بالإضافة إلى عدد كبير من السهرات والأفلام التلفزيونية ومن بينها: الرجل المناسب، حذاء السيد قشطة، وتقبلي حبي واعتذاري، ثم تأتي الحقيقة محزنة، اللص والخروف، أبناء القرية، الأستاذ، رصاصة في الظلام، الخروج من الشرنقة، الناس لبعض، أبناء الغربة، الألبوم، العين اللي صابت، روايح، جواز سفر أمريكاني،  
ثالثا الأعمال المسرحية: ظل المسرح هو المجال المحبب للفنانة القديرة/ عايدة عبد العزيز ومجال عشقها الأول والأساسي الذي تستمتع بالوقوف على خشباته والتبتل في محرابه، ولذا فقد حرصت منذ أول مشاركاتها المسرحية على أداء تلك الأدوار الرئيسة التي تضيف إلى رصيدها وتضيف هي إليها، ولذا فقد وفقت في تحقيق مكانتها المتميزة كبطلة متوجة من خلاله، حيث شاركت ببطولة عدد كبير من مسرحيات فرق الدولة ومن بينها:
1- بفرقة «المسرح القومي»: دونجوان (1961)، دائرة الطباشير القوقازية (1968)، ولادك يا مصر (1973)، باحلم يا مصر (1975)، عودة الغائب (1977)، المهاجر (1981)، لعبة السلطان (1986)، طائر البحر (1978)، الست هدى (1996)، حب ما قبل الرحيل (1998). 
2- بفرق أخرى: شجرة الظلم، الأرض، شيء في صدري (مسرح التلفزيون 1962)، في سبيل الحرية (الحديث 1965)، الأسلاف يتميزون غضبا (الجيب 1967)، تحت المظلة (الجيب 1969)، ملك يبحث عن وظيفة (الحكيم 1971)، نادي العباقرة (الحديث 1972)، أهلا فأر السبتية، محاكمة عم أحمد الفلاح (الطليعة 1974)، السيرك الدولي (الغد 1993)، جواز على ورق طلاق (المسرح الحديث 2003)، أحلام شقية (الهناجر 2004).
وجدير بالذكر أنها قد تعاونت من خلال المسرحيات السابقة مع نخبة من كبار المخرجين من بينهم: عبد الرحيم الزرقاني، نبيل الألفي، نور الدمرداش، سعد أردش، كرم مطاوع، صلاح منصور، أحمد عبد الحليم، فاروق الدمرداش، عبد الغفار عودة، محمد صديق، كمال عيد، جلال الشرقاوي، سمير العصفوري،  شاكر عبد اللطيف.
ويتضح مما سبق أن هذه الفنانة الكبيرة ظلت نموذجا مشرفا يجب أن يحتذى من الأجيال التالية، فمسيرتها الفنية مسيرة عطرة ومثمرة، وهي خير مثال جيد ورائع، وتعد نموذجا عمليا لقدرة الفنانات على تحقيق النجاح والتألق مع الالتزام الكامل، خاصة وأنها ظلت تمتلك بعض السمات التي تميزها وتجعلها تأسر القلوب بسرعة خاطفة، ولعل من أهمها قدرتها على التعبير عن مختلف المشاعر، وتوظيف مفرداتها الفنية المختلفة ومن بينها اللياقة الحركية مع التمتع بعذوبة الصوت ذو النبرات المتميزة، مع قدرتها على تقديم الأداء المعبر والتلوين النغمي الذي ينجح في شد انتباهنا، ويمتعنا بصداه الجميل، بالإضافة إلى مهارتها الكبيرة التي لا تقارن في إجادة الحوار باللغة العربية الفصحى، لذا فقد وفقت في أن تحفر لنفسها خلاله مكانة خاصة في قلوب الجمهور بأدائها العبقري المتميز الذي لم يكن إلا تجسيدا واقعيا لشخصية الفتاة أو المرأة المصرية الأصيلة، خاصة وأنها تميزت بوجه مصري أصيل شرقي السمات، ويمكننا بسهولة أن نلمح في تفاصيله الأصالة المصرية. وبصفة عامة يتميز أداؤها بالصدق والطبيعية، خاصة بعدما أمدتها ثقافتها وخبراتها الطويلة بوعي وحساسية في تجسيد مختلف الشخصيات الدرامية، وبالتالي يمكن وصف أدائها بالسهل الممتنع، سواء في أدائها للأدوار التاريخية والدينية الجادة أو في أدائها للأدوار الاجتماعية الخفيفية التي تتسم بخفة الظل والقدرة على رسم الابتسامة. وأداؤها بصفة عامة يتسم بالقدرة على ضبط المشاعر والتحكم في الانفعال، مع لمسة خفيفة من الأداء المسرحي الرصين، فاستطاعت بتوظيف كل ما سبق أن تثبت وجودها وتضع لاسمها مكانة متميزة وسط سيدات المسرح العربي، وأن تصبح نموذجا مشرفا للفنانة المثقفة وللمرأة المصرية والعربية بصفة عامة. 


د.عمرو دوارة

esota82@yahoo.com‏