في ندوة مسرح ذوي القدرات الخاصة بالفيوم

في ندوة مسرح ذوي القدرات الخاصة بالفيوم

العدد 700 صدر بتاريخ 25يناير2021

عقد في التاسع عشر من يناير الحالي ندوة بعنوان « مسرح الطفل المعاق « والتي نظمها فرع ثقافة الفيوم على هامش معرض الكتاب بالقصر، وتحدث بها كلا من الكاتب احمد زحام و الفنانة التشكيلية رشا منير والكاتب والمخرج المسرحي مجدي مرعي وأدارها الأديب منتصر ثابت استهل الأديب منتصر ثابت ومدير الندوة حديثه بـ : اهتم المسرح منذ تاريخه المبكر  عند اليونان بذوي الهمم. وفي مسرحية أوديب ملكا قدم لنا سوفوكليس الكاهن والعراف ترزياس. ورغم أن ترباس كان كفيلا إلا أنه كان يري بصيرته ما لا يراه المبصرون. لقد اخبار اودي انه هو سبب الوباء الذي حل بالبلاد لكن اوديب تهكم عليه واصفا إياها بالاعمي الذي لا يري. غير أن ترباس يرد عليه أنه وان كان أعمي البصر إلا أنه لمصر بصيرته. إنه يواجه توظيف بالحقيقة وانه قتل أباه وتزوج أمه. إن اوديب في نهاية المسرحية التي يراها ارسطو  أكمل مسرحية كلاسيكية عرفها اليونان يبدأ عينيه وكأنه يريد أن يدخل عالم الحقيقة والبصيرة لعله يبصر بصيرته وهو أعمي ما لم يستطع أن ببصره وهو يري بعينيه. هكذا قدم المسرح عالم ذوي الهمم باعتبارهم أشخاص قادرين علي ما لا يقدر عليه الأصحاء. وانتم يملكون قدرات خاصة قد لا تتوفر في الأصحاء.
وتابع : في العصر الحديث قدم الكاتب البلجيكي  موريس مترلنك مسرحية العميان وهي تحكي عن أولئك العميان الاثني عشر ومعهم طفل رضيع الذين يعيشون في جزيرة وقد أخذهم الكاهن في الطريق الي البحر ليتريضوا علي شاطئه لكنه في منتصف الطريق يتركهم ليحضر طعاما للطفل الرضيع ولا يعود إليهم. ليكتشفوا بعد فترة ان الكاهن مات في الطريق وتتحول رحلتهم الي متاهة وضياع ويصبح أداة تواصلهم مع العالم من حولهم هي صرخات ذلك الطفل. ورغم أن مسرحية رمزية وتتعدد فيها القراءات والمعاني إلا أنها تحمل ملمحا انسانيا عن حاجة تلك الشريحة شريحة ذوي الهمم او متحدي الاعاقة لمن يهتم بهم ويجعلهم ويكون دليل لهم حتي لا تتحول حياتهم الي متاهة وبؤس.  
وأوضح : هكذا قدم لنا المسرح اتجاهين بخصوص متحدي الاعاقة اصحاب الهمم.  اتجاه يرسخ من ثقتهم بأنفسهم ويدعوهم الي تعظيم قدراتهم وامكانياتهم مثلما رأينا في مسرحية وجهة نظر  في شخصية عرفه الشواف فهو أعمي نعم لكنه مفتح كما يقول عن نفسه. وهي الفكرة التي اصلتها مسرحية اوديب ملكا.
وتابع: الاتجاه الثاني اتجاه تنويري كأنما يخاطب المجتمع من حولهم يبصرهم بحقوق متحدي الاعاقة ومدي معاناتهم وحاجتهم لمن يمد لهم يد العون والمساعدة كما في مسرحية العميا، واذا كان ذلك يمثل نموذجين ايجابيين في تعامل الدراما مع متحدي الاعاقة فأن هناك نموذجان سلبيات في مقابلهما. الاول استخدام ذوي الهمم كمادة للضحك والتسلية. الثاني استدرار الشفقة عليهم في ميلودرامية مرفوضة.
واضاف : واذا كان المسرح يمثل ثورة الأنسان الأولي وتمرده علي قدره في مسرحية اوديب ملكا فهو ايضا ثورة ضد المفاهيم المغلوطة عن تلك الشريحة الكبيرة وقدراتها إمكانياتها وحقوقها وضرورة وجود عقد اجتماعي يحمي حقوقهم ويضمن دمجهم في المجتمع كقوة قادرة علي العطاء والإنتاج.  *تحدث الكاتب المسرحي  أحمد زحام عن تجربته في الكتابة المسرحية لذوي الاحتياجات الخاصة ، وتجربة انشاء فرقة احنا واحد المسرحية  وعن العقبات التي تواجه العمل المسرحي للمعاقين ، ووجهة نظره في العمل مع المؤسسات الحكومية والأهلية موضحا أن الكتابة المسرحية لذوي الاحتياجات الخاصة  تحتاج إلى فهم لمن تكتب ، هل تكتب مسرحية يمثلها المعاقين ، أم تقدم مسرحا بممثلين غير معاقين يشاهده المعافين ، هل تكتب مسرحا يناقش قضاياهم ، أم تكتب مسرحا بشكل عام دون النظر إلى قضاياهم ؟
مضيفا أن : كل هذه الاسئلة لابد أن يعيها المؤلف وهو يكتب مسرحه ، والذي استفدت منه وزاد من قدراتي الابداعية هو المعايشة والتعامل معهم من خلال قرقة احنا واحد للفنون المسرحية  لذوي الاحتياجات الخاصة ، فكان هناك تعامل مستمر معهم  ، وقدمنا أول مسرحية مسرحية كمان زعلول  ، وكانت عن طفل كفيف تحدى الاعاقة  ، وكان مثله الأعلى الموسيقار عمار الشريعي ، اذا كانت الكتابة الاولى عن اعاقة بصرية ، وبدأ المخرج  في العمل  المسرحي ، وأثناء البروفات التحق بالفرقة اعاقات أخرى ، حتى تنوعت الاعاقات فأفردنا لها مكانا في المسرحية ، واستعنا بمترجمة اشارات بالنسبة للإعاقة السمعية الذين كانوا يكونون فرقة الاستعراضات ، حتى الاقزام شاركوا في العرض فاصبح عرضا يضم كل الاعاقات ، وكررنا هذه التجربة في مسرحية سندريلا المصرية ، ققي مسرحية سندريلا المصرية جربنا فكرة الدمج بين الاصحاء والمعاقين بلعب نفس الادوار ، وكل هذا كان وراءه مخرج ومدرب الفرقة الذي آمن بأعضاء الفرقة ، واحتواهم نفسيا المخرج محمد فؤاد ، ووطد علاقة بينه وبين أسرهم على النحو الذي يحقق التوازن النفسي للطفل المعاق .
وأكد زحام: هناك دور كبير على الأم العظيمة التي تؤمن بطفلها المعاق والتي تتحمل من أجله الصعاب، ولكن متى تتخلى المؤسسات الثقافية الرسمية والاهلية عند التعامل مع هؤلاء عن اللقطة والشو الاعلامي ، فللأسف الكل يعمل من أجل الرسميات وليس الاستمرار .
وقالت الفنانة التشكيلية  رشا منير عن تجربتها في تقديم النصوص المسرحية من خلال الكتاب الورقي شيرة غلى تجربة كمان زغلول: أنقل العرض المسرحي على  صفحات الكتاب ، بما لايخل بالنص مما يجعل القاريء يشاهد العرض ، فكل رسوماتي داخل علبة المسرح على الورق ، وعند تناولي النص المسرحي لذوي الاعاقة كنت أواجه مشكلة كيف ارسم هذه الإعاقات المختلفة ، ففي مسرحية كمان زغلول كان البطل  طفل  معاق يصريا ، وفكرت كيف أظهر هذه الاعاقة ،
وتابعت: البعض عندما يرسم الطفل الكفيف يرسمه مرتديا نظارة سوداء ، ورفضت هذه الفكرة ، ورسمت  العين كما هي في الواقع عند المكفوفين ، بشكل محبب ، وكان مستهدف إيصال الصورة المسرحية  بأبعادها المسرحية ، فهناك الستائر والشواية ( السوفيته ) وعرائس الحلم ، وتعمدت  عدم مشاهدة العرض المسرحي  حتى لا يؤثر على خيالي في الرسم، وعندما قدمت الاعاقات في رسوماتي قدمتها بشكلها الجميل فيها البهجة والأمل  .  ثم تحدث الكاتب والمخرج  المسرحي مجدي مرعي عن  تجاربه في مجال مسرح المعاقين ، بداية من تجربة مسرحية جمهورية جحا قائلا: تعاملت مع 5 إعاقات كاملة على خشبة المسرح ، وعملت جلسات فردية لكل إعاقة ، وتعرفت على مشاكلهم الاجتماعية ، وحاولت اعمل تواصل بين الاعاقات المختلفة، مشيرا إلى تجربة مسرحية خليك مكاني ، وهي تجربة الإعاقة الذهنية ، طبقت فيها فكرة الصديق الأمثل ، وهي أن كل  طفل سوي يأخذ بيد طفل معاق ليرفع من قدراته وتعديل سلوكه . وأوضح مرعي:  فكرة خليك مكاني  كانت تعتمد على تعليم بعض المهارات  للممثلين المعاقين مثل النجارة والتطريز واللعب على البيانو وتحريك العرائس  ، وناقشت من خلال هذا العرض قضية الاطفال المهمشين وتجارة الاعضاء ، وفكرة نظرة البعض  لهم على أنهم لا أهمية  لهم .
وتابع: وفي تجربة مسرحية سيدة الفجر للكاتب الاسباني ايلي خاندروكاسونا .. أصر المكفوفين ان يقدموا مسرح كمسرح الاسوياء ، ورفضوا ان يقدموا مسرح يعبر عن قضاياهم ، وقدموا هذه المسرحية البعيدة كل البعد عن قضاياهم على مسرح قصر ثقافة الفيوم ، ومن طرائف هذا العرض ان من  قام على الموسيقى التصويرية معاق بصريا ، بل صعد المكفوفين  على السلالم لتركيب الديكور بأنفسهم ، وتم العرض دون حدوث أي تصادم بين الممثلين لبعضهم البعض ونال العرض استحسان الجميع .
وقام الحضور بمداخلات في نهاية الندوة تعقيبا على المتحدثين ومن بينهم  تحدثت سحر الجمال مدير الثقافة العامة بفرع ثقافة في الفيوم عن أهمية هذه اللقاءات النوعية واستمرار ها لما يستحقه هؤلاء المعاقين من رعاية مسرحية خاصة الموهوبين، معددة الأنشطة التي يقدمها الفرع الثقافي لشريحة متحدي الاعاقة و إدارة التمكين الثقافي المختصة بتقديم الأنشطة لهذه الشريحة و إدارة الطفل و الثقافة العامة و القوافل الثقافية لدعم و تشجيع هذه الفئة و اكتشاف و تنمية مواهبهم وتحدثت أماني شلابي مدير إذاعة شمال الصعيد بالفيوم عن معاناة قلة المعروض في هذا المجال ولا توجد إحداثيات جديدة، مشيرة إلى ضرورة  وجود دور فاعل لقصور الثقافة لتقديم مسرحيات خاصة بتلك الفئة لشرح قضاياهم و حقوقهم للجمهور و مسرحيات تستهدف جمهور ذوي الهمم حتي يمكن أن يكون للمسرح دور عظيم و مؤثر كما كان في حقبة الستينات. وقالت رجاء محمود موجهة التربية المسرحية بالفيوم أنهم يهتمون بهذا النوع من النشاط وتتمنى استمراره داخل منظومة العمل العام  وقال الروائي محمد جمال الدين: أن الورش التدريبية مع المعاقين لها أهمية لتأهيلهم للعمل المسرحي، مشيرا إلى عن الأعمال الفنية العظيمة التي أثرت إيجابا في المجتمع و استعرض فيلم الكيت كات بشكل خاص المأخوذ عن رواية مالك الحزين لإبراهيم أصلان وطالب أن تكون هناك كتابات أدبية في ذات المستوي تكتب عن شريحة ذوي الهمم و تقدم في السينما و المسرح و التليفزيون لكي يلبي احتياجات و مطالب هذه الفئة ويحقق الهدف المنشود عند الجمهور
وتحدثت الكاتبة مريام سليمان عن عنف الأولاد ذوي الإعاقة في التعامل مع الآخرين ومع بعضهم البعض وأثنت على مقدرة المخرجين على تهذيب السلوك. وتحدثت أ. إيمان هيبة مديرة إدارة الشئون الثقافية بالفرع الثقافي أنه رغم صعوبة التعامل معهم إلا أنها تحب هذا النشاط لأنه يرفع من روحهم المعنوية.
وقال الكاتب والباحث عصام زهيري أن هذا الموضوع يحتاج إلى عديد من الندوات والتواصل المستمر مع الكيانات التي تتعامل معهم لأن المسرح هو الطاقة الإيجابية التي ترفع من روحهم المعنوية.
وتحدث الدكتور إبراهيم حنفي أستاذ الأدب والنقد عن أهمية الدراسات المعنية بأدب الطفل المعاق حتى تكون مرجعا لمن يريد التعامل معهم موضحا أن الإعاقة تسبب أحيانا عدم التواصل بين متحدث الاعاقة و بين الناس مما يجعل سلوكهم بعضا من العصبية و الحدة و هو سلوك طبيعي لأي انسان عندما لا يستطيع ان يتواصل مع الآخرين و طالب بأن يتم التعامل مع ذي الاعاقة بالحب و الاحتواء و الدمج و هي ما يشعرون به فعلا من سلوكهم من قاعدة احساس الآخرين بهم و مشاركة مشاعرهم و أحاسيسهم .
 


دينا البدوي