نادي نهضة بورسعيد التمثيلية

نادي نهضة بورسعيد التمثيلية

العدد 713 صدر بتاريخ 26أبريل2021

تحدثنا في المقالة السابقة عن منع الرقابة لمسرحية «الجريمة»، التي كان ينوي نادي رمسيس عرضها! وبعد هذا المنع بشهرين، ظهر الرائد المسرحي البور سعيدي «محمد مصطفى يوسف»، صاحب مقالة «التمثيل في بلادنا» – التي نشرناها من قبل – وكان ظهوره من خلال اكتشافي لنص مسرحي مخطوط من تأليفه عنوانه «الواجب». ومع النص وثائق رقابية تفيد بأن الرقابة وافقت على تمثيل هذه المسرحية لصالح «نادي نهضة بور سعيد التمثيلية» في نوفمبر 1926. وضمن الوثائق وجدت خطاباً من محافظ القنال إلى مدير المطبوعات قال فيه: «حضرة صاحب العزة مدير المطبوعات، بناء على تعليمات الوزارة نرسل مع هذا ثلاث نسخ من رواية «الواجب» المقدمة من رئيس نادي نهضة بور سعيد التمثيلية، والمرغوب تمثيلها يوم 20 الجاري بأمل التصديق عليها وإرسالها قبل الموعد المذكور».
وأهم وثيقة مرفقة بمخطوطة المسرحية، كانت التقرير الرقابي نفسه المؤرخ في 18/11/1926، والذي يحدد اسم مراقب النص وهو «فرنسيس»، واسم مكان المسرح المراد التمثيل فيه «بور سعيد»، واسم المؤلف أو المعرب «محمد مصطفى يوسف»، واسم الرواية «الواجب». أما نص التقرير، فجاء فيه: «اطلعت على هذه الرواية وهي تتلخص في أن شاباً كان سيء السيرة، ثم أحبّ فتاة ما زال بها حتى أوقعها في شر إثم معيب وانتهى به الأمر أن ندم على ما كان منه، وتزوج من الفتاة وليس في الرواية ما يمنع من تمثيلها بعد حذف ما تأشر عليه بالقلم الأحمر».
وآخر وثيقة رقابية موجودة كانت التصريح بالتمثيل الصادر من مدير المطبوعات إلى محافظ القنال، ونصه يقول: «حضرة صاحب السعادة محافظ القنال .. بالنسبة لمكاتبة المحافظة بشأن رواية الواجب والتي يرغب في تمثيلها نادي نهضة بور سعيد التمثيلية يوم 20 منه، نرسل مع هذا لسعادتكم نسختين من هذه الرواية مصدقاً عليهما بالترخيص. فالأمل التنبيه بحفظ إحداهما بالمحافظة وتسليم الأخرى إلى النادي بعد أخذ التعهد على رئيسه بأن يراعي بدقة كل ما حذف في الصفحات 1، 5، 6، 13، 14، 20، 22، 26، 37، 68، 69، 70، 71، 84، 85، 87، 90، 93، 95، 96 فلا يلقى ولا يُمثل».
جزء من بداية المسرحية
وبما أن نص مخطوطة المسرحية بين يدي الآن، فسأنقل منه جزءاً من بداية المسرحية: «تُفتح الستارة عن بهجت الطالب بالمدرسة الثانوية في منزل والده عرفي بك قاضي محال على المعاش»
بهجت: «يعد في نقود» ثمانية جنيه ونصف بس المبلغ ده مش كفاية حتى عشان سهرة ليلة واحدة أما أطلب كم جنيه كمان من نينتي.
تفيدة: «تدخل مبتسمة» أنت قاعد هنا يا بني وفايت البيه والدك لوحده.
بهجت: ما أشد فرحي اليوم يا ماما.
تفيدة: ليه يا ابني علشان إيه.
بهجت: مسرور جداً اللي شفتك النهاردة بتبتسمي.
تفيدة: أنا سعيدة يا ابني اللي البيه صحته تحسنت اليوم.
بهجت: وأنا أسعد منك عشان أقدر أطلب منك كام جنيه بقلب قوي.
تفيدة: يا سلام يا بهجت دانا بس عطياك إمبارح عشرين جنيه ولحقت قوام تصرفهم مع أن أبوك ما يعلمش إني بعطيك شيء.
بهجت: ده برضه ما يمنعش إني أطلب منك ولو قدهم على الأقل.
تفيدة: لا لا أنا ما يمكنش أبداً بعدين والدك يلاحظ إني بعطيك يزعل جداً.
بهجت: ما دام ما يمكنش أنا خارج بقى «بغضب».
تفيدة: «بصوت عال» بهجت بهجت.
بهجت: إيه عايزة إيه.
تفيدة: أنا يا ابني أعطيك كل ما تطلب بس خلي أبوك يكون راضي عليك.
بهجت: إيه اللي عرفك أنه مش راضي عليَّ.
تفيدة: أما أدخل أجيب لك وأمري إلى الله «تخرج».
بهجت: برافو عليكي يا نينتي. ما يظهروش المعاملة إلا بالتهويش. وأنا كفؤ في كده بقوا ثمانية وعشرين جنيه ونصف أهم يدوبك يكفو الليلة دي وأدخل الوقت كمان عند بابا يمكن يحدفنا بحاجة كمان.
تفيدة: «تدخل» خد يا بهجت وامشي مستقيم أحسن يا ابني.
بهجت: هو أنا إن ما كنتش مستقيم كنت أطلب منك بس دول.
تفيدة: يعني الفلوس دي اللي يتاخذها بتاع واحد مستقيم؟!
بهجت: معلوم أنا داخل عند بابا أقعد معاه شوية قبل ما أخرج.
تفيدة: أيوه يا ابني روح عشان دايماً يكون راضي عليك روح الله يهديك.
بهجت: هو حيديني أكثر من كده.
تفيدة: والعمل في الولد ده اللي مش همه حاجة في الدنيا أبداً يارب يارب تقبل دعوات أم صالحة يهديك يا بهجت.
الحاج: أختي تفيدة «وهو داخل».
تفيدة: أهلاً بأخويا الحاج عمار.
الحاج: إزي صحة البيه النهاردة.
تفيدة: أحسن الحمد لله عن كل يوم.
الحاج: ومال علامة الزعل ظاهرة عليكي ليه.
تفيدة: مش عارف يا حاج عمار بهجت وعمايله فينا.
الحاج: فاهم يا ختي فاهم الجدع ده أصبح سمعته بطالة خالص.
تفيدة: إيه اللي نعمله يا حاج عمار.
الحاج: إمنعه عنه الفلوس اللي بتعطوها له وهو يرجع من نفسه.
ومن المحتمل أن هذا العرض نجح نجاحاً كبيراً؛ بوصفه باكورة إنتاج النادي! ومما يؤكد هذا النجاح أن مجلة «الصباح» كتبت كلمة عن النادي في يناير 1927، قالت فيها: «تكونت في بور سعيد فرقة من خلاصة الأندية التمثيلية باسم «نهضة بور سعيد التمثيلية» برئاسة الشاب الأديب عبد الله أفندي عبد الغفار. ولم يمض على هذه الفرقة شهران حتى أخرجت روايتين وهما «بدري عليك» من نوع الفارس و«اللي اختشوا؟» من نوع الأوبرا كوميك من تأليف وتلحين المدير الفني «محمد أفندي مصطفى يوسف». وسوف يمثل النادي رواية جديدة كل شهر، وستظهر الرواية الثالثة «نادي العباطة» قريباً».
هذا الخبر يؤكد لنا أن «محمد مصطفى يوسف» هو مؤلف ومخرج هذه المسرحيات الثلاث بالإضافة إلى مسرحية «الواجب»، مما يعني تأكيد قولنا بأنه يُعدّ رائداً للمسرح في مدينة بور سعيد! ويُمكننا بالإضافة إلى ما سبق أن نضيف مسرحية خامسة إليه، وهي مسرحية «الوطنية» أو «الطاغية» التي اقتبسها وأخرجها وتم تمثيلها في النادي أواخر عام 1927، وهذا من واقع الوثائق المرفقة لمخطوطة مسرحية «الوطنية»، كما يلي:
في 16 أكتوبر 1927 أرسل محافظ القنال خطاباً إلى مدير المطبوعات، قال فيه: «بناء على تعليمات الوزارة نرسل مع هذا ثلاث نسخ من رواية «الوطنية» المرغوب تمثيلها بالمدينة بمعرفة نادي نهضة التمثيل ببور سعيد في أوائل شهر نوفمبر القادم حتى بعد الاطلاع عليها التصديق عليها والتكرم بإعادتها قبل الموعد المذكور. وتفضلوا بقبول احترامنا».
وفي 18 أكتوبر كتب الرقيب تقريره الرقابي لنص مسرحية «الوطنية» لمحمد مصطفى من أجل تمثيلها في نادي نهضة التمثيل ببور سعيد، قال فيه: «تتلخص هذه الرواية في أن «جيهان» فتاة تركية شاءت أن تكون في بلادها زعيمة النساء وقائدتهن إلى الحرية، وكان بينها وبين الجنرال «فون والستن» الألماني علاقات سياسية ورسائل، مما أنكره عليها أبوها. وكان لها ابن عم اسمه «شكري بك» يهواها وكثيراً ما شكا إليها غرامه فوعدته بالزواج إذا عاد إليها بطلاً في الحرب القائمة إذ ذاك بين الأتراك واليونان. وكان القائد الألماني يتودد إليها ويرغب في الزواج منها فأبت. فسعى أخيراً إلى قتل ابن عمها وأبيها في محبس عسكري، ظناً منه أن الجو تحضر له فيستطيع أن ينال منها مأربه. وقد خاب ظنه لأنها قتلته وماتت منتحرة. وقد أشرت إلى بعض الألفاظ في الصفحات 8، 22، 24، 27، 52، 59، 63، 67 استصوب شطبها، وليس في الرواية فيما عدا ذلك محظور».
وتبعاً للإجراءات المتبعة أن النص المسرحي يحصل على التصريح خلال أيام كما أوضحنا من قبل؛ ولكن مسرحية «الوطنية» لم تنل التصريح بالتمثيل طوال أسبوعين، حتى جاء موعد التمثيل ولم يصدر التصريح؛ لذلك أرسل «محمد مصطفى يوسف» - المدير الفني لنادي نهضة بور سعيد التمثيلية – خطاباً إلى محافظ عموم القنال، قال فيه: «بكل إجلال واحترام نتشرف بعرض الآتي: في يوم 15 أكتوبر الماضي قدمنا إلى محافظ القنال ثلاث نسخ من رواية «الوطنية» للتصديق عليها من قلم المطبوعات بوزارة الداخلية. ولما كان الميعاد المحدد للتمثيل هو أول نوفمبر الجاري أخطرنا قلم المطبوعات بذلك. وحيث إن الرواية لم نستلمها للآن. نرجو من سعادتكم التكرم بتكليف من يلزم باستعجال إرسال الرواية. وقد حددنا لها موعداً آخر في يوم 12 الجاري، وتفضلوا يا صاحب السعادة بقبول قائق احتراماتنا».
وتأكيداً على الأمر لم يكتف محمد مصطفى يوسف بخطابه إلى محافظ القنال، فأرسل في اليوم التالي خطاباً إلى مدير قلم المطبوعات بوزارة الداخلية، قال فيه: «بكل احترام نتشرف بعرض الآتي: بتاريخ 15 أكتوبر الماضي قدمنا لمحافظة القنال ثلاث نسخ من رواية «الوطنية» وقد حددنا موعداً لتمثيل الرواية أول نوفمبر الجاري. وأرسلنا لعزتكم تلغرافاً بذلك. ولكن الرواية لم تصلنا لتاريخه. الأمر الذي ترتب عليه تأجيل حفلة التمثيل إلى 12 نوفمبر الجاري. فنرجو من عزتكم التصديق على الرواية المذكورة منعاً من الضرر الأدبي والمادي الذي يلحق بالنادي. وأملنا عظيم في عزتكم لما هو مشهور عنكم في تشجيع وتعضيد الأدب والفن بأن تصلنا الرواية بأقرب فر صة. ولعزتكم جزيل الشكر سلفاً».
وبالرغم من أن محمد مصطفى أرسل خطابين رسميين في يومي 2 و3 نوفمبر! وبالرغم من أن الرقيب وافق على إجازة النص منذ أكثر من أسبوعين! إلا أن مدير المطبوعات لم يرسل خطاب التصريح بتمثيل المسرحية إلا يوم 12 نوفمبر، وهو اليوم المحدد لتمثيل المسرحية! ونص الخطاب الموجه من مدير المطبوعات إلى محافظ القنال يقول: «نرسل مع هذا لسعادتكم نسخة من رواية «الوطنية» التي رخص بها وهي اقتباس محمد مصطفى يوسف والمرسلة إلى إدارة المطبوعات بإفادة المحافظة في 16 أكتوبر الماضي، حيث قد رُخص بها. فالأمل التنبيه بحفظها للإشراف على التمثيل بمقتضاها مع مراعاة ما حذف منها في الصفحات 4، 8، 17، 18، 19، 22، 24، 27، 31، 32، 44، 50، 52، 53، 59، 63، 67 ومراقبة عدم إلقائه أو تمثيله».
ونختتم كلامنا عن هذا النادي بالإشارة إلى أن «محمد مصطفى يوسف» له مسرحيات أخرى غير التي ذكرناها، حيث وجدناه يختتم مخطوطة مسرحية «الوطنية» قائلاً: «انتهت الرواية، اقتبسها للمسرح محمد مصطفى يوسف، مؤلف رواية «الواجب، بدري عليك، على ذوقك، حلم واتفسر، بعد ما شاب، بعد العز»».
وبعد ذلك لم أجد أخباراً أو معلومات عن هذا النادي! وفي ظني إنه توقف لسبب ما، أو انضم أعضاؤه إلى أعضاء أهم ناديين مسرحيين ظهرا في مدينة بور سعيد طوال تاريخها، وهما نادي رمسيس ونادي المسرح! اللذان ظهرت أنشطتهما المسرحية بصورة ملموسة عام 1931، ضمن مظاهر فنية عديدة ظهرت في بور سعيد، لذلك كتب «سلامة» من بور سعيد كلمة بهذا الخصوص، نشرتها مجلة «الراديو والبعكوكة» بتاريخ مارس 1931، تحت عنوان «الفنون الجميلة في بور سعيد»، جاء فيها:
«انتشرت الفنون الجميلة بجميع أنواعها في أنحاء القطر حتى عمت جميع الطبقات وكان لبور سعيد حظ منها ليس بالقليل. فمنذ بضع سنين لم يكن للفنون الجميلة من تمثيل وتصوير وموسيقى أثر في الثغر إلى أن شاءت الظروف بأن أنشأ فيها أندية صغيرة تعمل على إحياء هذه الفنون مذللة كل ما يعوقها من صعوبات حتى وصلت إلى درجة من الفن لا بأس بها. ومن الأندية المصرية الموجودة في الثغر «نادي رمسيس» و«نادي المسرح» وهما يعملان لترقية التمثيل و«نادي الموسيقى الوطنية» و«نادي الموسيقى الوترية» و«نادي موسيقى موظفي الحكومة» واسمها يدل على غرضها. وقد لاقت هذه الأندية عقبات كثيرة تقضي عليها لولا نهوض بعض الشبان العاملين الذين أخذوا على عاتقهم إحياء هذه الفنون فبذلوا من الجهد الشيء الكثير حتى أصبحت من الأندية التي تفاخر بها أمام الأندية الأجنبية المنتشرة بالمدينة. ولقد أحسنت وزارة المعارف العمومية بتشجيعها للأندية إذ قررت منح نادي رمسيس بور سعيد هذا العام إعانة، وكانت لهذه الإعانة وقع طيب في نفوس الشعب البور سعيدي وبديهي أنها عامل قوي في ترقية فن التمثيل بهذا الثغر. أما التصوير فإن المدينة فقيرة حقاً من أنديته. ولقد تنبه نادي المسرح إلى ذلك وخصص بداره غرفة لهذا الغرض وذلك لتوافر غواة هذا الفن بين أعضائه. ويا حبذا لو تنبه نادي رمسيس بور سعيد وحذا حذو زميله المسرح بأن يقيم في داره غرفة لهذا الغرض المذكور إذ لا يخفى عليه بأن الأندية التمثيلية يعوزها أناس يجيدون هذا الفن ليقوموا بتصوير المناظر التي تتطلبها كل رواية. ونرجو أن يقبل شباب بور سعيد الناهض على هذا الفن الجميل حتى ينتشر في المدينة. أما الموسيقى فقد انتشرت انتشاراً عظيماً وأصبح الكثير من أفراد المدينة يجيد العزف على الآلات الموسيقية بأنواعها وذلك يرجع إلى ما تبذله الأندية الموسيقية من مجهود عظيم في تعليم أعضائها هذا الفن. نسأل الله أن يديم توفيق هذه الأندية ويهيئ لأعضائها النجاح والتعضيد».


سيد علي إسماعيل