«توظيف المسرح في التصدي لمشكلة التحرش ونشر الثقافة الجنسية لدى طفل ما قبل المدرسة»

«توظيف المسرح في التصدي لمشكلة التحرش ونشر الثقافة الجنسية لدى طفل ما قبل المدرسة»

العدد 743 صدر بتاريخ 22نوفمبر2021

تم مناقشة رسالة الماجستير بعنوان «توظيف المسرح في التصدي لمشكلة التحرش ونشر الثقافة الجنسية لدى طفل ما قبل المدرسة» مقدمة من الباحثة تيسير حمادة العفيفي، بقسم العلوم الأساسية كلية التربية للطفولة المبكرة جامعة دمنهور، وتضم لجنة المناقشة الدكتورة راندا حلمي، أستاذ علوم المسرح المساعد تخصص التمثيل والإخراج بكلية التربية للطفولة المبكرة (مشرفًا)، الدكتور محمود عسران محمد، أستاذ الدراسات الأدبية المساعد بقسم العلوم الأساسية بكلية التربية للطفولة المبكرة جامعة دمنهور (مشرفًا)، الدكتور سيد علي إسماعيل، أستاذ الدراسات المسرحية بقسم اللغة العربية كلية الآداب جامعة حلوان (مناقشًا ورئيسًا)، والدكتور محمد عبد الحميد خليفة، أستاذ الآدب والنقد بكلية التربية جامعة دمنهور (مناقشًا). والتي منحت الباحثة من بعد حوارات نقاشية انتظمت وفق شروط ومعايير أكاديمية درجة الماجستير.
أطفالنا هم حلم الأمة القادم, وأملها ومستقبلها الناهض ورعايتهم والاهتمام بهم دلالة على وعى المجتمع وإدراكه أهمية هذه الشريحة الحساسة، والذى يرتكز على توفير الأمن العاطفي والهدوء النفسي باعتبارهما الأساس لبناء شخصية سوية متزنة.
الرغم من اهتمامنا بالأطفال ومتابعتنا لأمورهم إلا أن الكثير منا يجهل المخاطر، وبعض الممارسات الخارجة التي قد يتعرضون لها، والبعيدة البعد كُله عن الإطار القيمي والأخلاقي، والتحرش الجنسي بالطفل صورة من صور هذه المخاطر التي أصبحت وباءً يطرق أبواب المجتمع بشدة، وتقابله الأُسر رافعة لافتة عدم الاقتراب، وهذه الأفعال تحاط بسرية تامة وتكتم شديد خوفًا من الفضيحة العائلية.
ونجد بعض الأسر تغضب بشدة لو حاولنا تسليط الضوء على هذه الظاهرة، وهذا ما جعلها تمضي في الانتشار، وهذا النوع من الاعتداء من أخطر المشكلات التي قد يتعرض لها الطفل في طفولته التي تظل تفاصيلها محفورة في ذاكرته، وتؤثر سلبًا على نفسيته وشخصيته؛ ومن ثم تؤثر على مستقبله، وهذا التكتم من قبل الأُسر وضع حجرًا عثرًا أمام فرصة توفر إحصاءات دقيقة  تكشف عن مدى تفشي هذه الظاهرة التي ربما تتم داخل بيت الطفل الذي من المفترض أنه بيت آمن، وعلى أيدي أناس ربما يكونون من أقرب المقربين له مستغلين سذاجة الطفل وبراءته وجهله.
وبسبب»العيب» أصبح مصطلح التحرش الجنسي ثقيلًا على مسامعنا, وتتجنب العائلات الحديث عنه أمام أطفالها، وتتعامل معه بجهل كبير وتتعاظم الكارثة عندما يتعرض الطفل للتحرش، ولا يعلم الأهل بذلك، بالرغم من كون المتحرش ربما من داخل الأسرة أو من أحد الأقارب، ومن ثم فإن كشف الغطاء عن هذه الظاهرة أصبح حتميًا وضروريًا حفاظًا على الصحة النفسية لأجيال المستقبل الذين ستقوم على عواتقهم الفتية مهمة بناء الأوطان وتقدمها.
لذلك وجب اقتحام هذه المنطقة الشائكة في محاولة لنشر الوعي بالثقافة الجنسية لدى طفل ما قبل المدرسة، ومده بمعلومات كافية عن التحرش الجنسي، وما يجب عليه فعله عندما يتعرض لمثل هذه المواقف الحرجة.
والتوعية لن تقتصر على الطفل فحسب، بل ستشمل ولى الأمر أيضًا؛ فحماية طفله من صميم مسئوليته؛ وهذا يتطلب منه الشجاعة ليواجه بكل فهم/ وعي هذه الظاهرة، ويحرص على تثقيف طفله جنسيًا ليحافظ على خصوصية جسده, ويكون الطفل على وعي بما هو مباح، وما هو غير مباح ليصبح والداه هما الملجأ الآمن له عندما يتعرض لأي خطر.
وهذا ما أكدته منظمة اليونسيف في اتفاقية حقوق الطفل من المادة 19، حيث أكدت على حق الطفل في أن يحظى بالحماية من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو النفسية والإهمال وإساءة المعاملة أو الاستغلال بما في ذلك الإساءة الجنسية.
على الرغم من اهتمامنا بالطفل إلا أن الكثيرين منا يجهل المخاطر التي يتعرض لها، والتحرش الجنسي صورة من صور هذه المخاطر، والتي أصبح ظاهرة مسكوت عنها وتقابله الأسر بالتكتم والسرية، وقد ارتأت الدراسة ضرورة اقتحام هذه المنطقة الشائكة حفاظا على صحة الطفل النفسية والبدنية وحمايته في ظل مجتمع يرفض البوح بتلك الجريمة، وكان المسرح هو وسيلة الدراسة في محاولة لنشر الوعي بالثقافة الجنسية لدى طفل ما قبل المدرسة والقائمين على تربيته.
وكان منهج الدراسة هو المنهج الوصفي التحليلي نظرًا لملائمته لموضوع الدراسة, وضمت الدراسة ثلاثة فصول: 
الفصل الأول تناول حق الطفل في الحصول على الحماية من التعرض للإساءة الجنسية، واتجاهات الوالدين والقائمين على تربية الطفل تجاه التربية الجنسية، وتبنت الدراسة وجهة نظر فرويد في المطالبة بالاهتمام بالتربية الجنسية للطفل منذ ولادته والنظر للجنس على أنه غريزة مثل غرائز كثيرة يشعر بها الطفل ولا يمكن اهمالها, كما استعرضت الدراسة مراحل النمو الجنسي من وجهة نظر فرويد.
كما وضحت الدراسة سمات النمو المعرفي لمرحلة الطفولة المبكرة وفق نظرية جان بياجيه في النمو المعرفي  لمخاطبتها خلال المسرح.
كما ذكرت أسباب التحرش الجنسي بالطفل، وأعراض ودلائل الاعتداء الجنسي ومؤشراته، وكيفية حماية الطفل من التعرض للتحرش.   
والفصل الثاني بعنوان تشابه المسرح والطفل وأكدت أهمية المسرح وتأثيره على الطفل خلال استعراض أوجه التشابه بين المسرح والطفل، مما أعطى للمسرح قدرة على طرح مشكلات شائكة يتعرض لها الطفل.
والفصل الثالث كان الجانب التطبيقي من الدراسة؛ حيث قامت الباحثة بكتابة ثلاثة نصوص قدمتها في ثلاثة عروض مسرحية, و قامت بعرضها وتحليلها, العرض الأول والثاني موجهان للطفل, والعرض الثالث كان موجهًا للقائمين على تربيته.
وتنتهي الدراسة بخاتمة تناولت فيها الباحثة أهم النتائج التي أسفر عنها البحث, مع ذكر بعض التوصيات, فثبت المصادر والمراجع.
وأخيرًا نستطيع القول بأن المسرح قادر على طرح العديد من الموضوعات الشائكة في حياة الطفل ونشر الوعي بالثقافة الجنسية لدى الطفل والمجتمع وإحداث تغيير في اتجاهاتهم نحو التربية الجنسية.
ومن القضايا التي تُحاط بالغموض, واللبس والشك أيضًا, قضية التربية الجنسية لدى الأطفال؛ حيث إن الحديث في المواضيع الجنسية من الأمور الصعبة التي تواجه الأسرة والمعلمة في هذه المرحلة, باعتبار أن المجتمعات بصفة عامة، والمجتمعات العربية بشكل خاص تنظر لمسألة الجنس نظرة سلبية، بل إن الكثير من المجتمعات لا تعتبر أن هناك حياة جنسية لأطفالهم وتهمل مظاهر النمو الجنسي لديهم ويتغافلون عن التقدم التقني والمعرفي؛ الذى كان سببًا في مواجهة الكثير من الطفرات القيمية والتربوية المتغيرة في مجالات الحياة كافة بالصورة التي جعلت من عملية التوجيه والإرشاد والتثقيف متطلبًا رئيسًا في الألفية الثالثة، ومن ثم بات إدخال التربية الجنسية في العملية التربوية أكثر إلحاحًا من أي وقت سابق.  
تعد مرحلة ما قبل المدرسة من المراحل المهمة والحاسمة في حياة الإنسان؛ لأنها ترسم وتحدد شخصيته في المستقبل, ومن هنا جاءت أهمية تنشئة الطفل تنشئة سوية، تهتم بكل خصائص مرحلة نموه، وجدير بالذكر أن نسبة كبيرة من المشكلات التي تواجه الأسرة والمجتمع تتعلق بالنواحي الجنسية، حيث يؤدي الإخفاق التربوي, والثقافي والاجتماعي في التربية الجنسية للطفل إلى الفوضى والجهل وكثير من المشكلات فيما بعد.
وقد تمت التوصية بدراسة التربية الجنسية في المجتمعات العربية, تم التوصية بها منذ السبعينيات؛ ففي عام 1970 صدرت توصيات المؤتمر العربي الأول للصحة النفسية في القاهرة، والتي أوصت بضرورة العمل على نشر الثقافة الأسرية بما في ذلك الثقافة الجنسية في إطار التقاليد والعادات الخاصة لحماية الأطفال الذين أصبحوا هدفًا لمغامرات شيطانية، ولم يعد الاحترام مكفولًا لمنظومة القيم التقليدية، التي كانت من قبل تحميهم من الخطر؛ فقد أصبح الكثير منهم معرضين للاستغلال الجنسي، وإيمانًا من جهات عدة محلية ودولية بأهمية حماية الطفل من أي مشكلات ذات طابع جنسي؛ فقد بُذلت الجهود على الصعيدين المحلي والدولي بشأن حماية الطفل من التحرش والإساءة الجنسية.
 


ياسمين عباس