فوزي فهمي .. من القيادي الثقافي إلى المؤلف المسرحي

فوزي فهمي .. من القيادي الثقافي إلى المؤلف المسرحي

العدد 739 صدر بتاريخ 25أكتوبر2021

رحل عن عالمنا في صمت الأستاذ الدكتور فوزي فهمي بعد مسيرة حافلة بالإنجازات على كافة الأصعدة الفنية أو الإدارية. تفرض هذه المسيرة قراءة سيرته الحياتية التي جعلت منه نموذجا ثقافيا ملهما للكثيرين؛ يشار إليه بالبنان وبمثابة قدوة يحتذى بها؛ وحاول الكثيرون استلهام شخصيته والسير على نهجها إلا أن معظم المحاولات التي حاولت تقليده تكشف عن تفرده وتؤكد على شخصيته الفريدة التي سوف تظل خالدة في سياقنا المسرحي.
مارس الأستاذ الجليل الدكتور فوزي فهمي عدة أدوار منها القيادي الثقافي الذي يصوغ السياسات الثقافية التي ترسم الخريطة المسرحية، فتقلد العديد من المواقع الثقافية منها أكاديمية الفنون لمدة سبعة عشر عاما التي أحدث فيها نقلة معرفية وأكاديمية، ففي عهده أنشئ مركز اللغات والترجمة بجانب وضع لبنات لنهضة معمارية مثل بناء الاستديوهات وغيرها. كما يعد الراحل الدكتور فوزي فهمي أحد مؤسسي مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، وظل رئيسا له لمدة عشرين دورة تقريبا، وأصبح المهرجان في عهده أهم مهرجان مسرحي في الوطن العربي لأنه غيَّر من الخريطة المسرحية في الوطن العربي سواء من خلال عروضه المسرحية أو مكتبته التي ترجمت أمهات الكتب المسرحية من مختلف دول العالم، والتي ساهمت في إحداث نقلة نقدية وفنية في كافة إرجاء الوطن العربي.   
لم يقتصر دور القيادي الثقافي على الجانب المسرحي فقط، بل امتد وشمل السياق الثقافي المصري فتولى قيادة هيئة قصور الثقافة في إحدى لحظاتها المهمة (بعد أزمة رواية “وليمة لأعشاب البحر”) بداية القرن الواحد والعشرين. بالإضافة إلى تقلده مقرر لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة لفترات طويلة.
على الرغم من أن دور المخطط المسرحي والثقافي كان الصورة الذهنية الأبرز للدكتور فوزي فهمي التي تداولت في سياقنا الثقافي (لمدة تزيد عن أربعين عاما شهد له الكثيرون بأنه مارسه بحنكة ومهارة)، فإن المتتبع لمسيرته يجد أن هناك صورة خفية كانت تتحكم وتحرك دور المخطط الثقافي والمسرحي وهي صورة المؤلف المسرحي، لأنه تعامل مع الحياة بوصفها نصا يعيد كتابته ويرسم حبكتها الثقافية، كأنه المؤلف المسرحي الحياتي الذي يمارس إبداعه وصنعه بالكتابة على صفحة الحياة بدلا من صفحة الورقة، ولعل هذا كان عوضا له لعدم استكمال مشروعه الإبداعي الذي اكتفى فيه بثلاثة مسرحيات وهي (الفارس والأسيرة، وعودة الغائب، ولعبة السلطان).
لقد تمثل الأستاذ الدكتور فوزي فهمي صورة المؤلف المسرحي في كافة ممارساته، الذي يدير المشهد المسرحي والثقافي من خلف الكواليس، فلم يكن يهوى الأضواء وبريقها ولم تجذبه شهوة الظهور العلني، فكان زاهدا في الحديث عن أفعاله الثقافية أو السعي للحصول على جوائز أو التكالب على التكريمات، وقال جملته الشهيرة (إنني كرمت واحدة مرة في حياتي من أستاذي الراحل الدكتور محمد مندور ولا أريد تكريما آخر). فكان الراحل في إدارته للمواقع الثقافية المختلفة يتأمل بعمق الأحداث، يقرأ شخصياته كأنهم يمثلون أدوارا، لكن في مسرحية حياتية لكل منهم دور منصوص له، فكان لا يقبل أن تتغير حبكته أو يتغير سطر من نصه بدون الرجوع إليه بوصفه القدير –من وجهة نظره- على كيفية صنعها والمبدع في كتابتها، ولذلك يحتفظ كل من تعامل مع الدكتور فوزي فهمي في ذاكرته بالعديد من المواقف التي تكشف عن شخصية استثنائية تتغلب على كافة المصاعب.
ولعل هذا المنحى الذي رسمه لنفسه بوصفه مؤلفا مسرحيا وحوله لنموذج ثقافي تسرب في كافة ممارساته الحياتية، فكان يقرأ المشهد الثقافي المصري سواء في كتابته الثقافية التي تتناول الشأن الثقافي والسياسي (بجريدة الأهرام) كمؤلف مسرحي يحاول اكتشاف ما هو جوهري فيها. حتى دوره كأستاذ أكاديمي متفرد كان له طريقة استثنائية في إدارته لمحاضراته، كما تعامل مع تلاميذه كأفكار (كالمؤلف الذي يكتشف فكرة جديدة) يمكن أن تضخ دماء جديدة في سياقنا المسرحي. ولعل الدور الأستاذ الأكاديمي هو الدور الذي ظل يحافظ عليه طيلة مسيرته الحياتية، فكان يواظب على المحاضرات على الرغم من انشغالاته، فترك أثرا كبيرا في نفوس تلاميذه بعلمه وحضوره والتزامه الأكاديمي.
إن الحضور المتعدد للأستاذ الدكتور فوزي فهمي بوصفه مخططا ثقافيا أو مؤلفا مسرحيا أو أستاذا أكاديميا، جعل البعض يختلفون معه ومع بعض الممارسات التي صنعها من وجهة نظرهم، وهو اختلاف مشروع، فما دمت تمارس الفعل الثقافي في الشأن العام فسوف يكون له مؤيدون ومعارضون. إلا أن بعد فاجعة رحيله المفاجئ، يتفق الجميع على أننا فقدنا قيادة مسرحية مهمة ومتفردة واستثنائية صعب تكرارها أدارت المشهد المسرحي المصري لمدة أربعين عاما وضعت نصب أعينها الحفاظ على مكانة مصر الفنية أثناء قيادتها لأكاديمية الفنون أو رئاسة مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبي.


د. محمد سمير الخطيب