ندوة عرض «قصة عادية جدا» بمهرجان نقابة المهن التمثيلية

ندوة عرض «قصة عادية جدا» بمهرجان نقابة المهن التمثيلية

العدد 705 صدر بتاريخ 1مارس2021

    ضمن فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان نقابة المهن التمثيلية، أقيمت ندوة نقدية حول العرض المسرحى “قصة عادية جدا “ تأليف وإخراج محمد عبد الوارث، تحدث فيها الشاعر والناقد أحمد زيدان والناقدة رنا عبد القوى.                                                                 
قالت الناقدة رنا عبد القوى إن عنوان “قصة عادية جدا” يضعنا أمام أفق توقع واستنتاج معين، قبل مشاهده العرض، و أشارت إلى أن القصة العادية من أصعب القصص،  وأصعبها أن تكون “عادية جدا” وأضافت أن أحمد كشك صاحب فكرة العرض ممثل محترف وصاحب جوائز وبصمة على المستوى التلفزيوني والمسرحي .
وتساءلت عبد القوي: ما أهمية هذا العمل هنا و الآن؟ وأجابت: نحن أمام فكرة رومانسية وكلاسيكية وإنسانية للغاية، ليست مرتبطة بزمان أو مكان، ولكن ما أهمية العمل لي  كمتلقي هنا والآن فى نهاية 2020 بما تضمنته من أحداث ومستجدات على كل المستويات، فنحن  لا نستطيع الفصل بين السياق الإجتماعى و السياق الفني، وفقا للمنهج الأقرب لي كناقدة و هو المنهج “السوسيولجى “ والربط بينه وبين  السيميولوجى.  
تابعت: إننا أمام عمل تم التفكير فيه وإنتاجه وعرضه بعد أزمة لا تعد صحية فقط ؛ إنما نتج عنها مجموعة من الأزمات الإنسانية والاقتصادية لذلك فعندما نشاهد “ قصة عادية جدا” فستكون خلفيتنا ان هناك شيئا غير عادى.
وأكدت عبد القوي ان ما قدم هو قصة عادية جدا مثل قصص الأفلام العربية القديمة والأجنبية، بها أشياء تمس جوهر الإنسان في كل زمان ومكان، ولكن بما أننا نجتمع فى ساحة متخصصة وننتمي لجهة متخصصة فقد تساءلت عن أهمية هذا العرض هنا والآن ولم أجد إجابة، وهو ما يجلعنى أعتقد أنه إذا لم يقدم هذا العرض فلن يكون هناك أي فرق. ولن أطرح السؤال: لماذا اختيرت هذه العروض لأننا ليس بصدد الحديث عن هذا الآن، ولكني أتساءل:  ما الذي أثار أعجاب المخرج في هذه الفكرة؟
و عن العرض قالت “ فى إطار التخصص وربط آليات العرض بجوهر الفكرة، إذا سلمنا بفكرة العرض وقضيته الإنسانية التي تربط بين الشرف والفقر وتناقش بيع الشرف مقابل الثراء الفاحش.  فسأتحدث عن آليات خشبة المسرح التي قسمت إلى جزأين، الجزء الخاص بالكازينو الذي يخص الثراء والشق الخاص بالمقهى حيث الشاعر الفقير، هذا التقسيم الذي  نلاحظة منذ اللحظة الأولى؛ ولكن فجأة أصبح هذا الفاصل غير مرئي، علاوة على دخول وخروج الشخصيات التى تنتمى لهذا المجتمع كله من منطقة واحدة، واستخدامها سلم خشبة المسرح وهو ما أدى إلى الخلط مابين ما تم تأسيسه منذ البداية وما وصل إليه فى النهاية، على الرغم من أن ذلك ليس له علاقة بالأيدلوجية الخاصة ببيع كل فرد لمبادئه، فعندما يتعاملون جميعهم على نفس الأرضية؛ إذن هم يتساوون فى المبادئ.
قالت أيضا أن استخدام الموسيقى الحية وخلق مساحة للعازفين والمغنى جعل العرض متميزا وهى نقطة إيجابية تحسب للعرض، حيث  أن الموسيقى الحية تعد أفضل من الموسيقى المعدة.
وعن الأداء التمثيلي قالت “ بطل العرض يوسف المنصوري ممثل على قدر كبير من الحرفية والاعتناء بالتفاصيل، ولكنه أحالنا للصورة المعتادة والأداء المتعارف عليه لمثل هذه الشخصيات، الفنان الفقير. فلم يضف إلى الأداء أى ابتكار جديد، فقدم صور شاهدناها من قبل، ويجب إعادة النظر فيها، أما شخصية “صوفيا” فقد استطاعت الممثلة نشوى الإبيارى ان تجعلها متفردة ولها رونقها الخاص ومنطقها الخاص.
تابعت :أما الممثلة شريهان قطب فهي من الممثلات المتفردات ولكنها فى هذا العرض كانت متشابهة مع العديد من الشخصيات فى الأداء، وتحتاج لخلق تفاصيل تخص الشخصية، كذلك الفنان أحمد صلاح الذي شاهدته فى عديد من عروض الأكاديمية كان أداؤه متشابها فى بعض المناطق لبعض الشخصيات التي جسدها، وهو ما يرجع لتسكين الشخصيات من البداية، وفؤاد عبد المنعم في شخصية “مازن “ فهو ممثل مجتهد وخلق  تفاصيل جديدة للشخصية.
وختمت بالقول:  المخرج محمد عبد الوراث مخرج مجتهد، وهو مؤلف ومخرج له فكره الخاص ومنهجه، وأتمنى أن يضع هذه الملاحظات في عين الاعتبار ويقوم بمعالجة النقاط السلبية.
وفى مداخلته قال الشاعر أحمد زيدان “إذا نظرنا لآدم الذي نزل إلى الأرض وآدم الذي نزل إلى الصالة، فسنجد أننا نتحدث عن شخص له ينتمي إلينا، ونحن خلال العرض نرى جزءا من حياتنا التى هي متكررة ومعادة، بالتالي تعني “قصة عادية جدا “ قصة كل شخص فينا، في عمله وعلاقته برؤسائه وطبقته الاجتماعية والطبقات الأخرى التي يتصارع معها وكيف يخوض هذا الصراع وفى الغالب لديه مساحات إخفاق فى اختياره، فالاختبار الحقيقي بعد نزول آدم ومن الممكن أن يكون التفسير الموازى له علاقة باسم الشخصية التي تعنى المعاناة معاناة هذا الآدم في اختباراته على هذه الأرض .
أضاف زيدان” ما يعنينا كمشاهدين هو نص العرض الذي قدمه محمد عبد الوارث، وفيما يخص الشخصيات فلدينا “آدم “ الذي نكتشف بعد فترة فى علاقته بالفرقة الموسيقية الموجودة انه سيقدم لنا ما نراه ونكتشف أن “  آدم “ لديه خبرة بما سنراه ويكتب أجزاء منه ويعرفنا ببعض الشخصيات، ونكتشف بعد ذلك أن آدم تورط فى لحظة ما وأصبح وكأنه شخصية مكتوبة، فهناك لحظه مع الرفيقة أو الخطيبة، ولحظه مع الأب الذي نكتشف أنه من الممكن أن يكون أساس هذه القصة، وآدم نسخه من النسخ التي تحولت فى لحظة من الشاعر صاحب المبادئ الذى يواجه الناس بمنتهى الصراحة إلى المستبد صاحب النظرة المتعالية على الآخرين رغم أنه من طبقة دنيا.
تابع زيدان “ هناك بعض المشكلات الخاصة بتنفيذ العرض التي ربما تتعلق بمشكلة عرض اليوم الواحد و التي تسببت بدورها فى بعض المشكلات على مستوى المشاهدة، وهناك أشياء تتعلق بالبناء على مستوى النص وهو ما يترتب عليه مشكلات داخل العرض، فقد رأيت العديد من اللحظات المبتورة، تسير بعض اللحظات نحو موضوع ثم يحدث قطع، وننتظر ماذا سيحدث ولا يحدث شيء. وقد أشارت الزميلة رنا لفكرة “التوقع”، فعلى سبيل المثال: عندما يطلب “مازن” من “آدم” أن يقابل حبيبته نتوقع حدوث شىء ما بين آدم وحبيبة مازن فيحدث قطع عندما يقابل الشخصية المغايرة التي حكم عليها من البداية، فكأن المؤلف المخرج هنا هو أحد “ الآلهة اليونانية القديمة “، يلعب بأشخاص مصائرهم مقررة سلفا عبر أحكام مطلقة قدمها فى بداية العرض فى تعريفه للشخصيات، وكان يرغب فى أن ننساق وراءها، رغم أنه غير هذه المصائر فى لحظات رأى أنها فارقة. ويذهب آدم إلى المكان الذي تعمل به الفتاة حبيبه صديقه وفجأة ننسى العلاقة التي كانت من الممكن أن تنشأ ونتورط كمشاهدين فى العلاقة بينه وبين الفتاة بنت الرجل الثرى الرومانسية بشكل غير عادى عكس ما قدمها المؤلف المخرج في بداية العرض، وهي شخصية بلا تاريخ سوى أنها ابنة هذا الرجل المادي الذى يرى الأشخاص سلعا لها ثمن، وترث ابنته هذه الصفات ويتضح ذلك فى عدة جمل صاغها المؤلف ومنها “ أنتم تكرهوننا ونحن نعرف ولذلك نتعامل معكم بهذه الطريقة لأننا نعلم أنكم تعرفون أننا نحتقركم “ فهناك خشونة ووضوح شديد في  تقديم وجهة النظر، فالشخصية تبرر أفعالها وتوضح الأسباب وهناك محاولة للتأكيد على هذه النقطة
وتابع زيدان “ الصدفة هي التي خلقت علاقة بين آدم وابنة الرجل الثرى وقلبت الأحداث ، فنحن نفاجأ ببعض الجمل التي  ينصح بها آدم حبيبته بمعاملة النادلة معاملة حسنه، ويتضح لنا معرفه النادلة بآدم فهناك لقاء لم نعرفه يشير إليه العرض وهو خط درامى تم قطعه بشكل مفاجئ. واما عن علاقة آدم ومازن فنجد ان مازن يجد فيه ضالته ويأخذ أشعاره يهديها إلى حبيبته ومازن يعد الشخصية الوحيدة التى تحولت فى النهاية، لكننا لم نشعر بذلك التحول ونفاجأ بامتلاكه للكازينو، وكان من الممكن أن يتزوج الفتاة فى مقابل الرتبة الجديدة التي حصل عليها، ونجد أن مازن متأثرا بشكل كبير بآدم ويراه مثالا ونموذجا يحتذى به وهو صاحب المثل والقيم .
و نندهش من التحول المفاجئ أيضا لسلوك آدم الذي لم نرى فيه هذه المساحة من الانتهازية، هذه التحولات المفاجئة  تسبب لنا صدمات وتجعلنا نتساءل: لماذا؟ وهو السؤال نفسه الذى  يجب أن يسأله المؤلف عندما يخلق الموقف والشخصيات داخل العرض
وعن المشهد الأخير “الشرك” قال : إن  المؤلف المخرج أسس لفكرة أن “آدم “ عندما يشرب الخمر يخرج عن شعوره ويعترف بالحقيقة، على الرغم من أننا نراه يقول الحقيقة دائما بوقاحة، ولا نعلم ما الفارق بين اعترافه بالحقيقة وهو مخمور و اعترافه بها وهو فى وعيه! هذا الأمر نرجعه إلى تغير الشخصيات التي أصبحت عاجزة عن قول الحقيقة، وأيضا هناك المشهد الخاص بالأب وذهابه إلى آدم لاستجوابه فنحن نفاجأ أيضا بانشغاله بخطيبة مازن وتحويلها لشخصية أخرى، فنعتقد بوجود مؤامرات لقطع علاقة آدم بابنة هذا الرجل الثرى، وجميعها تساؤلات علينا التفكير فيها ومعرفة إلى أى مدى أضافت أو انتقصت من جماليات العرض.
وأضاف زيدان “ لقد رأينا جماليات معاكسة، ففي اللحظة التي يتصارح فيها مازن وحبيبته نكتشف أنها فتاة تلهث وراء المال، وأيضا فى المشهد الذي تجلس فيه فى مكان الفتاة الثرية وتتصرف بنفس طريقتها وتتحدث مثلها نكتشف أن داخلها تطلعات انتقامية وليس مجرد انها تحيا حياة رفاهية، فهي تود الانتقام من المجتمع الذى يستعبدها، وكذلك هناك لحظه أخرى جمالية وهى اللحظة التى يجلس بها الأب فى الكازينو وينظر إلى النادله ونرى خلال المشهد التماس مع تفكير هذا الرجل وإلى إى مدى ستصل هذه العلاقة وهو مشهد به تكثيف ومزج بين الموسيقى والأداء التمثيلي والحركي سواء كان للفتاة أو الممثل الذي قام بتجسيد دور الأب “ محمد صلاح “ كان مشهدا رائعا وهو ما جعلنا نتساءل لماذا كان هناك إصرار من المخرج أن تقيم الشخصيات حالة المكاشفة التى تفهمناها طوال الوقت بعد وقوعهم فى الاختبارات وفشلهم ومعاناتهم رغم جمال وبلاغة وشاعرية المشاهد المكثفة التي استطاع محمد عبد الوارث تقديمها.
وأضاف “علينا أن نتأمل فى المميزات ونتساءل:  لماذا لم يتم السير فى هذه النقطة واستكمال العرض بهذا الشكل، فهناك إمكانيات وأدوات جيدة، لدينا مؤلف صاحب خيال وبلاغه وقدرة على تكثيف الجمل بشكل مميز تجلعنا مستمتعين على الرغم من انسياقه وراء النص ووقوعه فى أسر الكلمة والمقولة التى يرغب فى تأكيدها طوال الوقت ، وهناك جهد كبير من الممثلين في تقديم الشخصيات رغم المشاكل الخاصة بنص العرض، فالمساحة التى لعبوا أدوراهم من خلالها لم تجعلهم يقدمون الشخصيات بالشكل الأمثل لقدراتهم. لدينا ممثلين رائعين قادرين على نشر البهجة، أغلبهم شاملين قادرين على الغناء والتمثيل وهى مهارات يشكروا عليها ولكن الإشكالية هى أن الممثلين يقدمون نماذج، والنماذج تحولهم إلى أنماط، وقدرة الممثل تتمثل في قدرته على خلق مساحه ناعمة، ولكن يظل النمط خشنا أمام المشاهد، الممثل يتحرك بصعوبة ليتمكن من تقديم تفاصيل كثيرة للشخصية الموجودة.
وفيما يخص الديكور قال زيدان : المنظر مقسم إلى ثلاثة أجزاء جزء فى منتصف العمق وهو مكان الأب، وجزء فى مكان عمل النادلة، وجزء فى اليسار للمقهى. وكان المخرج ناجحا فى جمع المشاهد فيما عدا مشهد المواجهة بين الأب والابنة الذي لم يكن مناسبا وهو عمق المسرح، كما قدمت مشاهد في الصالة وهو مكان العاشقين، وهو المكان الذى يتعرف به آدم على صوفيا وكانت هناك تفاصيل أخرى خاصة بالمخرج وبوجود الشخصية على خشبة المسرح في وقت ما، واختفاء الاب فى لحظة وقوع الشرك على الرغم من انه من دبره.. فلماذا لم يكن موجودا أثناء صراع الشخصيات وجميعها أشياء يجب إعادة النظر بها ؟ .

 


رنا رأفت