«مخرجات المسرح المصري (1990 – 2010) دراسات سيميوطيقية»

«مخرجات المسرح المصري (1990 – 2010) دراسات سيميوطيقية»

العدد 752 صدر بتاريخ 24يناير2022

قدمت الهيئة العربية للمسرح، الحلقة الحادية عشرة من سلسلتها الشهرية «إقرأ كتب الهيئة» حول كتاب «مخرجات المسرح المصري (1990 – 2010) دراسات سيميوطيقية»، وشارك في الحلقة كل من مؤلفة الكتاب الباحثة المصرية د.هادية عبد الفتاح، والمخرجة والباحثة المصرية د.داليا بسيوني، والمخرجة المصرية عبير علي، وأدار نقاش الحلقة أ. عبد الجبار خمران مسؤول الإعلام والتواصل في الهيئة العربية للمسرح.
وصدر كتاب «مخرجات المسرح المصري (1990 – 2010) دراسات سيميوطيقية»، مدار نقاش هذه الحلقة، عن منشورات الهيئة العربية للمسرح العام 2019م في الشارقة، ضمن سلسلة دراسات تحت رقم (64).
وقدم خمران، الباحثات المصريات ورحب بهن وبالحضور وبلغ المشاركات في الحلقة شكر وتحية الأستاذ الأمين العام للهيئة العربية للمسرح ود.يوسف العايدابي وكافة العاملين في الهيئة العربية للمسرح، عرف بالكتاب محور حوار الحلقة «»مخرجات المسرح المصري (1990 – 2010) دراسات سيميوطيقية».
قال عبد الجبار خمران:
تتناول الحلقة الحادية عشرة من سلسلة «إقرأ كتب الهيئة» دور المرأة في تطوير حركة الإخراج المسرحي في مصر، خاصة أنها دخلت مجال التمثيل والإنتاج بشكل رسمي في فترة مبكرة من ظهور ما سمي بمسرح العلبة الإيطالية بمصر، مقارنة بنظيرتها في العالم الغربي، ثم نطرح سؤال: هل هناك تعثر في دخولها مجال الإخراج المسرحي بشكل كبير، ولماذا هناك ندرة أعداد النساء اللائي خضن هذا المجال. ولماذا تأخر دخول المرأة في مجال الإخراج المسرحي التابع لمنظومة المسرح الرسمية (state sponsored theatre) بشكل عام، وفي مصر بشكل خاص؟ – وهل استطاعت المخرجة المصرية أن تطور من مفردات العرض المسرحي؟ وإن كان الأمر كذلك – نطرح السؤال مع د.هادية – فما هي تقنيات الإخراج المسرحية التي قدمتها المخرجات في مصر؟
ونستقصي مع ضيفات الحلقة أيضا، ما يطرحه الكتاب فيما يخص تتبع تاريخ ظهور المرأة كمخرجة والرجوع إلى تاريخ المسرح منذ بداياته، مركزين – كما تدعونا الباحثة – على نشأة وظهور مهنة الإخراج، وعلى وضع المرأة في المسرح بصفة عامة حتى نعرف متى تقلدت المرأة مهنة الإخراج. والسؤال الذي يُطرح هنا: ماذا نقصد بكلمة إخراج ومن هو المخرج حتى نتبين تاريخ ظهور مهنة الإخراج بشكل عام ومتى ظهرت المخرجة المسرحية بشكل خاص.
قالت د.هادية عبد الفتاح:
أولا شكرا لأنكم أتحتم لنا هذه الفرصة للحديث عن هذا الكتاب. ثانيا، المبدعتان الحاضرتان معنا سيتكلمان عن تجربتيهما، لأنهما من اهم المبدعات اللواتي ظهرن في الفترة ما بين 1990 و2010، وأخذن الريادة واستكملن مسارهن بتجارب مميزة ومنهن من خرج إلى الخارج وهذه إضافة تحتسب للحركة الفنية عموما.
وسعيدة أنه أتيحت لي الفرصة لأكتب عن تجربتيهما وعن عروضهما في فترة لم تكن قد ظهرت كتابات كثيرة عن المخرجات وعن حضور المرأة المصرية في المسرح عموما، في مجال الدراسات الأكاديمية. قد تكون هناك بعض المقالات نشرت عن الموضوع، ومنها ما كانت تكتبه الباحثة المصرية الراحلة د.نهاد صليحة، والتي تحمست لمشروعي هذا وساعدتني فيه.. حتى أذكر فضلها.
وكانت الفكرة أنه لا توجد كتابات توثق للمخرجات في مصر إلا بعض الكتابات القليلة. والفترة ما بين 1990 و2010 - التي يتناولها الكتاب في هذا الموضوع – بدأت تتحقق تراكمات من الاعمال المتميزة قدمتها مخرجات مصريات، فكانت ضرورة توثيق هذه الأعمال من ناحية، من جهة، ومن جهة أخرى أن نناقش بشكل أكاديمي هل قدمن أعمالا مميزة.. مع الغشارة إلى أننا لم نتناول الموضوع على أساس منظور نسائي أو ذكوري.. لأن لا وجود لشيء نسميه إخراج الراجل وإخراج المرأة!
والموضوع هو أن هناك مخرجات مصريات تواجههن بعض المعوقات، وتدفعهن مسببات مرتبطة بالظروف الإقتصادية والسياسية للأسف، إلى أن يثبتن في أماكنهن ولا يتقدمن... وإلقاء الضوء عليهن لأنهن فعلا قدمن تجارب تستحق المتابعة، وتستحق بشكل أهم الدعم.. فهن يستحقن الدعم وأن يسلط عليهن الضوء مثل الآخرين ويحتجن إلى مساحة لتقديم أعمالهم كالمسرح القومي، مسرح الطليعة... الخ من المسارح الرسمية التي لم يستطعن الوصول إليها وتقديم عروضهن عليها إلا بالصدفة البحثة.. أو دعنا نقول بصعوبة كبيرة جدا...
وقسمت الكتاب إلى ثلاثة أجزاء، هما:
- الجزء الأول تناولت فيه استعراض لوضع المرأة في المسرح الغربي خاصة مجال الإخراج.. وكان الغرض من ذلك إظهار أن حضور المرأة في العالم العربي في المجال المسرحي، وفي مصر خصوصا، لها السبق والريادة، ولم تتأخر عن نظيرتها في الغرب.
- الجزء الثاني، وهذا ما يهمني، ألا وهو التوثيق لكل المخرجات اللواتي ظهرن في مصر، وقسمت المدة الزمنية للقرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين حتى 2010، إلى أربع فترات زمنية، الأول ما قبل 1952 / ثم الفترة من 1952 إلى 1967 / فالفترة من 1967 إلى منتصف الثمانينات / وبعد ذلك الفترة من نهاية الثمانينات وتحديدا بداية (مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في 1989، إلى عام 2010.
تلك هي الفترات الرئيسية التي تناولتها، الفترة الأولى ارتبطت بالإحتلال ومحدودية المجال لتطوير المسرح أو التجديد في الشكل المسرحي...الخ ذلك أن تقليد الشكل الغربي للمسرح كان مهيمنا في هذه الفترة.
بعد 1952 أي الفترة الموالية والممتدة حتى 1967، ظهرت أسماء مسرحية مهمة جدا منها منى فهمي، رغم أنها لم تقدم إلا تجربة واحدة، يمكن كانت مرتبطة باحتفالية ثورة يوليو... وأنه نحن «يا جماعة» نقدم تطوير، فنريد للمرأة أن تدخل أيضا في المجال المسرحي والمجال العام.
ودخل المجال الفني أيضا كل من فاطمة رشدي وزوزو نبيل وأمينة رزق هؤلاء الثلاثة دخلن قبل 1952، ولكن على استحياء (فاطمة رشدي قدمت 7 عروض – زوزو نبيل عروضها لم تتجاوز الخمسة ونفس الامر بالنسبة لأمينة رزق... وكلهن غير دارسات.. هن حاولنا نقل خبراتهن المكتسبة في مجال التمثيل على الإخراج. في هذه الفترة (1952 – 1967) لدينا اسمين مهمين (رغم ما وجه لهما من نقد في مقالات كتبت عن أعمالهما في الفترة التي قدما اعمالهما) إلا أنه لا يمكن التغافل عن أنهما قدما تجارب مهمة وهما «الدكتورة ليلى نسيم أبو سيف والدكتورة ليلى سعد وهما قد درستا المسرح في الخارج ورجعتا إلى مصر وتعينتا في أكاديمية الفنون المسرحية، ولهما تجارب مسرحية تحسب لهما على سبيل المثال: مسرحية الأم شجاعة لبرتولد بريشت قدمتها ليلى نسيم في القلعة، وليلى سعد (والتي توارت في فترة السبعينيات وهي موجودة حاليا في مصر، تدرس في الجامعة الأمريكية) ولها تجارب مسرحية داخل الجامعة حتى يومنا هذا... والدكتورتان ليلى نسيم وليلى سعد قدمتا في أعمالهما المسرحية شكلا غير تقليدي لأنهما خرجا بالمسرح من حدود المؤسسات المعروفة، وكونهما حصلتا على تكوين ودرستا المسرح هو بمثابة علامة فارقة فيما يخص المخرجات المسرحيات في مصر.
-الفترة الثالثة (من 1967 – إلى أواخر الثمانينيات) دخلت أسماء نسائية في الإخراج المسرحي على استحياء، وهناك تجربة رائدة تمثلت في زينب شميس في مسرحية «عديلة مثلا» التي مثلت فيها نعيمة وصفي، وربما لأول مرة تقدم تجربة مسرحية «نسائية» كاملة حيث كل المشاركات في العمل المسرحي نساء باستثناء منجز الديكور. وهذه كانت تجربة رائدة بكل المقاييس..
في المرحلة ما بين (1987 – 2010) ركزت فيها عن تجارب المخرجات المعاصرات، واللواتي يمارسن عملهن المسرحي حتى الآن، رغم انه تم التركيز في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات على بعض الأسماء لأنهن حققن تراكما في التجارب، والبعض الآخر منهن قدم تجربة أو تجربتين ثم اختفين ولم يظهرن إلا في الفترة الأخيرة، ومنهن من كن ناشئات كالمخرجة ليلى سليمان على سبيل المثال، وقد قدمت تجارب عديدة فيما بعد.
بخصوص التجارب التي وقفت عندها وحللتها في هذه الفترة، قالت: هناك تجربة نورا أمين وعرضها «الضفيرة»، وتجربة عفت يحيى وعرضها «ذاكرة المياه» وتجربة عبير علي وعرضها «حكاوي الحرملك» والعروض الثلاثة التي حللتها للمخرجات الثلاث، كانوا محققين نجاحا جماهيريا وحتى نقديا، ولأول مرة يكتب عن عروضهن بشكل مستفيض.. وحتى على مستوى الأسلوب المسرحي تم تقسيمه بخصوص هذه التجارب (أو المسرح المصري عموما):
- المسرح الحركي: وتنتمي إليه تجربة نورا أمين وداليا العبد والتحقت فيما بعد ريم حجاب.
- المسرح الشعبي: المعتمد في بنائه على الأدب الشعبي أو مفردات العرض الشعبي مثل عبير علي ومن عروضها المعتمدة على البعد الشعبي «حكاوي الحرملك».
- المسرح القائم على النص: وتنتمي إليه المخرجة عفت يحيى.
وما يجمع بين المخرجات المصريات الثلاث ومخرجات اخريات كتبن عروضهن بأنفسهن، أو تناولن نصوصا وأعدن كتابتها مجددا أو تناولنها بدراماتورجيا جديدة... ليقدمنها من وجهة نظرهن الخاصة
الميزة في المخرجات المذكورات انهن قدمن تجارب جديدة فنورا أمين قدمت عروض أدائية /performance  ولم تكن تقدم قبلها، منهن من تناولت مواضيع نسائية لم تتناول بهذا القدر من التركيز من قبل، كذلك الشكل الذي يحمل إسقاطا سياسيا، وتوظيف عناصر الفرجة الشعبية.
قالت المخرجة عبير علي:
أخيرا هناك توثيق لحركة المبدعات في مجال المسرح، وتحديدا المخرجات المسرحيات.. لا تطور لمسار أي مبدع إلا بوجود حركة نقدية، تحلل وتقيم وتأول ما يقدمه من أعمال فنية.. هذا هو السبيل الوحيد للتطور.. وهذا ما نحلم به: حركة نقدية موازية للمشاريع الإبداعية، حتى نعرف أين وصلنا وما الذي نريد تحقيقه.
وفي كتاب الدكتورة هادية، أحببت كثيرا المقدمة التاريخية التي اهتمت بتفسير مصطلحيْ المسرح والإخراج ونشأة كل من المسرح ومفهوم الإخراج المسرحي، لأن الحديث عن المنشأ وتحديد التعريف للمصطلح يفسر لنا غياب المرأة عن المسرح كمخرجة، والتعريف الذي يقول بأن المسرح هو كحالة طقسية – كما جاء في الكتاب – فهذا يعني أن المسرح تمارسه كل الفئات الطبقية للمجتمع الإغريقي، ولو اعتبرنا المسرح، أيضا، ممارسة شعبية فهذا يعني أن للمرأة حضور وتواجد أيضا في هذه الممارسة.. ولو كان المسرح ذو بعد مؤسسي وطقس ديني ففي هذه الحالة هو كيان مؤسسي يحكمه المجتمع الذكوري ويفرض عليه سلطته وقوانينه وبالتالي المرأة في هذه الحالة، عنصر يحرك بأيدي القائد أو السيد أو المخرج الرجل.
وفي الحقيقة لا أرى بأن الاختلاف في طبيعة منشأ المسرح يجعل التعريفات متباعدة او متناقضة.. فالمسرح كل هذه التفسيرات والتأويلات وقد كانت متوازية أو متتالية مع بعض.. بمعنى انه اجتمع في نفس الوقت مسرح مؤسسي في بداياته كطقس وكدراما طقسية أو طقس ديني يمارس في المعبد اليوناني أو المبد الفرعوني بغية التقرب إلى الآلهة، أو بهدف إعادة تقديم القصص الديني (إيزيس وأوزوريس، ورحلة الميت من الحياة إلى الموت ورحلة الثواب والعقاب...) وقد كانت المرأة موجودة كراقصة معبد وكان هناك عازفات ومغنيات معبد.. بعدها صار وجود المرأة أقل بدعوى كونها مثيرة للشهوات وغير مكتملة الأهلية.. ولكن ظل دائما حضور المرأة في المسرح الشعبي قويا، وأقصد بالشعبي هنا، المسرح الغير مؤسسي، والذي يعبر عن الثقافة الشعبية في الفضاءات الشعبية والاحتفاليات والموالد... وغيرها.
وعندما نلقي نظرة على تاريخ المسرح ونشأته، نجده هو والمرأة متزامنين في التهميش والإقصاء: فتارة المسرح والمرأة «حرام»، وتارة أخرى يحتاجهما المجتمع فيتواجد المسرح والمرأة، وتارة تتطلبهما حركة التطور الاجتماعي والمد الثقافي فتعطى مساحة أكبر للفن وبالتالي للمسرح وتحترم قيمه وتأويلاته فتحترم حركة التحرر الخاصة بالمرأة فتحضر كمبدعة وكجزء من المجتمع... رحلة المسرح والمرأة هي ما بين التحرير والإقصاء وإلى غاية اليوم. نحن الآن في القرن 21 ما يزال هناك تأويلات حول «تحريم المسرح والفنون» ويُنظر إلى الثقافة على أنها ترف أو زائدة عن الحاجة، فكلما اضطررنا على تخفيض الميزانيات نبدأ بتخفيض ميزانيات الثقافة، وإذا ما كانت هناك أزمات ما، نوقف الفنون والثقافة.
وفي رأيي ليس المشكل مشكل مسرح ومرأة.. بل هو مشكل أن الثقافة والفنون تُعامل وكأنها منتج إنساني درجة ثالثة.. إذا ما احتجنا وأحسسنا بضرورة وجودهما - وبضغوط حركات تنويرية - فهما متواجدان، وأحيانا أخرى لا تواجد لهما ولا فعالية لحضورهما. ولنطرح على أنفسنا سؤال المسرح في العالم العربي، لا أريد أن أقول أن هناك أزمة، ولكن أريد أن أشير إلى أن وجود المسرح في مجتمعنا يعني أن هناك إمكانية لإنتاج مسرح متعدد ومختلف ومتنوع ومستمر ويمكن إنتاجه نسبيا.. لكن هذا متعسر في الحقيقة، لماذا هو متعسر؟ لأنه ما نزال نعتبر الثقافة والفنون ترفا وغير مدرة للربح فالمسرح صناعة مسرحية ثقيلة والمسرح في حاجة إلى الدعم المادي دائما.
وتسائلت: المرأة كانت تقصى في العصور القديمة والعصور الوسطى، والآن هل المرأة متواجدة في المجال المسرحي بشكل حقيقي؟ جوابي هو لا. أتفهم جيدا أن ضيق الفرص يشمل المبدعين الرجال أيضا، لكنه وكما يقال في حالات الأزمات والحروب دائما ما يدفع الثمن الأكبر النساء والأطفال والفقراء.. نحن ندفع ثمن هذا الوضع الثقافي والاقتصادي.. هناك كثر من الرجال لا يأخذون فرصهم لكن هناك نساء أكثر.. بدليل أنه في أي وظيفة قيادية في مجال الثقافة والمسرح والإخراج تجد عدد المخرجين أكثر بكثير جدا من المخرجات في مصر أو في العالم العربي عامة.. ولنقارن في مجالس الإدارات الثقافية والمسرحية كم عدد الرجال وكم عدد النساء!
ثم أليس وجود النساء في بعض المنتصب ليس إلا وجودا شكليا وصوريا فقط؟ أزعم أنه عندما يكون هناك تيار عام يقضي بتمكين الشباب وتمكين النساء فليس ذلك إلا تنفيذ (كوتة) من النساء والشباب في بعض المهام لكن بلا دور حقيقي وفاعل.. إذا كنتم مهمشون بسبب ضيق الفرص فخذوا هذه المناصب الصورية، واتركونا نشتغل.. فلا مشاركة في صنع قرار ولا في تخطيط ولا وضع استراتيجيات، كونوا منفذين في المجالس الثقافية على مستوى مصر والعالم العربي... قد أكون مخطئة لكن هذا ما أراه طوال الوقت يحدث أمامي.
لا نستطيع أن نقر بأن للمرأة وجود حقيقي وقوي في المجال الإبداعي، لأن الوجود الحقيقي مرتبط بتمثيليتها في المناصب والمهام بما يوافق حجمها وعددها داخل المجتمع.. كما هو الشأن بالنسبة للرجل الممثل بشكل جيد في مجال المسرح وقطاعات الثقافة بما يوافق حجم وجوده داخل المجتمع.
وإذا ما كان حضور مخرجات وقياديات مبدعات في العالم العربي استثناء ومحاولات فردية حتى الآن، فإن ذلك لن يجعلنا نقر بأن هناك سياق عام يحترم ويدافع ويمكن المرأة من أن تأخذ حقها في أن تكون مديرة ثقافية او مخرجة مسرحية.. ما نراه من تجارب هو محاولات فردية واجتهادات خاصة.
وإذا ما تحدثت عن تجربتي الخاصة، أقول انني اخترت أن أشتغل في المسرح في واقع يعتبر المسرح مرتبة ثالثة، لأنه ليس مدرا للربح مقارنة مع قنوات التلفزيون والسينما.. فأختار المسرح وأختار من المسرح، المسرح المستقل، هذا الابن الغير الشرعي في منطقتنا العربية ومازال لم يعترف به.. رغم انه على مدار التاريخ كان هناك دائما مسرح مؤسسي ومسرح مستقل.
قالت د. داليا بسيوني:
أشكر الهيئة العربية للمسرح، وأشكر العزيز عبد الجبار والعزيزة د.هادية على الجهد المبذول في هذا الكتاب.. أنا حاليا أزرع النباتات لأنني لست قادرة على مزاولة المسرح.. فسأستخدم تعبيرا زراعيا «عندما يحط المزارع البذور في الأرض، فليس بالضرورة سيتذوق ثمار البذور التي زرعها».. وفي خالتي أنا ممتنة لاكتمال دائرة ما: ذلك أنه في يوم من الأيام د.دالية بسيوني أخذت طلبتها في جامعة حلوان ليشاهدوا عرض «الضفيرة» وجعلتها موضوعا درس من خلال تلقين الطلبة كيفية تفكيك العروض المختلفة بأدوات نقدية مختلفة منها مثلا السيميوطيقا، ومن بين الطلبة المتواجدين في هذه المجموعة التي حضرت العرض في تام هاوس كانت الطالبة المجتهدة هادية، وهادية شاهدت العرض وفرحت به وناقشناه في المحاضرة بعد ذلك سيميوطيقا وبطرق أخرى، وتمر السنين – ولن أقول عددها – وأحضر مناقشة ماجيستير للزميلة هادية وهي تناقش هذا العرض، وبعض سنوات أخرى تطور موضوع الماجيستير ويتحول إلى كتاب متوفر للقراء الناطقين بالعربية منذ لحظة نشره وإلى المستقبل، وهذا امر ممتع وملهمة وهي اكتمال تجربة وأنا ممتنة لرؤية ثمار لبذور زرعت في أواخر القرن العشرين تثمر الآن.
بخصوص السؤال الذي طرحته علي حول كتاب د.هادية: في أحداث تقع وعندما تُكتب تؤطرها لحظة زمنية (أنا لا أدرس في الجامعة الأمريكية ولا د.ليلى سعد كذلك / ليلى سعد أنهت التدريس من الجامعة الأمريكية تقريبا من 10 سنوات) ليلى سعد الآن في مصر وتقدم مسرح مجتمعي باللغة الإنجليزية، فيما يخصني درست في الجامعة الأمريكية ما بين 2011 و2013، وعلى مستوى التجربة المسرحية أحب أن أقول أنني سعيدة جدا بالسياق الذي تحدثت في إطاره عبير علي خاصة ما يتعلق بشغل المرأة وحضورها في المجتمع بشكل عام.. لأن ذلك مهم في حوارنا هذا، وسأختلف مع العزيزة د.هادية وأقول (أنا أعرف نفسي كنسوية) ماذا تعني (نسوية)؟ أتمنى أن أعرفكم كلكم كنسويين.. فهل تؤمنون بالمساواة بين البشر؟ أعتقد أنكم ستجيبون بنعم. فهل لأنكم تؤمنون بالمساواة بين البشر يعني ذلك أنكم نسويون؟! (نسويين: يعني أناس مهتمون بالمساوة بين البشر دون النظر إلى خصوصيتهم البيولوجية) فلو كانت هذه هي المرجعية لتعريف النسوية فجلنا نسويون.
أنا سعيدة أنني متواجدة هنا «كرمز» بين مزدوجتين، رمز يحط بشكل صوري - كما قالت عبير - والنموذج الأوضح والمعبر عن ذلك هو عندما كنا نزاول نشاطا ثوريا حقيقيا في ميدان التحرير.. ولما جاءت لحظة الجلوس على طاولة المفاوضات كان شرط الجلوس على هذه الطاولة أن يكون لدينا لحية وشنب ولأنه ليس لدي لحية ولا شنب، فأنا لست مدعوة لهذه المفاوضات!
هناك أمر طبعا مثير للجدل.. فالمؤسسات المتطورة شيئا ما تحدد نسبة (كوطة) لتوفير تمثيل ما للمرأة.. كنت أعتقد أننا في القرن 21 سنتجاوز ذلك وسنتحدث فيما بعد هذا، لكن للأسف ما زلنا مضطرين للحديث في البديهيات كأن نقر بأننا كبشر (يجب أن يكون لدينا حقوق متساوية)، فالكتاب يتطرق في المقدمة إلى تجارب مسرحية لعدد من الأسماء، للأسف ما كتب عني شخصيا في الكتاب ليس دقيقا. عنوان العرض الذي أخرجته عبارة عن تعبير مقتطف من قولة عظيمة للطيفة الزيات (شجاعة لتحقيق مجرد الوجود) وقد قدمت العرض في مصر وبعدها بسنوات عرضته في الولايات المتحدة الأمريكية قدم بنفس العنوان عام 2000م.
التجربة التي أحب أن أتكلم عنها، هو تجربة (مسرح البيت)، ذلك أن المؤسسات الرسمية والغير الرسمية... وأذكر أن افتتاح مسرح الهناجر واكبه حلمنا بأنه سيكون لدينا مكان مختلف يحتضن العروض الكثيرة التي كانت تقدم في إطار ما سمي بالمسرح المستقل.. للأسف تم استخدام هذا المسرح مثل جزرة معلقة أمام الفرق المسرحية المستقلة: من منكم «ياحلوين حيتفلق عشان يأخذ أسبوعين عرض لمسرحيته هنا؟!».. من 84 فرقة مسرح مستقلة في عاميْ 1993 و1994 في بداية الحركة.. لا يسمح بتقديم عروض إلا 4 أو 5 فرق مسرحية هناك، في حين تم التخلص من حوالي 80 فرقة بطرق مختلفة سواء بالمنافسة الشديدة أو أنهم فقدوا الأمل ناهيك عن الإكراهات المادية.. فخطفت بعضهم الفضائيات المفتوحة ساعتها، وللأسف فكرة دعم الفرق المستقلة كانت تستعمل بشكل حقيقي لتدمير الفرق المستقلة والصوت المستقل.
واعتراضا على هذا قررت أن أمارس المسرح على الرصيف الثالث أمام مسرح الهناجر، وذاك كان مكان تداريب فرقتي، ولن أدخل أي مكان لتقديم عروضي، وأطلقت فكرة إبداعية أسميتها آنذاك (مسرح البيت) وقدمنا من خلالها عرضين مسرحيين منهما عرض اخرجته.. وفكرتنا كانت هي أنه مادام الناس لا تأتون إلى المسرح، ومعظم من يحضرون المسرح فقط أصدقاء لنا، أي أن الجمهور (في البيت) إذن لنتوجه إلى الجمهور (في البيت).. فبدأت أفكر في عروض أصغر حجما، معدات كهرباء بسيطة وقطع أكسسوار معدودة يمكن أن نجمعها في حقيبة.
قدمنا تجربة من هذا النوع سميناها «نفسك تطلع إيه لما تصغر؟» واستدعينا من خلالها تداعيات الطفولة.. وقدمنا عدة عروض لهذه المسرحية في القاهرة.. كان أغلب الذين سمعوا بفكرة المشروع يعتبرون ذلك جنونا و»عبط».. لكن بعدها حضينا بمنحة «فول برايت» وذهبت إلى مدينة نيويورك، فاكتشفت أن هناك في أمريكا تجارب (مسرح البيت) وكا زميل لنا قد قدم دكتوراه حول تجربة (مسرح البيت) فاكتشف أن هناك فرق كثيرة لجأت إلى هذا النوع من المسرح للهروب من موانع مختلفة.
منذ ذلك الوقت وأنا أبحث عن المساحات المختلفة أو البديلة ظروفنا في القاهرة وطبيعة البيوت في كثير من المدن العتيقة بالدول العربية تسمح بأن نقدم فيها عروضا مسرحية؟ هناك مباني مقفولة ودور عتيقة يمكن استثمارها لتقديم العروض. فمدينة كالقاهرة فيها 22 ملون نسمة وفيها 16 مسرحا... والمسارح الصغيرة التي كانت متاحة لنا في وقت ما تقفل ويتم التضييق عليها بطرق مختلفة.
فرقتي اسمها «فرقة سبيل» لأن أول عرض مسرحي أخرجته بعد عودتي من إنجلترا قدمته في سبيل تم ترميمه في شارع المعز، هذه محاولة لتغطية الفترة التي يتناولها الكتاب من 1990 إلى 2010.
 


ياسمين عباس