«توظيف الملابس والأقنعة المستوحاة من أشكال الحيوانات والنباتات في المسرح المعاصر»

«توظيف الملابس والأقنعة المستوحاة من أشكال الحيوانات والنباتات في المسرح المعاصر»

العدد 741 صدر بتاريخ 8نوفمبر2021

تم مناقشة رسالة الدكتوراة بعنوان «توظيف الملابس والأقنعه المستوحاة من أشكال الحيوانات والنباتات في المسرح المعاصر» مقدمة من الباحثة نادية يوسف بو ربيع، بقسم الدراسات المسرحية كلية الآداب جامعة الإسكندرية، وتضم لجنة المناقشة الدكتور أبو الحسن سلام، أستاذ علوم المسرح بكلية الآداب جامعة الإسكندرية (رئيسًا)، الدكتورة سهير عفيفي محمود، أستاذ متفرغ قسم علوم المسرح كلية الآداب جامعة الإسكندرية (عضوًا)، والدكتورة سعاد حامد أحمد، أستاذ مساعد السينوغرافيا بكلية الآداب جامعة الإسكندرية (مشرفًا). والتي منحت الباحثة من بعد حوارات نقاشية انتظمت وفق شروط ومعايير أكاديمية درجة الدكتوراة.
وجاءت رسالة الدكتوراة الخاصة بالباحثة كالتالي:
من المعروف أن الدراسات الجمالية الحديثة قد صبت اهتمامها بشكل كبير على أحد فروع علم الجمال المعاصر ، والذي يطلق عليه مصطلح (مورفولوجيا الجمال)، والذي يعني بدراسة أشكال الفن في مختلف المجالات. ومن بين الدراسات الجمالية التي برزت هي (مورفولوجيا الأشكال) التي تعني بدراسة بنية الأشياء أو أشكالها المعتمدة على مكونات البيئة الطبيعية. والتى شكل بعض منها مورفولوجيا جمالية رائعة لإشكال الكائنات الطبيعية  (الحية وغير الحية)، وذلك بتحوير وتركيب هذه الأشكال الى مفردات ورموز ووحدات زخرفية كان لها أغراضها (الدينيةالطقوسية) أو (الدنيويةالسياسية) والتي أصبحت معروفة للجميع.
فقد ظهرت أشكال الحيوانات والنباتات فى الديانات القديمة وقد تعبدت مجتمعات الصيد القديمة حيوانًا لكسب وده أو لتعتذر عن قتله، أو لتكتسب صفاته الحيوانية مثل السرعة والقوة. يعبد كثير من هنود شمالي أمريكا الشمالية الحيوانات جزءًا من الاعتقاد المعروف بالطوطمية، وكل جماعة لديها رمزها المقدس الذي يُسمى طوطم. ومعظم الطَوْطَمات حيوانات. ويزعم كثير من الجماعات أنها سلالة الحيوان الطوطم الذي يعبدونه. وعبد بعض الناس إلهًا يعتقدون أنه اتخذ لنفسه شكل الحيوان ، فمثلاً يظهر الإله المصري القديم توت أحيانًا في شكل الرباح (حيوان إفريقي آسيوي ضخم قصير الذيل قبيح المنظر)، وفى أحيان أخرى فى شكل طائر الماء الذى يدعى أبا منجل.
وفى نظرة سريعة إلى المعابد المصرية القديمة نجد أن العناصر المعمارية بها ما هي إلا رموز دينية وضعت فى شكل هندسى فنى، فمثلا نجد أن معظم الأعمدة تتخذ شكل نبات اللوتس المفتوح والمغلق، وأحيانا فى شكل باقة اللوتس، وأحيانا شكل نبات البردى فى إشارة إلى أهمية اللوتس والبردى فى الأسطورة المصرية القديمة التى تتحدث عن بدء الخلق، والتى تعتبر أن الحياة انبثقت من زهرة اللوتس العملاقة، أما نبات البردى فهو من حيث الشكل يمثل الشمس الشارقة، والساق تشبه الشكل الهرمى فى إشارة إلى رع إله الشمس، فهنا نجد أن المعبد أصبح يرمز إلى هذا الكون بنباته وسماءه وأيضا ماءه المتمثل في البحيرة المقدسة  في المعبد.
أما فى مجال المسرح فتم توظيف الأشكال الحيوانية والنباتية منذ بدايات المسرح الاغريقى ومنها الملهاة القديمة مثل مسرحية الزنابير للكاتب اليونانى «اريستوفانيس» التى تناقش فساد القضاء، وتمثل فيها الجوقة فئة من الشيوخ المسنين المغرمين بارتياد المحاكم، وهم يرتدون زيا يظهرهم علي هيئة زنابير، لها زبانى رهيب يلسعون به كل من يصادفهم. ومسرحية «الضفادع» التي تتم فيها مساجلة أدبية ما بين شاعرين كبيرين من شعراء التراجيديا وهما «أيسخيلوس ويوربيديس»، حول الفن الدرامي و غايته الخلقية، وتطرح المساجلة سؤالا هاما وهو «أيهما أهم للمجتمع: الفنان صاحب الرسالة الفكرية أم الفنان المبدع دون حرص علي الغاية الأخلاقية؟»، وتظهر فيها الجوقة على هيئة ضفادع. ومسرحية «الطيور» التي تحكي قصة رجلين سئما الحياة في أثينا، وعافا أن يظلا في معاناة لأحوالها المتدهورة فيقرران الهجرة إلى عالم الطيور، ويبنيان بمساعدة الطيور مملكة بين الأرض والسماء بحيث يقدر لها أن تسيطر علي الأرباب، وتتحكم في مصائر البشر في آن واحد.
واستمر الحال في المسرح الرومانى مع ادخال المصارعة بين الحيوان والحيوان والحيوان والانسان الى فنون المسرح وفى العصور الوسطى كانت الشجرة المحرمة جزءا من سينوغرافيا العرض المسرحى «آدم»، وفى عصر النهضة شكلت الأشكال النباتية والحيوانية سينوغرافيا بعض العروض المسرحية منها عرض «حلم منتصف ليلة صيف» للكاتب الانجليزى «ويليام شكسبير» حيث كانت الغابة هى البيئة المكانية لعالم المسرحية الخيالى، وشكلت أقنعة الحيوانات محورا مهما من محاور هذه المسرحية. واستمر توظيف الأشكال النباتية والحيوانية فى المسرح الحديث والمعاصر بشكل يطلق العنان لخيال المصمم ليقم صورة مسرحية أكثر جمالا وصدقا بفضل التقدم التكنولوجى والسينوغرافيا الرقمية وهو ما ستتناوله الباحثة فى هذه الدراسة.
تتمثل الاشكالية حول البحث فى الممارسات التصميمية المستوحاة من أشكال الحيوانات والنباتات Zoomorphic costume-Phytomorphic costume  لتصميم الملابس المسرحية وصياغة الفكر الدرامي المتعلق بتلك المفردات المسرحية، في محاوله لتصوير وتجسيد التماثل الحيوي بين الاشكال الحيوانية والنباتية كأحد الأشكال الايقونية المحملة بمعاني انثروبولوجية ودينية وطقسية ، والتحقق من عمليات الانشاء والتصميم والتنفيذ الحرفي وأثر الشكل  (Form)سواء النباتى أو الحيوانى فى التصميم، ومدى مساهمة التكنولوجيا في انشائها، ويهدف البحث إلى تتبع عمليات تصميم وتنفيذ الملابس المسرحية ومستلزماتها فى العروض المسرحية الحديثة والمعاصرة. وكيفية توظيفها كقيم رمزية فى العرض المسرحى، وتطور هذا التوظيف عبر العصور المسرحية وغزارة الإنتاج المسرحى للعروض المستوحاه من هذه الأشكال وخاصة في الألفيه الثالثه وتنوع أنواع العروض، وكيف أثر التقدم  التكنولوجي فى توظيف هذه الأشكال فى المسرح الحديث والمعاصر، وخاصة العروض التى لعبت فيها التكنواوجيا الرقميه والتحريك الميكانيكي  والإبداعات االتصميميه لهذه العناصر التى نفذت بشكل دقيق ومرن، مما يحقق متعة جمالية وتعبيرية تخدم الغرض الفنى.وقد حاولت الباحثه الإجابه عن أسئلة البحث من خلال تتبع كيف بدات مسيره التنكرت الحيوانية والنباتية.
وهل كانت الاستعانة بالأشكال الحيوانية والنباتية ضرورة حتمية فرضها التطور الطبيعى لحركة الفن؟.و ماهو الهدف من اللجوء الى الأشكال الحيوانية والنباتية كمصدر من مصادر الالهام للسينوجرافى؟ وماهي الاستراتيجيات المتبعه في عمليات الانشاء والتكوين للشخصيه المسرحية (الازياء المسرحية)؟ .وهل الشكل الخارجى (Form) ينفصل عن صفات الحيوان وقدسيته ورمزيته فى التاريخ؟ .ومن خلال هذه الأسئله تعرضنا لمطلحين هامين كمددخل للدراسه وهما المورفولوجيا Morphology يقصد بعلم المورفوجيا Morphology (علم التشكل، أي دراسة أشكال الأشياء) وهو علم يهتم بدراسة شكل وقيمة الكائنات الحية وخصائصها المميزة.
الزومفوريك ZOOMORPHISM  كلمة الزومورفيزم مشتقه من الكلمة اليونانيه أى (ZOION) وتعنى الحيوان و(MORPH) وتعنى الشكل و هذان يكونان كلمة ((zoomorphic، واستعملت لوصف من يتخذ شكل للحيوان في هيئته الخارجبه. في سياق الفن يمكن أن تصف الصوره الحيوانيه الذى يتخيل البشر كحيوانات غير بشريه.
تنقسم الدراسة الي مقدمة وثلاثة فصول هى كالآتى:
الفصل الأول: بعنوان توظيف علم المورفولوجيا والزومفوريك فى تصميم الملابس المسرحية. وتتناول الباحثة فى هذا الفصل: مفهوم المورفولوجيا- مفهوم الأيقونة - تاريخ توظيف الأشكال الحيوانية والنباتية عبر تاريخ المسرح (اليونانى- الرومانى - عصور وسطى – عصر النهضة).
الفصل الثانى: توظيف الأشكال الحيوانية والنباتية فى المسرح الاوروبى الحديث وتتناول الباحثة فى هذا الفصل نماذج من عروض مسرحية اوروبية حديثة وظفت الأشكال الحيوانية والنباتية من خلال الزى والمكياج والاقنعة لاهداف دلالية تخدم رؤية العرض.
الفصل الثالث: توظيف الأشكال الحيوانية والنباتية فى تصميم الملابس فى المسرح المعاصر، وتتناول الباحثة فى هذا الفصل نماذج من عروض مسرحية معاصرة وظفت الأشكال الحيوانية والنباتية من خلال الزى والمكياج والاقنعة لاهداف دلالية تخدم رؤية العرض مع توضيح دور التكنولوجيا فى تطور هذا التوظيف تاريخيا كانت الطرق المتعلقة بالتعبير عن الهوية الدينية والإجتماعية وبناء الهوية وتحقيق السيطرة والهيمنة من خلال أفعال التنكر واستعراض القوه من خلال التنكر وإعادة التمثيل لحاثة الصيد وما صاحبها من أداء يبرز كيف سيطر المؤدى علي فريسته بغض النظر عن الفعل التقني المتمثل في التنكر ومن ناحيه أخرى يفي بأغراض التسلسيه والأحتفال, ويتأكد الطابع الدرامي لفعل التنكر وتظهر صوره في الأدب المسرحى بحثاً عن المعانى المتعلقه بالميثولوجيا والأساطير اليونانيه، فالبحث العلمى القي الضوء علي المعانى الدينيه والأيدلوجيه والثقافيه المتعلقه بالتنكر بحثاً عن فئه أوسع من لعب الأدوار.
إن التطور الزمنى من خلال البحث عن جماليات التنكر وأشكاله فيه عدم استمراريه أو تدرج فبينما وجدناه في المسرحية اليونانيه ,فقد كاد ينعدم وجوده في المسرح الرومانى وظهر فى بعض  مسرحيات العصور الوسطى .وقد اتضح بالفعل ان المسرحية في عصر النهضة وحاصة في إيطاليا تأتي زاخرة بتلك العناصر الجديدة الناشئة عن صنوف التنكر  المتأثرة بالكلاسيكيه اليونانيه واننا نري هنا اشباح ووحوش وقردة وافاع وخيميرات خرافية واطياف مجازية وقصصا اسطورية .. إن قصة المسرح الإيطالي في عصر النهضة حافلة بالاكتشاف والتعرف والإبداع في شتي نواحي النشاط المسرحي ، والملابس متجهة نحو الزخرف المبالغ فيه المستوحي من المسرح الكلاسيكي –و الخيال الزاخر بالمباهج افي حفلات النصر والدخلات الملكيه .أما في المسرح في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر فقد وجدت الباحثه صعوبه في رصد مصادر لعروض استخدمت مثل هذه التنكرات حيث شاع استخدام حيوانات حيه علي خشبة المسرح.
وظفت أشكال الحيوانات والنباتات فى المسرح الحديث من خلال استعراض والبحث فى توظيف الإبداع التشكيلى الجمالى والتكنولوجى والميكانيكى من خلال أشهر العروض التى قدمت منذ بداية القرن العشرين وختى نهايته ومن أهم النماذج التى عبرت عن إشكالاية الدراسه مسرحية (الأسد الملك) ومسرحية (قطط ) وهما الأشهر في تلك الفتره لما تميزا به من تنوع فى التصميمات وتوظيف مكثف للتكنولوجيا والإبداع التصميمي للشخصيات.
ومن الجدير بالذكر أن الباحثه مثلما ناقشت غزارة التصميم والتنفيذ في المسرحيتين السابقتين ،فقد وجدت أن التصميمات الأبسط في باقى النماذج لم تضعف من تأكيد وتفعيل دور التخفي أو التنكر في باقى المسرجيات مثل مسرحية “حلم منتصف ليلة صيف”، وأن بساطة التصميم تقوى الفعل الدرامى وتدعمه مثلما تفعل التصميمات المغرقه في التفاصيل، وفي النهايه لكل تصميم غرض يوافق المنحى الدرامى للعمل ويؤكده. 
ففى مسرحية “إجتماع الطيور” نجد تصميما وسطاً بين ما هو زخرفى وخيالي يوظف ملكات الإبداع فى التصميم والتنفيذ وبين ما هو بسيط ورمزى يصل إلى حد التجريد المطلق، وتنوعت قدرات المصممين الإبداعيه وبعضها شكل تحدياً وتجديداً لمجالات التصميم للشخصيات المستوحاه من شخصيات حيوانيه ونباتيه ولعل (الملك الأسد) التى مثلت فيها النباتات كشخصيات متحركه ومجسده على خشبة المسرح ،وأيضا شخصيا الأجاص (الكمثرى) فى مسرحية (رامبل ) وهي من النماذج القليله التى وجدت في تلك الفتره كنموذج للتصميمات المستوحاه من النباتات.
ورصدت الباحثه وبرهنت على أن الألفيه الثالثه زخرت بالعديد من النماذج التى وظفت الأشكال الحيوانيه فى المسرحيات الموسيقيه والدراميه وتم تقديم أشكال جديده من التصميمات التى إعتمدت بشكل كبير على الدمى إلى جانب التصميمات المعتاده التى تعتمد على التجسيد بالإضافه على جسد الممثل سواء باالمكياج أو الأقنعه أو بعض القطع التى تضاف لتمثيل جسد الحيوان ومنذ تقديم مسرحية (حصان الحرب ) War Horseبدأ تصميم وتجسيد الحيوانات لعدد كبير من المسرحيات التى قدمت للصغار والكبار تأخذ منحى غير مسبوق من حيث توظيف الحركه الميكالنيكيه من خلال ممثليين محترفين وليسوا محركوا عرائس لإضافة الأصاله على الآداء وبذلك أصبحت الدميه هي جسد التنكر الذى يتحكم فيه الممثل في عرض أحدث ثوره في عالم التصميم الابداعى من خلال الدراسات التى رصدت سلوك الحيوان وهيئت الممثل للتدريب على أسلوب تحريك جلب الحياه إلى الدميه وكان هذا العرض نموذجا اختذى به الكثير من العروض مثل (الأسد والساحره وخزانة الملابس) وكيف تنوعت فيها الشخصيات بين الدمى والشحصيات المجسده مباشرة من خلال الممثل.
ووجدت الباحثه أيضاأن الإعتماد على الرمز في تجسيد شخصية الحيوان قد ظهر أيضاً في مسرحيه (مزرعة الحيوانات)، وفي عرض آخر لها يظهر نموذج تصميمى يعتمد علي التجسيد من خلال الماكياج وبعض الإضافات مثل القرون والآذان ولكن التصميم ككل هو تصميم مجازى وفى تصميم ثالث لنفس المسرحيه يعتمد الممثل على الأقنعه التى تمثل حيوانات المزرعه ، وبالرغم من إختلاف التصميمات لنفس المسرحيه بين حدى الرمز والمجاز فإن لكل مخرج أسلوبه الذى يتناسب مع طبيعة التصميمات التى تخدم عمله .والباحثه ترى أنه لاتوجد طريقه واحده أو محدده للإبداع ولكنه يخضع لعوامل جماليه وتكنولوجيه تضع المصمم أمام سبر أغوار الخيال وتوظيف العلم والفن لخدمة فنون المسرح.
 


ياسمين عباس