من تجارب المسرح المفتوح في سوريا

من تجارب المسرح المفتوح في سوريا

العدد 737 صدر بتاريخ 11أكتوبر2021

المسرح هو ابن الفراغ، ابن الفضاءات المتعددة القائمة على التجريب وخلق مساحات لا متناهية من الرؤية واستكشاف المناطق المجهولة داخل الذات وربطها بمحيطها العام، ولذلك كان من الأطر الأولى لعملية التمرد المسرحي أن يقام في الفراغ فوجدنا – على سبيل المثال – كثيرا من الفرق المسرحية في أوروبا بدأت بتقديم عروضها في الشوارع والميادين العامة والحدائق، كما حدث في «باريس» حيث قدم كثير من المسرحيين التجريبيين عروضهم في محطات المترو الأنفاق وفي ساحات الجامعات وفي المصانع والشركات.
ويعد عرض «صندوق الكار» من إخراج بيسان الشريف الذي قدم في شهر أكتوبر2008 من أوائل العروض التي تنتمي إلى مسرح الشارع في سوريا، وعلى حد تعبير مخرجة العرض فإنها أرادت أن يكون موضوع المسرحية شيئا خاصا بدمشق، فاختارت مراعاة للطابع التجاري للعاصمة الحديث عن الحرف التقليدية بها، وخصوصا «البروكار» وهي مهنة صناعة الحرير الطبيعي التي شارفت على الاندثار.
وقد تجمع المارة وسط سوق «الصالحية» حول مجسم معدني كبير لدودة قز، ولم يعلم كثير منهم بوجود عرض مسرحي، ثم بدأ العرض مع ممثلة تؤدي دور مراسلة إذاعية وتتحدث عبر المذياع، واصفة ما تشاهده كأنها تغطي حدثا مهما.
وفي ساحة «عرنوس» القريبة وضع صندوق ضخم على هيئة صناديق الخشب القديمة، في انتظار من يسيرون خلف دودة القز ومالبث أن انفتح غطاؤه وخرج منه حارسه، قائلا: أنه يمتهن صناعة الحرير الطبيعي يدويا، ثم أخذ يسرد أشياء لا يعرفها الكثيرون عن مهنته، ثم تطور الحكي إلى أن وصل الحارس / العامل إلى الحديث عن دمشق مدينة الحرير والتجارة، خاصة شهرتها بصناعة الحرير الطبيعي بداية من الأنوال الخشبية، وتأكيده على الدور السلبي للاستعمار المغولي والفرنسي في تراجع هذه الصناعة.
وقدم العامل الذي تلبس شخصية «الحكواتي» القديم مجموعة من الوثائق التي تؤكد على الانتهاكات التي قام بها الغزاة ضد هذه الصناعة الهامة.
مؤكدا في ذات الوقت على أن هذه الصناعة قد لاقت شهرة عالمية لدرجة أن الملكة «اليزبيث» ملكة بريطانيا ارتدت ثوبا من «البروكار» الدمشقي في حفل زفافها خلال خمسينيات القرن الماضي.
وكانت أرضية القماش في حينها بيضاء يعلوها نقش من خيوط ذهبية لعصفورين يقبل أحدهما الآخر، وحمل هذا النقش فيما بعد اسم «نقش الملكة».
وتوضح مخرجة العرض أن الهدف لم يكن الخوض في تفاصيل مهنة «البروكار» بل التذكير بها وأخذ العبرة.
وسؤال الحارس ينبع من الواقع الصعب الذي تشهده هذه المهنة التقليدية حتى باتت مهددة بالانقراض إذ لم يتبق في «دمشق» سوى نولين لصناعة الحرير الطبيعي، بعد انتشار الصناعات الآلية.
وعن انطباعه عن العرض قال «كفاح الخوص» الممثل الذي قام بدور حارس الصندوق: أن هذا النوع من عروض الشارع ضروري جدا لأنه يمهد لانتقال الموسيقى والشعر والفن عموما إلى الشارع».
ويرى أن العرض في الشارع امتحان حقيقي للمثل والنص المسرحي، لأن الجمهور له كامل الحرية في المغادرة إذا لم يعجبه العرض».
ويعد مشهد الختام في المسرحية أكثر المشاهد تأثيرا فقبل أن ينهي الحارس حكايته، خرج من خلف الصندوق مجسم لفراشة كبيرة هي «دودة القز» بعدما خرجت من شرنقتها محمولا هذا المجسم على رافعة.
حركت الفراشة جناحيها ميكانيكيا ودارت حول الصندوق على خلفية مقطوعات حية قدمتها فرقة موسيقية من آلات النفخ، ثم ثبتت على نخلة في حديقة الساحة.
وكانت كلمات الحارس – في العرض - : أنه سيترك الفراشة للناس «لعلها تذكرهم بشيء» ثم عاد إلى الصندوق ليظل حارسا لحكايته ولتراثه المغدور. 


عيد عبد الحليم