في مئوية ثروت عكاشة .. مصطفى سليم: امتلك رؤية مستقبلية وأكاديمية الفنون تشهد على ذلك

في مئوية ثروت عكاشة .. مصطفى سليم: امتلك رؤية مستقبلية وأكاديمية الفنون تشهد على ذلك

العدد 712 صدر بتاريخ 19أبريل2021

  اختتمت مئوية  «ثروت عكاشة فارس الثقافة المصرية» التي أقامها المجلس الأعلى للثقافة، الأسبوع الماضي بمناسبة مرور مائة عام على مولد الدكتور ثروت عكاشة (1921- 2012) وزير الثقافة الأسبق، تقديرا لإسهاماته الكثيرة وعطائه الممتد عبر سنوات في مسيرة الحركة الثقافية والفنية .
تحدث ضمن فعاليات المئوية الدكتور «مصطفى سليم» رئيس قسم الدراما والنقد المسرحي بالمعهد العالي للفنون المسرحية  عن « ثروت عكاشة وأكاديمية الفنون» وأدار الجلسة الفنان الدكتور مصطفى الرزاز.
 سليم أشار إلى أنه منذ كان طفلا كان يشاهد صورة  يحتفظ بها والده للرئيس الراحل « جمال عبد الناصر مع « الدكتور «ثروت عكاشة « وأنه كان يطيل النظر فيها متأملا أهمية الثقافة ووزيرها في عين الرئيس 
واستعرض سليم تاريخ تأسيس أكاديمية الفنون وقال: « يقترن تأسيس أكاديمية الفنون بفترة الخمسينيات من القرن الماضي وتحديدًا بأواخر عام 1959 عندما استطاع الرائد المؤسس الدكتور «ثروت عكاشة»أن يستصدر قرارًا جمهوريًا تاريخيا بإنشاء مدينة الثقافة و الفنون، مستهدفا تشكيل البنية العلمية لتعليم الفنون وتخريج كوادر فنية واعدة لسوق الصناعات الثقافية وجهات الإنتاج الفني المختلفة في فنون العرض والأداء كافة،  وذلك حين كان وزيرًا للثقافة والإرشاد القومي.
وأشار سليم  إلى أن المعهد العالي للموسيقى، كان قد أسس في عشرينيات القرن  الماضي وأن «زكي طليمات» كان قد حاول أن يؤسس معهد  التمثيل، ولكن  التيارات السلفية تدخلت وأغلقته ، ثم كانت هناك محاولة أخرى  عام 1944 لإنشاء معهد تمثيل بالزمالك درس به نجوم الصف الأول للمسرح القومي. ثم كان إنشاء الكيان الجديد للمعهد العالي للفنون المسرحية، والمعهد العالي للكونسرفتوار والمعهد العالي للسينما، وتم تدشينهم وتعيين أماكنهم، ولفت مصطفى سليم» إلى أن المعهد العالي للباليه أسس عام 1958 مشيرا إلى أن المعهد العالي للتمثيل ألحق به  قسم للديكور المسرحي وقسم للنقد، فأصبح المعهد العالي للمسرح، وقال إن  أول لائحة لأكاديمية الفنون كانت تدل  على ذكاء الرائد د. ثروت عكاشة» الذي  كان يرى المستقبل  ويخطط  لمئة عام  قادمة.
تابع»سليم»: وخلال عشر سنوات اكتمل هيكل الأكاديمية بمعاهدها بعد إنشاء ثلاثة معاهد عليا بين عامي 1959 ، 1960 هي معاهد الموسيقى» الكونسرفتوار» والباليه والسينما ويتم ضم معهد الفنون المسرحية والموسيقى العربية الأقدم بين معاهد الأكاديمية اللذان يعود تأسيسهما للعقدين الثاني والثالث من القرن العشرين ليكتمل بذلك الهيكل الأساس للأكاديمية . وفي عام 1969 استطاع «ثروت عكاشة» استصدار أول صيغة من قانون الأكاديمية وهو القانون رقم 78 لعام 69 بإنشاء أكاديمية الفنون بقرار جمهوري من الرئيس»جمال عبد الناصر» بتاريخ 28/8/1969 وضم 78 مادة مكثفة وجاءت أحكامه بالغة الإيجاز وقرأ سليم عددا من بنود هذا القانون ومنها 
أنها أنشئت  للارتقاء بالفنون وإعداد المتخصصين والاتجاه بها اتجاهًا قوميًا يرعى تراث البلاد وأنها  تعمل على توثيق الروابط الفنية مع الجهات المشتغلة بالفنون في البلاد العربية والأجنبية.
وأشار»مصطفى سليم» إلى أن المادة (3) في هذا القانون نصت  على جواز إنشاء مراكز أو وحدات علمية أو تعليمية أو تدريبية وتنظيم دراسات في غير أوقات الدراسة العادية تتبع معاهد الأكاديمية . وعلق : 
 وقد شهدنا بعد ذلك إنشاء معهد اللغات والترجمة،و متحف الفنون الشعبية الذي تم افتتاحه مؤخرًا. كما أكد « سليم « أن «ثروت عكاشة»كان يرى مستقبل الثقافة ما يدل على امتلاكه لرؤية بعيدة المدى، وذلك عندما أسس أكاديمية الفنون، ودعم ملف الفنون بالثقافة الجماهيرية ،وملف فنون هيئة السينما «مصلحة الفنون»، خاصة في مجال المسرح ، وكذلك دعمه لفرقة رضا فرقة الفنون الشعبية، و تأسيس السيرك القومي بالعجوزة، و مسرح العرائس. 
رؤية ثاقبة
وقال» سليم»: كان للدكتور»ثروت عكاشة رؤية ثاقبة اتضحت في عدد من بنود قانون  إنشاء الأكاديمية  ففتحت  المجال للاتساع مستقبلا في هيكلها ودورها الحضاري لتكون أول جامعة لتعليم الفنون ذات طبيعة متفردة في الوطن العربي، حددت أهدافها في خدمة المجتمع والارتقاء به حضاريًا والإسهام في رقي الفن والفكر في صوره المختلفة المحددة في الإطار التكويني لمعاهدها الفنية المختصة بمجالات تعليمية خاصة تشكل في مجموعها الالتزام بالسياسة العامة من خلال التخطيط للأهداف التي ترتكز على التحديث الثقافي الداعم لمشروعات التغيير الاقتصادي والاجتماعي و الحضاري، سواء بالتأسيس أو التطوير .
مركز للإشعاع للحضاري
وأكد د.»مصطفى سليم» أن د.»ثروت عكاشة» ظل يعمل على تطوير الأكاديمية . قال : يذكر الدكتور «فوزي فهمي» أحد أبرز رؤساء أكاديمية الفنون»  أن الدكتور» ثروت عكاشة» سانده في الحصول على الأرض الجديدة لأكاديمية الفنون التي تبلغ 19 فدانًا، وكان يطمئن منه  بين الحين والحين على إجراءات الحصول عليها وسبل تجاوز العقبات . وأشار»سليم» إلى أن أرض الأكاديمية كان المزارعون قد استولوا  على جزء منها ، و شهدت هذه الأرض حروب كثيرة حتى استطاع فوزي فهمي أن يسترد كل ما خصص لأكاديمية الفنون، حتى صارت الأرض وما تضمه من معاهد  ومنشآت مركزًا جديدًا من مراكز الإشعاع الحضاري ،  وهو ما يؤكد امتداد تأثير الدكتور «ثروت عكاشة» على أكاديمية الفنون حتى يومنا هذا.
وأضاف «مصطفى سليم»لاشك أن تأثير الدكتور «ثروت عكاشة» على أكاديمية الفنون لايتوقف عند حدود الإنشاء والتكوين والإدارة وتحديد الأهداف بل يمتد ليشكل مناهجها ومراجعها العلمية من خلال مؤلفاته التي شكلت الكثير من التخصصات ومازالت المصادر المعرفية لطلاب الأكاديمية ومنها» الفن المصري القديم»، الفن الروماني»، مولع بفاجنر»، والقيم الجمالية في العمارة الإسلامية»، ومعجم المصطلحات الثقافية»، وغير ذلك الكثير من الكتب والمراجع الأكاديمية الهامة.
واختتم د.» مصطفى سليم»:كان ثروت عكاشة»عاشقًا من عشاق الفن والإبداع الكبار ولهذا طاف بكل مدارس الفن الفرعوني الإسلامي ولم يترك الفنون الأخرى في عصر النهضة حتى وصل إلى الفن الفارسي والتركي وكان قادرًا على أن يسافر في كل هذه المدارس وقدم للمكتبة العربية العربية هذا التراث الإبداعي والإنساني الرفيع، وكان يعتكف في صومعته يعيش بين كتبه وأوراقه في شتى يسكنها بجوار دار القضاء العالي وكان موسوعة في الفن والفكر وقضايا الوطن والإنسان وقد عاش راهبًا في محراب الفن والإبداع وكان علامة في تاريخ الثقافة المصرية وصاحب دور كبير مبدعًا ومسئولًا ومثقفًا من طراز رفيع وكان صاحب مشروع كبير وترك بصمة لاتنسى في حياتنا الثقافية كان صاحب فكر حر يؤمن بأن الإنسان هو أغلى ما يملك وأن الرصيد الحقيقي للشعوب هو ما تملك من عقول صنعت الحضارة والتقدم وأن الإبداع بكل ألوانه ومدارسه هو الطريق لحياة أكثر إنسانية.
صفحة مضيئة
وأضاف»سليم» يظل الدكتور ثروت عكاشة صفحة مضيئة في تاريخ الثقافة المصرية وكان رمزًا من رموز ثورة يوليو وشريكًا فيها ورغم ارتباطه الكبير بها كرمز من رموزها وواحد من أبنائها فإنه اختار الثقافة طريقًا آخر حين تولى مسئولية وزارة الثقافة لتشهد الثقافة المصرية في عهده مرحلة من أزهى مراحلها إبداعًا وتألقًا وبريقًا ،وتظل أكاديمية الفنون من أهم إنجازات»ثروت عكاشة»الثقافية وفيها تخرجت مواكب الإبداع في مصر في المسرح والسينما و الأوبرا والدراما والموسيقى والنقد وفي أكاديمية الفنون تخرجت مواكب المبدعين الكبار الذين قادوا مسيرة الإبداع بمصر وفي عالمنا والعربي.
 


همت مصطفى