الأكاديميون في رثاء عميدهم وداعا سيد البنائين وداعا «الخوجة» فوزى فهمى

الأكاديميون في رثاء عميدهم  وداعا سيد البنائين  وداعا «الخوجة» فوزى فهمى

العدد 740 صدر بتاريخ 1نوفمبر2021

كان رحيل د. فوزي فهمي مفاجئا وصادما للجميع، فهو قامة وقيمة كبيرة للثقافة المصرية بأسرها، وأستاذ الأساتذة بحق أو « الخوجة» كما كان يحب أن يطلق على نفسه – بمعنى المعلم- ، ولم لا ؟ وهو من  أفنى عمره للثقافة و العلم ولتلاميذه، ولم يقتصر دوره عند ذلك ولا على الاهتمام بالمسرح فحسب  بل امتد نشاطه  ليشمل كل ركن في وزارة الثقافة فكان حاضرا وفاعلا ، فكرا و رؤية و تنفيذا ليؤسس بنية تحتية ثقافية حقيقية نجني ثمارها الآن، و ستظل خالدة شاهدة له كاتبا وناقدا ومفكرا و إداريا فذا وفريدا.  
ولد د.فوزى فهمى أحمد في 21 أغسطس 1938 فى القاهرة، تلقى تعليمة الابتدائي بمدرسة المعهد العلمي الابتدائي وتعليمة الثانوي بمدرسة على باشا مبارك وحصل منها على شهادة ثانوية ثم التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية قسم الدراما والنقد، و حصل على درجة الدكتوارة فى علوم المسرح سنة 1975. تنقل فى عدة مناصب منها: عميدا للمعهد العالي للفنون المسرحية 1983 ، قبلها في 1978 انتدب عميدا لمعهد النقد الفني،  ثم رئيسا لأكاديمية الفنون ثم وكيلا لوزرارة التفافة ورئيسًا للمركز القومي لتفافة الطفل. من جهوده إنشاء الحديقة الثفاقية بالسيدة زينب والإشراف على ترجمة مائة كتاب للطفل من أهم مولفاته فى المسرح عودة الغائب سنة 1977، مسرحية الفارس و الأميرة سنة 1979، و لعبة السلطان سنة 1986   

تاريخي كله 
تقول د. سميرة محسن، أستاذ التمثيل و الإخراج بالمعهد العالي للفنون المسرحية: رحل تاريخي كله برحيل د. فوزي فهمي، فهو من أرشدني لدخول المعهد كطالبة  حين شاهدني بالإذاعة المصرية، وهو من علمني الأسس التي أعمل عليها، كيف أبحث، كيف أعامل الطالب، فهو صاحب الفضل عليّ إنسانيا و علميا . 
وتضيف: درس لي و أنا في الفرقة الثالثة بقسم التمثيل والإخراج، وارتبطنا في هذا التوقيت ثم أنهيت دراستي و سافرنا لروسيا في بعثة علمية سويا، وحين عدنا كنت معيدة وكان مدرسا، وتستطرد: حياتي كلها خطى مرسومة بمجهوداته و إرشاداته، فكل نجاحي وتاريخي بفضل توجيهاته، فقد نضج فكري و ازداد علمي من خلاله، فكل خبرتي اكتسبتها منه، لذا أقول إن كل تاريخي علميا وفنيا من صنعه ولا أنكر ذلك. 
تابعت: هو الحازم المحترم الحنون، لم يكن يشغله التكريمات و غيرها، فقد رفض ترشيحه لجائزة الدولة، ورفض أن يرى المبنى الذي يحمل اسمه في الأكاديمية، كان يرفض اللقاءات الصحفية و الإعلامية و غيرها، كان دائما يقول « مكاني الأكاديمية و تلاميذي هم الأهم .. أنا أخلق جيلا سيظل يردد علمي» ، كان طيبا و رقيقيا وقاسيا لصالحك في ساعة الجد .  

سيد البنائين 
و قال د. أشرف زكي، رئيس أكاديمية الفنون السابق: د. فوزي فهمي أستاذي و صديقي ومعلمي، وقد أطلقت عليه سيد البنائين، وهو كذلك بحق، لما له من دور في بناء البنية التحتية للثقافة المصرية، أجيال كثيرة بناها فوزي فهمي، عرفت منه معنى أكاديمية الفنون، لذا سيظل علامة ومنبرا. 
 ويضيف زكي: أنشأت في حياته مجمع قاعات فوزي فهمي بأكاديمية الفنون وسعد بها كثيرا، كان -رحمه الله – لا يفوته أن يهنئ ويبارك للجميع على نجاحاتهم في كل المستويات. ومشيرا لسعادة د. فوزي فهمي بما أنجزه إبان رئاسته لأكاديمية ذكر قوله له: لقد أحييت أملا كنت فقدته، حلما كنا نظنه قد مات

فن بناء المستقبل 
ويقول د. علاء عبد العزيز، أستاذ الدراما و النقد بالمعهد العالي للفنون المسرحية: مثلما تقف أبنية أكاديمية الفنون شاهدة على إنجازات الأستاذ الدكتور فوزى فهمى فإن قاعات الدرس فى جميع أقسام معاهد الأكاديمية تنطق بما سعى إليه و حققه من تطوير دائم للمناهج التعليمية و القائمين على التدريس، و القدرات الإدارية الفذة للراحل العظيم  قد تجاوزت حدود الأكاديمية التى ازدهرت برئاسته على كل المستويات ليصبح وجوده - رحمه الله - قرين نجاح عدة مؤسسات ثقافية و كيانات ثقافية على مدى عقود متوالية. 
مضيفا: على ما في ذلك من قيمة كبيرة فإن المنجز الأكبر لحضور الأستاذ المتفرد فى البناء هو فخره الأكبر معلما لأجيال متوالية من طلابه الذين تعلموا على يديه صياغة أفكارهم فى الفن و المسرح و الحياة و تدربوا على كيفية التعبير عن تلك الأفكار مستندين على العلم و الحرية. 
تابع: منذ سنوات الدراسة الأولى و حتى التشرف بزمالته فى مجلس قسم الدراما و النقد المسرحى كان الأستاذ العظيم ينصت و يناقش و يحترم الجميع. كنت دائما أمازحه و هو «الخوجة» الذي تستعصى محاكاته أو مطاولة إنجازاته - بأن هناك أمرٌ يميزنا نحن تلاميذه و لن يختبره أبدا و هو متعة الجلوس فى قاعات الدرس أمامه. 
وقال د.عصام عبدالعزيز .. استاذ الدراما والنقد بالمعهد العالي للفنون المسرحية: عرفت أستاذي عندما كان معيدا وكنت طالبا بالسنة الأولى في المعهد، فهالني منذ اللحظة الأولى كم الثقافة والمعلومات الغزيرة من هذا المعيد والتي أبهرتني. 
والحق أقول لكم، منذ تلك اللحظات قد تحدد مصيري و اخترت أن أسير على هذا الدرب الذي عشقته بفضل أستاذي الحبيب، حبي للدراما والمسرح والنقد وخاصة فن الكتابة المسرحية، وكان – رحمه الله- يعرف ذلك جيدا، بل كان يشجعني كثيرا، بل كان يطلب مني وأنا في السنة الثالثة أن أجلس بجواره لكي أناقش الطلبة في مسرحيات بومارشية وماريفو.. تلك المسرحيات التي كنا ندرسها. 
و أذكر جيدا أنه كان يراقب علينا في الامتحانات، و في لجنتي لاحظ أن كل الطلاب قد أنهوا الامتحان ولم يبق في اللجنة سواي، فتفحص ورقتي ثم نزعها مني قائلا: لا يوجد درجة أعلى من الامتياز. 
لقد تعلمت منه كيفية دراسة وتحليل النص الدرامي، وهي دراسة أساسية بل المدخل الحقيقي لدراسة فن الدراما.
وعندما حصلت على الدكتوراه وكتبت أكثر من 120 بحثا وأكثر من 45 نصا دراميا، قمت بإهداء أستاذي مسرحية « الرقص على القمر» 
و ختم بقوله: قد يرحل الأستاذ لكن علمه يظل باقيا في كتبه ولدى تلاميذه الأساتذة والدكاترة الذين يورثون الأجيال القادمة علوم المسرح والدراما في أكاديمية الفنون وفي محرابنا العزيز المعهد العالي للفنون المسرحية. 

الرمز المركزي 
وقال د. مصطفى سليم، أستاذ الدراما والنقد المسرحي بالمعهد العالي للفنون المسرحية: نشأت علاقتي بالرمز المركزي في حياتنا الأكاديمية عامة والمسرحية خاصة الكاتب والأستاذ والقائد المحنك الأستاذ الدكتور/ فوزي فهمي حين تقدمت للالتحاق بقسم الدراما والنقد المسرحي عام 1988 وكان حينها قد تقلد منصب نائب رئيس أكاديمية الفنون وفي طريقه لرئاستها فقد حدثه بعض الأحبة عن طالب الثانوية العامة الشاعر الذي ظهر في ندوات الدورة الأولي لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي وأصر سيادته على حضور امتحانات القبول فلم يكن يحب الوساطة، ولكنه أدرك أن الوسطاء زملاء وخارج الدوائر العالية وليس لي دخل مباشر بوساطتهم وفي امتحان القبول وجدني الأعلى درجات بين المتقدمين فشعر بارتياح مشوب بالشك في تدخل الآخرين وفي المقابلة الشخصية أصر على أن يسألني أسئلة خاصة لاختبار الذكاء والتدين الذي كان واضحا في سلوكي واختبار ثقافتي وأخيرا ابتسم حين أعجب بردودي وحين حاولت أن ألقي بعض أشعاري رد قائلا (مش محتاجين نسمعك تاني بعدين هنسمعك كتير) كان هذا بمثابة إعلان مبكر لنجاحي وخرج ورائي أستاذي النبيل محمد عبد الهادي وقال لي (كنت رائع انت أفضل طالب جالنا في العشر سنين اللي فاتوا انا شايفك معيد).
وأضاف سليم: منذ هذه اللحظة كان اهتمام الأستاذ بي اهتماما خاصا، وحين تخرجت عام 1992 عينت مباشرة في مؤسسة دار التعاون كما عملت مع صاحبة الفضل الدكتورة هدى وصفي وحين علم أنني في طريقي لاستلام العمل أصدر فورا قرارا بتكليفي بالعمل معيدا بالقسم طبعا بعد موافقة مجلس القسم بالإجماع.
ثم أصدر بعدها قرارا بتكليفي بالعمل سكرتيرا لتحرير إصدارات الأكاديمية ومنسقا للجنة الندوات بالمهرجان التجريبي وكان رئيس اللجنة الأستاذ سعد أردش.
أضاف:  رحمه الله كان كتابا مفتوحا على كل الثقافات وكان يعاملني كمعيد منذ كنت طالبا وكان لا يدخن سوى سيجارة صباحا من علبة الأستاذ محمد عبد الهادي أو علبتي وبعد أن ترك الأستاذ محمد عبد الهادي المعهد كنت أنا رفيق سيجارة الصباح. 
ثم يضيف: كان بالنسبة لي المعلم والأب والداعم والنقطة الفاعلة التي نلتقي جميعا عندها، فحين اختارني الأستاذ سعد أردش مساعدا له في كاليجولا من إنتاج الفرقة الطليعية للأكاديمية لم يعترض وسافرت مع العرض وكان معي صديقي وأخي محمد حسين وعدنا قبل امتحانات التخرج بعشرة أيام وحققنا ما نحققه من تفوق كل عام, 
مؤكدا:  إنه مصدر للثقافة الروسية والآسيوية بالأكاديمية بوجه خاص والأوروبية بوجه عام، وعلى مستوى الإدارة علمني أن الإدارة فن وعلم ولغة واقتدار.
ويختم سليم حديثه قائلا: لا أنسى مقولاته الشهيرة مثل « أنتم عقل الأكاديمية يا أبناء قسم الدراما والنقد»، « المدينة المحاصرة لا تسقط لكثرة عدد وعتاد محاصروها إنما تسقط حينما يشعر حماتها بلا جدوى حمايتها»  
أستاذي الجليل وأبي فوزي فهمي ألم الفراق ألم بى وبتلامذتك فعجز القلم عن كتابة كل شيء ولكني أعدك بكتاب يليق بتاريخك واسمك وفضلك .. على أمل اللقاء في البرزخ.

أستاذ الجيل و الفاعل الثقافي المستنير 
بينما يقول د. حسام عطا، أستاذ الدراما و النقد بالمعهد العالي للفنون المسرحية: بدأت علاقتي بالدكتور فوزي فهمي منذ عام 1982 حين كنت طالبا بالفرقة الأولى بقسم الدراما والنقد و كان هو عميدا للمعهد العالي للفنون المسرحية، فقد تتلمذت على يديه طالبا و أثمن فترة عمادته التي تميزت بانفتاح المعهد وانفتاح قسم الدراما على قامات كبري و أساتذة من كل الاتجاهات ولم تكن تقتصر فقط على أساتذة القسم، وهو درس أرجو أن يتكرر بالمعهد العالي للفنون المسرحية وكل معاهد أكاديمية الفنون بشكل عام، فأذكر من الأساتذة المتخصصين د. عبد المعطي شعراوي، د. إبراهيم سكر، الاستاذ إيهاب الأزهري، د. سونيا دبوس، د. حسين عبد القادر، الأستاذ زاهي حواس، وتزدان قاعات قسم الدراما بوجود د. لويس عوض، د. سامية أسعد، د. سمير سرحان، د.محمد عناني، د.هدى وصفي، د. نهاد صليحة، وكل هؤلاء لم يكونوا من أعضاء هيئة تدريس القسم، لكنه كان حريصا على إحداث هذا التنوع وهذا الزخم، فكانت فترة ثرية. 
ويضيف: د. فوزي فهمي كان شخصا جاذبا يستطيع احتواء البشر، مؤمن بفكرته، حتى أن كافيتريا المعهد العالي للفنون المسرحية أثناء فترة عمادته كانت مكانا يتجمع فيه الفنانون بانتظام وبمثابة ملتقي صباحي للوسط الفني كله، حالة من الدفء، فأنا أذكر هذه العمادة بكل تقدير واحترام، تعلمت فيها الكثير، حتى عينت معيدا بالقسم و كمدرس مساعد معه طوال الفترة التي كان فيها نائبا لرئيس الأكاديمية ثم رئيسا للأكاديمية، فتعلمت منه كيف يكون الأستاذ أبا، و معلما، وكيف يكون الأستاذ حقيقيا في علاقته بالطلاب، وأن المحاضرة لدى الأستاذ أهم من المناصب و من الفرص الاحترافية، بل من أي عمل آخر. 
وقال عطا أيضا : لقد فقدنا قامة كبيرة، أستاذا و أبا ومعلما و مفكرا مصريا، فقد كان د.فوزي يعاملني كابن له، وحين يختلف معي كان خلاف الأب مع الابن وكان دائم المواظبة على توجية الملاحظات على أدائي حتى حصلت على درجة الأستاذية. 
مضيفا: لقد لمست وشهدت التأسيس الثاني لأكاديمية الفنون على يديه، فهو الذي بنى 23 مبنى ( المباني الجديدة بأكاديمية الفنون)، و أنشأ المبنى المركزي التعليمي بقاعاته و قدراته التي تواكب العصر، وقد عملت معه عضوا بلجنة المسرح حين كان مقررا لها بالمجلس الأعلى للثقافة، وشهدت حرصه على تفعيل دور واضعي السياسات الثقافية بشكل قانوني حتى يتمكنوا من مراقبة العملية التنفيذية، وقدمنا عددا من المشاريع  المهمة منها مشروع المسرح المستقل، ومن أهم المشروعات نقل المجلس الأعلى للثقافة من الاستشاري إلى دور صانع السياسات، ومراقب تنفيذها، هذا المشروع كان أحد أهم أفكاره التي أتمنى أن أراها متحققة كنوع من المتابعة وتصحيح المسار و المساءلة والمحاسبة الرمزية و إثراء مؤسسات وزارة الثقافة الرسمية و غير الرسمية من خلال إطار قانوني، وكاد أن يحصل المشروع على إجراءاته التنفيذية لولا حدوث متغيرات كبرى في مصر آنذاك فتوقف المشروع.
وتابع: د. فوزي فهمي مؤلف كبير تعامل مع نجوم جيله في المسرح القومي في مسرحية عودة الغائب، و الفارس والأسيرة، وله أيضا ممارساته النقدية إلا أنه توقف بعد فترة عن الكتابة النقدية ليدخل منطقة النقد الثقافي و القراءة السياسية، وقد استطاع أن يصنع مسارا خاصا في قراءة الروايات و القصص و المسرحيات قراءة جديدة في ضوء الواقع السياسي و الاجتماعي في مصر والعالم، وأشار عطا لمقاله الرائع الذي كان ينشر في جريدة الأهرام، موضحا: إن بعض هذه المقالات صدر في كتب والبعض الآخر تمنى تجميعه و إصداره، فهي جميعها مجموعة من الأفكار الملهمة. 
ويؤكد: أن د. فوزي فهمي يعد نموذجا للمثقف الوطني والمتفاعل مع مجتمعه، فقد كان شديد الحرص و الاعتناء بطلابه و أبنائه، حقيقيا في علاقته بهم، يتابعنا بشكل شبه يومي، حتى ما يتعلق بالشئون الشخصية كان يبدى الرأي والدعم، و كان بالنسبة لي في موقع الأب وقد تجلى ذلك معي ومع كل تلاميذه في الحضور الكثيف الذي امتلأ حزنا نبيلا حين صحبناه لمثواه الأخير، بعد صلاة الجنازة في السيدة نفيسة وكذلك في ليلة العزاء بمسجد الشرطة، الذي شهد حضورا متنوعا من النجوم و الكتّاب والمفكرين وعلى رأسهم وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني الذي شهد له بكرم الخلق و نبل القصد و أنه واحد من أهم القيادات الثقافية التي شهدتها مصر في تاريخها الحديث والمعاصر، وهو بالفعل كذلك، وقد كان رجلا زاهدا لم يسع خلف جائزة أو سفر لمهرجان، ولاسيما أن في فترة رئاسته للتجريبي كانت تأتيه دعوات لكل مهرجانات العالم، فكان يرفض و يرشح آخرين . 
و يذكر عطا إن د. فوزي عرضت عليه جائزة مبارك/ جائزة النيل فرفض أن يتقدم للحصول عليها، و جوائز كبرى من جوائز الخليج العربي فرفضها، و كان دائم الحديث عن علاقته بأستاذه د. محمد مندور حتى شعرت بأنني عشت مع د. مندور من كثرة تذكره له، فقد كان يصاحبه في خيالاته وتصرفاته اليومية، كأنه كان ضميره الذي يحاوره ويراجعه. 
ويضيف: محاضرته كانت واحة من الحرية والديمقراطية، و النقاش الحر، كان مهتما بالشأن العام ككاتب ومثقف، فهو جزء من عالم معاصر ومن وطن عربي ومن ضمير مصر الثقافي، ونموذجا فريدا كقيادة ثقافية  في الجمع بين الانضباط والحرص على البشر و مستقبل الآخرين، فالأستاذ المتفرد يبقى و يخلد بأعماله و إبداعاته و ما قدمه للحياة الثقافة وما أنتجه من كتّاب ومخرجين و مفكرين ومبدعين في كافة المجالات خلال فترة عمله بأكاديمية الفنون. 
و ختتم حديثه بأن د. فوزي فهمي أعطى جهده و عمره لتأسيس البنية التحتية في كل مكان بوزارة الثقافة عندما كان رئيسا للمركز القومي للطفل أنشأ الحديقة الثقافية في مكان طفولته بالسيدة زينب متوددا للطفل، وهي الحديقة التي حصلت على جائزة أغا خان في العمارة آنذاك، و في الثقافة الجماهيرية كان له رؤيته في الأقاليم الثقافية و تنوعها وتعددها، وبلا أدنى شك هو المؤسس الثاني لأكاديمية الفنون بعد د. ثروت عكاشة. 

الأب الروحي لأكاديمية الفنون
أما د. نبيلة حسن، عميد العالي للفنون للمسرحية وحدة الإسكندرية فتقول: كان د.فوزي فهمي بمثابة أب للجميع، فهو يحميك و يسعى لأن تكبر ويرشدك للاختيار، تعلمنا منه التعاون بين الأقسام وأهمية وكيف كان يحقق من خلال ذلك تفاعلا وحراكا كبيرا، فهو المشجع و الداعم للجميع. 
وتضيف: حينما التحقت بالمعهد العالي للفنون المسرحية كان د. فوزي فهمي عميدا للمعهد لاحظنا إخلاصه و إيمانه بأن منصبه ليس مجرد وظيفة، بل اهتمام شديد و عناية وإخلاص بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فهو الأب الذي يشعر معه كل ابن أنه الأهم مهما كان عدد الأبناء، فهو الأب الروحي لأكاديمية الفنون، دائما وأبدا في قلوبنا وعقولنا ووجداننا، فقد أفنى عمره للثقافة المصرية، زاهدا في كل أنواع التكريمات والتلميع، فقط يعمل في صمت. 
وفي ختام حديثها قالت: فقدنا عالما وأبا ظل يمارس دوره للثقافة المصرية ولنا حتى آخر لحظة. 

في رثاء نفسي إليك
ويقول د. عصام أبو العلا، رئيس قسم الدراما والنقد المسرحي بالمعهد العالي للفنون المسرحية : عندما تفتقد واقعك شيئا فشيئا لتجد نفسك في النهاية في تيه من العزلة و الغربة وسط أناس كثيرين و ضغوط الحياة التي لا تنتهي هنا و هناك . و آية ذلك هو فقدك لمن يشكلون طبيعة عالمك و خصوصيته و مزاجه الخاص . أول أمس فقدت أمي و وقفت إلى جواري تشد من أزري مؤكدا أنها سنة الحياة ، و بالأمس رحل أبي ليترك فراغا كبيرا بعدها ؛ لكن كنت أحسب أنني بمنأى عن ذلك الشعور بالوحدة و الخواء لوجود معلمي أو بالأحرى أبي الذي لم يهبني الحياة ، و لكنه علمني كيف أحيا. 
كان وجودك إلى جواري و أنا أناديك دوما أبي ، يشعرني أنني لم أفقد أبي . و لم يطلق لساني لك يوما الدكتور فوزي كغيري من تلاميذه ، بل كنت أدعوه دائما أبي ، تأكيدا و حضورا على وجود دور الأب / السند في حياتي. 
لا أنسى حين طلبت منك أن تناقش رسالتي للدكتوراه ؛ بعد أن أكد لي الجميع أنك عزمت على ألا تشرف على أحد أو تناقش أحد ، و تركت تلك المهمة لتلاميذك أساتذة المعهد ، لكن كان ردك هو ما كنت أنتظره : يسعدني أن أناقشك. 
شعرت وقتئذ أني أملك الدنيا، و تأكد هذا الشعور خلال ثلاث ساعات هي مدة مناقشة رسالة الدكتوراه ، حيث يجلس إلى جوارك تلميذك الدكتور مصطفى يوسف مشرفي الأساسي و الفنان سعد أردش مشرفي المشارك و الدكتورة نادية كامل المناقش من الخارج . و كانت كلماتك تطرب كياني بإطرائك على ثيمة البحث و معالجته و منهجه و أسلوبه ، و لم أشعر بتجاوزي حين قلت هو بعض ما تعلمت منك أستاذي أمام كل الحاضرين. 
لن أنسى حين طلبت منك أيضا أن تحضر أول مجلس قسم بعد رئاستي لمجلس قسم الدراما عام 2010 ، و كان قد أكد لي الجميع أن الدكتور فوزي سيعتذر . و لكن كانت المفاجأة لهم جميعا أن قال لي لن أتخلى عنك في إدارتك للجلسة الأولى ؛ كنت أشعر أنه يطرب لرؤية صنيعة يده تدير القسم بعد سنوات طويلة من رئاسته لذات القسم. 
و خلال فترة رئاستي للقسم للمرة الأولى خلال سبع سنوات و نصف، كنت أشعر أنه يراقبني بفرحة، و كنت أرجع إليه في بعض المسائل المتعلقة بفنون الإدارة و لم يبخل علي يوما.
و حين كلفت برئاسة القسم للمرة الثانية هنأني هاتفيا، و شرحت له أنني قبلت هذا الأمر بشكل مؤقت لحين ترقية أحد الزملاء حتى يأخذ دوره في إدارة القسم ، و كان بيننا اتصال دوري للاطمئنان و المشورة.
و في يوم 21 أغسطس هنأته بعيد ميلاده بعد أن نشرت على فيس بوك احتفالية كبيرة بعيد ميلاده و نشرت مسرحياته ليستمتع بها الجمهور العربي كله. 
و من العجيب أن يوم ميلاد الدكتور فوزي 21 اغسطس عام 1938 وافق  وفاة والدي التي كانت في 21 أغسطس 2001 
لقد صدق القدر بأن كان الدكتور فوزي فهمي هو امتداد لدور الأب في حياتي ، و لم يقف الأمر عندي فحسب، بل تعداني ليصبح أبا في حياة كل من أعرف من زملائي. و لا أستطيع أن أقول في وفاة الدكتور فوزي فهمي أكثر مما قال الأديب الكبير عباس محمود العقاد ؛ فلم يكن موت الدكتور فوزي فهمي هو موت مجرد شخص مهما كانت درجة قربه، و لكن يصح أن أقول إنه لم يمت لي ميت بل مات في ميت. 

تربية الكوادر
ويقول د. مصطفى سلطان، أستاذ الديكور المسرحي بالمعهد العالي للفنون المسرحية: هذا الرجل له أفضال عليّ كبيرة، ففي عام 1983  و أثناء مناقشة الماجستير كان وقتها عميدا للمعهد العالي للفنون للمسرحية، وهو من سعى لي بشكل شخصي لإرسالي لبعثة علمية لأكمل دراسة الدكتوراه في فينّا بالنمسا. 
ويضيف: كان - رحمه الله- يربي كوادر ولا يبخل بخبرته ولا تكليفاته، فاذكر أنه كلفني بالإشراف على قاعة سيد درويش من عام 1991 وحتى 1994 ومن هنا كان انطلاقي من الناحية الإدارية، و في نفس الفترة كلفني بعضوية اللجنة العليا لمعهد فنون الطفل لوضح اللوائح التنظيمية بحضور مجموعة كبيرة منهم صلاح السقا، وناجي شاكر، واحمد المتيني. 
مؤكدا: كان د. فوزي فهمي قائدا عظيما، يدير الاجتماع بحنكة شديدة ويسمح للجميع صغيرا وكبيرا أن يعرض وجهة نظره، ويعطي الفرصة كاملة، وقد تربيت علميا على يدية  منذ كنت طالبا وكان معيدا، ومنذ ذلك الحين لم تتغير شخصيته فدائما ما يسدى النصح والتوجيه، ويضيف: أدين له بالكثير من الناحية الإدارية فهو من أصدر قرار تعييني رئيسا لقسم الديكور حين كان رئيسا لأكاديمية الفنون، علمني كيف أعمل بشكل جاد، فهو مثال للجدية والالتزام.  
أضاف د. مصطفى سلطان: حين كان رئيسا لأكاديمية الفنون لم يدخل يوما بالسيارة الحرم الأكاديمي، وحين سئل عن ذلك أجاب: إنه يترجل كي يشاهد العمال المسئولين عن النظافة والحدائق، فلربما لأحدهم شكوى أو طلب، وهو ما يعكس إحساسه بالمسئولية وقد انعكس ذلك علينا أيضا. 
ويختم سلطان حديثه مؤكدا أن – رحمة الله عليه- لم يلتفت لأي وساطة ولا مصلحة شخصية .

«الخوجة» فخره 
أما د. محمد شيحة، أستاذ الدراما والنقد المسرحي بالمعهد العالي للفنون المسرحية فقال: تعود علاقتي بأستاذي الدكتور فوزي فهمي – رحمة الله عليه- لعام1967  أي لأكثر من نصف قرن وبضع سنوات وذلك عندما تقدمت للالتحاق بقسم الدراما والنقد المسرحي وقد كنت في هذا العام طالبا بالسنة الثالثة بكلية الحقوق جامعة عين شمس، وطوال هذه الفترة الزمنية توطدت العلاقة بيننا في أكثر من اتجاه، ومجال على المستوى العلمي والأكاديمي والإنساني. 
ويضيف: وكان د. فوزي فهمي يفتخر دائما بأنه «خوجة» أي معلم وليس أستاذا أكاديميا تقليديا، وكان يهتم بفتح باب المناقشة في كل محاضراته، ويتقبل بترحيب شديد كل الآراء الذكية والمبتكرة، التي يطرحها طلبته، ولم يكن يحول بينه وبين أي محاضرة من محاضراته أي ظرف أو حدث، حتى ولو كان مريضا، فقد كان يحرص على حضور محاضراته دائما حتى بعد زيادة مشاغله الإدارية، نتيجة تدرجه في المناصب إلى أن وصل إلى رئاسة أكاديمية الفنون. 
ويستطرد شيحة: وفي مجال الترجمة وبعد الانتهاء من بعثته الدراسية بالنمسا 1990 طالبني بلهجته الآمرة المحببة بالاشتراك في ندوات المهرجان التجريبي ثم المشاركة في إصدارات الأكاديمية، و كان نتيجة ذلك صدور كتابي تحت عنوان « مختارات من الدراما الإسرائيلية» سنة 1995 ،  وكان ترتيبه الثاني في قائمة الإصدارات، أما كتاب مسرحيات قصيرة جدا فقد صدر في الدورة الرابعة من دورات المهرجان التجريبي عام 1992  ، ولولا إصراره و توجيهاته و متابعاته المستمرة لهذه الإصدارات لكان مصيرها الإهمال و النسيان.  
وختم حديثه بقوله: واعترافا بفضله كتبت له أهديت له كتابي» مختارات من الدراما الإسرائيلية» وقلت في الاهداء: « أستاذي الدكتور فوزي فهمي.. عطاء بلا حدود .. منك و إليك.. منك و إليك « و إذا كان انجاز فوزي فهمي في المجالين السابقين هو انجازه الوحيد .. فياله من انجاز، خاصة إذا عرفنا أن الكتب التي صدرت في الدورات الـ22 للمسرح التجريبي بلغت 327  كتابا. 

يراقب الأوائل
وقالت د. عبير منصور، أستاذ التمثيل والإخراج بقسم المسرح بكلية الآداب جامعة حلوان إنها خريجة المعهد العالي للفنون المسرحية، وكان د. فوزي فهمي رئيسا لأكاديمية الفنون أثناء فترة دراستها، وكانت الأولى على دفعتها، و إنها علمت وقتها أن د.فوزي فهمي يتابعها وإنه ورغم كل مسئولياته يتابع الأوائل و يراقبهم من بعيد. أضافت: كنت ممتنة له كثيرا، مشيرة إلى أنها قرأت كتبه وتعلمت منها الكثير، لأنه قامة كبيرة في المسرح المصري، نشأ التجريبي على يديه. 
ثم تختم بقولها: د. فوزي فهمي إضافة كبيرة أكاديميا وعلميا وفنيا، عاش مخلصا للمسرح و للثقافة و العلم بشكل كبير. 

احتواء الطلاب
فيما قالت د. دعاء عامر، رئيس قسم المسرح بكلية الآداب جامعة حلوان: كنت تلميذته منذ بدأت دراستي بالمعهد العالي للفنون المسرحية من الفرقة الأولى وحتى الفرقة الرابعة،  تعلمنا منه نظريات الدراما وكتاب فن الشعر لأرسطو، والمسرح الروسي وغيره، تفتح وعيينا على يديه وعلى علمه. 
وتضيف: مهما كان الطالب مقصرا كان يستوعبه، تعلمنا منه الرقي واحتواء الطالب، كنا ننتظر محاضرته بشغف، و دائما ما تكون مبكرا في التاسعة صباحا، ودائما ما كان يحضر قبل موعد المحاضرة، ودائما ما يكون جاهزا بالمادة العلمية، كان أسلوبه يعتمد على المناقشة والتفاعل و الحوار بعيدا عن التلقين، كان يسمعنا أكثر مما يتحدث. 
 ثم تشير لخفة ظله في المحاضرات، و إلى إنه فيض من العلم والحنان والاحتواء، «حفر في وجداننا نموذجا ومثالا لا نستطيع الوصول له و إن حاولنا الإقتداء. 
وأضافت: انجازاته عديدة منها التطوير في نظم  الدراسة داخل الأكاديمية والمباني و المعاهد الجديدة، و المهرجان التجريبي و مركز اللغات و الترجمة، فهو إداري غير عادي، يعرف جميع طلابه ويتعامل معهم جميعا على جميع المستويات فكريا وثقافيا و نفسيا، ومهما تحدثنا عن التنوير و الوعي فلن نوفيه حقه. 
وفي ختام حديثها تضيف: لم يكن لديه أبناء فكان المئات بل والآلاف من تلاميذه أبناؤه بحق، وكان لطلاب الدراما والنقد تحديدا حبا زائدا في قبله، رحمه الله و نفعنا بعمله ونفعه به في ميزان حسناته.  


عماد علواني